البارحة سُجل كيومٍ صعب على الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على المستوى الاقتصادي والسياسي، ففي الساعات الأولى من الصباح أعلن البنك المركزي الروسي زيادة سعر الفائدة من 10.7 إلى 17٪، إذ يعد هذا الارتفاع الأكبر في تاريخ روسيا منذ 1998، هذا القرار ساعد في أن يستقر الروبل الروسي لبضع ساعات قبل أن يهوى بسقوط حر إلى مستويات قياسية ليفقد 20٪ من قيمته ليصل إلى 80 روبل مقابل الدولار الواحد.
الروبل الروسي كان يتضاعف لأشهر قبل أن يهوى بشكل دراماتيكي البارحة، مع خسارة العملة لنصف قيمتها منذ بداية العام الجاري بسبب العقوبات الأوربية، انخفاض أسعار النفط، وتراجع ثقة السوق، وإذا ما فشلت زيادة سعر الفائدة في الحفاظ على استقرار الروبل في السوق الدولية فإن هذا قد يدفع البنك المركزي أن ينفذ ارتفاعات إضافية في سعر الفائدة وتدخلات أكثر في العمولة أو حتى تحكم في رأس المال للحد من هذا التراجع.
خلال تلك الفترة، الكريملين الروسي حاول ممارسة رد الفعل بشكل هادئ تجاه انهيار الروبل، والقيادات الروسية العليا حاولت دائمًا التقليل من شأن هذا الانهيار، بوتين في خطاب له في الـ 18 من ديسبمر الماضي سلط الضوء بشكل أكبر على القوة الروسية وتحديها للغرب، كما مارست وسائل الإعلام الروسية الأمر ذاته في التقليل من شأن الانهيار الحاصل.
في الوقت ذاته، البيت الأبيض الأمريكي أعلن البارحة، الثلاثاء، أن الرئيس “باراك أوباما” يعتزم المصادقة على قانون يدعم حرية أوكرانيا نهاية الأسبوع الجاري، إذ يتضمن القانون مزيدًا من العقوبات على روسيا ومزيدًا من الدعم لأوكرانيا بما فيه دعم عسكري يهدف إلى وقف تدخل روسيا في أوكرانيا.
القانون صُمم بطريقة تعطي الرئيس الخيار بتنفيذ بعض أو كل العقوبات، إلا أنه يتضمن بشكل رئيسي تنفيذ العقوبات على قطاعي الدفاع والطاقة الروسية، بما فيها العقوبات على شركة “غازبروم” التي من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض الغاز الطبيعي إلى أعضاء الناتو (أوكرانيا، جورجيا ومولدوفا).
رئيس هيئة المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي “جيسون فورمان” قال البارحة خلال موجز صحفي إن روسيا قد وضعت نفسها في وضع حرج، مضيفًا: “المزيج المتكون من عقوباتنا والارتباك الذي خلقوه بأنفسهم بسبب تحركاتهم الدولية وهبوط أسعار النفط؛ قد وضع اقتصادهم على حافة أزمة”.
الولايات المتحدة لا تنفي أن الضربة التي تلقتها روسيا في عملتها جاءت بشكل كبير بسبب العقوبات المفروضة عليها؛ الأمر الذي دفع المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي إلى القول البارحة “هناك مؤشرات إلى أن الضربة التي تلقاها الاقتصاد الروسي تزداد قوة”.
هذه العقوبات تأتي في الوقت الذي تتهم فيه أوكرانيا ودول أوروبية والولايات المتحدة القوات الروسية بدعم الانفصاليين في معاركهم ضد القوات الحكومية في شرق البلاد.
الولايات المتحدة تعي بشكل واضح أن دفعها الاقتصاد الروسي بهذا الشكل إلى الهاوية سيشكل خطرًا عليها، إذ إن آثار انهيار الاقتصاد الروسي سوف تؤثر بالتالي على اقتصاد أوروبا وأجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق بما فيه أوكرانيا التي تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على إنقاذها.
كما أن هذا الدفع قد يؤدي إلى آثار “أمنية”، وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” قال في ذلك إن موسكو لديها الحق في نشر أسلحة نووية في شبه جزيرة القرم، جاء هذا التصريح بعد أسبوع واحد من اقتراح نائب وزير الدفاع الأمريكي فكرة نشر أسلحة نووية في أوروبا.
وليس من المعروف بعد مدى الضرر الذي سيلحق بروسيا من الأزمة الاقتصادية الحالية، إلا أن بوتين يدرك جيدًا آثار الأزمات الاقتصادية الكبرى التي حلت بالحكومات الروسية السابقة، منها الأزمة المالية الروسية عام 1998 والتي أدت إلى سقوط الرئيس السابق “برويس يلتسن” وسهلت صعوده إلى السلطة.
في الوقت ذاته، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعلمون تمامًا أن الدفع بدولة نووية قوية وكبيرة مثل روسيا للانهيار سيكون له عواقب خطيرة قد تضر بمصالحهم، على الرغم من المواجهة الحاصلة في أوكرانيا.