كل خصوم قيس سعيد في تونس ومنتقدي نظامه الشمولي، مشروع معتقلين، وفق ما أثبتته العديد من المعطيات والمؤشرات، فقط يرتقبون اقتحام منازلهم لاعتقالهم وإيداعهم السجن وإن لم تكن هناك أي قضية ضدهم، فقد أصبح “تلفيق التهم” وسيلة الرئيس التونسي للتنكيل بخصومه السياسيين وكل من ينتقد نظام حكمه الفردي، في ظل فشله في تحقيق أي منجز اقتصادي أو اجتماعي.
لم يستثن نظام قيس سعيد أحدًا، خاصة قادة حركة النهضة التي يعتبرها أكبر عقبة أمام مشروع حكمه الأحادي، خاصة أنها الحزب الأبرز في البلاد والأكثر تنظيمًا وقدرةً على قيادة فعاليات المعارضة لنظام حكم سعيد.
طال الاستهداف زعيم الحركة ورئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي، ونائبيه علي العريض ونور الدين البحيري (سبق أن شغلا مناصب وزارية)، فضلًا عن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، وقادة آخرين على غرار الحبيب اللوز والصادق شورو.
تم إيداع هؤلاء السجن، ومؤخرًا التحق بهم وجه آخر، يعتبر من أبرز قادة الحركة قبل الثورة وبعدها، إذ تقلد مناصب كثيرة في النهضة، كما نال عضوية البرلمان التونسي في أكثر من محطة انتخابية بعد الثورة، ونقصد هنا “الصحبي عتيق”.
الفرق بين عتيق والبقية، أن من سبقوه يُحاكمون بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة وتهديد استقرارها والنيل من شخص الرئيس، لكن عتيق يُحاكم محاكمة سياسية بتهم ملفقة وفق تصريحات عائلته، إذ أكدت زوجته في أكثر من مرة براءة زوجها من كل التهم المنسوبة إليه.
بداية القصة
يوم 6 مايو/أيار الحاليّ، ذهب القيادي بحركة النهضة الصحبي عتيق إلى مطار تونس قرطاج للسفر إلى تركيا للمشاركة في ندوة علمية، وهناك خضع لاستشارة حدودية، فرضها نظام قيس سعيد على كل السياسيين الراغبين في السفر.
عوض السماح له بالسفر، تم إعلام عتيق بأنه محل تفتيش ونقله إلى ثكنة أريانة دون معرفة السبب، ولاحقًا نشرت زوجته مقطع فيديو على صفحتها بفيسبوك، ذكرت فيه أن أمنيين بملابس مدنية جاؤوا إلى منزلها وفتشوه وحجزوا حاسوبها وحاسوبين لزوجها وهاتفين قديمين بالمنزل وعددًا من الوثائق.
يتنزل إيداع الصحبي عتيق السجن ضمن مسار كامل اعتمده قيس سعيد للإطاحة بكل كوادر النهضة التاريخيين
بسؤالها الأمنيين الذين فتشوا منزلها عن سبب إيقاف زوجها، قالت إن ردهم كان ورود وشاية تتعلق بحيازة زوجها للعملة الصعبة وسرقة نحو مليون ألف دينار ونصف من منزلها، دون تقديم أي تفاصيل أخرى.
تتمثل تفاصيل القضية وفق زينب المرايحي (زوجة الصحبي عتيق)، في أن شخصًا من ذوي السوابق العدلية تم إيقافه عام 2016 (عندما كان في سن 16 عامًا) مع شخص آخر بسبب سرقة أحد المنازل، وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات (بينها سنة في مركز اصلاح الأطفال)، تضيف المرايحي، في سنة 2023 تم توقيف هذا الشاب بتهمة حيازة المخدرات، وفي هذه المرة ادعى أن المال الذي سرقه سنة 2016 كان من منزل الصحبي عتيق، وزعم أن مجموع المال يبلغ نحو 60 ألف دينار (نحو 20 ألف دولار)، وبينها 3 آلاف يورو.
بناءً على هذه الأقوال الجديدة، جرى اتهام الصحبي عتيق بارتكاب جريمة “غسل أموال” رغم أن المنزل المسروق ليس منزلهما، وفق تأكيد المرايحي، مؤكدة أن صاحب المنزل المسروق رفع قضية ضد السارق الذي نال عقابه.
تؤكد عقيلة الصحبي عتيق أن أقوال الواشي متضاربة، حيث سبق أن أقر بأنه لا يعلم من صاحب المنزل، كما قدّم أرقامًا متباينة عن حجم المال المسروق، وادعى أيضًا أن زوجها زاره في الإصلاحية طالبًا منه التستر عليه، كما ادعى أن المجموعة الأمنية التي أوقفته بعد ارتكابه السرقة أخدت جزءًا من المال المسروق.
وتستغرب المرايحي، كيف تعود هذه القضية لسنة 2016، ويتهم فيها زوجها ومع ذلك لم يتم استنطاقه أبدًا بخصوصها، ولم يتم إرسال أي استدعاء له في الغرض، وقد سبق أن سافر السنة الماضية، كما أنه يمارس نشاطه اليومي بصفة عادية.
قضية سياسية
تؤكد المرايحي أن زوجها متابع في قضية سياسية، وأن هناك جهة في الدولة تسعى لتوريطه في قضية لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، خاصة أن في الفترة التي سبقت اعتقاله، تم شنّ حملة تشويه مغرضة ضده على منصات التواصل الاجتماعي.
لكن رغم كل البراهين التي تؤكد عدم وجود أي علاقة لعتيق بهذه القضية، تم إيداع القيادي بحركة النهضة في السجن، ما اضطره للدخول في إضراب عن الطعام وتعكر صحته ونقله إلى المستشفيات لتلقي العلاج الضروري.
يسعى سعيد من وراء ملاحقة قادة النهضة إلى التضييق عليها، وإعادة سيناريو سنة 1991
أوضحت المرايحي أمس الإثنين، أن الوضع الصحي لزوجها الذي دخل في إضراب جوع منذ أكثر من أسبوعين، في تدهور مستمر، مشيرة إلى أنه في وضع حرج إلى حد أنه بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه، لافتة إلى أنها كانت في زيارة له بالسجن وقد أسنده عونان للتمكن من الوصول لقاعة الزيارة.
ويصر عتيق وفق زوجته، على مواصلة إضراب الجوع، رغم حالته الصحية الحرجة “احتجاجًا على المظلمة المزدوجة التي يتعرض لها، وهي السجن والتشويه في قضية كيدية قائمة على التلفيق والتزوير”، ويهدد بالتصعيد بالامتناع حتى عن شرب الماء، حتى يتم إنصافه وإيقاف التبعات القضائية في حقه في هذه القضية السياسية الكيدية.
الإطاحة بكل كوادر النهضة التاريخيين
يتنزل إيداع الصحبي عتيق السجن ضمن مسار كامل اعتمده قيس سعيد للإطاحة بكل كوادر النهضة التاريخيين والتنكيل بهم، قصد إخضاع الحركة الأبرز في تونس والسيطرة على القوى المعارضة له، وتهيئة الطريق أمام نظام حكمه الأحادي.
يذكر أن عتيق يعتبر من أبرز قادة النهضة، إذ انضم بداية إلى الحركة الإسلامية عند دراسته بالمعهد الثانوي سنة 1975، ثم انضم إلى حركة الاتجاه الإسلامي، وأخيرًا النهضة، وتم سجنه للمرة الأولى سنة 1987 في عهد حكم الحبيب بورقيبة.
كما سُجن عتيق مجددًا في عهد بن علي، وذلك لمدة 16 سنة بين عامي 1991 و2007، 7 سنوات منها قضاها في السجن الانفرادي، وخلال فترة سجن، عانى عتيق من التعذيب والتنكيل والإهانات، كغيره من قادة النهضة المسجونين.
يسعى سعيد من وراء ملاحقة قادة النهضة إلى التضييق عليها، وإعادة سيناريو سنة 1991، حين أعطى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الضوء الأخضر للقضاء والأمن لملاحقة قادة النهضة وأعضاء الحزب من الصف الثاني والثالث، وزُج بعشرات الآلاف في السجن، كما طُرد الآلاف من وظائفهم.