ترجمة حفصة جودة
مثل العديد من المصابين بالتوحد، تعلمت مادي يونج – المستشارة في سياتل – أداء السلوكيات الاجتماعية ولغة الجسد التي يتوقعها الأشخاص الطبيعيون، لكن هذا “التنكر” أو “التقنيع” – كما يُسمى – بمثابة عمل شاق وقد يتسبب في إساءة الفهم.
لذا كانت يونج سعيدة مؤخرًا لأنها وجدت شريكًا في المحادثات يعكس فقط طريقة حديثها: ChatGPT، تقول يونج: “إنه لا يهتم بعدم تناسق لغة جسدي، ما يهمه فقط الكلمات التي تخرج مني”، وهكذا تستخدم يونج برنامج الدردشة الآلي للمحادثات العلاجية وكصديق.
تستخدم يونج أيضًا برنامج الدردشة الآلي لمساعدتها في عملها مع العديد من المبدعين ورواد الأعمال – المختلفين عصبيًا – في إستراتيجية العمل، يتضمن ذلك توليد “ChatGPT” إستراتيجيات تواصل يمكن ترجمتها بشكل جيد بين المصابين بالتوحد والأشخاص الطبيعيين.
أقامت يونج ورشة عمل لمساعدة رواد الأعمال المختلفين عصبيًا على استخدام برامج الدردشة الآلية، تقول يونج: “نشأ الكثير من المصابين بالتوحد وهم يُقال لهم إنهم أغراب أو إنهم كالإنسان الآلي أو أن هناك شيئًا خاطئًا بهم، لذا عندما ظهر “ChatGPT ” شعروا سريعًا أنه يشبههم، فهو منطقي ومحدد”.
لم تكن يونج الوحيدة المصابة بالتوحد التي تستخدم برنامج الدردشة الآلية كجزء من روتينها اليومي، فبالنسبة للكثيرين، يعد هذا البرنامج مكانًا للحديث عن اهتماماتهم عندما يشعر الآخرون بالممل منهم، أو للتدريب على النصوص الاجتماعية لمساعدتهم على تجاوز الاختلاف، كما أنه مصدر جديد للحصول على دعم، فعلى عكس الطبيب النفسي أو الموظف الاجتماعي، هذا البرنامج متاح دائمًا ولا تدفع له بالساعة.
تحاول هادلي جونستون – طالبة جامعية بالعام الأول في جامعة أيوا – اكتشاف آليات التعايش مع رفيقات السكن لأول مرة، لذا عندما تدخل في نقاش ما مع أحدهم، تعاني جونستون للتعبير عن مشاعرها، حيث تقول: “عادة ما أصمت في مثل هذه المواقف”.
توافر هذه الأدوات التكنولوجية قد يساعد في سد الفجوة التي يخلفها الوصول المتقطع لخدمات الصحة النفسية مثل العلاج النفسي
لكن مع وجود الذكاء الاصطناعي، تستطيع جونستون تقديم نموذج للمحادثة واكتشاف طرق التعبير عن نفسها، فتقول: “مع وجود برنامج الدردشة الآلي، لم أعد مضطرة لأن ألجأ لوالدي”، لذا بالنسبة لجونستون إنه أمر جلل، فالبرنامج لم يعد فقط مصدرًا للمعرفة، بل للاستقلال أيضًا.
يؤثر التوحد على الناس بعدة طرق مختلفة، وعليه تختلف احتياجات الأفراد المصابين به، ربما لا ينجح “ChatGPT” مع بعضهم، لكن السمة الشائعة بين المصابين بالتوحد هو أن التفاعلات الاجتماعية تكون صعبة ومربكة.
قد يبدو استخدام الدردشة الآلية للتواصل أمرًا غير تقليدي، لكنه يتماشى مع بعض الأفكار الراسخة المستخدمة في الخدمة الاجتماعية لمساعدة الناس ليصبحوا أكثر استقلالية، تقول لوري غولدكيند الأستاذة بكلية الدراسات العليا للخدمة الاجتماعية بجامعة فوردهام، التي تركز على المزج بين الخدمة الاجتماعية والتكنولوجيا: “إننا نتحدث عن تمكين الأفراد ومساعدتهم على الاستقلال وتحقيق النجاح وفق شروطهم الخاصة”.
تضيف غولدكيند أن توافر هذه الأدوات التكنولوجية قد يساعد في سد الفجوة التي يخلفها الوصول المتقطع لخدمات الصحة النفسية مثل العلاج النفسي.
لكن الأثر الحقيقي لـ”ChatGPT” لاستخدامه في العلاج ليس واضحًا بعد، فالأمر حديث للغاية والأطباء يرفضون الحديث عنه لأنهم لم يستخدموه بشكل كاف في جلساتهم حتى الآن.
لكن مرونة برنامج الدردشة الآلي تأتي معها بعض المشكلات التي لم يتم معالجتها حتى الآن، فقد ينتج البرنامج إجابات متحيزة أو لا يمكن التنبؤ بها وأحيانا مختلقة، كما أنه مبني جزئيًا على معلومات شخصية مستخلصة دون إذن، مما يثير مخاوف بشأن الخصوصية.
تنصح غولدكيند الأشخاص الذين يلجأون لـ”ChatGPT” بأن يكونوا مدركين لشروط الخدمة وأن يفهموا أساسيات عمله وكيف أن المعلومات التي يشاركونها مع البرنامج قد لا تظل خاصة، وأن يضعوا في اعتبارهم محدوديته وميله إلى اختلاق المعلومات.
يرجع العلاج باستخدام برامج المحادثات الآلية لعقود مضت، فأول برنامج محادثات آلي “إليزا” كان روبوتًا علاجيًا
تقول يونج إنها فكرت في تفعيل خاصية حماية خصوصية البيانات، لكنها فكرت أيضًا في أن وجهة نظرها كأم عزباء مصابة بالتوحد، ستكون بيانات مفيدة للبرنامج بشكل عام.
بالنسبة لبعض الناس، يمكن للمصابين بالتوحد أن يجدوا المعرفة والتمكين في الحديث مع “ChatGPT”، وبالنسبة لآخرين فالإيجابيات تفوق السلبيات.
وجد ماكسفيلد سبارو – مصاب بتوحد ويعمل كمساعد في مجموعات دعم المصابين بالتوحد – أن “ChatGPT” مفيد في تطوير مواد جديدة، فالعديد من المصابين بالتوحد يعانون مع المحادثات التقليدية لكسر جمود في جلسات المجموعة، لأن الألعاب الاجتماعية مصممة بشكل كبير للأشخاص الطبيعيين.
لذا استخدم سبارو برنامج الدردشة لاكتشاف أمثلة فعالة مع المصابين بالتوحد، وبعد عدة محاولات خرج البرنامج بسؤال مختلف لكسر الجمود وهو “إذا كنت طقسًا، فما الطقس الذي تفضل أن تكونه؟”.
يقول سبارو إن هذا السؤال كان مثاليًا كسؤال افتتاحي للمجموعة – واضح ومرتبط بالعالم الطبيعي – ويمكن للأشخاص المختلفين عصبيًا أن يتفاعلوا معه، أصبح البرنامج مصدرًا للراحة أيضًا في حال مرض سبارو وللحصول على نصائح مثل كيفية تنظيم الروتين الصباحي لنصبح أكثر إنتاجية.
يرجع العلاج باستخدام برامج المحادثات الآلية لعقود مضت، فأول برنامج محادثات آلي “إليزا” كان روبوتًا علاجيًا، خرج البرنامج في الستينيات من مختبر الذكاء الاصطناعي بجامعة ماساتشوستس، وقد صمم على غرار نموذج روجرز العلاجي (العلاج المتمركز حول الشخص) حيث يقوم المعالج بتكرار ما قاله العميل وعادة ما يكون بشكل سؤال.
لأن هذه التطبيقات ضيقة النطاق وتقوم بتقديم إجاباب محددة، فإن محادثات “ChatGPT” الغنية تبدو أكثر فاعلية لهؤلاء الذين يحاولون حل قضايا اجتماعية معقدة
لم يستخدم البرنامج الذكاء الاصطناعي كما نعرفه اليوم، لكن من خلال التكرار ومطابقة الأنماط أخرج البرنامج إجابات تعطي المستخدمين انطباعًا بأنهم يتحدثون لشيء يفهمهم، ورغم أنه صُمم بهدف إثبات أن الحاسبات الآلية لا يمكنها أن تحل محل البشر، فإن “إليزا” جذبت العديد من مرضاها الذين شاركوا في محادثات مكثفة وواسعة مع البرنامج.
مؤخرًا، أصبحت برامج الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي – مثل سيري التابعة لآبل – متاحة على نطاق واسع، من بين هذه البرامج، برنامج شهير مصمم ليلعب دور طبيب نفسي حقيقي، يقوم “Woebot” على ممارسات العلاج المعرفي السلوكي، وقد ازداد الطلب عليه في أثناء جائحة كورونا حيث كان المزيد من الناس بحاجة لخدمات الصحة النفسية.
لكن لأن هذه التطبيقات ضيقة النطاق وتقدم إجاباب محددة، فإن محادثات “ChatGPT” الغنية تبدو أكثر فاعلية لهؤلاء الذين يحاولون حل قضايا اجتماعية معقدة.
تقترح مارجريت ميتشيل – عالمة الأخلاقيات بشركة “Hugging Face” الناشئة، التي تطور نماذج مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي – أنه يجب على الأشخاص الذين يواجهون مشكلات معقدة أو اضطرابات عاطفية شديدة، تقنين استخدامهم لبرامج الدردشة الآلية.
حيث تقول: “قد يؤدي استخدام البرنامج إلى توجه النقاش لمنطقة كئيبة تمثل إشكالية أو تحفز التفكير السلبي، وحقيقة أننا لا نملك سيطرة كاملة على ما يمكن أن تقوله هذه البرامج مشكلة كبيرة”.
في بداية هذا العام، مات رجل منتحرًا في بلجيكا بعد أسابيع من المحادثات المكثفة مع برنامج دردشة آلي مبني على نموذج “GPT-J” الذي طورته مجموعة “EleutherAI” غير الربحية.
التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تؤدي إلى إنتاج برامج محادثات مناسبة للعلاج، التي ستكون أكثر تأهيلًا
توجه محركات البحث وغيرها من الخدمات على الإنترنت – من بينها “Woebot” – المستخدمين للخطوط الساخنة ومصادر أخرى لدعمهم إذا بدا أنهم عرضة لخطر إيذاء النفس أو اتباع سلوك عنيف، أما “ChatGPT” فيوجه المتحدثين للحصول على مساعدة بشرية إذا بدت رسائلهم مثيرة للقلق، لكنه لا يوجههم لخطوط الطوارئ.
تقول أندريه فالون – مديرة سياسات الإنتاج في “OpenAI” – إن الشركة حاولت أن تجعل استجابة “ChatGPT” مناسبة للأشخاص الذين يبدون عرضة للخطر، لكن لا يمكن استخدامه كبديل للعلاج النفسي.
وتضيف “لقد دربنا نظام الذكاء الاصطناعي على تقديم إرشادات عامة للمستخدمين المحتاجين للمساعدة، لكن البرنامج لا يقترح مكانًا معينًا لطلب المساعدة لتجنب توجيه الأشخاص لمصادر قد لا تكون متاحة في منطقتهم، إننا نشجع المستخدمين على طلب الدعم من محترفين”.
تعتقد ميتشيل أن التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تؤدي إلى إنتاج برامج محادثات مناسبة للعلاج، ستكون أكثر تأهيلًا وتستند إلى قاعدة بيانات من أشخاص ذوي احتياجات خاصة من بينهم المصابين بالتوحد.
أما الآن، ما زال “ChatGPT” قادرًا على تقديم دور مهم في التعبير عن الذات لمختلف الأشخاص، خاصة هؤلاء الذين لا يجدون دائمًا شخصًا يستطيع الحديث معهم ويفهم أسلوبهم.
يقول سبارو إنهم استخدموا “ChatGPT” للحديث عن أفكارهم بإسهاب، لكنه بدأ في مواعدة إحداهن مؤخرًا ولم يعد يقضي الكثير من الوقت مع “ChatGPT”، فرغم كل فوائده، لا يمكن لبرامج الدردشة الآلية أن تحل محل التواصل البشري.
يضيف سبارو “لقد تراجع استخدامي للبرنامج لأنه أصبح لديّ إنسانًا حقيقيًا أتواصل معه، هناك بعض جوانب التواصل البشري التي لا يمكن استبدالها بالآلة”.
المصدر: وايرد