ترجمة حفصة جودة
نظرًا لهيمنة قضية المهاجرين على الحياة السياسية في بريطانيا، فمن اللافت للنظر قلة ما يعرفه الناس عما يتطلبه الأمر حقًا للقدوم إلى البلاد، فالناس يتحدثون عن المهاجرين كما لو أنهم يشترون التذكرة ببساطة ويأتون إلى البلاد، ضد رغبة وجهود الحكومة.
ربما يجب أن يكون هناك مقرر دراسي إجباري للمواطنين يتعلمون فيه كيف يكون الأمر حقًا، وحتى هذه اللحظة دعوني أؤكد لكم أن المملكة المتحدة تسيطر بقوة على حدودها.
كشخص مخضرم في التقدم للحصول على التأشيرة، يمكنني أن أخبركم أن عملية التقدم للحصول على تأشيرة المملكة المتحدة، استقصائية وشاملة بشكل كبير، لكن ذلك لم يمنع وزارة الداخلية من تقديم متطلبات جديدة بانتظام وعرضها على العامة كأنه الحل لنقاط الضعف، لنقترب بذلك مما يعتبرونه مستوى مقبول لصافي الهجرة.
في الأسبوع الماضي، كان الوقت الذي واجه فيه الطلاب الدوليون موقفًا صعبًا، فمن العام المقبل – مع استثناءات قليلة – سيُمنع الطلاب القادمون من خارج البلاد من إحضار معيليهم معهم عندما يأتون للدراسة في المملكة المتحدة.
في العام الماضي صدرت نحو 500 ألف تأشيرة للطلاب الدوليين – تلك الفئة تتضمن الطلاب من داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، لكن أغلبهم من خارجه – للدراسة في المملكة المتحدة.
لخفض بعض الأرقام فإنها تستهدف مجموعة الأشخاص الذين يقدمون عائدات ضخمة ويدفعون للخدمات الصحية الوطنية، ويثبتون مقدمًا أنهم لن يكونوا عبئًا على الدولة
جاء مع هؤلاء الطلبة نحو 135 ألف شخص من أفراد الأسرة المباشرين، وهو رقم تراه الحكومة لطيفًا لاختراقه، ما لا يرونه هو سيدات مع أطفال صغار، وعائلات ليس لديها شبكات لدعم الأطفال في بلادها، وطلاب لا يحبون الانفصال عن شركائهم لفترة طويلة.
يشير ذلك إلى عجز الحكومة عن الصدق بشأن حاجة البلاد للمهاجرين، ولخفض بعض الأرقام فإنها تستهدف مجموعة الأشخاص الذين يقدمون عائدات ضخمة ويدفعون للخدمات الصحية الوطنية، ويثبتون مقدمًا أنهم لن يكونوا عبئًا على الدولة.
لكننا لم نسمع عن هذا الأمر، أليس كذلك؟ ولم نسمع عن عقبات الدخول والاستقرار الموجودة بالفعل، فقبل السماح للطلاب الدوليين بالدخول إلى المملكة المتحدة، يجب عليهم أولًا تأكيد حصولهم على مقعد في مؤسسة بريطانية أكاديمية معتمدة وأن لديهم ما يكفي من المال لتغطية نفقات الدراسة ومبلغ إضافي لنفقات المعيشة أيضًا.
أما المعيلون فعليهم أن يثبتوا أن لديهم ما يكفي من المال للإنفاق على أنفسهم – 845 جنيهًا إسترلينيًا شهريًا لمدة 9 أشهر للدراسة في لندن، و680 جنيهًا شهريًا للدراسة خارج لندن -.
يدفع كل المتقدمين – الطلاب وعائلاتهم – نفقات إضافية لخدمات الصحة الوطنية، فطالب الماجستير وشريكه وطفل واحد يحتاجون إلى دفع 1410 جنيهات إسترلينية قبل أن تطئ أقدامهم المملكة المتحدة.
كما سيواصلون دفع هذه النفقات الإضافية كل عام إذا وجدوا عملًا وبالتالي سيدفعون الضرائب مرتين لاستخدام الخدمات الصحية، أما المعيلون المسموح لهم بالقدوم فهم الشركاء والأطفال تحت سن 18 عامًا، وليس كما قال رئيس الحزب المحافظ على قناة “بي بي سي” الأسبوع الماضي “إنهم الجدات”.
هذ النوع من الخطاب الذي يفتقر للمعلومات الصحيحة ساهم في تحويل ما يُعد قصة إخبارية جيدة عن البلاد – وهو أن المملكة المتحدة أصبحت مركزًا عالميًا مزدهرًا للطلاب الدوليين المدرين للدخل – إلى قصة سيئة عن زيادة أعداد المهاجرين بشكل غير مقبول.
في الحقيقة، يلعب الطلاب الدوليون – خاصة الطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي – دورًا هائلًا في تمويل نظام التعليم العالي بالبلاد، كما يساهمون بشكل مباشر في الاقتصاد.
كشف بحث من عام 2021 أن 10 طلاب فقط من خارج الاتحاد الأوروبي يدرسون في المملكة المتحدة سيولدون أثرًا اقتصاديًا قيمته مليون جنيه إسترليني في أثناء فترة دراستهم فيما يتعلق بالرسوم والنفقات الاستهلاكية وخلق فرص العمل، وذلك بعد حساب استخدامهم للخدمات العامة.
شكلت الرسوم التي يدفعها الطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي 17% من إجمالي دخل جامعات المملكة المتحدة لعامي 2020-2021، وهو ما يدعم تعليم الطلاب المحليين في الواقع، يدفع الطلاب الدوليون رسومًا باهظة بمتوسط 22 ألف جنيه إسترليني في العام.
دعونا لا ننسى أن وزيرة الداخلية تقوم فقط بما يقوم به السياسيون البريطانيون منذ سنوات خاصة منذ أن دعا ديفيد كاميرون إلى الحد من صافي المهاجرين ليصل إلى “عشرات الآلاف” فقط
هذه الرسوم مرتفعة للغاية ومنفصلة عن التكلفة الحقيقية للدراسة، حتى إن مدير جامعة “Soas” في لندن قال مؤخرًا إن هؤلاء الطلاب يتعرضون لاستغلال “ذي إشكالية أخلاقية” من نظام التعليم العالي الذي أصبح معتمدًا على الطلاب الدوليين، وأضاف أن هذا النظام سينهار لو قررت الصين والهند منع تدفق كل هؤلاء الطلاب.
حسنًا، سويلا برافرمان هنا للمساعدة: فهي تقدم سياسة تعاقب وتبعد من تعتبرهم المعايير الحكومية “مهاجرين مثاليين”، فهم أشخاص يمكن دمجهم بالنظام ويناسبون المعايير الصارمة لدخول البلاد والإقامة بها.
من المغري أن ننسب هذا القرار السيئ لبرافرمان، لكن دعونا لا ننسى أن وزيرة الداخلية تقوم فقط بما يقوم به السياسيون البريطانيون منذ سنوات خاصة منذ أن دعا ديفيد كاميرون إلى الحد من صافي المهاجرين ليصل إلى “عشرات الآلاف” فقط.
هذه السياسية تخلق بيئة عدائية تجعل حياة الأجانب بائسة وباهظة ووحيدة قدر الإمكان، فقط لخفض الأعداد، من جانبه، فقد قال حزب العمال إنه لن يعارض هذا الإجراء.
المأساة هنا أن كثيرًا مما قيل لنا عن أسباب الخروج من الاتحاد الأوروبي – بالابتعاد عن أوروبا والاتجاه نحو الكومنولث وبقية العالم والاستثمار في الصناعات المحلية المشهورة عالميًا – يتجسد في الطلاب الدوليين.
فهؤلاء الطلاب قريبون ثقافيًا من المملكة المتحدة، ويعترفون بقيمة الحصول على شهادة من جامعات بريطانية ويقدرّون أهمية وجودهم هنا لمستقبلهم المهني، لكن كل ما تراه الحكومة هو أنهم أعداد يمكن الاختيار من بينها، ووحدات اقتصادية يمكن تجريدها من العلاقات والاختيار والإنسانية.
المصدر: الغارديان