تعددت انتهاكات قوات الدعم السريع التي ارتكبتها في سياق الحرب الحالية، وهي قطعًا لا تنحصر في احتلال منازل المدنيين والمستشفيات والمنشآت المدنية، وتحويل الأحياء السكنية إلى ثكنات عسكرية، واغتصاب الحرائر، بجانب الاتهامات التي تلاحقها بنهب السيارات الخاصة وفروع البنوك.
اندلعت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان المنصرم، وتمددت في مناطق واسعة قبل أن تنحصر في بعض المناطق بصورة متقطعة، وفي العاصمة الخرطوم بصورة يومية، ما أدّى إلى فرار 1.4 مليون شخص من منازلهم.
تأسّست قوات الدعم السريع من مقاتلين حاربوا التمرد في إقليم دارفور غرب السودان، بالوكالة عن نظام الرئيس المعزول عمر البشير، لكن طموحات قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” جعلته يضغط في اتجاه تحويلها إلى قوات نظامية عام 2017، قبل أن يتوسّع نشاطها العسكري ليشمل مكافحة التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة والبشر وحماية الحدود.
وظلَّ نظام البشير، ولاحقًا قادة الجيش الذين هيمنوا على حكم البلاد بعد عزل البشير، يدافع عن قوات الدعم السريع، مقابل دعوات الحركة الاحتجاجية والقوى السياسية بحلّها أو دمجها في القوات المسلحة.
وتحدّث الاتفاق الذي أُبرم في نهاية العام بين قوى سياسية، أبرزها ائتلاف الحرية والتغيير، وقائدَي القوتَين المتحاربتَين الآن، عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش، لكن خلافات العسكر حول القيادة والسيطرة والمدى الزمني لعملية الاندماج عجّلت بوقوع الاشتباكات.
ويظهر من خلال توسُّع نطاق القتال في فترة زمنية قصيرة، أن الطرفَين كانا يستعدّان لحرب استنزافية طويلة الأمد.
نموذج من الانتهاكات
تقول لجنة مقاومة امتداد شمبات الأراضي، وهو حي سكني يقع في الخرطوم بحري تسيطر عليه قوات الدعم السريع، إنها شاهدت زيادة أنشطة قوات الدعم السريع الإجرامية المتمثلة في نهب المنازل وسرقة سيارات المدنيين، خاصة المكشوفة والدفع الرباعي، تحت تهديد السلاح.
دفع المواطنون السودانيون من أرواحهم ثمن التصرفات الطائشة لميليشيات غير خاضعة للمساءلة، فإلى متى تستمر هذه الفوضى؟
وتشير، في بيان صدر عنها بتاريخ 29 مايو/ أيار الجاري، أن فترة وقف إطلاق النار نزلت وبالًا على المواطن، حيث تفرغت قوات الدعم السريع للعمليات الإجرامية، لتزيد من معدل السرقة التي يقوم بها عناصر إلى 3 أضعاف.
ووقّع الجيش وقوات الدعم السريع، بوساطة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقًا لوقف إطلاق النار قصير الأمد، انتهى أجله مساء الاثنين 29 مايو/ أيار، وجرى تمديده إلى 5 أيام أخرى.
تحدث الاتفاق عن الابتعاد عن منازل المدنيين والمستشفيات والمنشآت الخاصة والمدنية، علاوة على تسهيل أنشطة المساعدة الإنسانية والسماح بحركة المدنيين دون قيود.
وتلفت لجنة مقاومة كافوري -حي سكني في الخرطوم بحري- إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت أفظع الجرائم في عدة أحياء في الخرطوم، حيث إنها تتخذ القتل والاغتصاب ملجأ بغية ترويع المواطنين وإجبارهم على ترك منازلهم.
وتقول إن جرائم قوات الدعم السريع التي راح ضحيتها المئات من سكان الخرطوم والولايات الأخرى، كان آخرها حين وجد جيران المهندس حسين الحسن غارقًا في دمه جراء تعديها على منزله، وقد هبّوا إلى المنزل إثر صرخات الاستنجاد من زوجته.
وتضيف: “لقد دفع المواطنون السودانيون من أرواحهم ثمن التصرفات الطائشة لميليشيات غير خاضعة للمساءلة، فإلى متى ستستمر هذه الفوضى؟ وكل هذا يحدث في ظل اتفاق الهدنة المعنيّ بسلامة وأمن المواطن في المقام الأول، والبُعد عن مراكز الخدمات الصحية و الإنسانية”.
تشهد أحياء واسعة من مدينة الخرطوم بحري انقطاعًا تامًّا لإمدادات المياه الجارية، فيما يبدو أنه أمر مقصود لدفع السكان إلى مغادرة منازلهم، ومن ثم احتلالها واتخاذها مقرات عسكرية.
وفي السياق ذاته، تقول لجنة مقاومة العمارات -حي سكني راقٍ في الخرطوم- إنها رصدت انتهاكات لقوات الدعم السريع لاتفاق وقف إطلاق النار، منها عدم الخروج من المنازل وتحويل الحي إلى ثكنة عسكرية ودروع سكنية وبشرية، بجانب تواجدها في المنازل والمدارس والمستشفيات والمرافق الخدمية.
وتشير إلى أن قوات الدعم السريع تقتحم المنازل بذريعة وجود قنّاصة، لكن تبيّن لاحقًا أن نيتها الاستقرار فيها، كما أن عناصرها تسرق السيارات ومقتنيات الذهب والأموال والمحلات التجارية، وتتركها مفتوحة عرضة لمزيد من النهب.
إنكار ومزيد من الجرائم
ظلت قوات الدعم السريع تنفي اتهامات الجيش، خاصة فيما يتعلق بأعمال نهب فروع المصارف، وإلصاقها بعناصر النظام السابق الذين يرتدون زيها، لكنها لم تنفِ الجرائم التي رصدتها لجان المقاومة ووحدة مكافحة العنف ضد الطفل والمرأة الحكومية.
تقول الوحدة إنها وثّقت 24 حالة اعتداء جنسي في العاصمة الخرطوم، في 18 حالة كان الجناة من قوات عسكرية تنتمي بحسب الزيّ إلى الدعم السريع، في مناطق تنتشر فيها ارتكازات قواتها وفقًا لإفادة الناجيات.
وتضيف: “وردت إلى الوحدة تقارير تفيد بوقوع 25 حالة عنف جنسي في دارفور لنساء وفتيات في عمر بين 14 و56 عامًا، كان الجناة يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع ويستقلون سيارات تحمل لوحاتها”.
وأعربت الوحدة عن قلقها من تقارير تتحدث عن وقوع حالات اعتداء جنسي جماعي، وحالات اختطاف في أحياء طرفية في العاصمة الخرطوم، إضافة إلى تعرُّض النساء والفتيات لخطر الاعتداء الجنسي خلال رحلة بحثهنّ عن الغذاء والخدمات.
لا يمكن اعتبار هذه الانتهاكات أنها تصرفات فردية من عناصر قوات تدّعي أنها تقاتل من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، فهي إمّا ممنهجة لفرض واقع جديد وتغيير ديموغرافي وإمّا صادرة من مرتزقة وتجّار حرب.
وتشهد أحياء واسعة من مدينة الخرطوم بحري انقطاعًا تامًّا لإمدادات المياه الجارية، فيما يبدو أنه أمر مقصود لدفع السكان مغادرة منازلهم، ومن ثم احتلالها واتخاذها مقرات عسكرية، بعد أن استهدف الطيران الحربي معظم قواعد قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث، وهي الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.
وما يعزز فرضية أن هذه الجرائم تُرتكب في سياق ممنهَج، نصبت قوات الدعم السريع ارتكازات ميدانية في الأحياء السكنية التي تسيطر عليها، بحيث لا يستطيع السكان التحرك والتنقل إلا تحت أبصارها.
وتتطلب جرائم قتل واعتقال المدنيين وإخفاؤهم قسريًّا، بجانب الاغتصاب وإخلاء منازل المواطنين واحتلالها وتحويل المنشآت المدنية لثكنات عسكرية، تحقيقًا دوليًّا، ليس من أجل جبر ضرر الضحايا فحسب، إنما لمعرفة الحقائق ومنع ارتكاب مثل هذه الانتهاكات الفظيعة مستقبلًا.
انتهاكات ممنهجة
يقول وزير الصناعة السابق، عباس مدني، إن احتلال قوات الدعم السريع للمنازل والمستشفيات والنهب المستمر لا يمكن التعامل معهما كتجاوزات فردية، بل كأخطاء منهجية واستباحة مقصودة لا يمكن تبريرها، إذ يوجد تباعد بين هذه التصرفات والوجدان الشعبي، وتُضاف إلى سلسلة انتهاكات تجعل أي متشدّق بشعارات الديمقراطية والعدالة ومحاربة الإسلام السياسي فاقدًا للقيمة.
وعد الناشط السياسي مهيد صديق أن تعطيش الخرطوم بحري بمثابة جريمة منظمة لإخلاء المدينة لصالح المستوطنين الجدد، وهي جزء من خطة عسكرية لقوات عسكرية.
ويضيف: “هي جريمة حرب بالتوازي أيضًا مع احتلال البيوت، كما كان يفعل الاحتلال النازي إبّان الحرب العالمية الثانية، عندما يحتل مدينة يطرد السكان من منازلهم لصالح الجنود”.
وتعدّ انتهاكات العنف الجنسي المتصلة بالنزاع وتعريض حياة المدنيين للخطر بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ربما تُنهي أي مستقبل لمشروعية قوات الدعم السريع وطموح قائدها.
ولا يمكن، تحت أي ذريعة، اعتبار هذه الانتهاكات تصرفات فردية من عناصر قوات تدّعي القتال من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، فهي إمّا ممنهجة لفرض واقع جديد وتغيير ديموغرافي وإمّا صادرة من مرتزقة وتجّار حرب.