ترجمة حفصة جودة
كشفت مذكرات سرية مسربة من مكتب وزارة الخارجية البريطانية، كيف تسللت المملكة المتحدة إلى هيكلية الاتصالات الأردنية على أعلى المستويات، ما بدوره يتسبب في تأثير خبيث واسع النطاق على إعلام البلاد وبالتالي التصورات العامة داخل البلاد، وفي شرق آسيا على نطاق أوسع.
أظهرت هذه الأوراق أنه بذريعة مواجهة إعلام داعش، سعت لندن إلى نشر عملائها داخل وحدة الاتصالات الإستراتيجية بالأردن “JSU”، وهي كيان أردني يضم ممثلين من عدة إدارات ومؤسسات حكومية تضم بالطبع الديوان الملكي ووزارة المعلومات والقوات المسلحة الأردنية ووزارة الداخلية ومديرية الأمن العام.
سيُنشئ هؤلاء العملاء “غرف أخبار سرية” مخصصة لنشر تدفق مستمر من المحتوى الإعلامي – غير قابلة للتعقب – الذي يمجد الروايات الوطنية القومية ويبعث برسائل مناهضة للتطرف، ثم ستساهم المنافذ الإعلامية المحلية والإقليمية في نشر هذا المحتوى سواء بقصد أم دون قصد.
قدمت المخابرات البريطانية عرضًا تفصيليًا لشركة “Albany Associates” لمشروع قيمته نصف مليون جنيه، وسعت لندن لإتمامه بنهاية السنة المالية 17-2016.
وقالت الشركة: “بدعمنا ستصبح وحدة الاتصالات الإستراتيجية الأردنية مؤهلة للفوز والهيمنة على سباق الفضاء المعلوماتي”.
وضعت الشركة الخطوط العريضة للخطة التفصيلية، ووعدت بمضاهاة التأثير البصري لدعايا داعش بصور قوية خاصة بها في شكل صور ومقاطع فيديو.
يقول العرض “أوصينا بأن يكون محتوى “JSU” مزيجًا من مقاطع الفيديو القصيرة والصوتيات والصور والإنفوجرافيك والمدونات ومقالات الرأي وأسئلة وأجوبة مباشرة مع العناصر الأمنية العليا والمؤثرين الرئيسيين، كما سننصح باختيار ومشاركة محتوى شيق وذي صلة لجهات خارجية تدعم الأهداف الحكومية”.
ويضيف “سنحدد أكثر المؤثرين الأردنيين شعبية على فيسبوك وتويتر وواتساب وجوجل وكذلك المدونين وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى ونطور إستراتيجيات للتفاعل معهم، بما يساعد على خدمة رسائلنا ونشرها”.
اقترحت الشركة تدريب الوكالات الأمنية والاستخباراتية في عمان على كيفية استخدام مجموعة من وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التحرير والأدوات المصاحبة لذلك
“يمكن تحقيق ذلك جزئيًا من خلال استغلال الشبكات المحلية والإقليمية (سرًا) واستغلال محتوى المواطنين والنشطاء والمنظمات غير الحكومية وتحدي وتجاوز محتوى المعارضة، سيكون تركيز غرفة الأخبار الإستراتيجي على الأصوات المحلية التي تتحول إلى محادثات محلية”.
“يجب أن يكون المحتوى بأكمله متوافقًا مع السردية الأساسية والرسائل الرئيسية لأهداف الوحدة الإستراتيجية لتوفير الأصالة والاستمرارية”.
وبملاحظة أن الحكومة الأردنية تستخدم حتى الآن بشكل أساسي وسائل الإعلام القديمة والتقليدية لإصدار الخطابات والمعلومات، اقترحت الشركة تدريب الوكالات الأمنية والاستخباراتية في عمان على كيفية استخدام مجموعة من وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التحرير والأدوات المصاحبة لذلك.
يتضمن ذلك موارد المراقبة لتحديد الجمهور الرئيسي المستهدف لدعايا غرفة الأخبار السرية، وكذلك الاستماع إلى المؤثرين الأردنيين ومراقبتهم وأصحاب المصالح الذين يشاركون أفكارًا ومحتوى يدعم مهمة الوحدة.
إخفاء المسارات
كان إخفاء مشاركة بريطانيا في غرفة الأخبار السرية أمرًا مهمًا، فارتباطك بحكومة إقليمية أو غربية يمثل مخاطرة كبيرة، تستطيع الشركة تخفيفها بضمان عدم ظهور التمويل والإدارة الأجنبية في العلامة التجارية للمحتوى أو الرسائل المختارة.
إذا أثارت غرفة الأخبار السرية اهتمامًا غير مرغوب به أو أدت إلى تحقيقات صحفية، سيتم اتخاذ إجراءات متفق عليها مسبقًا، وفقط في حالة الاختراق الأمني، يتم الاعتراف بمشاركة بريطانيا وفقًا لسردية محددة من قبل.
لاحظت الشركة أن وحدة الاتصالات الإستراتيجية تعمل في بيئة إعلامية متوترة ومريبة للغاية، وأكثر ما يسأله الناس لأنفسهم: من يصنع هذا المحتوى؟ ولماذا؟
تقول الشركة: “في مثل هذه الظروف كانت الوحدة تطلق دعايا مضادة متوقعة أن تنقلها وسائل الإعلام بكل أمانة ويصدقها الجمهور المستهدف، لكن مهمتنا أن نفعل الأمر بشكل مختلف وذلك باستخدام التوازن والمحتوى لإنتاج الثقة والإقناع لتحقيق الأهداف”.
أحد الأهداف الرئيسية المعلنة لغرفة الأخبار هو الحد من تصور الحكومة الأردنية كعميل للغرب خاصة الولايات المتحدة في المنطقة
هذه الطريقة الحذرة تمتد لتشمل قنوات الإعلام المشهورة بالفعل لدى الجمهور المستهدف التي لن تثير التساؤلات بين القاعدة الشعبية المستهلكة لوسائل الإعلام، يجب أن تعكس غرفة الأخبار السرية أيضًا في جميع الأوقات الطرق التي يستهلك بها الجمهور المستهدف المعلومات.
هناك أيضًا مخاوف بشأن اختيار المشاهير المحليين والدوليين الذين من الممكن استخدامهم لإضفاء بصمة شعبية مستقلة على محتوى الوحدة.
استخدام المؤثرين الأردنيين
تقول الشركة إن تكتيك تضخيم الأصوات الشهيرة من التكتيكات المفيدة لزيادة الوصول والتأثير، ومع ذلك فقد يأتي بنتائج عكسية إذا كانوا مرتبطين بوضع سياسي معين وبالتالي سيكون محتواهم كذلك.
وتضيف “بإمكانهم أن يكونوا مفيدين رغم ذلك إذا قمنا بالبحث المناسب أولًا لتحديد مواقفهم السياسية وتقييم انتشارهم المحتمل مقابل مخاطر مشاركتهم، وأن تفهم الوحدة جيدًا حدود استخدام هذه الأصوات”.
الهدف الحقيقي لغرفة الأخبار التأكيد بشدة على السرديات التي تخدم المصالح الذاتية وبالتالي السيطرة الأمريكية والبريطانية على عمّان والدول المجاورة.
إذا أصبحت علاقة الصوت الشهير سلبية، فإن الطبيعة “غير المعروفة” لاتصالات غرفة الأخبار ستعني أنه لن يكون هناك رابط بين التصور الشعبي للمحتوى الذي يميز هذا الصوت والمحتوى الذي لا يميزه، فمناطق العمل الأخرى لن تتأثر جراء ذلك.
من بين المشاهير المقترحين للمشروع: واعظات دينيات ومقاتلات سابقات في داعش وضحايا وعائلات الضحايا وعائلات المقاتلات وناشطات مثل ديمة علم فراج التي تُوصف بأنها نموذج نسائي قوي، ومواقع ساخرة مثل شبكة الترفيه المحلية “خرابيش” ومنصة الكوميديا الشبابية “فوق السادة”.
هذه السرية ملفتة للنظر، نظرًا لأن أحد الأهداف الرئيسية المعلنة لغرفة الأخبار هو الحد من تصور الحكومة الأردنية كعميل للغرب خاصة الولايات المتحدة في المنطقة.
حرب معلومات وليس صحافة
من المفارقة الساخرة أن المرشد الداخلي للمشروع الذي من المفترض ضمه إلى الوحدة وتدريب الأردنيين على فن حرب المعلومات، هو جندي احتياطي سابق بالجيش البريطاني ذهب إلى أفغانستان والعراق وكوسوفو.
يفتخر المرشد بأنه يتمتع بخمس سنوات من الخبرة التشغيلية في مجال الاتصالات في لندن وواشنطن ويملك تصاريح أمنية عالية المستوى، ويُقال إنه أنشأ وقاد فرق صحفية في أكثر البيئات عدائية.
خلال العقد الماضي مررت عمّان عددًا من القوانين المكافحة للإرهاب وجرّمت أبسط أشكال المعارضة باعتبارها تهديد للدولة
شمل ذلك مصاريف 2011 في مقر مركز عمليات البرامج الإستراتيجية للبنتاغون في بغداد، وهناك أدار برامج تستغل خلسة أصوات موثوقة وأصيلة للمجتمع المدني، لتحقيق أقوى تأثير في الحملات التي تروج للمصالحة السياسية والهوية الوطنية.
كما طور شخصيًا لعبة حاسب آلي تستهدف جمهور الشباب العراقي، هذه الخلفية تؤكد بشدة على الواقع المظلم، فأيًا كان التدخل الجيد الذي تحققه الشركة لردع المواطنين الأردنيين عن السيطرة المدمرة لداعش وغيرها من المتطرفين في غرب آسيا، إلا أن الهدف الحقيقي لغرفة الأخبار التأكيد بشدة على السرديات التي تخدم المصالح الذاتية وبالتالي السيطرة الأمريكية والبريطانية على عمّان والدول المجاورة.
تسعى مجموعة السرديات الوطنية والرسائل الرئيسية التي صاغتها الشركة علانية إلى تخليد أولويات الديوان الملكي الهاشمي، هذه السلالة وضُعت على سدة الحكم في غرب آسيا من خلال البريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى.
الأكثر من ذلك أن المعارضة في الأردن ليست مقتصرة فقط على الأخوية الأصولية العنيفة، فخلال العقد الماضي مررت عمّان عددًا من القوانين المكافحة للإرهاب وجرّمت أبسط أشكال المعارضة باعتبارها تهديد للدولة.
واليوم، يتعرض الصحفيون المحليون أو الأجانب والنشطاء باستمرار إلى المضايقات والاعتقال والملاحقة القضائية بسبب تقاريرهم الإخبارية ونشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن تأسيس الشركة لغرفة الأخبار السرية تلك يهدف إلى غمر وسائل الإعلام بدعايا بارعة تبدو كصحافة شعبية مستقلة، التي توفر وسائل أخرى لقمع الحقائق المزعجة ووجهات النظر التي لا يرغب حاكم الأردن الحاليّ عبد الله الثاني – الذي كان نفسه جنديًا سابقًا في الجيش البريطاني – أو داعموه الغربيون؛ في انتشارها بين الرأي العام.
ملاحظة المحرر: رغم أن أسماء الشركات والأفراد الأردنيين الذين عينتهم شركة ألباني تظهر في الوثائق البريطانية، فإن هذه الأطراف قد تكون شاركت دون قصد، فقد أوضح مسؤول تنفيذي في شركة خرابيش أنهم لم يتعاونوا بوعي أو طيب خاطر مع هذا التواطؤ، حيث قال: “آخر ما أرغب في القيام به هو خدمة هراء الدعايا البريطانية التي لا يهتم بها أحد”.
المصدر: ذي كرادل