ترجمة حفصة جودة
فقدَ المزارع والراعي الفلسطيني سامر راشد مسعود مصدر دخله الوحيد الأسبوع الماضي، ففي حوالي الساعة الرابعة عصرًا يوم 24 مايو/ أيار، قام المستوطنون الإسرائيليون من البؤرة الاستيطانية غير الشرعية التي تمَّ إخلاؤها سابقًا حومش، بإحراق الحظيرة التي بناها لأغنامه قبل 15 عامًا.
خلال الأسبوع الماضي، بدأ الإسرائيليون بإعادة بناء وتوطين مستوطنة حومش غير الشرعية، والتي كانت فارغة منذ عام 2005، بعد أن سمحت لهم الحكومة الإسرائيلية بالقيام بذلك.
كلّف هذا الهجوم الوحشي مسعود 100 ألف شيكل على الأقل (26.8 ألف دولار)، وهي تكلفة 15 خروفًا لم يُعثر عليها، وثمن الحظيرة نفسها ومعدّات زراعية، وعلى الأقل 1000 حزمة من التبن وطعام الأغنام، والتي احترقت جميعها.
جلس مسعود في أرضه التي ورثها من والده في قرية بُرقة الواقعة على الطريق السريع، بين نابلس وجنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وقال إن المستوطنين جاؤوا مسلحين ومنعوا أبناءه من إخماد الحريق.
يقول مسعود (أب لـ 3 أبناء): “ظل المستوطنون في أرضي حتى ابتعلت النيران الحظيرة بالكامل ولم يبقَ شيء لإنقاذه”، عندما وصل مسعود إلى مكان الحادث وجد 20 مستوطنًا على الأقل في أرضه، ويرافقهم عشرات من جنود الجيش الإسرائيلي.
يتذكر مسعود ما حدث، فيقول: “منعنا الجيش من التقدم، وبدأ بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع علينا، فذهبت إلى أحد الجنود وقلت له: هل تريد أن تطلق النار عليّ؟ أطلق النار! لم يبقَ لي شيء، لقد ضاعت كل أموالي”.
هذا العدوان على ممتلكات مسعود مجرد واحدة من عشرات الهجمات التي شنّها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين وممتلكاتهم في برقة في الأشهر والأسابيع الأخيرة، والآن يستعدّ سكان القرية البالغ عددهم 5500 مواطن لمزيد من الهجمات ويطالبون بالحماية.
وبينما قال مسؤولون في السلطة الفلسطينية إنهم قدّموا استئنافًا للسلطات الإسرائيلية ضد إعادة توطين البؤرة، وقد حُدد لهم جلسة استماع في المحكمة يوم 27 يونيو/ حزيران، إلا أن الشقق المتنقلة نُصبت بالفعل في الموقع، ومهّدت السلطات الإسرائيلية طريقًا جديدًا للمستوطنين.
وفقًا لغسان دغلس، أحد سكان برقة وموظف السلطة الفلسطينية المسؤول عن مراقبة النشاط الاستيطاني الإسرائيلي شمال الضفة الغربية، فقد نُصبت على الأقل 30 وحدة سكنية ليلة الأحد، كما بدأوا ببناء البنية التحتية وتوصيل تلك الشقق بالكهرباء والمياه.
يقول دغلس: “من المحبط أن تستيقظ فتجد مستوطنة أمامك، إن عودة مستوطنة حومش سيؤثر على حياة 34 ألف فلسطيني على الأقل، يعيشون في قرى برقة وسيلة الظهر وبازاريا وسبسطية وغيرها من القرى المجاورة”.
ويضيف: “هذا يعني المزيد من نقاط التفتيش والقيود على الفلسطينيين في المنطقة، والمزيد من الجنود وتحويل المنطقة إلى قاعدة عسكرية، إننا نتجه نحو العنف”.
دمار كامل
أُنشئت حومش عام 1978 كقاعدة عسكرية إسرائيلية على أرض يمتلكها فلسطينيون من قرية برقة وقرية سيلة الظهر المجاورتَين، وفي عام 1980 سلّم الجيش الإسرائيلي تلك القاعدة للمستوطنين ليعيشوا فيها، مثلما حدث مع عدد من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
جميع المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك البؤر غير الشرعية وفقًا للقانون الدولي، ومع ذلك تعتبر “إسرائيل” البؤر فقط غير شرعية وفقًا لقانونها الخاص، استنادًا إلى حقيقة أن جماعات وأفراد المستوطنين هم من بنوها وليس الحكومة الإسرائيلية.
كشفت تقارير جماعات المراقبة وحقوق الإنسان أن الحكومة الإسرائيلية توفر الدعم والتمويل والبنية التحتية للمستوطنين لبناء تلك البؤر، بالإضافة إلى ذلك شرّعت الحكومة الإسرائيلية، في السنوات القليلة الماضية العديد من البؤر بأثر رجعي، ومررت تشريعًا يسهّل القيام بذلك.
كانت حومش الأكبر من بين 4 مستوطنات بين جنين ونابلس أُخليت عام 2005، كجزء من “خطة فكّ الارتباط أحادية الجانب” التي أطلقها رئيس الوزراء آنذاك آرئيل شارون، كما أنها المستوطنة الأكثر إثارة للجدل، فالمستوطنون يضغطون على “إسرائيل” منذ ذلك الحين للسماح لهم بإعادة استيطانها منذ إخلائها.
شهدت خطة شارون إجلاء أكثر من 9 آلاف مستوطن كانوا يعيشون في 17 مستوطنة غير شرعية تقع في قطاع غزة المحاصر، و4 مستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة.
ورغم إخلاء المستوطنة عام 2005، إلا أنها ظلت قاعدة عسكرية للجيش الإسرائيلي، وسُمح للمستوطنين بدخولها وإقامة مناسبات دينية وسياسية يحضرها مسؤولون إسرائيلون، بينما مُنع أصحاب الأرض الفلسطينيون من دخولها.
في عام 2007، أسّس المستوطنون مدرسة دينية “يشيفا” بالمستوطنة، واستمرت المدرسة بالعمل، وسُمح للمستوطنين بالتخييم داخل البؤرة لكن دون الحصول على منازل دائمة.
وبينما تعدّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير شرعية وفقًا للقانون الدولي، فإن حومش تعدّ غير شرعية وفقًا للقانون الإسرائيلي، حيث حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا بأن الأرض يمتلكها ملّاك خاصون من برقة، ولا يمكن للمستوطنين أن يبقوا فيها.
حتى الآن لا يعلم أحد بالتحديد نوع التواجد الاستيطاني في حومش، لكن كان هناك العديد من هجمات المستوطنين القادمة من حومش خلال السنوات الماضية، ثم ازدادت حدّتها في العام الماضي.
يأتي ذلك وسط نمط أوسع لزيادة هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، خاصة بعد أن أطلق رجل فلسطيني النار على مستوطن وقتله في سيارته قرب مدخل البؤرة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
قال رئيس المجلس المحلي لبرقة، زياد عز الدين أبو عمر، إن السكان بحاجة إلى الحماية، وأضاف: “إن إعادة توطين حومش يعني التدمير الكامل لبرقة والقرى المحيطة، وليس لدينا القدرة للقيام بشيء، نحتاج إلى موقف واضح من قادتنا، وأقل ما يمكنهم القيام به تعيين ضباط لحمايتنا على الأقل ليلًا، إن الضباط يجلسون في مقرّات الشرطة فقط، ربما عليهم أن يأتوا لحمايتنا حتى إذا هجم المستوطنون ليلًا تمكّن الناس من الاحتشاد ومنعهم”.
لكن شادي أبو عمر، ضابط شرطة في السلطة الفلسطينية عمره 38 عام وأحد سكان برقة، يعتقد أن هذا الحل سيكون ثمنه باهظًا، حيث يقول: “إننا نواجه عصابات منظمة مدعومة ماديًّا وتحصل على السلاح من تلك الدولة الفاشية، لا أعتقد أن لدى السلطة الفلسطينية الإمكانات اللازمة لحماية الشعب، ما الذي سيفعله كلاشنكوف السلطة الفلسطينية أمام ذلك؟ كيف يحمينا؟”.
ويضيف شادي: “لا يردع القوة سوى قوة مثلها، ونحن لا نملك هذه القوة، كل ما نملكه هو الحجارة والإطارات وجسدنا الأعزل، فليس لدينا طائرات أو دبابات”.
في يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تعرض أبو عمر لهجوم وحشي من المستوطنين، واُحتجز في المستشفى بعد أن حاول زرع شجرة زيتون في حومش مع مجموعة من النشطاء، فبمجرد أن دخلوا المستوطنة هجم عليهم 40 مستوطنًا مسلحًا، وتعرض شادي للضرب على رأسه وجسده بأنبوب معدني، ليتركه بحاجة إلى 35 غرزة في مؤخرة رأسه مع بعض العظام المكسورة في ذراعه وظهره.
لم يكن من المفترض أن تعمل السلطة الفلسطينية كل هذه الفترة، عندما أُسّست عام 1993 كهيئة حكم مؤقتة، كانت الخطة أن تعمل لمدة 5 سنوات حتى تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسرقة الأراضي وبناء المستوطنات، يعني أن الدولة الفلسطينية لم تؤسَّس مطلقًا، وبينما كان من المفترض أن تدير السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، إلا أن سيطرتها محدودة على المدن الفلسطينية هناك، ودورها إداريّ على الأغلب.
كما أنها تتشارك المعلومات الاستخباراتية مع “إسرائيل” كجزء من سياسة “التنسيق الأمني”، ما يعني بشكل واضح أنها تساعد في إحباط هجمات الفلسطينيين.
يقول شادي (أب لـ 3 أطفال): “إذا حملت الكلاشنكوف أو إم 16 ووقفت على مدخل البلدة، فماذا سيكون مصيري؟ قتلي وتدمير منزلي أو اعتقالي وتشريد زوجتي وأطفالي! لكنني لا أريد ذلك، إن إعادة تأسيس حومش يعني أنهم الطرف الذي يعيدنا إلى دائرة العنف، إننا نتحدث عن حوالي 20 مستوطنًا سيحددون مصير عشرات آلاف الفلسطينيين وحياتهم اليومية”.
نحتاج إلى الحماية
تزوجت فاطمة إبراهيم علي رعد (لبنانية، 64 عامًا) من رجل فلسطيني من برقة وتعيش في القرية منذ 28 عامًا، لكنها تعيش بمفردها الآن معظم الوقت بعد أن توفي زوجها منذ 13 عامًا.
في يوم 24 مايو/ أيار، حطم المستوطنون 3 نوافذ لمنزلها عندما كانت خارجه، ومنذ ذلك الحين وضعت أسلاكًا على نوافذها لحماية نفسها من المزيد من الهجمات، تقول فاطمة: “سأكون كاذبة إذا قلت إننا لسنا خائفين، إنهم يريدون إعادة استيطان حومش بعد 18 عامًا، والآن يمكن في أي وقت أن يهبطوا التلة ويأتوا إلى منازلنا بكل سهولة، ويكونوا داخل منزلي خلال عدة دقائق”.
تقول فاطمة: “إذا كان لدينا ما ندافع به عن أنفسنا لاستخدمناه، لكننا لا نملك أي شيء، إننا بحاجة إلى الحماية، مثلما وفروا قوة دولية لحماية الحدود اللبنانية”، تعتقد فاطمة (أمّ لـ 6 أبناء) أن الهدف النهائي لتلك الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون والجنود، دفع الفلسطينيين للرحيل.
وتضيف: “إنهم يحصلون على المال لتدمير وإحراق منازلنا وإبادتنا، وهدفهم بكل تأكيد أن نترك أراضينا ومنازلنا ليستولوا عليها”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية