أعلن صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي)، في 5 يونيو/حزيران الحاليّ، تحويل أربعة أندية رياضية سعودية وهي: الاتحاد والأهلي والنصر والهلال إلى شركات خاصة، يكون للصندوق 75% من ملكيتها، فيما تتشارك بعض المؤسسات الرياضية الأخرى غير الربحية في الـ25% المتبقية.
وفي السياق ذاته أعلنت وزارة الرياضة السعودية خلال مؤتمر صحفي عقدته في ذات اليوم عن تخصيص عدد من الأندية الأخرى على أن يؤول جزء من ملكيتها لعدد من الشركات المملوكة في الأساس إما للصندوق السيادي وإما للحكومة السعودية، ومنها استحواذ شركة أرامكو النفطية على ملكية نادي القادسية، وهيئة تطوير الدرعية على نادي الدرعية، والهيئة الملكية للعلا على نادي العلا، كذلك استحواذ شركة نيوم على نادي الصقور.
تتزامن تلك الإجراءات مع ما أعلنه ولي العهد محمد بن سلمان – رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة – بشأن انطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص (الخصخصة) للأندية الرياضية بالمملكة، الذي من المقرر أن يفتح باب الخصخصة للأندية بشكل كامل بداية من الربع الأخير من العام الحاليّ.
وخلال السنوات الأخيرة تحولت الرياضة إلى إحدى أبرز الأدوات التي يستخدمها ولي العهد للترويج للمملكة على المستوى العالمي، إما بالاستحواذ على أندية داخل الدوريات الأجنبية، وإما باستقطاب نجوم الكرة للعب داخل الدوري السعودي، ويأتي ذلك في إطار “رؤية المملكة 2030” التي يتبناها ابن سلمان لتقديم أوراق اعتماده للمجتمع الدولي عبر مسارات عدة، تتأرجح بين الفن والإعلام والرياضة.
أندية المسار الأول في مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية :
? استثمار صندوق الاستثمارات العامة في 4 أندية من خلال تحويلها إلى شركات :
1️⃣ الاتحاد
2️⃣ الأهلي
3️⃣ النصر
4️⃣ الهلال#تخصيص_الأندية_الرياضية pic.twitter.com/asqntPyxoz
— وزارة الرياضة (@gsaksa) June 5, 2023
خصخصة الأندية.. ليس مشروعًا جديدًا
يهدف مشروع الخصخصة الذي أعلن عنه ولي العهد إلى “تطوير كرة القدم ومنافساتها في البلاد والوصول بالدوري المحلي إلى قائمة أفضل عشر دوريات في العالم، وزيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنويًا (نحو 480 مليون دولار)، إلى جانب رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار)”، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، التي أوضحت أن إطلاقه جاء بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى التي تستهدف “بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة”.
وتشير الوكالة إلى أن المشروع يعمل على مسارين رئيسيين الأول: “الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءًا من الربع الأخير من عام 2023″، وتهدف إلى تحقيق حزمة من الأهداف الفنية والإدارية منها “إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصادٍ رياضي مستدام، ورفع مستوى الاحترافية والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية الرياضية، إضافة إلى رفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية”.
يذكر أن مشروع خصخصة الأندية السعودية ليس وليد اليوم، ولا هو من بنات أفكار ابن سلمان كما يُروج، إذ طُرح البرنامج لأول مرة عام 2014، وجرى الاتفاق حينها على البرنامج من حيث المبدأ بسبب الخسائر التي كانت تتعرض لها الأندية السعودية – آنذاك -، لكن تأجل الإعلان عنه بشكل رسمي حتى الـ5 من الشهر الحاليّ.
مشروع ضخم انتظرناه كثيراً ونقلة تاريخية على كافة المستويات في تاريخ رياضة وطننا الغالي #تخصيص_الأندية_الرياضية
واليوم اصبح الحلم حقيقة
بدعم وتخطيط وجهد كبير من سمو ولي العهد ??????#شكرا_ولي_العهد pic.twitter.com/kzr2fD3hi9
— فيصل بن تركي (@faisalbinturki1) June 5, 2023
استثمار رياضي
تكثف المملكة من خطتها نحو الاستثمار الرياضي كأحد قطاعات الاقتصاد غير النفطي التي تستهدفها الرياض لتنويع مصادر دخلها في إطار الرؤية العامة التي أعلنتها السعودية لعدم الارتكان بشكل كامل لعائدات النفط غير المضمونة في المستقبل، وهي الخطة التي توليها الدولة أهمية فائقة وتجيش لها الإمكانات كافة.
ويرى المؤرخ الرياضي السعودية أمين ساعاتي أن الأندية الرياضية يمكنها أن تساهم بشكل فعال في بناء الاقتصاد الوطني، معتبرًا أن الخصخصة هي الطريق الأول لتحقيق تلك المساهمة، موضحًا في مقال له أنه “لا يصح أن يكون هذا النشاط الرياضي بحجمه المالي والاجتماعي الضخم خارج منظومة الاقتصاد الوطني”، وحتى يحقق ذلك “فإن تطبيق نظام الخصخصة هو المشروع الأمثل”، مضيفًا “الخصخصة لا تعني أن تبتعد الحكومة نهائيًا عن الأندية وتسلمها للقطاع الخاص، وإنما تعني أيضًا أن تحتفظ الحكومة بمسؤولية التخطيط الإستراتيجي للأندية، وتوفير حماية مناخ الاستثمار، وتقرر السياسة العامة، وتضع الأنظمة، وتراقب سير الأندية في مجالات الخصخصة المختلفة”.
اخيرا حلم استاد الهلال والاتحاد والنصر والاهلي سيصبح ممكنا قبل 2030 .. الان الاندية الجماهيرية الكبرى تقترب من احلام الملايين من انصارهم بتغيير وتطوير بنيتها الاساسية والانطلاق نحو افق جديد .#تخصيص_الأندية_الرياضية
— #وليد_الفراج (@waleedalfarraj) June 5, 2023
ويتفق معه في الرأي الخبير الاقتصادي السعودي معاذ الحسيني الذي استعرض العديد من الفوائد الناجمة عن خصخصة الأندية منها أنها “ستكون محفزًا لمستثمرين جدد، مما يعزز التكامل على مختلف المستويات، سواء بالنضج الإداري أم الحوكمة أم فرض الخطط والتغييرات بحرية ومرونة عالية، بل وحتى ظهور أندية جديدة”، لافتًا إلى أن المملكة تتمتع ببنية رياضية تحتية تؤهلها لذلك، فضلًا عن الزخم الجماهيري الذي لا يقل عن الدوريات الأوروبية.
وتابع “هذه الفرص وغيرها تقدم الكثير للمستثمر الرياضي وعبر موارد ومداخيل متنوعة مثل حقوق البث أو عقود الرعايات أو بيع عقود اللاعبين وبيع منتجات النادي، وعوائد يوم المباراة”.
ويتزامن مع برنامج خصخصة الأندية، استقطاب نجوم الكرة العالميين لللعب في الدوري السعودي، وهو ما حدث مع استحواذ نادي النصر على خدمات النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 173 مليون جنيه إسترليني سنويًا، وهو الأجر الأعلى في تاريخ كرة القدم، ورغم تراجع أداء رونالدو الفني، فقد حقق طفرة كبيرة للنادي والدوري على المستوى الإعلامي والجماهيري على أقل تقدير، حيث ارتفع عدد متابعي النادي السعودي على إنستغرام من 800 ألف إلى أكثر من 14 مليونًا خلال ثلاثة أشهر، حسبما نشر موقع “ذي أتلاتيك” الأمريكي.
كما نجح نادي اتحاد جدة في الحصول على توقيع لاعب ريال مدريد السابق كريم بنزيمة، لمدة ثلاث سنوات قادمة، نظير 55 مليون دولار سنويًا يتقاضاها اللاعب خالية من الضرائب، ويعد اللاعب أحد أساطير كرة القدم في السنوات العشرة الأخيرة، حيث تُوج بـ25 لقبًا أبرزها الألقاب الخمس في دوري أبطال أوروبا ومثلها في كأس العالم للأندية و4 ألقاب في الدوري الإسباني.
الأمر لم يتوقف عند رونالدو وبنزيمة وفقط، إذ يبدو أن هناك خطة ممنهجة لإثراء الدوري السعودي بنجوم كرة القدم العالميين، وهو ما نقلته وكالة “فرانس برس” عن مصدر في الرياض حين قال إن السلطات السعودية المختصة “على تواصل مع أكثر من عشرة لاعبين العديد منهم لاعبين فازوا بكأس العالم أو دوري الأبطال (الأوروبي) للانضمام للدوري السعودي الموسم المقبل”.
ومن أبرز الأسماء على قائمة المستهدفين للعب في الدوري السعودي: الإسباني سيرخيو راموس (37) والأرجنتيني أنخل دي ماريا (35) والكرواتي لوكا مودريتش (37) والفرنسيان هوغو لوريس (36) ونغولو كانتي (32) والبرازيلي روبرتو فيرمينو (31) والإسبانيان جوردي ألبا (34) وسيرجيو بوسكيتس (34)”.
فيما تناقلت بعض الأنباء عن تقديم عرض خيالي للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، لكن يبدو أنه بات أقرب إلى برشلونة إن لم تكن هناك مفاجأة كما حدث مع بنزيمة الذي كان في طريقه بالفعل للتوقيع على عقد جديد يبقيه مع ريال مدريد حتى صيف عام 2024، لكن العرض المذهل الذي تقدمت به السعودية عطّل هذه الخطة وأدى في النهاية إلى رحيله عن النادي الملكي، وفق صحيفة mundodeportivo الإسبانية.
55 مليون دولار راتب بنزيمة سنويّاhttps://t.co/5jE76HHNd3 #Benzema pic.twitter.com/8Dq3IK6EWt
— صحيفة الرياضية (@ariyadhiah) June 7, 2023
الترويج للسعودية.. ولابن سلمان
بجانب البعد الاستثماري في هذا التوجه الجديد إلا أن الهرولة فيه بتلك الخطوات والقفزات المتسارعة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الترويج للسعودية وتقديم ولي العهد الشاب بصورة الأمير المصلح صاحب الأفق المرن القادر على التعاطي مع مستجدات الحياة العصرية بعيدًا عن الصورة النمطية القديمة عن المملكة وخطها الديني الأصولي.
هيمنة الصندوق السيادي الذي يرأسه ابن سلمان على الأندية السعودية بنسبة 75% يعكس حالة من التأميم أكثر منها خصخصة، حتى لو تشاركت بعض الشركات الأخرى بالنسبة المتبقية، لا سيما أنها شركات حكومية أو مملوكة لأفراد من الأسرة الحاكمة، بما يضع المنظومة الرياضية برمتها تحت إمرة كيان واحد يرسم لها الخطط ويكيفيها وفق أجندات خاصة، تخدم في النهاية أطماع وطموحات الأمير الشاب.
يحاول ولي العهد جاهدًا السيطرة على مفاتيح المملكة الاقتصادية والرياضية والفنية، وأن تكون كل أدوات الترويج للمملكة عالميًا وقواها الناعمة ذات النفوذ الكبير تحت قبضته، وهي الإستراتيجية التي اتبعتها الرياض خلال السنوات الثمانية الأخيرة منذ تقلد محمد بن سلمان منصب ولي العهد في أبريل/نيسان 2015.
مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية السعودية اعتمد من قائدنا الملهم وعراب الرؤية المباركة .
أبشروا بقفزات تطويرية شامله ينشدها الجميع
??
?????#تخصيص_الاندية_الرياضية #شكرا_ولي_العهد pic.twitter.com/yMBY0jdFQU
— عبدالعزيز أحمد بغلف?? (@AzizbagBag) June 5, 2023
ومنذ ذلك التاريخ يسابق ابن سلمان الزمن لتعزيز حضور قوة بلاده الناعمة من أجل التغطية على سجله الحقوقي المشين، المليء بالانتهاكات والجرائم التي وضعته في مرمى الانتقادات الدولية أكثر من مرة، بل ودفعت بعض المنظمات إلى المطالبة بملاحقته أمنيًا وتقديمه للمحاكمة جراء ما فعل.
رياضيًا حاول قدر الإمكان تحقيق هذا الهدف من خلال عدد من الاستثمارات في المجال الرياضي عربيًا وأوروبيًا، وكان مستشاره المقرب تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه الحاليّ واتحاد الكرة السابق، ذراعه الطولى لأجل هذا الغرض، كانت البداية من مصر حيث شراء أحد الأندية ثم بيعها بعد الانتقادات التي تعرض لها بسبب إفساده للكرة المصرية، ثم انتقل بعدها إلى الكرة الإسبانية حيث اشترى نادي ألميريا، أحد أندية دوري الدرجة الثانية في إسبانيا.
غير أن تراجع شعبية هذا النادي لم ترض طموح ولي العهد الباحث عن العالمية، فكان التحرك الأكثر جدلًا من خلال شراء نادي نيوكاسل الإنجليزي، في صفقة مولها الصندوق السيادي للمملكة بقيمة 340 مليون جنيه إسترليني (380 مليون يورو) مقابل الاستحواذ على 80% من أسهم النادي.
أما على المستوى الفني فنجحت الرياض في أن تتحول بجانب جدة إلى مسرحين كبيرين لاستضافة الفعاليات والاحتفالات الكبرى، وبدأ الترويج لاعتبار المدينتين عاصمتي الفن والإعلام والترفيه وملتقى الفرق الاستعراضية ونجوم الفن بشتى أنواعه في المنطقة في العقد الحاليّ.
استضافة المونديال.. حلم الأمير الشاب
نجاح قطر في تنظيم مونديال 2022 والترويج العالمي لتلك الدولة الخليجية صغيرة المساحة من وراء هذا المحفل الرياضي أسال لعاب ولي العهد الذي أيقن أن تنظيم بطولة بهذا الحجم كفيل بأن يضعه على رأس هرم الإعلام الدولي ويدخله في زمرة نخبة العالم من المشاهير.
وعليه كان التحرك العاجل لاستثارة المياه الراكدة في مجاري الرياضة السعودية لتدشين بنية تحتية قوية، وتوفير المناخ الملائم لاستضافة هذا الحدث الذي يتطلب مواصفات ومتطلبات وشروط خاصة، وبموازاة ذلك لا بد من الاستعانة بسفراء على قدر كبير من النجومية والشهرة لتقديم ملف استضافة المونديال فوق الأراضي السعودية.
ومن هنا جاءت فكرة الاستعانة برونالدو ضمن فريق النصر السعودي، فالأمر أبعد من مجرد المشاركة مع النادي، وهو ما أوضحته صحيفة “ديلي ميل” حين كشفت أن مدة التعاقد مع النجم البرتغالي سبع سنوات كاملة، عامان كلاعب وخمسة كسفير لملف المونديال، كاشفة أن الأجر الإجمالي الذي سيتقاضاه اللاعب يبلغ 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.45 مليار دولار) خلال السنوات السبعة.
وبحسب ما نشره موقع “ذي أتلاتيك” الأمريكي فإن الرحلة التي قام بها النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى السعودية لمدة يومين في الأول من مايو/أيار المنقضي، وعاقبه بسببها ناديه باريس سان جيرمان، لم تكن بهدف الترويج للسياحة السعودية فقط كما تم تداوله، إذ إنها تأتي في إطار رغبة المملكة في الاستعانة بالأساطير للترويج لملف استضافة كأس العالم 2030 كأحد مفردات مشروع “رؤية المملكة 2030” الذي يسعى إلى “تقليل اعتماد السعودية على النفط، وتنويع اقتصادها من خلال قطاعات الخدمة العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والرياضة والسياحة”.
ومن هنا فإن القراءة الوحيدة لمشروع هيمنة الصندوق السيادي السعودي على الأندية الرياضية وحصرها تحت مسمى “الخصخصة” قراءة منقوصة وغير موضوعية، فالأمر أقرب للتأميم منه للخصخصة، هذا بخلاف البعد السياسي الواضح في هذا التوجه، وإن كان ذلك لا ينكر آثاره الاقتصادية كأحد أدوات الاستثمار الناجحة عالميًا في هذا الوقت.