ترجمة حفصة جودة
في ظهر أحد الأيام الحارة الهادئة، كانت امرأة ترقد على سرير خفيف “تشاربوي” تحت مروحة بطيئة تصدر صريرًا مزعجًا داخل منزلها ذي الحوائط الطينية، تقول السيدة: “لم أشعر بمثل هذه السعادة خلال الـ10 سنوات الماضية”.
كان ذلك بعد أيام من إدانة المحكمة في مقاطعة مظفرناغر، رجلين هندوسيين بتهمة اغتصابها جماعيًا وتوجيه السلاح نحو رأس ولدها الرضيع، أما الرجل الهندوسي الثالث فقد توفي قبل أن يأتي موعد المحاكمة.
حُكم على ماهشفير وإسكندر بالسجن 20 عامًا في أول إدانة لإحدى عمليات الاغتصاب الجماعي التي وقعت في أثناء أعمال الشغب الطائفية التي خلّفت أكثر من 60 قتيلًا وتشريد المئات.
كان عمر آمنة 26 عامًا عندما اندلعت أعمال العنف في مقاطعتي مظغرناغر وشاملي في ولاية أتر براديش – أكثر ولايات الهند ازدحامًا بالسكان – في سبتمبر/أيلول 2013.
بعد مرور عقد، كانت آمنة الأخيرة من بين 7 سيدات سعين خلف العدالة بعد أن أبلغن الشرطة بجريمة الاغتصاب في ذلك الوقت، أما الأخريات فقد سحبن شكواهن بعد سنوات من الترهيب.
رحب المسلمون الذين يواجهون تمييزًا متزايدًا تحت حكم رئيس الوزراء اليميني القومي ناريندرا مودي، بتلك الإدانة التي صدرت في مايو/أيار.
يسيطر حزب مودي “بهاراتيا جاناتا” على الحكم في أتر براديش ويدفع نحو تطبيق أجندة هندوسية قومية تُسمى “هندوتفا”، وفي مناخ سياسي تشعر فيه الأقليات الدينية بالاضطهاد، سيطرت معركة السيدة المسلمة لتحقيق العدالة، على المخيلة الشعبية.
اندلع العنف عندما انتشرت شائعات بأن صبي مسلم اعتدى جنسيًا على فتاة هندوسية من قرية كوال، قتلت عصابة من الرجال الهندوس هذا الصبي، فثار غضب الجماهير المسلمين وسعوا للانتقام.
انتشر الشغب غرب ولاية أتر براديش، وعندما سمعت آمنة هتافات “اذبحو المسلمين” في قريتها بمقاطعة شاملي، أخذت طفلها الرضيع ذا الثلاثة أشهر، وهربت مثل جيرانها المسلمين، لكن بينما كانت تختبئ في حقل قصب السكر، وجدها 3 رجال هندوس.
تقول آمنة إن الرجال كانوا من المنطقة ومعروفين لزوجها، وتضيف “في ذلك اليوم كان الجميع يهربون للنجاة بحياتهم، ففعلت مثلهم، لكن بمجرد أن وجدني الرجال انتزعوا ابني من يدي ووجهوا مسدسًا نحو رأسه مهددين بقتله، ثم اغتصبوني”.
لم تنس آمنة أحداث هذا اليوم مطلقًا ولم تتلاش وجوه المغتصبين من ذاكرتها، أخبرت آمنة زوجها عما حدث، وقرر الزوجان في البداية الحفاظ على هدوئهما خوفًا من العار المرتبط بالاغتصاب.
لكن قصص الاعتداءات الجنسية على النساء بدأت بالانتشار في مخيمات النازحين التي لجأت إليها العائلات – ومن بيهم عائلة آمنة – بعد اندلاع الشغب.
قال تقرير منظمة العفو الدولية عن تلك القضية، إن جميع السيدات وعائلاتهن تعرضن لسنوات من التهديدات والمضايقات من المتهمين قبل أن تنسحب السيدات الستة
عندما سمعت آمنة أن 6 سيدات من قرية أخرى كانت لديهن الشجاعة لتقديم شكاوى رسمية بالاغتصاب، قررت آمنة أن ترسل شهادتها مكتوبة بشأن كل ما حدث لها إلى الشرطة في مظغرناغر، كان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2013.
استغرق الأمر 4 أشهر لتدخل المحكمة العليا في الهند لرفع القضية، بينما استغرق تقديم لائحة الاتهام ضد المتهمين 4 سنوات أخرى، ثم 3 سنوات بعد ذلك حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لمقابلة الشرطة لشهود الادعاء السبع.
في الوقت نفسه، أُطلق سراح المتهمين بكفالة في 2018 كما حصل محاميوهم على 18 تأجيلًا للمحاكمة من محكمة الله آباد العليا (المعروفة باسم براياغ منذ 2018).
عُلقت الإجراءات بعد ذلك عندما قدمت آمنة التماسًا في نفس المحكمة لنقل المحاكمة خارج مظفرناغر بسبب التهديدات والمضايقات التي تتعرض لها وأسرتها، ثم تسببت جائحة كورونا في مزيد من التأجيل.
يقول رحمن زوج آمنة: “لم يكن لدينا أي أمل في أن يصدر الحكم قبل 10 أو 15 عامًا أخرى”، قال تقرير منظمة العفو الدولية عن تلك القضية، إن جميع السيدات وعائلاتهن تعرضن لسنوات من التهديدات والمضايقات من المتهمين قبل أن تنسحب السيدات الستة.
يقول رحمن: “هناك نكتة مشهورة تقول إن العالم كله في ناحية ومحكمة مظفرناغر في ناحية أخرى”، قدمت آمنة التماسًا آخر للمحكمة العليا في 8 فبراير/شباط هذا العام لسماع القضية، وأخيرًا تسنى لها أن ترى المغتصبين يُحاكمون في أبريل/نيسان.
تقول آمنة: “لا فكرة لدي إذا كانت العملية بأكملها قد تمت ليلًا أم نهارًا، فقد اعتدنا أن نخرج من البيت إلى المحكمة في الصباح الباكر ونعود إلى المنزل متأخرًا لنجد الأطفال نائمين، وفي بعض الأحيان كنا نقضي اليوم كله دون تناول أي طعام”.
بالإضافة إلى الإدانة بالاغتصاب، حُكم على المتهمين بعامين إضافيين بتهمة الترهيب الجنائي وغرامة قدرها 10 آلاف روبية (98 جنيهًا إسترلينيًا) لكل منهما.
تقول آمنة – أم لثلاثة أطفال – إنها لا ترغب في أن يعلم أطفالها شيئًا عن ماضيها، وتضيف “أتمنى فقط أن يذاكروا جيدًا ويفعلوا أشياء جيدة في حياتهم”، لكنها قلقة لأن الصعوبات المالية التي واجهتها الأسرة خلال العقد الماضي تعيق تعليم أطفالها، فابنها الأكبر – 14 عامًا – ترك المدرسة.
تقول آمنة: “أشعر بالسوء كل يوم لأنني لا أستطيع إرساله إلى المدرسة”، ما زالت آمنة تحاول التعامل مع الصدمة التي خلفها الاعتداء، والضغط الذي تعرضت له للوصول إلى تسوية في أثناء العملية القانونية.
اضطرت آمنة وأسرتها للانتقال 3 مرات حتى الآن، وتفكر الأسرة في الانتقال مرة أخرى لأن المغتصبين وأقاربهم يعرفون مكان سكنهم، تقول آمنة: “لهذا السبب أريد الانتقال إلى مكان بعيد للغاية والبدء من جديد، لكنني كنت عازمة على القتال من أجل قضيتي حتى آخر نفس، والآن أشعر بالسعادة، لكني مستنزفة”.
المصدر: الغارديان