أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء السبت 3 يونيو/حزيران 2023، عن تشكيلة حكومته الجديدة المقرر أن تساعده في تنفيذ أجندته الوطنية خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد انتهاء مراسم تنصيبه لولاية جديدة تمتد لمدة خمسة أعوام قادمة.
وحملت التشكيلة الحكومية الجديدة بعض المفاجآت التي عكست الكثير من ملامح السياسة التركية الجديدة خلال المرحلة القادمة، داخليًا وخارجيًا، التي تختلف بشكل واضح مع تلك السياسة التقليدية المتبعة خلال الولايتين الماضيتين، بما يتماشى مع مشروع بناء “قرن تركيا” كما جاء في خطاب أردوغان الذي ألقاه في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة عقب أدائه اليمين الدستورية بالبرلمان.
وكشف الرئيس التركي خلال خطابه عن توجهات بلاده خلال السنوات الخمسة القادمة، منها تعزيز “ديمقراطيتنا بدستور جديد حر ومدني وشامل، ونتحرر من الدستور الحاليّ الذي كان ثمرة انقلاب عسكري”، مع التأكيد على احتضان “جميع أبناء شعبنا بغض النظر عن آرائهم السياسية أو أصولهم أو عقائدهم أو طوائفهم”.
موجهًا رسالة واضحة للمعارضة قال فيها: “نمد يدنا للمعارضة لكنها ترفض مصافحتنا، نأمل أن تتخذ موقفًا مختلفًا هذه المرة”، مشيرًا إلى أنه يتطلع إلى تحلي المعارضة بحس المسؤولية فيما يتعلق بسلامة الديمقراطية التركية وأن تتصالح مع الإرادة الوطنية، بحسب تعبيره.
واختتم الحفل بشكر وجهه أردوغان لـ”كل من ذهب إلى صناديق الاقتراع وأدلى بصوته بغض النظر عن توجهاته السياسية والحزبية”، كذلك الشكر لكل الرؤساء والوزراء والمندوبين من مختلف دول العالم الذي شاركوا في الحفل، معلنًا أمام الجميع أن بلاده “تجاوزت أهم استحقاق انتخابي في تاريخها بنجاح”.
الحكومة الجديدة.. تعزيز مكانة تركيا الهدف الأبرز
أحدث أردوغان تغيرات جذرية في تشكيلة الحكومة الجديدة البالغ عددها 17 وزيرًا إضافة إلى نائب الرئيس جودت يلماز، بما يتناسب مع المرحلة الجديدة ومتطلباتها، حيث تضمنت 15 اسمًا جديدًا ولم يتبق من وزراء الحكومة السابقة سوى وزيرين فقط، هما وزير الصحة فخر الدين قوجة ووزير الثقافة والسياحة محمد نوري أرصوي.
ومن أبرز المفاجآت التي حملتها التشكيلة الجديدة تعيين رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، وزيرًا للخارجية، ورئيس الأركان الحاليّ يشار غولر وزيرًا للدفاع، والاقتصادي البارز محمد شيمشك وزيرًا للخزانة والمالية، ووالي إسطنبول علي يرلي كايا وزيرًا للداخلية.
الأسماء المختارة للحقيبة الاقتصادية وما تتمتع به من نفوذ ومكانة اقتصادية ومالية، وخبرات في الداخل والخارج، تشير إلى رغبة واضحة لوضع حد للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الدولة مؤخرًا وساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية التي عانت منها تركيا ولا تزال
وجاء باقي التشكيل الحكومي كالتالي: وزير الداخلية علي يرلي قايا، وزير التجارة عمر بولات، وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، وزير الشباب والرياضة عثمان أشقين باك، وزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح قجر، وزير الزراعة والغابات إبراهيم يومقلي، وزير التربية الوطنية يوسف تكين، وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي محمد أوز حسكي، وزير العدل يلماز تونج، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية ماهينور أوزدمير غوكطاش، وزير العمل والضمان الاجتماعي وداد إشيق هان.
وتعهد أردوغان بأنه وحكومته الجديدة لن يخيبوا آمال أي مواطن أظهر الثقة تجاههم، مؤكدًا عزمهم على تعزيز المكانة والقوة الإقليمية والدولية لبلاده خلال المرحلة المقبلة، مشددًا على مواصلة العمل مع “جميع الشركاء والأصدقاء والشركاء لتأسيس نظام عالمي أكثر عدلًا وسلامًا”، لافتًا إلى أن وجهة تركيا خلال الفترة القادمة ستكون إلى الشرق والغرب معًا، مستدركًا: “لكن الأهم من ذلك كلّه هو التوجه نحو الحق والحقيقة والعدالة”.
الحقيبة الاقتصادية.. وضع حد للسياسات التقليدية
أولى أردوغان من خلال التشكيلة الحكومية الجديدة أهمية فائقة للبعد الاقتصادي، كونه التحدي الأبرز أمام الدولة خلال المرحلة القادمة، لذا جاء اختيار حقيبة اقتصادية تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير وخبرات واسعة وشاملة، على رأسها الاقتصادي المخضرم محمد شيمشك وزيرًا للخزانة والمالية.
ويتمتع شيمشك ذوو الأصول الكردية، المولود في ولاية باتمان جنوب شرق تركيا عام 1967 بخبرات اقتصادية لا ينكرها منصف، فقد تولى وزارة المالية عام 2009 في حكومة أحمد داوود أوغلو، كما كان نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، كما عمل مدة طويلة في المؤسسات المالية في بريطانيا وأمريكا قبل أن يعود لبلاده وينضم إلى حزب العدالة والتنمية، ثم يصبح عضوًا بالبرلمان عن ولاية غازي عنتاب سنة 2007.
رشحته مجلة فورين بوليسي عام 2013 كواحد من أكثر 500 شخص نفوذًا حول العالم، وحصل على لقب وزير المالية أوروبا الناشئة لعام 2013 من مجلة الأسواق الناشئة، وجاء هذا الاختيار للمناصب الرفيعة التي تقلدها وأبرزها عمله كخبير إستراتيجي في شركة ميريل لينش في لندن لمدة 7 سنوات في قسم أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وإفريقيا، وتوليه منصب كبير الاقتصاديين ومحلل بنك دويتشه – بندر للأوراق المالية خلال الفترة من 1998 إلى 2000، ومن قبلها خبير اقتصادي في UBS للأوراق المالية في الولايات المتحدة عام 1997، وقبل ذلك، كان أحد كبار الخبراء الاقتصاديين في السفارة الأمريكية في أنقرة لأربع سنوات تقريبًا.
ويشارك شيمشك في الحقيبة الاقتصادية الخبير في إستراتيجيات إدارة التسويق ألب أرسلان بيرقدار وزيرًا للطاقة والموارد الطبيعية، ومعه كل من عمر بولات وزيرًا التجارة، ووزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، ووزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح قجر، ووزير الزراعة والغابات إبراهيم يومقلي، إضافة إلى وزيرة العمل والضمان الاجتماعي وداد إشيق هان، هذا بخلاف التجديد لمحمد نوري أرصوي وزيرًا للثقافة والسياحة في الحكومة الجديدة.
الأسماء المختارة للحقيبة الاقتصادية وما تتمتع به من نفوذ ومكانة اقتصادية ومالية وخبرات في الداخل والخارج، تشير إلى رغبة واضحة لوضع حد للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الدولة مؤخرًا وساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية التي عانت منها تركيا ولا تزال، وتقديم رؤى مختلفة تنهض بالدولة بعيدًا عن فخاخ التضخم والبطالة وتهاوي العملة الوطنية.
فيدان للخارجية.. دبلوماسية في كنف الأمن القومي
كما يعد تعيين رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، وزيرًا جديدًا للخارجية، خلفًا لمولود تشاووش أوغلو، من المفاجآت التي تضمنها التشكيل الحكومي الجديد رغم ما تداولته بعض وسائل الإعلام التركية منذ أيام من معلومات عن اختيار فيدان لهذا المنصب تحديدًا.
لم يكن فيدان عسكريًا فقط، لكنه تربى مبكرًا في كنف السياسية حين سُرح من الجيش بناءً على طلبه، وسافر للولايات المتحدة، وحصل على درجة البكالوريوس في الإدارة والعلوم السياسية من جامعة ماريلاند، ثم عاد ليكمل دراسته في تركيا حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة بيلكنت بأنقرة.
عُين في 15 أبريل/نيسان 2010 نائبًا لوكيل جهاز المخابرات الوطنية، ثم وكيلًا للمخابرات، ليصبح أصغر من يتولى هذا المنصب في تاريخ تركيا، وفي عام 2015 اختاره الرئيس التركي لرئاسة جهاز الاستخبارات، وكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف 2016 نقطة الانطلاقة الأبرز لفيدان، حيث ينسب له الفضل في إحباطها بشكل كبير وهو ما قربه أكثر من أردوغان الذي آمن في قدراته ووثق في إمكانياته بشكل كبير.
واجهت أنقرة خلال السنوات الماضية عراقيل وتحديات جسام جراء الخلط بين السياسي والأمني في علاقات الدولة بجيرانها وحلفائها في المنطقة، خاصة في ظل حرب الاستقطاب المشتعلة الآن بين المعسكرين الشرقي والغربي، الأمر الذي تحاول تركيا في مئويتها الجديدة التعاطي معه بشكل مختلف بما يحقق أهداف الدولة وطموحاتها
وجمع فيدان بين الاستخبارات والدبلوماسية في آن واحد، إذ كانت رسالته في الماجستير بعنوان “دور الذكاء في السياسة الخارجية”، أما الدكتوراه فكانت بعنوان “الدبلوماسية في عصر التكنولوجيا المعلوماتية”، وهو ما يعني شغفه بالسياسة مبكرًا، على أسس أكاديمية علمية، ما أهله لاختياره لمنصب المستشار السياسي والاقتصادي في السفارة الأسترالية بأنقره، ثم عين عضوًا في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2007.
اختيار رئيس جهاز الاستخبارات لحقيبة الخارجية، هذا الرجل الذي يجمع بين المعلومة الأمنية الدقيقة بحكم منصبه، وقدرته الدبلوماسية بحكم دراسته وخبراته الطويلة، يعكس توجهًا جديدًا للإدارة التركية بشأن طبيعة وملامح السياسة الخارجية للدولة، التي تضع الأمن القومي في مقدمة التوجهات، وتُخضع كل إمكانات الدولة ودبلوماسيتها النافذة بأذرعها المختلفة في خدمة هذا الهدف خاصة بعد تصاعد التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها تركيا مؤخرًا.
وقد واجهت أنقرة خلال السنوات الماضية عراقيل وتحديات جسام جراء الخلط بين السياسي والأمني في علاقات الدولة بجيرانها وحلفائها في المنطقة، خاصة في ظل حرب الاستقطاب المشتعلة الآن بين المعسكرين الشرقي والغربي، الأمر الذي تحاول تركيا في مئويتها الجديدة التعاطي معه بشكل مختلف بما يحقق أهداف الدولة وطموحاتها.
يأتي في هذا السياق كذلك اختيار رئيس الأركان الحاليّ يشار غولر، لحقيبة الدفاع خلفًا لخلوصي أكار الذي يتمتع بخبرات طويلة في العمل الاستخباراتي المعلوماتي، حيث كان رئيس استخبارات الأركان العامة بين 2011-2013، ومن قبلها كان نائب رئيس اتصالات القيادة الإقليمية الجنوبية لحلف شمال الأطلسي “ناتو” المتمركز في نابولي الإيطالية بين عامي 1997، ومن بعدها شغل منصب قيادة مدرسة نظم المعلومات الإلكترونية بين 2005-2007، وإدارة تدريب الأركان العامة بين 2007-2009، قبل أن يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة بموجب مرسوم رئاسي في 2018.
عاجل: هاكان فيدان وزيرًا للخارجية في تركيا ?? pic.twitter.com/BREfdTzNtM
— الإنتخابات التركية 2023 (@TurkElection) June 3, 2023
الابنة الروحية لأردوغان
كما اختار الرئيس التركي لحقيبة الأسرة والخدمات الاجتماعية، ماهينور أوزدمير جوكتاش، المعروفة لدى الشارع التركي بأنها “الابنة الروحية” لأردوغان، وتتمتع بشعبية كبيرة كونها أول نائبة محجبة تُنتخب لعضوية البرلمان الأوروبي وذلك لفترتين كاملتين من 2009 – 2019.
وحصلت أوزدمير المولودة في العاصمة البلجيكية بروكسيل عام 1982 لعائلة مهاجرة من ولاية قونية التركية، على درجة البكالوريوس في هندسة الموارد البشرية من جامعة بروكسل ULB ودرجة الماجستير في الإدارة العامة، كما عينت سفيرة لبلادها في الجزائر عام 2019، وهي أول سفيرة تعينها تركيا بشمال إفريقيا، وتتحدث 3 لغات أجنبية (الهولندية والإنجليزية والفرنسية) بطلاقة إلى جانب اللغة التركية الأم.
وحرص أردوغان عند اختيار منصب نائب الرئيس أن يستعين بشخصية لها خبرات سياسية وأكاديمية ولديه سجل حافل من الحضور السياسي والقدرة الكبيرة على وضع الخطط ورسم الرؤى المستقبلية المستندة إلى الخلفية العلمية المنهجية البارزة، وهو ما شعر بتوافره في السياسي البارز جودت يلماز ليحل محل سلفه فؤاد أقطاي.
يحاول أردوغان من خلال تلك التشكيلة الجديدة، – بكل ما فيها من تفاصيل ومفاجآت، تعكس ملامح تغيرات جوهرية في السياسة العامة للدولة -، أن يبعث برسائل طمأنة للشارع التركي في تحسين الأوضاع خلال المرحلة المقبلة، لكن تبقى الممارسات الميدانية هي المحك الرئيسي والأساسي للاختبار والتقييم
وتخرج يلماز المولود في بينغول شرق الأناضول في أبريل/نيسان 1967 في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية قسم الإدارة العامة التابعة لجامعة الشرق الأوسط التقنية عام 1988، ثم درس العلاقات الدولية في جامعة دنفر ولاية كولورادو الأمريكية، ثم حصل على درجة الدكتوراة.
بدأ حياته المهنية كاختصاصي تخطيط في هيئة التخطيط منذ عام 1995 ثم عُيِنَ مسؤولًا عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عام 2003، ومن بعدها نائبًا عن ولاية بينغول في البرلمان التركي عام 2007، ثم عضوًا في اللجنة البرلمانية المشتركة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ورئيس المجموعة التركية للاتحاد البرلماني الدولي.
دخل المعترك السياسي التنفيذي عام 2009 حين اختير وزير دولة في حكومة أردوغان الثانية، ثم وزيرًا للتنمية في حكومته الثالثة، ثم وزيرًا للتنمية ونائبًا لرئيس الوزراء في حكومة داود أوغلو في الفترة من 28 أغسطس/آب حتى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020 شغل منصب رئيس لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان التركي.
جدير بالذكر أن حفل التنصيب الرئاسي لأردوغان شهد حضورًا عربيًا لافتًا، حيث شارك كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة ونظيره اللبناني نجيب ميقاتي، بجانب وزراء خارجية دول عربية هم السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والكويتي الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، والمصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، والعراقي فؤاد حسين، والتونسي نبيل عمار، كما شارك وزير الداخلية القطري، الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس المجلس الاتحادي الإماراتي صقر غباش، ورئيس مجلس الدولة العماني الشيخ عبد الملك الخليلي، ورئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، ورئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي.
ويحاول أردوغان من خلال تلك التشكيلة الجديدة، – بكل ما فيها من تفاصيل ومفاجآت، تعكس ملامح تغيرات جوهرية في السياسة العامة للدولة -، أن يبعث برسائل طمأنة للشارع التركي في تحسين الأوضاع خلال المرحلة المقبلة، لكن تبقى الممارسات الميدانية هي المحك الرئيسي والأساسي للاختبار والتقييم في ظل تحديات صعبة فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية التي حدثت مؤخرًا ولا تزال تبعاتها وارتدادتها مستمرة.