بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين من التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة وإلى نهاية مايو/أيار الماضي، 3432 مهاجرًا منهم 865 من القصر بمرافق أو دون مرافق، مقابل 2283 خلال نفس الفترة من سنة 2022، بينما اعترض الحرس البحري التونسي أكثر من 23 ألفًا على السواحل، وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
تضاف إلى هذه الأرقام، آلاف المهاجرين غير النظاميين من جنسيات أخرى، خاصة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ما يؤكد تحول تونس إلى نقطة عبور أساسية للمهاجرين القاصدين السواحل الأوروبية، رغبة في تحقيق أحلامهم التي عجزوا عن تحقيقها في دولهم.
هذا الأمر دفع السلطات الإيطالية للنزول بكل ثقلها إلى تونس، رغبة منها في وضع حد لهذه الظاهرة التي تثقل اقتصادها، وفق قول مسؤوليها، ما يشير إلى تحول تونس إلى “حارس حدود” لأوروبا، من دون مقابل حتى.
إنزال إيطالي
شهدت الفترة الأخيرة، توالي زيارات المسؤولين الإيطاليين إلى تونس، كما تكثفت الاتصالات بين الطرفين، ما يؤكد تطور العلاقات بين البلدين، وحصول اتفاق كبير بينهما في خصوص القضية الأبرز التي تشغل الإيطاليين وهي الهجرة غير النظامية.
في هذا الإطار، تتنزل زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني إلى تونس اليوم الثلاثاء، بدعوة من الرئيس قيس سعيد، ومن المرتقب أن تجري ميلوني محادثات مع المسؤولين التونسيين وفي مقدمتهم الرئيس سعيد، تتصدرها أزمة الهجرة غير النظامية.
وتأتي زيارة ميلوني بعد أسابيع قليلة من زيارة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي، وتمحورت الزيارة حينها حول الهجرة غير النظامية، وقبلها زار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني تونس، وبحث أيضًا ملف الهجرة.
يسعى قادة روما إلى استغلال حاجة السلطات التونسية للتمويلات الأجنبية لتفادي انهيار الدولة وإعلان الإفلاس، مقابل الحصول على تعهدات تونسية بوقف الهجرة
إلى جانب هذه الزيارات المتكررة، برز خطاب إيطالي داعم لتونس بهدف مواجهة الأزمة التي يعيشها هذا البلد العربي، وكانت ميلوني قد وصفت في مقابلة متلفزة مساء أمس الوضع التونسي بـ”الدقيق للغاية” محذرة من “سيناريو مقلق” في حالة سقوط الحكومة جراء الوضع الاقتصادي المتدهور هناك، وتداعيات ذلك على بلادها من ناحية تدفقات الهجرة.
وقالت ميلوني “تونس في وضع دقيق للغاية، فهي تخاطر بالتخلف عن السداد المالي (…) إذا سقطت الحكومة التونسية فيمكننا أن نعيش سيناريو مقلقًا، إنه سيناريو نعمل لتجنبه، ومهمة ينبغي القيام بها على المستوى الدولي ولا يمكن لأحد التفكير أنه يستطيع إيقاف الرياح بيديه”.
بدوره أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أنطونيو تاياني، أنه سيتحدث مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا بشأن استقرار تونس.
أشار تاياني إلى أن إيطاليا موقفها واضح للغاية فيما يتعلق بتونس، في صميمه استقرار ذلك البلد بالشمال الإفريقي، ولهذا السبب ترى أنه من المفيد مساعدة تونس على تجنب أي أزمة مالية، وللقيام بذلك يتعين على صندوق النقد الدولي البدء في صرف أموال للسلطات التونسية.
وبدأت الحكومة الإيطالية بالفعل بممارسة مساعٍ لدى الغرب بهدف مساعدة تونس التي تواجه عاصفة من الانتقادات والضغوط، على خلفية الجدل المرتبط بتدفق المهاجرين غير النظاميين على أراضيها في طريقهم إلى الضفة الشمالية للمتوسط.
“حارس حدود” لأوروبا
منذ تسلمها الحكم، أبدت ميلوني استعداد حكومتها لمواصلة دعم تونس ماليًا، وأيضًا في إطار الاتحاد الأوروبي ومساندتها أمام المؤسسات المالية الدولية، لكن هل هذه المساعدة مجانية أم حبًا لتونس؟ لا هذا ولا ذاك وإنما لتهيئة تونس حتى تكون “حارس حدود” لأوروبا.
وتعمل روما منذ صعود حكومة اليمين برئاسة جورجا ميلوني على حث تونس على مزيد من التعاون في كبح قوارب الهجرة المنطلقة عبر سواحلها، مقابل مساعدتها للحصول على التمويلات اللازمة لمجابهة العجز الحاصل في موازنة الدولة العامة.
ويبدو أن الجهود الإيطالية بدأت تؤتي أكلها، فقد دعا الرئيس التونسي قيس سعيد قبل أسابيع إلى تشديد القيود وتطبيق القوانين بصرامة على المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء المقيمين في تونس بطرق غير شرعية.
من المتوقع أن تتزايد مكافحة عمليات الهجرة غير النظامية في عرض البحر من السلطات التونسية، لكن دون أن تستفيد تونس شيئًا
بالفعل بدأت السلطات الأمنية تنفيذ أوامر سعيد، إذ كثفت حملتها ضد المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء، وشددت الرقابة على السواحل التونسية، ما أدى إلى منع مئات القوارب من عبور الساحل التونسي نحو إيطاليا.
ويربط المسؤولون الإيطاليون تقديم المساعدات لتونس، بتشديدها الرقابة على سواحلها وإحكام قبضتها على الحدود البحرية وبقائها أرض لجوء لا عبور، أي أننا أصبحنا أمام نوع من الابتزاز الإيطالي – الأوروبي – فالدعم مقابل حراسة الحدود.
ويسعى قادة روما إلى استغلال حاجة السلطات التونسية للتمويلات الأجنبية لتفادي انهيار الدولة وإعلان الإفلاس، مقابل الحصول على تعهدات تونسية بوقف الهجرة والتحول إلى دولة لجوء، تستقبل المهاجرين غير النظاميين ولا تسمح لهم بعبور أراضيها نحو السواحل الأوروبية.
نقطة عبور أساسية
ترى إيطاليا أن تونس أصبحت بمثابة نقطة عبور أساسية للمهاجرين غير النظاميين، الفارين من شظف العيش والصراعات في إفريقيا والشرق الأوسط أملًا في حياة أفضل في أوروبا، خاصة بعد تراجع أعدادهم انطلاقًا من السواحل الليبية.
وتقدر روما عدد من وصلوا إلى سواحلها أو حاولوا عبور البحر المتوسط، من تونسيين وجنسيات أخرى، انطلاقًا من السواحل التونسية، خلال العام الحاليّ وحتى الثاني من مايو/أيار الماضي، بنحو 44 ألف شخص.
يعود اختيار المهاجرين غير النظاميين السواحل التونسية لبدء رحلتهم، إلى أسباب عديدة أهمها القرب الجغرافي، إذ تبعد أجزاء من سواحل تونس أقل من 150 كيلومترًا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وهو ما يسهل الرحلة.
وشهدت إيطاليا منذ استلام حكومة ميلوني الحكم ارتفاعًا حادًا بأعداد المهاجرين الوافدين إلى سواحلها، على الرغم من الوعود التي قطعتها الحكومة بوقف تدفقات الهجرة، ففي السنة الماضية وصل السواحل الإيطالية أكثر من 20 ألف مهاجر، مقارنة بنحو 13 ألف سنة 2021.
ومن المرجح أن ترتفع الأعداد خلال هذه السنة مع تحسن الأوضاع الجوية، في ظل تنامي الأزمات في الدول الإفريقية على رأسها تونس، التي تشهد منذ أشهر أزمات مست أغلب القطاعات نتيجة انتهاج الرئيس قيس سعيد نهجًا تسلطيًا في الحكم.
?المنظمة التونسية لمناهضة #التعذيب: وجودك في #تونس بدعوة رسمية إهانة لنا ولذاكرة الضحايا.#تونس #إيطاليا pic.twitter.com/yftsGOEy5i
— Kashf Media – كشف ميديا (@KashfMedia) June 5, 2023
مع ارتفاع أعداد المهاجرين، ترتفع أعداد الضحايا وحوادث الغرق قبالة السواحل التونسية، وخلفت هذه الحوادث في الأشهر الخمس الأولى من هذه السنة مئات القتلى والمفقودين، وفق أرقام قدمتها منظمات إنسانية عاملة في هذا المجال.
ووفق منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة فإن الربع الأول من هذا العام شهد أعلى عدد من وفيات المهاجرين منذ نفس الفترة من عام 2017، وأحصى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 534 مهاجرًا من بين الضحايا والمفقودين لعمليات الهجرة غير النظامية على السواحل التونسية هذا العام وحتى نهاية مايو/أيار الماضي.
بلغت حوادث الغرق المأساوية ذروتها في شهر أبريل/نيسان الماضي الذي شهد العدد الأكبر للمفقودين والضحايا بـ373، بينما شهد عام 2022 غرق وفقدان نحو 600 شخص على السواحل التونسية على مدار العام كاملًا.
من المتوقع أن تتزايد مكافحة عمليات الهجرة غير النظامية في عرض البحر من السلطات التونسية، لكن دون أن تستفيد تونس شيئًا، ذلك أن الرئيس قيس سعيد لا يحسن استغلال الفرصة ولا يتقن فن التفاوض.