لا تكاد تنتهي أزمة في تونس، حتى تطل أخرى وتلقي بظلالها على الشعب التونسي المثقل بالمشاكل، في ظل عجز النظام الذي يقوده قيس سعيد عن الإيفاء بتعهداته المالية وغلقه كل أبواب الحوار مع مختلف الجهات في الداخل والخارج.
أزمات لم تعد خافية على أحد، فجولة بسيطة في إحدى المدن والقرى التونسية في شمالها وجنوبها، والجلوس مع بعض المواطنين المنتشرين في المقاهي بأعداد كثيرة، لها أن تطلعك على حجم تلك الأزمات، خاصة المتعلقة بالمواد الأساسية، من أدوية ووقود ومواد غذائية.
نقص في الأدوية
آخر الأزمات التي أطلت بوجهها، ما يتعلق بنقص الأدوية، إذ تعاني الصيدليات والمستشفيات التونسية من نقص كبير في الأدوية، ومنها علاجات مهمة لأمراض مثل القلب والسرطان والسكري، ما عقد مهمة الأطباء في كثير من المناطق.
ويعاني المرضى في تونس من صعوبات كثيرة للحصول على الأدوية، ما يهدد حياة الآلاف منهم، خاصة المصابين بأمراض مزمنة، واضطر عدد منهم إلى محاولة الحصول على الأدوية من الخارج بمحاولات فردية أو عن طريق جمعيات أسست للغرض.
تستخدم تونس حاليًّا مخزونها الإستراتيجي من المنتجات البترولية حتى تتمكن من تلبية الطلب المحلي
عادة ما تلجأ تونس إلى استيراد جزء مهم من الأدوية عبر الصيدلية المركزية المملوكة للدولة، التي توفر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد، لكن الصيدلية المركزية لم تعد قادرة على ذلك، في ظل الديون المتراكمة عليها تجاه المزودين الأجانب.
وتناهز تلك الديون 325 مليون دولار تقريبًا، وفق رئيس نقابة الصيدليات التونسية نوفل عميرة، وفي السنوات الماضية كانت الدولة تغطي العجز المالي لكنها لم تعد تفعل ذلك بسبب الأزمة المالية المتفاقمة، نتيجة ذلك فرض الموردون الأجانب قيودًا على مبيعاتهم لتونس.
أزمة وقود
فضلًا عن ذلك، تعاني تونس، نقصًا حادًا في الوقود، جراء نقص المخزون الإستراتيجي واضطراب توزيع المادة في السوق، ما أدى إلى خلق حالة من الهلع في صفوف العديد من التونسيين الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات البنزين لملء خزانات سياراتهم.
وتكتظ شوارع المدن الكبرى، خاصة العاصمة تونس، منذ أيام بصفوف طويلة من السيارات التي تنتظر دورها للتزود بالوقود، كما اضطرت بعض المحطات إلى غلق أبوابها، نتيجة نفاد البنزين لديها أو لتجنب حالة الفوضى.
وعادة ما تؤمن البلاد كفايتها من الوقود مدة 60 يومًا كاحتياطي إستراتيجي، لكن في الفترة الأخيرة، أصبح هذا المخزون لا يقدر على توفير حاجيات البلاد لأكثر من أسبوع، في ظل الضائقة المالية الكبيرة التي تمر بها البلاد.
بعد الخبز.., أزمة وقود حادة في #تونس ?? pic.twitter.com/LHpV7ojLBT
— lamine filali (@LamineCaptain) June 1, 2023
تستخدم تونس حاليًّا مخزونها الإستراتيجي من المنتجات البترولية حتى تتمكن من تلبية الطلب المحلي، فيما تتعرض ماليتها العامة لضغوطات كبيرة، ويبلغ استهلاك المنتجات البترولية في تونس نحو 90 ألف برميل يوميًا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة التونسية لصناعات التكرير 32 ألف برميل يوميًا، ما يعني أن الدولة تضطر لاستيراد 58 ألف برميل يوميًا.
ندرة الخبز
كما بيننا في البداية، فإن الأزمة شاملة ولا تتعلق بمادة معينة، إذ مست الخبز أيضًا، الذي يعتبر مادة أساسية في موائد التونسيين يوميًا، وتظهر باستمرار طوابير طويلة أمام أغلب المخابز التي أصبحت تغلق أبوابها بشكل مبكر.
تعود ندرة الخبز إلى النقص الكبير في مادتي السميد والفرينة، ما أدى إلى تراجع إنتاج الخبز بمختلف أصنافه، ويضطر العديد من التونسيين إلى البقاء ساعات طويلة في الطوابير علهم يعودون إلى أهلهم بكميات من الخبز.
تنقسم صناعة الخبز في تونس بين صنفين من الأفران: صنف المخابز التي تحصل على الدقيق المدعم وتلتزم بالتسعيرة الحكومية، وأخرى تصنع الخبز وفق أسعار حرة، وتصنع الأفران التونسية يوميًا 6.7 مليون رغيف، منها 3.9 مليون رغيف كبير و2.7 مليون رغيف من الصنف الأقل حجمًا أو ما يصطلح عليه محليًا “الباقات” محولة من 6.5 مليون قنطار من الدقيق، وفق بيانات رسمية.
تخشى أوساط تونسية من تنامي حدة الأزمات في تونس، في ظل رفض الرئيس قيس سعيد اتخاذ أي خطوات إيجابية تجاه باقي الفاعلين
تعجز الدولة التونسية عن شراء القمح الصلب المخصص لصناعة الخبز، ما أدى إلى ارتباك كبير في كامل حلقة الإنتاج، أما بالنسبة إلى القمح اللين، فإن موارده المالية قادمة من مساعدات ومنح خارجية تُسند لتونس لمساعدتها على مجابهة أزمتها الغذائية.
نتيجة هذه الندرة وزيادة الطلب، ارتفعت أسعار الخبز إلى مستويات قياسية، خاصة في الأفران التي لا تحصل على الدقيق المدعم والمسجلة ضمن منظومة صناعة المرطبات، ما زاد من متاعب التونسيين الغارقين في المشاكل.
فضلًا عن ذلك، سجلت المحلات والفضاءات التجارية الكبرى نقصًا كبيرًا في مواد أساسية كثيرة، على غرار الدقيق والسميد والأرز والزيت، وتداول العديد من التونسيين صورًا وفيديوهات تظهر حالة احتقان كبيرة بين التونسيين في أثناء محاولتهم الحصول على هذه المواد.
الدولة في قفص الاتهام
اختارت السلطات التونسية في الأشهر الأخيرة نفي وجود أي أزمة في البلاد متعلقة بالمواد الأساسية، لكن أمام تكرر هذه الأزمات وامتدادها لأغلب المناطق في البلاد، أقرت الحكومة والرئاسة بها، إذ لم تعد قادرة على نفيها.
مع ذلك، دأبت السلطات التونسية على إنكار تعسرها في الدفع لمستوردي السلع التي تبيعها الحكومة بأسعار مدعمة كالوقود والدقيق والسكر، وألقت باللائمة على من تصفهم بالمتآمرين والجهات السياسية التي تسعى لتجويع التونسيين.
وتواجه تونس في الأشهر الأخيرة اختلالات ضخمة مالية وخارجية، فضلًا عن مخاطر تمويل متصاعدة، بما يمثل ضعفًا ائتمانيًا كبيرًا، وتأمل الحكومة في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لجلب مزيد من الدعم للميزانية، إلا أن الرئيس قيس سعيد يعطل هذه المفاوضات.
دأب سعيد على مهاجمة صندوق النقد وأغلب المؤسسات المالية، فضلًا عن خلقه أزمات دبلوماسية مع العديد من الدول المانحة على غرار ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ما عرقل جهود الحكومة في الحصول على تمويلات إضافية.
أزمة وقود في تونس pic.twitter.com/DYRU6ldxNL
— Mahmoud (@Zwi3Mahmoud) June 3, 2023
أثرت هذه الأزمة المالية على قدرة الدولة للحصول على المحروقات وغيرها من المواد الأساسية من الخارج بالعملة الصعبة، فالعديد من الموردين الأجانب أوقفوا تعاملهم مع تونس، نتيجة خوفهم من تخلف هذا البلد العربي عن الإيفاء بالتزاماته المالية.
وقبل يومين، حذرت وزيرة المالية التونسية سهام نمصية من أن حدوث أي خلل في سداد القروض الخارجية سيؤدي إلى “إفلاس الدولة”، وأفادت الوزيرة بأن “حجم المديونية وصل خلال نهاية 2022 إلى نحو 37 مليار دولار، بما يمثل 79.9% من الناتج الداخلي، منها 46.7% قروض خارجية، و33% قروض داخلية”.
وتخشى أوساط تونسية من تنامي حدة الأزمات في تونس، في ظل رفض الرئيس قيس سعيد اتخاذ أي خطوات إيجابية تجاه باقي الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في البلاد وتركيزه فقط على فرض نظام حكمه الأحادي.