ترجمة وتحرير: نون بوست
كشفت المياه عن التصدعات في علاقة طالبان الهشة مع طهران، إذ تبادل الجانبان الانتقادات اللاذعة بشأن الإمدادات الشحيحة قبل أن يتحول الوضع إلى اشتباكات عنيفة على طول الحدود الأفغانية الإيرانية. ولا تزال التوترات قائمة في أعقاب مقتل جنود من الجانبين في 27 أيار/ مايو، حيث يصر مسؤولو طالبان والمسؤولين الإيرانيين على مواقفهم في ظل زيادة النشاط العسكري والتحذيرات الجديدة.
ولكن في حين أنه من المتوقع أن تتصاعد الخلافات حول الأمن المائي بين البلدين المتضررين من الجفاف، يبدو أن الجانبين يبقيان باب الحوار مفتوحًا حول هذه القضية مع تعزيز التعاون في المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
ووقع تبادل إطلاق نار عنيف عبر الحدود المشتركة بين جنوب شرق إيران وجنوب غرب أفغانستان؛ حيث اتهم كل جانب الآخر بإطلاق النار أولًا. وأظهرت لقطات على منصات التواصل الاجتماعي تدفق أسلحة ثقيلة لطالبان على الحدود في منطقة كانغ بإقليم نيمروز؛ حيث قال المسؤولون إن أحد حرس الحدود التابعين لطالبان قتل وأصيب عدة أشخاص بعد تبادل كثيف لإطلاق النار.
في غضون ذلك، قالت وسائل الإعلام الإيرانية إن حوالي ثلاثة من حرس الحدود الإيرانيين قتلوا وأصيب عدة أشخاص في مقاطعة سيستان بلوشستان الجنوبية الشرقية، إذ عملت إيران على تحصين حدودها في ظل تصاعد التوترات بشأن إمدادات المياه خلال الأسبوعين الماضيين.
في أعقاب الحادث؛ واصلت حركة طالبان الرد عن ادعاء إيران بأنها لا تحترم معاهدة المياه التي توصل إليها الجانبان في سنة 1973.
وقال المتحدث باسم وزارة دفاع طالبان، عناية الله الخوارزمي، في بيان صدر في 28 أيار/ مايو، في إشارة إلى الاسم الرسمي لحكومة طالبان غير المعترف بها، إن “إمارة أفغانستان الإسلامية تعتبر الحوار طريقة معقولة لحل أي مشكلة. إن تقديم الأعذار للحرب والأفعال السلبية لا تصب في مصلحة أي طرف”.
تمسكت إيران بموقفها المتشدد؛ حيث قال قائد الشرطة الوطنية العميد أحمد رضا رادان في نفس اليوم إن “قوات الحدود التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية سترد بحزم على أي تجاوز وعدوان على الحدود، وينبغي محاسبة السلطات الأفغانية الحالية على أفعالها غير المقاسة والمتعارضة مع المبادئ الدولية”.
ولكن المسؤولين الإيرانيين أعربوا أيضًا عن الحاجة إلى حل دبلوماسي، حيث وصف المسؤول الأمني رفيع المستوى محمد إسماعيل كوثري النزاع بأنه “مشاجرة بين أطفال نفس المنزل” بينما رفض أن تلجأ طهران إلى “الخيار العسكري”.
قضايا السد الكبير
تعد المياه سلعة ثمينة في كل من جنوب غرب أفغانستان، وهي واحدة من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية في البلاد، وفي جنوب شرق إيران، وهي واحدة من عدة مناطق قاحلة في البلاد حيث أدى نقص المياه إلى تأجيج الاحتجاجات العامة.
لكن في ظل سيطرة أفغانستان على مصادر مياه النهر التي تغذي الأراضي الرطبة المنخفضة والبحيرات في جنوب شرق إيران، تجد طالبان نفسها مع أداة نادرة للضغط في علاقتها مع طهران.
حوض سيستان
تنبع المشكلة – أو الحل، اعتمادًا على الجانب الذي تنظر منه – من إنشاء مشاريع السدود الكبرى في أفغانستان والتي قيدت تدفق المياه إلى حوض سيستان، بالتزامن مع الجفاف المتزايد وغيره من العوامل.
ويعتمد الحوض الذي يمتد على طول الحدود على الفيضانات الدائمة لملء ما كان في السابق واحة واسعة للحياة البرية وموطنًا لبحيرة هامون الضخمة، التي أصبحت تتألف حاليا من ثلاث بحيرات موسمية أصغر – هامون إي هيلمند في إيران وهامون إي سابري وهامون إي بوزاك في كل من أفغانستان وإيران.
ظهرت قضية تزويد الحوض بالمياه التي طال أمدها إلى الواجهة في وقت سابق من هذا الشهر في أعقاب تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والرئيس إبراهيم رئيسي؛ حيث طالب أمير عبد اللهيان، في اتصال هاتفي مع نظيره من طالبان أمير خان متقي، السلطات الأفغانية بفتح بوابات سد كاجاكي الداخلي الذي يقوم بجمع المياه من نهر هلمند “حتى يميتم تزويد الشعبين الأفغاني والإيراني بالمياه”.
بعد ذلك بفترة وجيزة؛ رفع رئيسي الرهان خلال زيارة إلى محافظة سيستان بلوشستان في 18 أيار/ مايو بتحذير “حكام أفغانستان لمنح شعب سيستان وبلوشستان على الفور حقوقهم المائية”. وأضاف أن طالبان يجب أن تأخذ كلماته “على محمل الجد” وألا تتصنع “عدم المعرفة”.
ولطالما نفت طالبان الاتهام بأنها لا تلتزم بمعاهدة 1973 وقالت إنه حتى لو تم فتح سد كاجاكي فلن يكون هناك ما يكفي من المياه للوصول إلى إيران.
لكن بعد يومين فقط من تهديدات رئيسي، بدا أن طالبان قامت بتعقيد الأمور عن قصد من خلال افتتاح مشروع ري جديد تضمن استكمال بناء سد بخشباد على نهر فرح، الذي يغذي حوض سيستان من الشمال.
معاهدة المياه المثيرة للجدل
بموجب معاهدة سنة 1973، تلتزم أفغانستان بمشاركة المياه من نهر هلمند مع إيران بمعدل 26 مترًا مكعبًا من المياه في الثانية، أو 850 مليون متر مكعب سنويًا.
لكن المعاهدة تسمح أيضًا بتوصيل كميات أقل من المياه في حالات انخفاض منسوب المياه، والتي تأثرت بالجفاف المستمر وبناء سدود جديدة في أفغانستان، بما في ذلك سد كمال خان على نهر هلمند الذي تم الانتهاء منه في سنة 2021 قبل فترة وجيزة من استيلاء طالبان على السلطة في كابول.
وقال نائب رئيس وزراء طالبان للشؤون الاقتصادية، الملا عبد الغني برادر، في 22 أيار/ مايو إن كابول “ملتزمة بمعاهدة المياه لسنة 1973، لكن لا ينبغي تجاهل الجفاف الموجود في أفغانستان والمنطقة”، وأضاف قائلًا “ألمُ شعب سيستان بلوشستان هو ألمنا. قلوبنا تذوب من أجلهم بقدر ما تذوب لشعب أفغانستان، لكننا نعاني أيضًا من نقص في المياه”.
كان يُنظر إلى التعاون في قضية المياه في السابق على أنه علامة على تعميق العلاقات بين حكام طالبان السنة في أفغانستان وإيران ذات الأغلبية الشيعية. وفي كانون الثاني/ يناير 2022، أطلقت حركة طالبان المياه من سد كمال خان على نهر هلمند في مقاطعة نمروز في بحيرة هامون.
وفي حين أن خلافاتهم الطائفية جعلتهم أعداء في السابق، فإن مصالحهم المشتركة في معارضة الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب والقوات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين قرّبتهم.
منذ عودة طالبان إلى السلطة، سعت الحركة إلى بناء علاقات اقتصادية وأمنية مع طهران. وفي حين لم تعترف إيران بالحكومة التي تقودها طالبان، إلا أنها سعت للعمل مع الجماعة بشأن قضايا اللاجئين الأفغان في إيران وتهريب المخدرات عبر الحدود. وفي شباط/ فبراير؛ سلمت إيران رسميًا السفارة الأفغانية في طهران إلى حركة طالبان.
تتطلب أزمات المياه في أفغانستان وإيران من كلا البلدين إظهار تركيز قوي على مسألة إمدادات المياه، سواء للاستهلاك المحلي أو لحماية مصالحهما الوطنية. ولكن الخبراء يشيرون إلى أن فوائد التعاون تفوق مكاسب تصعيد الصراع.
وقال مارفن وينباوم، مدير دراسات أفغانستان وباكستان في معهد الشرق الأوسط للأبحاث بواشنطن، لإذاعة أوروبا الحرة: “لا يحتاج أي من البلدين في الوقت الحالي إلى حدود معادية حقًا”.
وتابع قائلا “من الناحية الاقتصادية، تعتبر هذه مشكلة لكلا البلدين – لن تكون هناك إمكانات زراعية في مقاطعة هلمند دون المياه التي يوفرها السد. ولا يصل سوى القليل جدًا منها إلى إيران. ويعاني جنوب شرق إيران من الجفاف مثل أي مكان على هذا الكوكب”.
وقال وينباوم إن طالبان وطهران لن تظهرا ضعفًا في قضية نقص المياه على المدى القصير، مضيفا أنه “في ظل ارتفاع درجة حرارة المناخ، ستصبح هذه المشكلة أكثر حدة”.
ولكن بالنسبة لكلا البلدين، أوضح وينباوم أن “العلاقات الاقتصادية تعد الأكثر أهمية حقًا” بالإضافة إلى التعاون في القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك مثل منع توسع تنظيم الدولة المتطرف في المنطقة.
ومن المفارقات أنه بعد أيام فقط من تهديدات رئيسي وتدشين مشروع سد جديد في أفغانستان، أعلنت وزارة دفاع طالبان أنها توصلت إلى اتفاق جديد بشأن التعاون مع إيران في قضايا الدفاع والحدود. وفي يوم تبادل إطلاق النار الذي أسفر عن مقتل حرس الحدود من الجانبين، التقى المسؤولون في وقت سابق لمناقشة الخلاف حول المياه. وعقب الحادث الدامي، عقد مسؤولون إيرانيون وحركة طالبان اجتماعا آخر للتحقيق في أسباب “التوترات”.
الطريق إلى الحل
كان بناء السدود – الذي تشارك فيه كل من إيران وأفغانستان بشكل كبير – وتأثيرها في اتجاه مجرى النهر من بين الأسباب التي يجب مناقشتها.
وتساءل وينباوم قائلا “ما الذي يثير هذه الخلافات حقا؟ من الواضح أن بناء السدود ساهم في تصعيد هذه النزاعات، مما تسبب ببساطة في تراجع منسوب المياه الذي اعتادوا عليه، لذلك هم غير راضين عن ذلك”.
واقترح مراقبون آخرون أن اتفاقية تقاسم المياه التي دامت عقودًا والتي تبادلت إيران وطالبان التهم بالفشل في الالتزام بها، هي في الحقيقة المفتاح لحل لحل النزاع.
بعبارة أخرى؛ تسمح معاهدة 1973 بأن يكون تدفق المياه من الجانب الأفغاني أقل من المستويات المتفق عليها في ظل ظروف معينة، والتي يبدو أنها تشمل الجفاف وتغير المناخ حيث قالت طالبان إن لديها إمدادات مياه محدودة.
كما تلتزم الدولتان باتباع مسار محدد “في حالة حدوث اختلاف في تفسير “البنود المنصوص عليها في المعاهدة، بما في ذلك المفاوضات الدبلوماسية، واللجوء إلى حل “المساعي الحميدة”، أو اللجوء إلى التحكيم في حال عدم نجاح أي من الخطوتين.
المصدر: إذاعة أوروبا الحرة