أصدر الرئيس رجب طيب أردوغان، الإثنين، قرارًا بتعيين إبراهيم قالن رئيسًا لجهاز الاستخبارات الوطنية التركي، خلفًا لهاكان فيدان الذي ترأّس الجهاز لمدة 13 سنة قبل أن يصبح وزيرًا للخارجية.
وفي أول تغريدة له على موقع توتير بعد توليه رئاسة الاستخبارات، قال قالن: “لا مجال للتوقف من أجل بلدي الجميل، سنواصل الطريق”، في إشارة إلى استمرار العمل من أجل تركيا آمنة ومستقرة ومستقلة.
كان من اللافت أن فيدان وقالن كانا من الأسماء الثابتة في الصور التي قدّمها أردوغان مؤخرًا للصحافة من مكتبه، على سبيل المثال خلال فترة الانتخابات أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 27 أبريل/ نيسان 2023، حضر هذه المكالمة هاكان فيدان وإبراهيم قالن، في حين غاب عن الحضور وزير الدفاع السابق خلوصي أكار، ووزير الخارجية السابق مولود جاويش أوغلو.
ويشير هذا إلى أن أردوغان كان قد حسم أمره قبل إجراء الانتخابات، بإكمال سياساته الخارجية والأمنية في حال فوزه مع فيدان وقالن للسنوات المقبلة.
وبتاريخ 4 يونيو/ حزيران، عقد أردوغان أول اجتماع له بعد مباشرته ولايته الجديدة مع الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في إسطنبول بحضور إبراهيم قالن وهاكان فيدان وزير الخارجية الجديد، دون انتظار إجراءات تسليم السلطة في الوزارات بين الوزراء المنتهية ولايتهم والوزراء الجدد.
ويشير هذا أيضًا إلى أهمية الرجلَين (قالن وفيدان) في ملف العلاقة مع حلف الناتو، ودورهما في المفاوضات الجارية لانضمام السويد إلى هذا الحلف. كما حضر الاجتماع المذكور وزير الدفاع المعيّن حديثًا ياشار غولر، لبحث مشاركة كتيبة كوماندوز تركية من أجل احتواء التوتر مع صربيا في كوسوفو، بناءً على طلب الناتو.
لماذا إبراهيم قالن رئيسًا للاستخبارات؟
شغل إبراهيم قالن خلال السنوات الماضية منصب كبير المستشارين، ونائب رئيس مجلس الأمن والسياسات الخارجية التابع لرئاسة الجمهورية، إلى جانب منصبه كمتحدث باسم الرئاسة التركية، وخلال عمله في المجلس الذي يترأّسه أردوغان، كان قالن مسؤولًا عن عدد من الملفات، أبرزها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو.
إذ قاد قالن الفريق التركي الذي تفاوض مع هذين البلدَين بشأن انضمامهما للحلف، مقابل الوفاء بشروط تركيا المتمثلة باتخاذ إجراءات عملية وملموسة تجاه قيادات فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني الموجودين في هذين البلدَين، بالإضافة إلى متابعة قضية تنظيم فتح الله غولن في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال السنوات السابقة، قام إبراهيم قالن بتسيير مهام بارزة في مجالَي السياسة الخارجية والأمن، أبرزها توجيه الجهود لتجاوز أزمة إسقاط الطائرة الحربية الروسية بين أنقرة وموسكو عام 2015.
وفي عام 2017، عُيّن قالن كمبعوث خاص من جانب الرئيس أردوغان، حيث أجرى جهودًا دبلوماسية لحلّ الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، لعب قالن دورًا فاعلًا في محادثات السلام المتعلقة بالنزاع في أوكرانيا، وملف إقليم كارا باخ بين أذربيجان وأرمينيا، وكذلك في الاتفاقيات المتعلقة بنقل الحبوب عبر البحر الأسود وتبادل الأسرى.
وبتوجيه من الرئيس أردوغان، أجرى قالن عدة زيارات إلى الخارج خلال السنوات الأخيرة، بغية تعزيز العلاقات مع دول العالم التركي والبلقان والقوقاز وشمال أفريقيا.
شارك قالن كعضو في الفريق التركي، خلال المحادثات الدبلوماسية لتحقيق هدنة والتوصل إلى حلول سياسية للصراعات في سوريا وليبيا، كما انخرط في المفاوضات مع اليونان لحلّ الخلافات في شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة.
علاوة على ذلك، أسهم قالن بشكل فعّال في عمليات التطبيع بين تركيا وكل من السعودية و”إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة وأرمينيا ومصر. وقدّم جهودًا دبلوماسية لتعزيز العلاقات الثنائية مع اللاعبين العالميين والإقليميين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند.
تفسير قرار أردوغان بتعيين قالن على رأس الاستخبارات
مع ذلك، يمكن تفسير قرار الرئيس أردوغان بتعيين إبراهيم قالن رئيسًا لجهاز الاستخبارات، بأنه امتداد لثقة أردوغان المطلقة في قالن في القضايا الحساسة، إضافة إلى ثقته بنصائحه في هذه القضايا، خاصة أنه خبره جيدًا خلال عمله في مجلس الأمن والسياسات الخارجية التابع للرئاسة، وفهمه العميق لقضايا الأمن الوطني والدولي، والولاء الذي أظهره قالن لأردوغان خلال الأدوار التي شغلها في السابق.
ونظرًا إلى انخراط قالن السابق مع حلف الناتو ومشاركته في ملفات أمنية مهمة، يمكن أيضًا تفسير خطوة أردوغان على أنها محاولة لتوطيد العلاقة التركية مع الناتو، وإدارة وتهدئة التوترات مع الدول الأعضاء فيه، واتباع نهج تعاوني يجمع بين الدبلوماسية والأمن على الساحة الدولية.
ويأتي ذلك من خلال تعيين شخص موثوق به على رأس جهاز المخابرات، لضمان مواءمة العمليات الاستخباراتية مع أهداف أردوغان السياسية والاستراتيجية، وضمان تحسين مكانة تركيا في المجتمع الدولي، ومعالجة مختلف التحديات الأمنية والجيوسياسية.
قد يهدف أردوغان أيضًا إلى ضمان تنسيق أوثق مع جهاز الاستخبارات للاستجابة بشكل أكثر فعالية للتهديدات الداخلية، مثل مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصر فتح الله غولن، وبالنظر إلى التواصل المباشر بين قالن وأردوغان، فقد يسهّل ذلك اتخاذ القرار وتنفيذ الإجراءات الاستخباراتية الحاسمة بشكل أسرع.
يمكن أيضًا اعتبار تعيين مفاوض متمرّس وخبير في السياسات مثل قالن تدبيرًا استباقيًا لإدارة الأزمات، وسيشمل ذلك التعامل مع التهديدات الأمنية الفورية، وإدارة النزاعات الدولية، وتجاوز السيناريوهات السياسية المعقدة.
وقد يشير تعيين قالن إلى دفعة من أجل نفوذ إقليمي أقوى، لا سيما في سياق علاقات تركيا مع جيرانها والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، حيث يمكن الاستفادة من خبرة قالن في المفاوضات والسياسات الدولية لإبراز النفوذ التركي، والتفاوض مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وتوضيح موقف تركيا بشأن القضايا الحاسمة بشكل أكثر فعالية.
كنائب لرئيس مجلس الأمن والسياسات الخارجية في رئاسة الجمهورية التركية، تعامل قالن مع مختلف القضايا الأمنية، وتشير خبرته في هذا الدور إلى فهم واسع ودقيق لمسائل الأمن المحلي والدولي، كما يشير دور قالن طويل الأمد كمتحدث رئاسي ومقرّب لأردوغان إلى امتلاكه فطنة سياسية كبيرة، ويتطلب هذا الموقف فهمًا عميقًا للمشهد السياسي، والقدرة على التعبير عن القضايا المعقّدة بشكل فعّال، والاستعداد لإدارة المعلومات الحساسة.
من هو إبراهيم قالن؟
وُلد إبراهيم قالن في إسطنبول عام 1971 لعائلة تنحدر من محافظة أرضروم، أكمل تعليمه الجامعي في جامعة إسطنبول، كلية الآداب، قسم التاريخ عام 1992، وخلال سنوات دراسته الجامعية في جامعة إسطنبول شارك بفعالية في الحركة السياسية الإسلامية، من خلال الاحتجاجات التي نظّمها الطلاب حينذاك، والتي كانت تطالب بالوقوف إلى جانب المستضعفين الذين يتعرضون للظلم في عدد من البلدان حول العالم.
بعد ذلك حاز على درجة الماجستير في الفكر والفلسفة الإسلامية من ماليزيا، كما حصل على الدكتوراه في العلوم الإنسانية والفلسفة المقارنة من جامعة جورج واشنطن عام 2002، بأطروحته المعنونة “نظرية المعرفة للملا صدرا الشيرازي وإمكانية وجود نظرية معادية للذات”، كما أجرى أبحاثًا أكاديمية في مركز الدراسات الإسلامية التابع لرئاسة الشؤون الدينية التركية.
ألقى قالن محاضرات في الفكر الإسلامي والعلاقات بين الإسلام والغرب في كلية الصليب المقدس وجامعة جورج تاون وجامعة بيلكنت، وبين عامَي 2005 و2009 كان الرئيس المؤسّس لمؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في عام 2007 صدر كتابه “الإسلام والغرب”، الذي حصل بفضله على جائزة الفكر لاتحاد الكتّاب التركي، كما ساهم قالن في موسوعات ماكميلان للدين والفلسفة، وقاموس أكسفورد للإسلام.
في عام 2009 تمَّ تعيينه مستشارًا رئيسيًّا لرئيس الوزراء بصفته مسؤولًا عن السياسة الخارجية، كما أصبح أول منسّق لمنسقية الدبلوماسية العامة برئاسة الوزراء، والتي تأسّست في يناير/ كانون الثاني 2010.
في عام 2011 جرى تعيينه كعضو في مجلس أمناء جامعة خوجا أحمد ياسوي الدولية التركية الكازاخية.
في عام 2012 تولّى منصب نائب وكيل رئاسة الوزراء، وبعد أن أصبح رجب طيب أردوغان رئيسًا للجمهورية عام 2014 عُيّن قالن متحدثًا باسم الرئاسة بدرجة سفير، وفي العام نفسه نُشر كتاب بعنوان “العقل والفضيلة”، وفي عام 2015 كتاب “الوجود والفهم”، وفي عام 2016 نشر كتابًا بعنوان “أنا والآخر وما بعده: مقدمة في تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب”.
في عام 2018 تمَّ تعيين قالن مستشارًا رئيسيًّا ونائبًا لرئيس مجلس الأمن والسياسات الخارجية التابع لرئاسة الجمهورية، ومنذ عام 2019 كان يلقي قالن محاضرات لطلاب الدراسات العليا في مجال الفلسفة الإسلامية في جامعة ابن خلدون، وحصل على لقب أستاذ/بروفيسور في 29 مايو/ أيار 2020.
إبراهيم قالن متزوج ولديه 3 أطفال، ويتحدث اللغات العربية والفرنسية والفارسية والإنكليزية، وهو عازف جيد للغيتار والباغلاما (الساز) منذ سنواته المبكرة.
يمكن القول إن قالن شخصية فريدة تمتاز بالمرونة والتعددية في مجالات الاهتمام والخبرة، ويجمع بين هذه المجالات بشكل استثنائي، يعتمد على فهمه العميق للسياسة والأمن في تطوير سياسات واستراتيجيات تسهم في تعزيز علاقات تركيا على المستوى الدولي، وفي الوقت نفسه يستخدم شغفه بالفن والموسيقى كلغة عالمية لبناء جسور الثقافة والتفاهم مع الدول والثقافات الأخرى.