ماذا يريد وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” كهدية بمناسبة عيد الميلاد الكريسماس؟ اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي مع إيران؟ أم نهاية نظام الأسد؟ أم إنزال عقوبات صارمة على بوتين؟
بالتأكيد يريد كيري كل ذلك، ولكنه بالتأكيد يريد أيضًا فوق ذلك حكومة إسرائيلية جديدة في مارس 2015 تناسب جهوده من أجل السلام في الشرق الأوسط، وهي القضية التي يهتم بها بشكل كبير ويحاول أن يحقق فيها إنجازًا يُحسَب له أكثر من سواها ربما، ما يريده كيري لهذا العيد إذن هو خروج بيبي (نتنياهو) من الوزارة، وعودة تسيبي ليفني (نصيرة السلام) كرئيس وزراء، أو على الأقل كلاعب رئيسي في التفاوض.
لا تبدو تلك الهدية في الحقيقة بعيدة المنال، إذ تشير الاستطلاعات الحالية إلى أن قائمة حزب العمال وليفني قد تنتصر على الليكود، بالطبع .. لا يمكننا التأكد من ذلك، لاسيما وأن الانتخابات في إسرائيل لا تحدد نتائجها فقط شعبية المتنافسين فيها، ولكن أيضًا بقدرتهم على بناء ائتلاف حكومي، وفي الوقت الحالي، يبدو الليكود هو الأقرب بتحالفه مع الأحزاب اليمينية الدينية.
الانتظار حتى مارس 2015 بطبيعة الحال أمر صعب، لاسيما وأن فترة كهذه من عمر السياسة الإسرائيلية تساوي الكثير، وقد يحدث فيها الكثير أيضًا.
في الواقع، يمكن لواشنطن أن تؤثر على النتائج بشكل غير مباشر، رُغم تأكيدها على عدم تدخلها المباشر في خيارات الشعب الإسرائيلي، وقد يكون ذلك ممكنًا إذا ما قرر الرئيس أوباما وكيري تشديد خطابهما تجاه رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، لاسيما وهي مهتمة بما تؤول له الانتخابات بالنظر لسياساتها والتي لا تتفق كما هو واضح مع بيبي.
هناك سوابق لتأثير كهذا بالفعل؛ ففي عام 1996، دشن الرئيس “بيل كلينتون” حملة لصالح “شيمون بيريز” في مواجهة نتنياهو، كما كرر الأمر نفسه عام 2000 حين حاول الوصول لاتفاق بين “إيهود باراك” و”ياسر عرفات” لتعزيز فرص باراك بمواجهة شارون في الانتخابات، لسوء حظه، لم تنجح جهوده، وفاز بيبي وشارون على التوالي في المرتين.
إذا لم يكن الأمر ناجحًا، فهل من جدوي لتكراره في انتخابات مارس 2015؟ في الحقيقة، الإجابة هي لا، وللأسباب التالية:
أولاً، الإدارة الأمريكية الحالية تمر بواحدة من أسوأ اللحظات في العلاقات مع إسرائيل، لاسيما العلاقة الشخصية بين قائدي البلدين، وتحميل نتنياهو المسؤولية أمر حقيقي، إذا أنه يُبقي على النشاط الاستيطاني، ولا يتفاعل مع عملية السلام، ولم يتفق حيال النهج الجديد مع إيران، ولكن أيًا من ذلك لا يشفع لمحاولة التأثير على الانتخابات.
علاوة على ذلك، يبدو أن هناك سُبُل أخرى في التعامل مع الحكومات اليمينية – كما جرى بين كارتر ومناحم بيجين، وكذلك بين كلينتون وإسحاق رابين – تؤدي إلى نتائج أفضل، حيث أدت الأمثلة المذكورة إلى اتفاقيات سلام هي الأهم في المنطقة: كامب ديفيد، ومؤتمر مدريد، وغيرها من الاتفاقيات الصغرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
التعامل مع نتنياهو صعب لا شك، ولكن الأمريكيين قد يزيدون الطين بلة إذا ما حاولوا التأشير من بعيد للمعسكر الذي يفضلونه، قد تأتي جهودهم في الواقع بنتائج عكسية.
لو أن لدينا رئيس يثق به الإسرائيليون أصلاً، وشريك عربي واضح وقوي يعلقون عليه الآمال، وبديل واضح لحكومة نتنياهو، يمكننا أن نُقنِع أنفسنا بجدوى محاولة التأثير على الانتخابات، ولكن أيًا من هذه الشروط لا تتوفر حاليًا، والرأي العام الإسرائيلي ليس جاهزًا لسماع رأي واشنطن فيما يخص خياراته الانتخابية، خصوصًا وأنه لا يميل في هذه اللحظة للانحياز إلى حكومة أقرب إلى واشنطن.
في السابق كانت تلك الشروط مواتية، على سبيل المثال في أوائل التسعينيات، حين منع الرئيس بوش ضمانات القروض للحكومة الإسرائيلية نظرًا لسياساتها الاستيطانية، وهو قرار أدى لسقوط إسحاق شامير في الانتخابات أمام رابين، وهو أمر لم يكن ليحدث لولا قناعة الرأي العام في إسرائيل بأن شامير أفسد تمامًا العلاقة مع شريك مهم مثل واشنطن، وأن هناك بديلاً حقيقيًا – رابين – مع وجود مؤتمر مدريد بالطبع ونجاحه المدوي.
الجميع يعلم الآن أن نتنياهو أفسد العلاقات مع واشنطن، ولكن بالنظر للاضطرابات الحادثة في المنطقة، ينظر الكثير من الإسرائيليين إلى أوباما باعتباره ضعيف في سياساته، والتي لم تنجح كثيرًا في سوريا على سبيل المثال، في حين يرى بعضهم في صلابة مواقف اليمين حماية للبلاد من الانزلاق إلى الفوضى الجارية حولهم، أضف إلى ذلك أن الضغط من أجل المستوطنات ومحاولة الانضمام إلى موجة الاعتراف بفلسطين سيكون متأخرًا جدًا الآن، وسيراه الإسرائيليون حتمًا باعتباره محاولة للضغط عليهم ليس إلا.
ماذا عن الأوربيين؟ هم أيضًا يحاولون الضغط عبر موجة الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة، والضغط على تل أبيب لوقف الاستيطان، والدفع بقرارات خاصة بالسلام في الأمم المتحدة قد تخضع للتصويت خلال هذا الأسبوع، لاسيما والدبلوماسيون العرب والفرنسيون يعملون على تمريرها، بما يضع موعدًا نهائيًا خلال عامين للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
هل يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم هذا الضغط الأوروبي بشكل غير مباشر، كنوع بسيط من التأثير؟ لا يبدو الأمر مثمرًا، الفيتو ضد قرار كهذا بالطبع سيُغضب العرب، وربما يعزز فرص نتنياهو، ولكن التصويت لصالحه أو الامتناع عن التصويت لن يحقق المراد، لاسيما وأنه يستحيل الآن قيام عملية سلام والانتخابات على الأبواب، الأفضل ربما هو أن يتم تأجيل هذه الأنواع من الضغوط إلى ما بعد الانتخابات، حتى تتبين نتائجها وما يمكن تخطيطه كسياسة طويلة المدى للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
الشيء الوحيد الذي قد يؤدي إليه التدخل الآن لصالح أعداء نتنياهو هو إشعال الحماس في معسكر اليمين، وتعزيز الدعم الشعبي له.
السبيل الأوقع لواشنطن حاليًا هو أن تترك الإسرائيليين وشأنهم، لعل صلف نتنياهو في الفترة الأخيرة وحده يكون كفيلاً بإسقاطه في أعينهم، والإتيان بحكومة أكثر اعتدالاً تُشبِع رغبات كيري للعام الجديد.
المصدر: فورين بوليسي