لم يكن يدور بخلد جيم أونيل أن يشتهر المصطلح “بريك” (BRIC) الذي استخدمه في ورقة بحثية قدّمها عام 2001 لمجموعة السبع، للإشارة إلى 4 اقتصادات ناشئة ستسيطر على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، حسب ما كان يرى حينها، إلى الحد الذي اشتهر به.
فقد ذكر أونيل أن كلًّا من البرازيل وروسيا والهند والصين تمتلك اقتصادات سريعة النمو، ستمكّنها من إنشاء تكتّل يتفوق في حجم اقتصاده على اقتصادات مجموعة السبع الكبرى (G7)، وذلك بحلول العام 2050، وقد أخذ جيم أونيل هذا الحروف الأولى من أسماء البلدان الأربعة وشكّل منها كلمة “بريك”.
ففي العام 2008 قررت البرازيل وروسيا والهند والصين تشكيل كتلة اقتصادية لتنمية التعاون فيما بينها، وتمَّ استخدام الاسم الذي اخترعه جيم أونيل، “بريك”، ثم ما لبثت عام 2010 أن انضمت جنوب أفريقيا إلى التكتل.
أهداف تكتل “بريكس”
يرى زعماء الدول الأعضاء في تكتّل “بريكس” -وهم محقّون- أن ما يسمّونها دول جنوب العالم لم تعامَل بعدالة فيما يسمّى الحوكمة العالمية الاقتصادية منها والسياسية، فالدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تشكّل أكثر من 80% من سكان العالم، في حين أن وزن هذه الدول في التأثير في القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وحتى في مؤسسات الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، لا يساوي شيئًا.
من هنا كان لا بدّ من تعديل هذه الأنظمة، كما ذكرت صراحة بالأمس وزيرة الخارجية في جنوب أفريقيا، على هامش الاجتماع التحضيري للقمة القادمة في أغسطس/ آب القادم، لذلك وكخطوات على طريق تحقيق هدفه العريض، يعمل تكتل “بريكس” على:
– تخفيض الاعتماد على الدولار الأمريكي، سواء كعملة احتياطية لدى الدول الأعضاء، أو حتى كعملة تبادل تجاري فيما بينها ومع أطراف صديقة من خارج التكتل، وقد قطعت هذه الدول شوطًا معقولًا في هذا الشأن.
فمثلًا خفّضت روسيا كثيرًا من احتياطيات البنك المركزي من عملة الدولار بشكل رئيسي، وكذلك عملة اليورو، ورفعت احتياطياتها من اليوان الصيني ومعدن الذهب، حتى أن البنك المركزي الروسي فرض سعر فائدة سلبية على ودائع المواطنين الروس بالدولار واليورو.
وقد عملت روسيا خلال العقد الماضي على التخلُّص من كامل أصولها من سندات الخزانة الأمريكية، والبالغة 170 مليار دولار، أمّا بالنسبة إلى الصين فيكفي الإشارة إلى أنها عملت على تخفيض حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية من أكثر من 1.50 تريليون إلى حوالي 850 مليار دولار خلال الـ 10 سنوات الماضية، حتى البرازيل باعت أكثر من 150 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية خلال 5 سنوات فقط.
أما على صعيد التجارة الخارجية، فقد قطعت دول “بريكس” شوطًا في اعتماد عملاتها المحلية في معاملات التجارة فيما بينها ومع أطراف من خارج التكتل، فقد عقدت دول “البريكس” عدة اتفاقات ثنائية مع دول من خارج التكتل، ومن الأمثلة على ذلك التبادل التجاري بين دول من “بريكس” وكل من فيتنام، سيريلانكا، تايلاند، اليابان، إيران، بنغلاديش، الإمارات، الأرجنتين وغيرها.
– يتمثل الهدف الثاني في خلق مؤسسات بديلة أو مكمّلة للمؤسسات الدولية التقليدية، كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، لذلك قامت “بريكس” عام 2015 بإنشاء بنك التنمية الجديد (NDB) برأسمال 100 مليار دولار، ويهدف هذا البنك إلى تمويل مشاريع البنية التحتية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء، ويعمل التكتل على تخصيص جزء من قروضه بعملات الأعضاء، حيث بلغت القروض بعملات الأعضاء 30% من مجموع القروض المقدمة من بنك التنمية الجديد.
– هدف آخر يسعى إليه تكتل “بريكس”، وهو إيجاد نظام تراسُل ومدفوعات بديل أو رديف لنظام سويفت (SWIFT) الذي يتحكم به الغرب، وفي هذا الإطار طوّر البنك المركزي الروسي عام 2014 نظامه الخاص SPFS للتراسُل فيما بين البنوك والمؤسسات المالية كبديل لنظام سويفت.
ورغم أن نظام SPFS ما زال في طور التموضع، إلا أن كثيرًا من الدول تعتمد عليه في تحويل الأموال بينها وبين روسيا الاتحادية، خصوصًا تلك الدول التي تكابد عقوبات غربية، كإيران مثلًا.
كل ذلك ترك آثارًا على الدولار الأمريكي، سواء من ناحية الاحتياطيات لدى البنوك المركزية، أو في انخفاض الاعتماد على الدولار في التبادل التجاري فيما بين دول العالم، حتى أنه وفي سابقة تاريخية تجاوز اليوان الصيني الدولار الأمريكي في تعاملات الصين التجارية عبر الحدود، ما يمثّل خطورة تعالا على إثرها النقاش والجدل داخل أروقة صناعة القرار السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة.
العرب والنفط وتكتُّل “بريكس”
من المهم التركيز على ضرورة ألا يبقى العرب بمنأى عن تكتل “بريكس”، وحسنًا فعلت دول مصر والإمارات والجزائر والبحرين والمملكة من التقدُّم بطلبات للانضمام إلى هذا التكتل الواعد، خصوصًا أنه من المنتظر أن يلعب النفط العربي دورًا بارزًا على صعيد التطورات الجيوسياسية في العالم، ومنها تكتل “بريكس”.
فقد أعلنت المملكة العربية السعودية قبولها المبدئي ببيع النفط للصين مقابل اليوان الصيني، وهذا القرار من الذكاء بمكان أنه يرشّح المملكة لأن تكون لاعبًا مؤثرًا في الإقليم والعالم في المرحلة القادمة، ويجب الإشارة هنا إلى أن مشتريات الصين من النفط السعودي تتعدى 16% من إجمالي حاجة الصين من مصادر الطاقة، والتي تبلغ 12 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا.
فعندما يتم تسعير وبيع هذه الكميات من مصادر الطاقة مقابل عملة “البريكس” القادمة، أو مقابل عملات الدول العضاء مثل اليوان الصيني، فإن هذا لا شك سيكون عاملًا أساسيًّا في تطور تكتل “بريكس”، وتعاظم تأثيره على الصعيد الاقتصادي والسياسي العالمي وعلى العرب، تحديدًا دول الخليج، على أن تستغل ذلك لتحقيق مصالحها.