كما كان متوقعًا، لم تتوصل اجتماعات اللجنة الليبية المشتركة (6+6)، التي استمرت لأكثر من أسبوعين في المغرب إلى اتفاق نهائي بخصوص القوانين الانتخابية في ليبيا التي ستؤطر الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة.
يقول المجتمعون في بوزنيقة المغربية إنهم اتفقوا على كل نقاط الاختلاف بشأن قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن عدم التوقيع على الاتفاق، يؤكد وجود نقاط خلاف لم تحلّ بعد، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري.
جعلنا هذا الأمر نتساءل عن مدى جدية اللجنة في إنهاء عملها والوصول إلى انتخابات قريبة رغم أن قراراتها إلزامية وفق التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، وهل تحظى هذه اللجنة وعملها برضى الليبيين؟ وأخيرًا هل يمكن أن نشاهد انتخابات ليبية في المستقبل القريب أم لا؟
إرجاء التوقيع الرسمي على “اتفاق بوزنيقة”
جاء إعلان إرجاء التوقيع الرسمي من رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري على “اتفاق بوزنيقة” الخاص بالقوانين الانتخابية في ليبيا، على لسان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
يُذكر أن صالح والمشري حضرا إلى المغرب خلال مشاورات اللجنة التي امتدت لأسبوعين، لكنهما اختارا المغادرة قبل وقت وجيز من الانتهاء، وغابا عن الجلسة الختامية لاجتماعات اللجنة المشتركة (6+6)، ما استدعى تأجيل التوقيع الرسمي وتبني القوانين الانتخابية من المجلسين إلى الأيام المقبلة، وفق الوزير المغربي.
تمكنت اللجنة وفق بوريطة من التوصل إلى توافقات مهمة فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية و”هي محطة حاسمة إذا ما تمت مواكبتها بتطبيق التوافقات”، واصفًا ذلك بـ”المحطة المهمة”، على اعتبار أن المجلسين هما المؤهلان لوضع القوانين التي ستحكم الانتخابات المقبلة.
غياب صالح والمشري عن الجلسة الختامية لأعمال اللجنة المنعقدة بالمغرب أكد وجود قضايا خلافية لم يتم حسمها بعد
من أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها، عدم منع أي شخص من الترشح، حتى من يحملون جنسية أجنبية أو العسكريين، وقبل ذلك كانت هناك مقترحات بمنع ترشح من يحملون جنسية ثانية، فضلًا عن منع ترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية.
وفق الاتفاق الأخير، يتخلي من يحمل جنسية أخرى عنها حال تمكنه من دخول الجولة الثانية للانتخابات، كما تم الاتفاق على إجراء جولة انتخابية رئاسية ثانية مهما كانت نتيجة الجولة الأولى، فضلًا عن الاتفاق على رفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 290، على أن يتكوّن مجلس الشيوخ من 90 عضوًا، وتنظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.
ولجنة 6+6 مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة، نصّ على تشكيلها التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، وكُلّفت بإعداد قوانين انتخابية توافقية تجري عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة متواصلة منذ سنوات في ليبيا.
قضايا خلافية لم تحل بعد
غياب صالح والمشري عن الجلسة الختامية لأعمال اللجنة المنعقدة بالمغرب، رغم حضور عدد من سفراء الدول العربية، أكد وجود قضايا خلافية لم يتم حسمها بعد، وأكدت ذلك تغريدة لرئيس مجلس الدولة.
فبعد ساعات قليلة من انتهاء عمل اللجنة، قال المشري، في تغريدة له على “تويتر”: “رغم أن التعديل الدستوري 13 يعتبر عمل 6+6 ملزمًا، فإننا نأمل بزيادة التفاهم حول بعض النقاط من خلال اللجنة نفسها في لقاءات قادمة”.
نتقدم بجزيل الشكر للمملكة المغربية ملكاً وحكومةً وشعباً على استضافتها لقاءات لجنة 6+6 ونشكر أعضاء اللجنة على الجهد المبذول للوصول لتوافقات هامة، وعلى الرغم بأن التعديل 13 يَعتبر عمل اللجنة نهائي وملزم إلا أننا نأمل زيادة التفاهم حول بعض النقاط من خلال اللجنة نفسها في لقاءات قادمة
— خالد المشري (@KhaledMeshri) June 6, 2023
نفهم من هنا أن المشري غير مرتاح لما تم التوصل إليه، يُذكر أن رئيس مجلس الدولة كان يرفض بشدة ترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية، في مسعى لقطع الطريق أمام اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق الليبيين.
جاء الرفض أيضًا من 54 عضوًا في مجلس الدولة (من أصل 200 هو إجمالي أعضاء المجلس)، اتهموا رئاستي مجلسي النواب والدولة بالعبث والقفز على الإعلان الدستوري من خلال تشكيل اللجنة، وإسناد مهام واختصاصات دستورية لها هي من اختصاص أصيل لكل أعضاء المجلسين.
وقال الأعضاء في بيان لهم: “تابعنا بقلق وتوجس واستهجان لقاءات ما يسمى بلجنة 6+6، وما رشح من نتائج بثت عبر الإعلام كمخرج لهذه الاجتماعات باطلة الأساس الدستوري من حيث المنشأ، وبالضرورة منعدمة النتائج”.
من المرتقب أن يتأجل حلم الليبيين بإنجاز انتخابات في بلادهم بعض الوقت
في نفس السياق، اتهم 61 عضوًا بمجلس النواب (من أصل 200 هو إجمالي عدد الأعضاء) لجنة “6+6” بتجاوز عملها، والانحراف عن دورها المحدد بالاتفاق على النقاط الخلافية المتعلقة بانتخاب الرئيس، وحمّل النواب رئاسة مجلس النواب مسؤولية التوقيع أو الموافقة على مخرجات اللجنة دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية.
من جهته قال حزب العدالة والبناء، في بيان له، إنه يرفض مخرجات لجنة “6+6″، نتيجة فقدانها التوافق الوطني المنبثق عن التعديل الدستوري الثالث عشر المطعون فيه دستوريًا أمام القضاء، وفق قوله، وقال الحزب: “لم تعالج اللجنة معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي أساس الخلاف بين الأطراف الليبية، ورحلت المشكلة إلى الجولة الثانية من الانتخابات، مما يزيد من تعقيد المشهد الذي قد يصل إلى صراع مسلح”.
صعوبة الوصول إلى انتخابات
يرى الأكاديمي الليبي فرج أقبيلي، أن الأمور ازدادت تعقيدًا، في ظل عدم توقيع المشري وصالح على الاتفاق النهائي للجنة 6+6، ويعتقد أقبيلي أن هذا الأمر سيعرقل الوصول إلى انتخابات في المستقبل القريب.
يقول الأكاديمي الليبي في حديثه لنون بوست: “من المتوقع أن يشترط عقيلة صالح إقامة حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات القادمة وهذا لن يقبل به رئيس الحكومة الحاليّ عبد الحميد الدبيبة الذي استبق الأحداث وأسس جهازًا أمنيًا يضم مسلحي المنطقة الغربية”.
وأضاف محدثنا “عقيلة صالح الذي غادر المغرب قبل وقت وجيز من نهاية الاجتماعات، يطلب أشياء يعرف أنها سترفض ومن المستحيل القبول بها، لكنه مع ذلك يطلبها سعيًا منه لإطالة الأزمة، فهو يستثمر في الأزمات للبقاء أكثر على كرسي رئاسة البرلمان الليبي”.
مادة من قانون انتخاب رئيس #ليبيا عمل ممثلو المجلسين المتنافسين على صياغته يريد عقيلة صالح وبلقاسم حفتر في بوزنيقة تعديلها ليصبح التنازل عن الجنسية بعد الفوز
خالد المشري يرفض فيما اتهم ممثلو مجلس الدولة “القيادة العسكرية في الرجمة بممارسة ضغوط على النواب للتراجع عن بند اتفق عليه” pic.twitter.com/jw2QrRpSZn
— الخليل ولد اجدود khalil Jdoud (@KHjdoud) June 6, 2023
فضلًا عن ذلك، يقول أقبيلي، إن العديد من الفعاليات ترفض ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات، والحديث عن الطلب من المترشح التخلي عن الجنسية الثانية حال وصل للدور الثاني، مجرد كلام فقط، ولن يكون هناك تخل رسمي عن الجنسية، وفق قوله.
وأكد محدثنا أن كل من في السلطة سيسعى بطريقته لعرقلة الانتخابات، فليس من مصلحتهم فقدان شرعيتهم، فإن أنجزت انتخابات فلن تبقى إلا شخصية واحدة في الواجهة، ما يعني أنهم سيفقدون الامتيازات التي يتمتعون بها، خاصة أن لا أحد فيهم يضمن الفوز بالانتخابات.
من المرتقب أن يتأجل حلم الليبيين بإنجاز انتخابات في بلادهم – تضع حدًا للأجسام غير الشرعية وتؤسس لدولة مدنية تقوم على القانون والمؤسسات – بعض الوقت، خاصة أن العديد من الأطراف التي تستثمر في الأزمات ترى في الانتخابات نهاية لها.