فتحت صناديق الاقتراع في الكويت أبوابها الساعة الثامنة صباح الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2023 لاختيار 50 عضوًا في مجلس الأمة (البرلمان) من بين 307 مرشحين (بينهم 13 امرأة)، في انتخابات هي الثالثة خلال عامين ونصف منذ تولي حاكم الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح منصب الأمير أواخر سبتمبر/أيلول 2020.
ويحق لنحو 795 ألفًا و911 ناخبًا وناخبة في الكويت، المشاركة في تلك الانتخابات عبر الاقتراع السري المباشر وفق القانون الكويتي، فيما تنقسم الدوائر الانتخابية في الدولة الخليجية إلى خمس، تنتخب كل دائرة منها عشرة أعضاء، ويحق للناخب الإدلاء بصوت واحد فقط لمرشح واحد.
ويبلغ عدد الناخبين في الدائرة الأولى 100 ألف و158 ناخبًا وناخبة (34 مرشحًا بينهم امرأتان)، وفي الدائرة الثانية 90 ألفًا و478 ناخبًا وناخبة، (45 مرشحًا بينهم 3 نساء)، وفي الدائرة الثالثة 138 ألفًا و364 ناخبًا (34 مرشحًا بينهم 3 نساء)، وفي الدائرة الرابعة 108 آلاف و35 ناخبًا وناخبة (47 مرشحا بينهم 4 نساء)، وفي الدائرة الخامسة 257 ألفًا و913 ناخبًا وناخبة (47 مرشحًا بينهم امرأة واحدة).
وتأتي تلك الانتخابات استجابة للمرسوم الأميري الصادر في 3 مايو/أيار الماضي بالدعوة إلى الانتخابات التشريعية في أعقاب قرار حل مجلس الأمة 2020 في 17 أبريل/نيسان الماضي، ومن المقرر أن تستمر عملية الاقتراع اليوم لمدة 12 ساعة، من الثامنة صباحًا وحتى الثامنة مساءً، فمتى تتخلص الكويت من تلك الدوامة السياسية المستمرة طيلة أكثر من 6 عقود تعرض فيها البرلمان للحل 11 مرة من بين 16 مجلسًا تم انتخابهم منذ تأسيس المجلس عام 1962، في ظاهرة لم تشهدها أي دولة في العالم؟
حضور مبكر لكبار السن بدوافع وطنية لاختيار ممثليهم وتحقيق التطلعات
(حدث مصور)https://t.co/Kw8deZJlzK#كونا #الكويت #انتخابات_أمة_2023 pic.twitter.com/I2es8HZhZ3
— كـــــــــــونا KUNA (@kuna_ar) June 6, 2023
دوامة لا تنتهي.. شبح الفراغ السياسي يطل برأسه
يقبع الكويتيون في دوامة لا تنتهي من الفوضى السياسية ما بين حل البرلمان والحكومة والتناطح بينهما، فلا يكاد يمر عام أو أكثر قليلًا إلا ويفاجأ الشارع الكويتي إما بقرار حل لمجلس الأمة وإما إقالة الحكومة وإما صراع بين السلطتين يعرقل خطط التنمية ويصيب الدولة بشلل نصفي يقيد حركتها بشكل كبير.
وتحولت العلاقة بين البرلمان والحكومة إلى ما يشبه تلك المعارك الشرسة بين القط والفأر في المسلسل الكرتوني “توم أند جيري”، غذتها الخريطة القبلية والطائفية التي تهيمن على جنبات مجلس الأمة التي كان لها ارتداداتها المؤثرة على السلطة التنفيذية، وسط حالة من التربص بين الطرفين من جانب، وبين الأعضاء أنفسهم داخل المجلس من جانب آخر.
في 14 يونيو/حزيران 2022 دخل نواب المعارضة في اعتصام مفتوح داخل البرلمان من أجل تنفيذ مطلبهم برحيل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وبعد 8 أيام فقط من بدء الاعتصام جاء خطاب أمير البلاد برحيل الرئيسين وإجراء انتخابات جديدة.
وفي 29 سبتمبر/أيلول من نفس العام أجريت انتخابات برلمانية مثيرة للجدل، وصفت حينها بأنها من أجل تصحيح المسار ومحاولة فتح صفحة جديدة بين البرلمان والحكومة، لكنها لم تستمر طويلًا، ففي 19 مارس/آذار 2023 قضت المحكمة الدستورية بحل المجلس بسبب بطلان مرسوم الحل السابق الذي اتخذه أمير البلاد في يونيو/حزيران 2022، لكن المعارضة رفضت هذا القرار وهددت بالتصعيد من أجل حل البرلمان السابق (برلمان 2020).
منذ تدشينه عام 1962 تعرض البرلمان الكويتي للحل 12 مرة من بين 17 مجلسًا تم انتخابهم، أي قرابة 70% من المجالس المنتخبة تم حلها في ظاهرة لم تشهدها أي دولة في العالم
وبالفعل استجاب الأمير لتلك الضغوط وأعلن في 17 أبريل/نيسان الماضي حل مجلس 2020، وفي 3 مايو/أيار المنصرم وجه الدعوة إلى الانتخابات التشريعية على أن تكون يوم 6 يونيو/حزيران 2023، لتبدأ مرحلة جديدة من المتاهة التي لا تنقضي، حتى أوشكت الانتخابات البرلمانية أن تتحول إلى ورد سنوي للكويتيين.
ويستند أمير الدولة في قرار حل البرلمان، الذي يعني إقالة جميع أعضائه دون استثناء، إلى المادتين: (102) التي تنص على “لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به، ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة وللأمير في هذه الحالة أن يعفى رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة. وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلًا لمنصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة”.
والمادة الـ(107) وتنص على “للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورًا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.
ومنذ تدشينه عام 1962 تعرض البرلمان الكويتي للحل 11 مرة من بين 16 مجلسًا تم انتخابهم، أي قرابة 70% من المجالس المنتخبة تم حلها في ظاهرة لم تشهدها أي دولة في العالم، كانت المرة الأولى في أغسطس/آب 1976 حين أصدر أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم الصباح قرارًا أميريًا بحل المجلس 1976 عقب الخلاف الذي نشب بين البرلمان والحكومة وتبادل الاتهامات بشأن تعطيل مشروعات القوانين، الذي أدى إلى تقديم الأخيرة استقالتها.
أما الحالة الثانية كانت في يوليو/تموز 1986، وحُل للمرة الثالثة في مايو/أيار 1999 لكن هذه المرة كان الحل دستوريًا، وتضمن المرسوم أسباب القرار ومنها التعسف في استعمال الأدوات الدستورية من أعضاء المجلس، وفي 19 مارس/آذار 2008 كان الحل الخامس لمجلس الأمة، وفي الشهر ذاته من العام التالي كان الحل السادس وتحديدًا في الثامن عشر منه، بسبب عدم تقيد البعض بأحكام الدستور والقانون وما قررته المحكمة الدستورية بخصوص استخدام الأدوات البرلمانية للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، والمحافظة على أمن الوطن واستقراره.
أما الحل السابع فكان في 6 ديسمبر/كانون الأول عام 2011 إثر اقتحام آلاف المتظاهرين الكويتيين مبنى البرلمان في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، بسبب اعتداء قوات الأمن على بعضهم لمنعهم من الوصول إلى منزل رئيس الوزراء والمطالبة بعزله، ما دفع أمير البلاد لإصدار قرار بحل المجلس.
فيما جاء الحل الثامن في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2012 استجابة لقرار المحكمة الدستورية، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام التالي قضت المحكمة الدستورية في الكويت بحل مجلس الأمة بعد أيام قليلة من انتخابه، وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 كان البرلمان على موعد مع السيناريو العاشر للحل، مختتمًا تلك السلسلة المطولة بالحكم الصادر عن المحكمة الدستورية في 19 مارس/آذار 2023 ببطلان الانتخابات البرلمانية التي جرت في سبتمبر/أيلول 2022، وبعودة البرلمان السابق المنتخب في 2020.
وقد عززت التشكيلة الطائفية داخل المجلس من ظاهرة التربص والتصيد بين أعضائه، وانعكس هذا التصيد على العلاقات مع الحكومة، حيث هيمنت القبلية على الكثير من المواقف السياسية والتوجهات النيابية، وهو ما أدى في النهاية إلى انتشار هذا الجو المسموم في العلاقات بين السلطتين، أسفر عنه صراع ونزاع متبادل وفوقية في التعامل أحيانًا ومن ثم تجميد الحياة السياسية في البلاد بشكل كبير، وسط مطالبات بعلاج تلك الأزمة قبل إصابة المشهد العام بالشلل التام الذي قد يدخل الدولة النفطية في أتون الفراغ السياسي وما لذلك من تداعيات كارثية على المسارات كافة.
الإصلاح السياسي هو الحل
تعاني البنية التشريعية في الكويت من جمود دام طويلًا دون تطوير أو مواكبة العصر، وهو ما أوقع العملية السياسية برمتها في شباك التقوقع والرجعية، رغم ما يقال بأن التجربة الديمقراطية الكويتية واحدة من أكثر التجارب قوة في المنطقة العربية برمتها.
عشرات المناشدات وجهها سياسيون وبرلمانيون من أجل إحداث تعديلات جوهرية في الدستور والنظام السياسي بما يواكب المستجدات الراهنة، وينتشل العملية السياسية من ربقة الجمود إلى آفاق المرونة والعصرنة، بما يساعد في القفز على المعضلات والتحديات التي تحول التجربة الديمقراطية في البلد الخليجي إلى نقمة يدفع ثمنها المواطن في الدرجة الأولى.
وبينما يميل البعض إلى سردية أن الوضعية الحاليّة ربما تصب في صالح السلطات الكويتية التي تتعامل مع هذا السجال المستمر بين السلطتين التشريعية والبرلمانية كورقة سياسية يمكن اللعب بها بين الحين والآخر بما يحقق حزمة من الأهداف والمكاسب السياسية، هناك من يرى أن الأزمة تتطلب التدخل العاجل قبل فوات الأوان وحتى لا تتحول النعمة – وفق الرؤية السلطوية الرسمية – إلى نقمة على الدولة بأكملها.
في حال الإصرار على النظام السياسي الحاليّ دون إجراء تعديلات وإصلاحات جذرية فمن المتوقع أن تستمر تلك المتاهة حتى إشعار آخر
السياسي الكويتي، محمد مساعد الدوسري، مرشح الدائرة الخامسة التي تضم مناطق محافظتي الأحمدي ومبارك الكبير، يرى أن النظام السياسي الكويتي الحاليّ لم يعد قابلًا للاستمرار دون إجراء تطوير حقيقي يحاكي احتياجات المستقبل، مشددًا خلال حوار صحفي له على وجود ضرورات ملحّة في الفترة المقبلة للخروج من تلك الدوامة المستمرة لسنوات طويلة، على رأسها إجراء إصلاح سياسي شامل، وتعديلات دستورية “تتوسع من خلالها الحقوق والحريات للشعب الكويتي، وتتناغم مع احتياجات العصر، بعد مُضي أكثر من 60 عامًا على إقرار الدستور” على حد قوله.
ومن بين الأطروحات التي اعتبرها المرشح الكويتي مقبولة في الفترة القادمة رغم الخلاف عليها سابقًا، فكرة الحكومة الشعبية، التي تقوم على أساس عدم حصر اختيار رؤساء الوزارة أو بما يسمى “وزارات السيادة” في أبناء أسرة الحكم دون غيرهم من الشخصيات الكويتية ذات الكفاءة العالية، وأن يكون رئيس الوزراء بالانتخاب أو عبر الإرادة النيابية وليس بأوامر سلطوية فوقية.
ولم يستبعد الدوسري أن يكون هذا التعديل في اختيار الحكومة واقعًا في القريب العاجل في ضوء التطورات والتحديات الأخيرة، لافتًا إلى أن هذا النوع من الرئاسيات بحاجة إلى تعديل دستوري ومناخ قادر على استيعاب الاحتياج إلى مثل تلك التطورات الملحة، هذا بخلاف ضرورة التناغم والتنسيق بين السلطة الأميرية والشعبية.
وبعيدًا عن مخرجات الانتخابات الحاليّة التي لا يتوقع أن تغير كثيرًا في المعادلة السياسية داخل المجلس وخارجه، كما لا يعول عليها في تهدئة الأجواء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهي لا تعدو كونها تحصيل حاصل، واستكمالًا لديكور واقع معقد بطبيعة الحال، وفي حال الإصرار على النظام السياسي الحاليّ دون إجراء تعديلات وإصلاحات جذرية فمن المتوقع أن تستمر تلك المتاهة حتى إشعار آخر.