بعث رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، رسالة من سجنه في الذكرى الـ 42 لتأسيس الحركة، دعا فيها أنصاره إلى التزام الصبر والهدوء والحكمة في مقارعة الاستبداد ومقاومة الانقلاب.
وقال الغنوشي إن حركة النهضة “تحمّلت أعباء الحكم بصيغة توافقية في ظروف قاسية، وقدمت التضحيات الجسام، صحبة الأطياف المتعددة للمعارضة الوطنية والديمقراطية الواسعة في مقاومة الانقلاب على الدستور ومقارعة الاستبداد، والهدم الممنهج والشامل لمؤسسات الدولة التونسية، وضرب جميع المكتسبات الديمقراطية والحريات الأساسية في تونس”.
كما طمأن الغنوشي مناصريه بقوله: “في اليوم الـ 50 لاعتقالي، ظلمًا وبهتانًا وتعسفًا، أطمئن جميع الأحرار في تونس والعالم بأنني ولله الحمد والمنة، بخير، وكلّي ثقة مطلقة في لطف الله سبحانه وتعالى بتونس، ونصره لشعبها الصامد والصابر، من أجل تجسيد تطلعاته في التأسيس الوطني التشاركي لدولة القانون والحكم الرشيد واستعادة الديمقراطية المختطفة، ونيل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية العادلة والتجسيد الفعلي للتنمية المستدامة لتونس اليوم وللأجيال القادمة”.
ودعا الغنوشي أنصاره إلى “تعزيز ثقتهم العالية والغالية في نصر الله لتطلعات الشعب التونسي في الحرية للجميع، والعدالة الاجتماعية المنجزة، والكرامة الوطنية الشامخة، ووفائهم لوطنهم تونس، وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وشرف انتمائهم لإحدى أهم الحركات والأحزاب المدنية في الوطن العربي والعالم الإسلامي”.
وقالت هيئة الدفاع عن الغنوشي إن “اعتقاله لم ترافقه إجراءات قانونية وإنما محاكمات إعلامية غايتها التنكيل به”، وأشارت الهيئة إلى أن كل الإجراءات التي تمّت هي خارج إطار القانون، ومبنية على تجاوزات وعلى تصريح للغنوشي تمَّ تزييفه واجتزاؤه من سياقه.
وأضاف أنها تقدّمت بشكوى إلى النيابة العامة ضد تزييف الوثائق، وترى الهيئة أن “الغنوشي يتعرض لمظلمة خطيرة جدًّا لا يمكن القبول بها، وأن التهم الموجّهة إلى الغنوشي مفبركة وترقى الأحكام فيها إلى الإعدام”.
لمعرفة المزيد حول قضية السياسي التونسي البارز ومحنته، استضفنا في “نون بوست” الكاتبة سمية الغنوشي، ابنة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وتحدثنا حول الوضع القانوني لأبيها في معتقله، والإجراءات القانونية التي تلجأ إليها عائلته.
سميّة هي كاتبة وصحفية معروفة، وترأس تحرير مجلة “ميم” المهتمة بالقضايا الثقافية والاجتماعية في العالم العربي.
لو نبدأ بالحديث عن آخر الأخبار المتعلقة بالسيد راشد، وضعه في معتقله، هل يوجد أية أخبار عن حالته النفسية والصحية؟ وكيف تتعامل قوات الأمن معه؟ وما صحة الأحاديث التي تقول بمقاطعته للمحكمة؟
الحمد لله هو بخير وعافية ومعنوياته مرتفعة، قوي بإيمانه وعدالة قضيته ويقوّي من حوله من مساجين الرأي، وهو يقسم وقته ما بين المطالعة والعبادة. آخر المستجدات أنه امتنع عن حضور جلسات التحقيق التي لا تنتهي لأنه يراد منها استنزافه بدنيًّا ومعنويًّا، والقيام بعملية إخراج لأحكام قضائية جاهزة من طرف قضاء التعليمات.
لو نتحدث عن الاتهامات الموجّهة إلى السيد الغنوشي، وما هو تعليقكم عليها؟
هي تهم تافهة لن تصمد أمام أي تحقيق قضائي مستقل. التهمة الأولى التي سُجن بسببها والدي هي التحريض على التقاتل وتهديد أمن الدولة، بناءً على تصريح تمَّ اقتطاعه والتلاعب به، وهو تصريح يعبّر عن قناعات الغنوشي البارحة واليوم وغدًا، وملخّصه أن تونس تتسع للجميع، وأن إقصاء أي طرف سياسي من المشهد معناه فتح أبواب الحرب الأهلية، وهو ما نراه فعلًا في العديد من البلدان العربية اليوم.
كيف تنظرون إلى الإجراءات القانونية بحقّ راشد الغنوشي، وما هي آلية التعامل القانوني من قبلكم مع هذا الحدث؟
القانون معطّل اليوم في تونس التي تحولت فيها الدولة إلى دولة العنف والمداهمات والاعتقالات، مع تطويع القضاء واستخدامه أداة لضرب الخصوم والانتقام منهم. للأسف ما بُني في تونس بعد الثورة بجهود مضنية وتضحيات جسام ينسفه قيس سعيّد اليوم بجرة قلم، بعدما عطّل المؤسسات وكتب دستوره الخاص، وطفق يدير الدولة بالمراسيم الرئاسية، وكأن تونس حظيرته الخاصة التي ورثها عن والده.
تعلمون أننا توجهنا أيضًا إلى محكمة حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية، والدولة التونسية عضو مؤسّس لها، ويفترض أن أحكامها ملزمة لها. وقد سبق للمحكمة الأفريقية أن أصدرت حكمًا قضائيًّا اعتبر إجراءات قيس سعيّد الانقلابية باطلة شكلًا ومضمونًا، استنادًا للقوانين الدولية والأفريقية. احتكمنا للمحكمة الأفريقية مطالبين بإطلاق سراح المساجين، لنقيم الحجة على هذا النظام الذي لا يحترم لا قوانين ولا ضوابط سياسية أو أخلاقية.
ما هو دور حركة النهضة في هذا الوضع؟ وكيف تتعامل الحركة مع هذه الأزمة؟
النهضة عملت كل ما في وسعها لتجنُّب الأزمة والترفق بأوضاع البلد من خلال التوافقات والتنازلات التي انتهجتها، لكن الشعب يكتشف اليوم كذبة الانقلاب الذي جاء بشعار إنقاذ تونس، فإذا به ينزل بها إلى أعماق الهاوية ويقف بها على حافة الإفلاس. النهضة تتحرك مع غيرها من القوى السياسية وتحت مظلة جبهة الخلاص الوطني، لدحر هذا الانقلاب الغادر وتخليص تونس من شرور هذا الاستبداد الذي يطبق على أنفاسها مجددًا.
هل نستطيع الحديث عن علاقة الرئيس قيس سعيّد باعتقال السيد الغنوشي، خاصة أن سعيّد منذ انقلابه يسعى إلى شنّ حرب على النهضة وقياداتها؟
لا شكّ في ذلك، قيس سعيّد هو الذي يصدر التعليمات، وهو الذي يتحكم في جهازَي البوليس والقضاء، وهو الذي يأمر النيابة العمومية فتطيع. منذ أن دخل سعيّد قصر قرطاج وهو يمارس التحريض السياسي والخطابي ضد والدي تصريحًا وتلميحًا.
يعود هذا لأسباب عديدة، لأنه كان يرى في مجلس نواب الشعب ورئيسه عقبة كَأْداء أمام طموحاته السلطوية، ولأنه يرى في النهضة باعتبارها الحزب الأول في البلاد حاجزًا أمام تنفيذ مشروعه الانقلابي الرامي لإقامة نظام الفرد الواحد الأوحد، وطبعًا لأنه لا يمكن أن يتحمّل وجود شخصية بحجم الغنوشي الفكري والسياسي، وهو الذي لا تاريخ ولا ماضٍ سياسي له.
هل توجد ضغوط دولية على الحكومة التونسية لإطلاق سراح الغنوشي؟ وكيف تنظرون إلى ردود الفعل الدولية؟
هناك ضغوط من المنظمات الحقوقية ومن الأكاديميين والمفكرين الغربيين، ومن القوى المناصرة للحرية والديمقراطية، وهذه الأطراف تمثّل نوعًا من الضغط على صانعي القرار الغربي لاتخاذ مواقف جدية من نظام قيس سعيّد الانقلابي.
إلى حد الآن، عبّرت العديد من الدول عن استيائها من اعتقال الغنوشي والقيادات السياسية، لكن المطلوب موقف أكثر جدّية وحزم من ديكتاتورية قيس سعيّد التي تراهن على نسف كل المكتسبات التي تحققت.
ما هو تأثير اعتقال والدك على الحركة السياسة التونسية بشكل عامّ؟ وكيف تنظرون إلى مستقبل الحريات والديمقراطية في تونس في هذا السياق؟
طبعًا الشيخ راشد الغنوشي شخصية وازنة وترك بصمته في المشهد السياسي التونسي، وتأثيراته الفكرية تمتدّ إلى المجال الإسلامي عامة، وتقديري أن اعتقاله زاد القناعة لدى مختلف القوى السياسية بضرورة التوحُّد، وتجاوز الصراعات الأيديولوجية في وجه هذه الديكتاتورية الناشئة التي تهدد الجميع.
أكيد أن الحريات مهدَّدة في الصميم اليوم، لكن المجتمع يقاوم بأشكال وصيغ مختلفة. الأحزاب والمنظمات والقضاة والمحامون وكل قوى المجتمع المدني. كما أن الناس يتجرؤون على الديكتاتورية، ولم يستسلموا لمناخ الخوف الذي يراد فرضه على الجميع.
ما هي السيناريوهات المتوقعة في قادم الأيام بالنسبة إليكم، ولو نتحدث عن تخوفاتكم وممّا تحذرون؟ والتحديات التي تواجه تونس؟
تونس اليوم خليط مركّب من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهذه الازمات تطحن الجميع. لأول في تاريخ تونس منذ الاستقلال يصطفّ الناس في الطوابير لساعات طويلة من أجل الحصول على الخبز والدقيق والزيت. والبلد مهدد فعلًا بالإعلان رسميًّا عن الإفلاس في حال العجز عن دفع ديونه، وهو أمر وارد جدًّا.
ما يخيف اليوم هو انهيار الوضع بصورة كاملة، واتجاه البلد نحو الفوضى الشاملة، خصوصًا مع تفكيك مؤسسات الدولة وتعمُّق الأزمة الاقتصادية والمالية.
التحدي الذي تواجهه تونس يتمثل بطبيعة السياسة، لأنها تمثل المدخل والمفتاح لمعالجة الأزمة الراهنة، فالحركة الافتصادية شبه معطلة اليوم لأن لا أحد يثق في المناخ السياسي السائد. لذا الحل إما الذهاب الى حوار وطني شامل يُفرَض على قيس سعيّد مع الالتزام بمخرجاته، وإما الذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكّرة تفسح المجال أمام عودة النظام الديمقراطي المغدور به.