لم تفرز الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية الموريتانية التي أُجريت قبل أسبوع عن أي مفاجآت، فالنتائج جاءت كما هو متوقع، أو كما سطّرتها السلطة الحاكمة وفق المعارضة الموريتانية، ما دفع هذه الأخيرة للخروج إلى الشارع والتظاهر احتجاجًا على ما وصفته بالتزوير وسرقة إرادة الناخبين، مطالبة السلطة بضرورة إعادة الانتخابات.
الصدارة للموالاة
كما هو متوقع، حقّق حزب الأغلبية الرئاسية “الإنصاف”، بقيادة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فوزًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية والإقليمية والبلدية التي أُجريت في 13 مايو/ أيار الجاري، حسب النتائج الرسمية المؤقتة التي نشرتها اللجنة الانتخابية في نواكشوط.
وفاز الحزب الحاكم بـ 80 مقعدًا في البرلمان، وفق النتائج التي تلاها رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، الداه ولد عبد الجليل، فيما حصلت 10 أحزاب أعضاء في الحركة الرئاسية على 36 مقعدًا، في حين فازت المعارضة بـ 24 مقعدًا، منها 9 لحزبها الرئيسي “التواصل الإسلامي”.
كما فاز الحزب الحاكم بالمجالس الإقليمية الـ 13، وتقدم في 165 بلدية من أصل 238، وتقاسمت أحزاب الأغلبية الرئاسية والمعارضة البلديات المتبقية، وبلغت نسبة المشاركة 71.8% في هذه الانتخابات التي شارك فيها 25 حزبًا سياسيًّا.
يمثل حزب الإنصاف الطبعة السادسة من أحزاب السلطة في موريتانيا.
تنافست 559 قائمة على 176 مقعدًا في البرلمان، فيما بلغ عدد اللوائح المترشحة للانتخابات الجهوية 145 لائحة تتنافس على 13 مجلسًا جهويًّا في الولايات الموريتانية، في حين بلغ عدد اللوائح المترشحة للبلديات 1378 لائحة تتنافس على 238 مجلسًا محليًّا.
ومن المنتظر أن تُجرى الدورة الثانية من الانتخابات غدًا السبت لحسم 36 مقعدًا برلمانيًّا متبقيًّا، والمقاعد المتبقية لم يتمكن أي حزب من حسم نتيجتها في الجولة الأولى، لأن غالبية الدوائر التي جرت فيها لا تعتمد نظام النسبية، بل تتطلب الحصول على 50% من أصوات المقترعين على الأقل.
مثّلت هذه الانتخابات فرصة مهمة للرئيس ولد الغزواني لصناعة أغلبية جديدة صنعها هو بنفسه ولم يرثها من النظام الماضي الذي كان جزءًا منه، والذي كان يقوده زميله في الجيش محمد ولد عبد العزيز، الذي شاركه في انقلاب سنة 2008.
وأثبتت هذه الانتخابات قدرة الحزب الحاكم على تجاوز خلافاته الداخلية، إذ شهد الحزب موجة غضب وانسحاب عقب إعلانه عن خياراته وترشيحاته للانتخابات البلدية والنيابية، وترشح عدد من أعضائه مع أحزاب أخرى.
من شأن هذه النتائج أن تمهّد الطريق أمام الرئيس الحالي لموريتانيا محمد ولد الغزواني للفوز بولاية رئاسية جديدة، رغم عدم إعلانه رسميًّا إلى الآن عن نيّته الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستشهدها بلاده السنة المقبلة، ويعد حزب الإنصاف الذراع السياسية للحكم، وحجم تمثيله يعكس بشكل أو بآخر مكانة الرئيس ولد الغزواني بين الموريتانيين.
يمثل حزب الإنصاف الطبعة السادسة من أحزاب السلطة في موريتانيا، والتي بدأت بعد سنة واحدة من الاستقلال بحزب الشعب الموريتاني الذي اندمجت فيه بقرار من الرئيس المختار ولد داداه مختلف القوى السياسية، وظلَّ الإطار الوحيد للعمل السياسي المشروع في موريتانيا إلى تاريخ الإطاحة بالرئيس المختار.
رفض النتائج والمظاهرات
في مقابل ذلك، لم ترضِ هذه النتائج المعارضة الموريتانية، مؤكدة وجود عمليات تزوير واسعة في عديد الجهات، محذّرة في الوقت نفسه من “أزمة سياسية” قد تواجهها البلاد إذا لم تحل “الأزمة الانتخابية”.
وطالب أحزاب الفضيلة، والرفاه، والاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، والاتحاد والتغيير الموريتاني، والحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد، والبناء والتقدم، والوسط والعمل من أجل التقدم، والكتل الموريتانية، والوحدة والتنمية، بضرورة إعادة الانتخابات في عموم البلاد.
ووصف قادة المعارضة الانتخابات الأخيرة بـ”مهزلة طالها التلاعب في كل المراحل”، في ندوة صحفية عُقدت لغرض “تشكيل لجنة قانونية لإعداد ملف الطعون القانونية المتعلقة بالعملية الانتخابية”.
لم يكن هذا موقف الأحزاب المعارضة فقط، إنما شاركتها أحزاب موالية للرئيس ولد الغزواني هذا الرأي أيضًا، إذ تحدثت 9 أحزاب موالية تصنّف على أنها جزء من الغالبية الداعمة للرئيس الحالي، عن خروقات وصفتها بالكبيرة، مشددة على ضرورة إعادة الانتخابات في عموم البلاد.
في الأثناء شارك آلاف الموريتانيين، أمس الخميس، في مهرجان جماهيري بالعاصمة نواكشوط دعت إليه المعارضة رفضًا لنتائج الانتخابات، ورفع المشاركون في المهرجان لافتات تدعو إلى إعادة الاقتراع، وتنتقد أداء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
دعت عدة أحزاب معارضة إلى المشاركة في المهرجان، وهي اتحاد قوى التقدم، وتكتل القوى الديمقراطية، والتحالف الشعبي التقدمي، وحزب الصواب، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية، والجبهة الجمهورية.
خلال هذه المظاهرة، أكّد رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، أمادي ولد سيدي المختار، أن “المعارضة ستحمي أصوات الشعب ولن تقبل هذه المهزلة”، وتابع: “سنواصل النضال السلمي حتى إعادة الانتخابات، سنحمي أصوات الشعب”.
الملاحظة المهمة التي وجب ذكرها، أنها المرة الأولى التي يحصل فيها إجماع بين المعارضة والموالاة على أن الانتخابات الموريتانية مزوّرة، ما سيزيد الضغط على السلطة الحاكمة بقيادة محمد ولد الغزواني الذي يقود البلاد منذ 4 سنوات.
بدوره، أقرَّ المتحدث باسم لجنة الانتخابات في موريتانيا، محمد تقي الله الأدهم، بحدوث أخطاء خلال الانتخابات الأخيرة، لكنه في الوقت ذاته اعتبر أن هذه الأخطاء لا تؤثر على مسار وشفافية العملية الانتخابية، وفق قوله.
احتقان اجتماعي؟
تحدّث الدكتور الموريتاني في العلوم السياسية، الشيخ يبّ ولد عليات، عن عملية تزوير واسعة وخروقات كبيرة عرفتها الانتخابات الموريتانية الأخيرة، لكنه في الوقت ذاته استبعد أن يؤدّي ذلك إلى توسُّع حالة الاحتقان الاجتماعي في البلاد.
ويستبعد ولد عليات في حديثه مع “نون بوست”، أن يشكّل التزوير الحاصل في الانتخابات أي احتفان اجتماعي أو حتى سياسي، لأن الشعب الموريتاني وفق قوله، عاش معتادًا على تزوير الانتخابات في أغلب الأنظمة السابقة، وإن خفت حدّتها في السنوات الأخيرة.
يتابع ولد عليات: ” الشعب الموريتاني يدرك جيدًا أن هذه الانتخابات هي مجرد كرنفالات، وأن المنتخَبين لن يغيروا من واقعهم المعيشي شيئًا، كدأب الذين سبقوهم، فهمّهم الوحيد هو مصالحهم الذاتية الضيقة، وليست مصلحة الشعب”.
وفي حديثه عن مظاهرات أمس، يقول الشيخ يبّ ولد عليات إن “ما حدث أمس هو مجرد ردة فعل محتشمة من طرف بعض أحزاب المعارضة، والواضح أنها ليست جادة فيما خرجت له وتطالب به، ولو كانت جادة فعلًا لسحبت ممثليها في لجنة الانتخابات وقاطعت الشوط الثاني المزمع تنظيمه غدًا”.
ويضيف محدثنا: “المعارضة وقعت في تناقض صارخ، فمن ناحية تطالب بإلغاء نتائج الانتخابات، ومن ناحية أخرى يخرج بعض ممثليها لتعبئة الناخبين من أجل مساندة مرشحيها وإنجاحهم في الشوط الثاني”.
إن تم إعادة الانتخابات –وهذا مستبعد- أو لم يتم، ثبت بالكاشف أن موريتانيا فقدت مرة أخرى فرصة جديدة لبداية مسار انتقال ديمقراطي جديد، له أن ينقذ البلاد من الأزمات التي تعيشها والتي مسّت قطاعات عديدة، وعلى الموريتانيين انتظار فرصة أخرى علّها تأتي أو لا تأتي.