بتاريخ 3 يونيو/ حزيران الجاري، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن تشكيلته الحكومية الجديدة، التي تضمّنت تعيين هاكان فيدان رئيس الاستخبارات الوطنية السابق وزيرًا للخارجية، وياشار غولر رئيس الأركان العامة السابق وزيرًا للدفاع، وعلي يرلي كايا محافظ إسطنبول السابق وزيرًا للداخلية، ولاحقًا تمَّ تعيين إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئاسة التركية رئيسًا لجهاز الاستخبارات الوطنية، وتعيين داوود غول محافظ غازي عنتاب السابق محافظًا لإسطنبول.
قد تشير هذه التعيينات إلى اتجاهات محتملة في السياسة التركية تجاه الملف السوري، لكن يجب ألا نتوقع حدوث تغييرات كبيرة أو مفاجئة بسبب الظروف المعقدة التي تحيط بالقضية السورية، بما في ذلك السياسات الخارجية للدول الأخرى، والأوضاع على الأرض في سوريا، واعتبارات السياسة التركية التي يلعب الرئيس أردوغان الدور الأبرز في رسمها وتوجيهها.
لذلك، سيحاول هذا التقرير استكشاف تأثير هذه التعيينات على الملف السوري بشكل عام، واللاجئين السوريين في تركيا، والوضع في شمال سوريا.
بداية، يمكن تقسيم مستقبل السياسة التركية تجاه سوريا إلى 3 مسارات: الأول سياسي ويتضمن استمرار المفاوضات التي بدأت قبل عدة أسابيع، والسير تدريجيًّا باتجاه التطبيع الكامل مع النظام السوري، في حال تمّ التوصل إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية.
المسار الثاني، عسكري أمني، ويتضمن استمرار التعاون الأمني مع المخابرات السورية الموجود أصلًا، مع توقع المزيد من التقدم في هذا الملف، خاصة حول مكافحة الإرهاب ومستقبل قوات “قسد” في شمال شرقي سوريا، واستمرار الوجود العسكري التركي هناك، ومستقبل وجود فصائل الجيش الوطني السوري، إضافة إلى الوضع في إدلب.
أما المسار الثالث فهو إنساني يتعلق باللاجئين السوريين في تركيا، والعمل على إعادة جزء كبير منهم إلى سوريا بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة في الملف السوري، ويبدو أن المسار الأخير هو الأوضح حاليًّا في ذهن الحكومة التركية، حيث يمكن القول إن هناك شبه خطة متكاملة لإعادة نحو مليون لاجئ سوري على الأقل.
وسيتم ذلك بالتعاون مع بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين وبتمويل قطري، من خلال بناء وحدات سكنية في 9 مناطق شمالي سوريا تضم أكثر من 300 ألف منزل، وتزويدها بالاحتياجات الأساسية والبنية التحتية اللازمة لجذب اللاجئين إلى هذه المناطق وتشجيعهم على العودة، إضافة إلى تفاهمات مستقبلية مع النظام السوري لعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يسيطر عليها.
وبالنظر إلى خلفية هؤلاء المسؤولين، سنجد أن جميعهم سبق وأن انخرطوا بالملف السوري، ويعرفون الكثير من تعقيداته ولو بدرجات متفاوتة، مع ذلك سيتم التركيز على هاكان فيدان باعتباره الشخصية الأبرز والأقرب إلى الرئيس أردوغان، وصندوقه السرّي في جميع الملفات، بما في ذلك هندسة التطبيع مع النظام السوري.
أولًا: هاكان فيدان، وزير الخارجية
يعتبر الشخصية الثانية في تاريخ تركيا ذات الخلفية العسكرية التي تشغل هذا المنصب، بعد عصمت إينونو الذي تمَّ تعيينه في الدور نفسه عام 1922، وهو أحد مؤسسي “الدور الاستباقي” لجهاز المخابرات في السياسة الخارجية الذي تمَّ الإعلان عنه في الذكرى الـ 80 لتأسيس الجهاز عام 2007.
ويعني الدور الاستباقي أو السياسة الخارجية الاستباقية مجموعة تدخلات من أجل خلق ظروف جديدة، أو تغيير مسار الظروف على أساس مصالح تركيا في مناطق مثل الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والقوقاز.
تمَّ تعيين فيدان نائبًا لرئيس الجهاز عام 2009، وفي عام 2010 أصبح رئيسًا له حيث أحدث نقلة نوعية في آليات عمله وإعادة هيكلته، وهو ما عزز من الحضور الاستخباراتي التركي على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية.
في عام 2020 أشاد الرئيس أردوغان بـ”العمل الدؤوب لجهاز المخابرات الوطنية في العديد من الأماكن، لا سيما في سوريا والعراق وليبيا”، وقال إنه “يمكّننا من الدفاع عن مصالحنا الوطنية بشكل أكثر فعالية”.
عمل عليها لمدة 13 عاماً استخباراتياً والآن سيمثل تركيا بها رسمياً.. ما هي أهم ملفات وزير الخارجية التركي الجديد #هاكان_فيدان في الشرق الأوسط؟ pic.twitter.com/OFTjp79YK6
— نون بوست (@NoonPost) June 6, 2023
وقاد جهاز المخابرات تحت رئاسة هاكان فيدان العديد من التدخلات التي كان لها أثرًا بالغًا، مثل تنظيم أسطول “مافي مرمرة” لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2010، والتدخل في النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم كاراباخ، وتحرير رهائن القنصلية التركية في الموصل الذين احتجزهم تنظيم “داعش” عام 2014، والتدخل في الملف الليبي لمنع سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
إضافة إلى دعم الجيش السوري الحر، وهندسة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر والسعودية والإمارات، وجلب العديد من قيادات فتح الله غولن المتوارين عن الأنظار في أوروبا وأفريقيا، إضافة إلى الدور البارز في إفشال محاولة الانقلاب التي جرت عام 2016، والمساهمة في الإفراج عن موظفة الإغاثة الإيطالية سيلفيا رومانو التي كانت محتجزة لدى حركة الشباب المجاهدين الصومالية عام 2020.
وفي تعليقه على تعيين هاكان فيدان وزيرًا للخارجية، قال عمر أونهون، آخر سفير لتركيا في سوريا، إن “فيدان، الذي عمل في العديد من المستويات الرئيسية في الدولة منذ 22 عامًا، يعرف الدولة جيدًا، ولديه اتصال مباشر بالرئيس ويحوز على ثقته”.
مضيفًا أن الثلاثي المسؤول عن العلاقات الخارجية والسياسات الأمنية للبلاد (وزارة الخارجية، هيئة الأركان العامة، جهاز المخابرات) هو فريق عملَ معًا لسنوات عديدة، وهذا بالطبع ميزة مهمة للغاية.
أما الفريق إسماعيل حقي بيكين، رئيس استخبارات هيئة الأركان العامة السابق، فقد صرّح لصحيفة “حرييت” بأن هاكان فيدان اسم مناسب لمنصب وزارة الخارجية، وليس لديه أدنى مشكلة في الخبرة، مشيرًا إلى أن رؤساء المخابرات هم من يضعون أساس العلاقات الخارجية للدول.
مضيفًا أن “القضايا المطروحة على طاولة هاكان فيدان هي الحرب الروسية الأوكرانية، والاتفاقية الأرمينية الأذربيجانية، والقضية الليبية التي يجب تسويتها مع مصر وروسيا، وبالطبع القضية السورية. هو بالفعل في هذه المفاوضات منذ البداية، وهو على دراية بهذه المواضيع. أضف إلى ذلك مكافحة الإرهاب. لسوء الحظ لم نتمكن من قطع الدعم الخارجي للمنظمات الإرهابية، ودور فيدان مهمّ من حيث قطع هذا الدعم مستقبلًا”.
من جانبه، قال الدكتور أنس بيركلي، رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الألمانية التركية، في حديثه للصحيفة ذاتها، إن “فيدان هو اسم ذو خبرة، لعب دورًا نشطًا في ملفات مهمة للسياسة الخارجية التركية مثل سوريا وليبيا والعراق وإيران وروسيا من خلال الدبلوماسية الاستخباراتية خلال فترة ولايته. وبسبب هذه التجربة سيقدّم مساهمة كبيرة في حلّ هذه القضايا بصفته وزيرًا للخارجية”.
مضيفًا أن “البند الأول على طاولة فيدان هو سوريا، إنها مشكلة ينشط فيها العديد من الفاعلين الدوليين. انتهت الصراعات العسكرية إلى حدّ كبير. هذا الأمر يحتاج الآن إلى تسوية على الطاولة ببراعة دبلوماسية”.
أما العقيد المتقاعد المتخصص بشؤون الأمن والإرهاب جوشكون باشبوغ، فيرى أن تعيين هاكان فيدان وزيرًا للخارجية أنه “الأكثر حكمة والأكثر استراتيجية من بين جميع التعيينات في الحكومة الجديدة. لأنه يقوّي يد تركيا في الخارج، ونظرًا إلى أن خبراته الاستخباراتية عالية، فإن فرصة فيدان في ارتكاب خطأ تقترب من الصفر”.
بالنظر إلى خلفيته كرئيس للمخابرات الوطنية خلال السنوات الـ 13 الأخيرة، فإن هاكان فيدان ليس غريبًا عن الوضع في سوريا، لقد كان له دور بارز في إدارة العلاقات بين تركيا وسوريا، حيث عقد العديد من الاجتماعات مع كبار المسؤولين الأمنيين السوريين، بما في ذلك اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني.
كما أجرى محادثات مع المسؤولين الأمنيين في الدول الرئيسية، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة وقطر والسعودية، بالإضافة إلى إشراف الجهاز الذي كان يرأسه على كافة التفاصيل المتعلقة بالملف الأمني والاستخباراتي في شمالي سوريا، وتنسيق العديد من الاجتماعات مع قادة الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية، وحضوره شخصيًّا العديد منها.
علاوة على ذلك، يعتبر فيدان مهندس مناطق خفض التصعيد والتسويات التي حدثت خلال السنوات الماضية في أستانا وسوتشي، ودمج بعض الفصائل وتشكيل الجيش الوطني السوري، وربما إزاحة بعض الفصائل العسكرية من المشهد السوري بشكل نهائي، وهذا يعني أن فيدان على معرقة عميقة بكافة تعقيدات الملف السوري، والتحديات التي واجهت تركيا في هذا الملف خلال السنوات الماضية.
لهذا، يمكن أن يعتبر تعيين هاكان فيدان على رأس الدبلوماسية التركية تغييرًا هامًّا في الموقف التركي تجاه العديد من الملفات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الملف السوري، وقد يعني ذلك استمرار السياسة التركية الحالية تجاه سوريا، لكن مع وجود تركيز أكبر على التفاوض والدبلوماسية، وهذا يعني استعدادًا أكثر للتواصل مع الأطراف المختلفة في النزاع السوري، بما في ذلك النظام السوري والمعارضة، وصولًا إلى التطبيع الكامل.
في الوقت نفسه، قد يتحرك فيدان لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي فيما يتعلق بالأزمة السورية، لدفع الجهود المتعلقة بحلّ الصراع وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، والتوصُّل إلى تفاهمات وحلول للوجود العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني وقوات “قسد” ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سوريا.
بمعنى آخر، سيكون هناك استمرارية في النهج التركي الذي يقوده فيدان تجاه سوريا، انطلاقًا من الفهم العميق لتعقيدات الوضع السوري والفاعلين الرئيسيين المعنيين، والفروق الدقيقة في علاقاتهم بحكم خلفيته الاستخباراتية السابقة.
ومن المرجّح أن يكون لفيدان مقاربة براغماتية من خلال الاستعداد للعمل مع جميع الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك حكومة بشار الأسد، إذا كان ذلك يخدم المصالح الاستراتيجية لتركيا.
ويعتبر فيدان مهندس مشروع إعادة التطبيع مع النظام السوري، لذلك من المرجح أن نشهد تكثيف اللقاءات بين فيدان والمسؤولين السوريين خلال المرحلة المقبلة، للتوصُّل إلى تفاهمات حول العديد من القضايا الخلافية بين الجانبَين.
ثانيًا: إبراهيم قالن، رئيس جهاز المخابرات الوطنية
شغل إبراهيم قالن خلال السنوات الماضية منصب كبير المستشارين، ونائب رئيس مجلس الأمن والسياسات الخارجية التابع لرئاسة الجمهورية، إلى جانب منصبه كمتحدث باسم الرئاسة التركية، وخلال عمله في المجلس الذي يترأّسه أردوغان، كان قالن مسؤولًا عن عدد من الملفات، أبرزها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو.
إذ قاد قالن الفريق التركي الذي تفاوض مع هذين البلدَين بشأن انضمامهما إلى الحلف، مقابل الوفاء بشروط تركيا المتمثلة باتخاذ إجراءات عملية وملموسة تجاه قيادات فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني الموجودَين في هذين البلدَين، بالإضافة إلى متابعة قضية تنظيم فتح الله غولن في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال السنوات السابقة، قام إبراهيم قالن بتسيير مهام بارزة في مجالَي السياسة الخارجية والأمن، أبرزها توجيه الجهود لتجاوز أزمة إسقاط الطائرة الحربية الروسية بين أنقرة وموسكو عام 2015، وفي عام 2017 عُيِّن قالن كمبعوث خاص من جانب الرئيس أردوغان، حيث أجرى جهودًا دبلوماسية لحلّ الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، لعب قالن دورًا فاعلًا في محادثات السلام المتعلقة بالنزاع في أوكرانيا، وملف إقليم كارا باخ بين أذربيجان وأرمينيا، وكذلك في الاتفاقيات المتعلقة بنقل الحبوب عبر البحر الأسود وتبادل الأسرى.
إلى جانب حنكته السياسية، واسمه البارز في عالم السياسة التركية.. فهو مفكر وعازف وكاتب، إليك أهم المحطات في مسيرة رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي #إبراهيم_قالن pic.twitter.com/8mjqb1Dqeu
— نون بوست (@NoonPost) June 8, 2023
شارك قالن كعضو في الفريق التركي خلال المحادثات الدبلوماسية، لتحقيق هدنة والتوصل إلى حلول سياسية للصراعات في سوريا وليبيا، كما انخرط في المفاوضات مع اليونان لحلّ الخلافات في شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة.
علاوة على ذلك، أسهم قالن بشكل فعّال في عمليات التطبيع بين تركيا وكل من السعودية و”إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة وأرمينيا ومصر، وقدّم جهودًا دبلوماسية لتعزيز العلاقات الثنائية مع اللاعبين العالميين والإقليميين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند.
من خلال هذه الخلفية السياسية والأمنية، يمكن القول إن إبراهيم قالن بصفته رئيسًا لجهاز الاستخبارات لديه تصور عميق عن الملف السوري وكل التسويات والاجتماعات التي حدثت حول هذا الملف، وهذا يعني أن الجهاز سيستمر في سياسته تجاه الوضع السوري، بالتناغم مع السياسة الخارجية التي تسعى أيضًا للتوصُّل إلى حلول حول عدد من القضايا الشائكة.
مع ذلك، قد تشهد الأيام المقبلة تغييرات على مستوى الأشخاص المسؤولين عن الملف السوري داخل الجهاز واستبدالهم بشخصيات أخرى سينتج عنها ربما تغييرات في طريقة العمل، لكن على الأرض وعلى المدى الاستراتيجي سيبقى الجهاز هو من يدير كافة التفاصيل الأمنية والاستخباراتية والعلاقة مع الفصائل المسلحة في شمالي سوريا.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة نشاطًا مكثفًا في عمل الجهاز، على صعيد التواصل الأمني مع المسؤولين الأمنيين في النظام السوري، للتوصل إلى تفاهمات حول الوضع في مناطق شمالي سوريا وربما في إدلب، وإمكانية عودة بعض مؤسسات النظام إلى هذه المناطق، خاصة المعابر الحدودية والشرطة والمؤسسات المدنية، في حال تمَّ التوصل إلى اتفاق حول الوضع في منطقة شرق الفرات.
يعني هذا أيضًا إمكانية حل الفصائل العسكرية وتحويلها إلى قوات مدنية لحفظ الأمن في المنطقة بأسلحة خفيفة، وتجريدها من الأسلحة الثقيلة في تكرار لتجربة الفيلق الخامس في جنوبي سوريا، لإعداد المنطقة تدريجيًّا للعودة إلى سيطرة النظام بعد انتهاء الملفات الأخرى المرتبطة معها، مثل عودة اللاجئين والبدء في مرحلة إعادة الإعمار.
لكن هذا السيناريو يبقى مرتبطًا بتقدم المحادثات بين تركيا من جهة والنظام السوري والولايات المتحدة التي تسيطر على منطقة شرق الفرات من جهة أخرى، للتوصل إلى صيغة تفاهمات حول مستقبل الإدارة الذاتية التي يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، ووجود ما تسميهم أنقرة بـ”الإرهابيين الأجانب” في هذه المنطقة، وهم عناصر حزب العمال الكردستاني المنحدرين من جبال قنديل، ويسيطرون على الملف العسكري والأمني في الإدارة الذاتية في شرق وشمال شرقي سوريا.
ثالثًا: ياشار غولر، وزير الدفاع
شغل ياشار غولر العديد من المناصب خلال السنوات الماضية، أبرزها منصب المدير العام للمديرية العامة لرسم الخرائط فترة 2009-2010، وقيادة الفيلق الرابع فترة 2010-2011، ورئيس استخبارات الأركان العامة فترة 2011-2013، وتمّت ترقيته إلى هيئة الأركان العامة عام 2013.
كما شغل منصب القائد العام لقوات الجندرمة (الدرك) المسؤولة عن المناطق الحدودية فترة 2016-2017، وقائد القوات البرية فترة 2017-2018، وفي عام 2018 تمَّ تعيينه رئيسًا لهيئة الأركان العامة.
يعني ذلك أن غولر يمتلك خبرة واسعة في مجال الاستخبارات العسكرية، ولديه اطّلاع واسع على الأوضاع في سوريا، حيث كان قائد القوات البرية في الفترة التي نفّذ فيها الجيش التركي عملية غصن الزيتون في شمال غربي سوريا، ورئيسًا للأركان خلال عملية نبع السلام في منطقة رأس العين وما حولها.
وبالتالي سيشارك غولر في وضع التصورات المستقبلية للوجود العسكري التركي في شمالي سوريا، وكافة التطورات العسكرية هناك، ولا يمكن فصله عن المناقشات التي تتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية التركية تجاه مستقبل الأوضاع في شمالي سوريا، خاصة أن هناك العديد من النقاط والقواعد العسكرية التابعة للجيش التركية في هذه المناطق.
باختصار، سيكون غولر جزءًا من الفريق الذي سيرسم مستقبل شمالي سوريا، وكيفية التعامل مع التهديدات والتحديات التي تواجه تركيا هناك، ومستقبل الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية في هذه المنطقة، بالتعاون مع الفاعلين المحليين والدوليين.
رابعًا: علي يرلي كايا، وزير الداخلية
يعتبر علي يرلي كايا من الشخصيات القوية، ولديه مساهمات كبيرة في إدارة ملف اللاجئين السوريين في إسطنبول وغازي عنتاب وفي الشمال السوري، بالإضافة إلى خلفيته الإدارية والسياسية، حيث درس في كلية العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة إسطنبول، وتخرّج منها عام 1989.
تدرّج يرلي كايا في عدد من المناصب الحكومية، حيث شغل منصب حاكم عدد من المناطق (قائم مقام) في شانلي أورفا وقيصري ويوزغات، كما عمل عام 2003 مستشارًا قانونيًّا لوزارة الداخلية، ثم شغل منصب محافظ شرناق وأغري وتكيرداغ وغازي عنتاب خلال فترة 2007-2018، وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 تمَّ تعيينه واليًا لإسطنبول.
وتشير المعلومات المتداولة حول يرلي كايا بأنه شخصية حازمة في مجال تطبيق القانون، إضافة إلى خبرة واسعة في مجال مكافحة الإرهاب، اكتسبها خلال عمله كمحافظ في عدد من الولايات التي كانت تشهد اضطرابات أمنية.
مع ذلك، خلال عمله كمحافظ لغازي عنتاب، عُرف عنه قربه من اللاجئين السوريين ومحاولاته حلّ المشكلات التي تواجههم، حيث كان ينظّم لقاءات دورية مع ممثلي منظمات المجتمع المدني والجالية السورية في غازي عنتاب للاستماع إلى التحديات والمشكلات التي تواجههم، لذلك كان الانطباع العام حوله بأنه شخصية مرنة ومعتدلة ويسعى إلى تحقيق الانسجام بين اللاجئين والمجتمع المحلي المضيف.
لكن بعد أن شغل منصب والي إسطنبول حدثت العديد من حملات ترحيل السوريين إلى خارج مدينة إسطنبول، أو إلى سوريا بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون قيودًا رسمية، أو يحملون وثائق صادرة عن محافظات تركية أخرى.
تزامنت هذه الحملات مع اشتداد الخطاب العنصري تجاه اللاجئين في إسطنبول خلال الانتخابات المحلية عام 2019، ويمكن تفسير ذلك بوجود توجيهات من وزارة الداخلية في أنقرة لولاية إسطنبول بتطبيق القانون واتخاذ إجراءات حاسمة بحقّ المخالفين.
بصفته وزيرًا للداخلية، قد يقود علي يرلي كايا نهجًا متوازنًا حول ملف اللاجئين السوريين في البلاد، والملفات المرتبطة به مثل التجنيس والإجراءات الإدارية المتّبعة في إدارة الهجرة، إلى جانب اتخاذ إجراءات حاسمة في مجال تطبيق القانون ومكافحة الجرائم والإرهاب، وهذه الخصائص قد تساعده في تحقيق التوازن بين الأمن والاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في تركيا.
من جهة أخرى، قد يكون أكثر حزمًا في تطبيق القوانين والقواعد المتعلقة باللاجئين، وهذا يعتمد على السياسة التركية الجديدة تجاه هؤلاء التي سيتم اعتمادها خلال المرحلة المقبلة في مجلس سياسات الهجرة ومجلس الأمن القومي، الذي أكّد خلال اجتماعه الأول بعد الانتخابات الأخيرة بتاريخ 8 يونيو/ حزيران على أهمية التعاون الدولي الذي سيساهم في الجهود المبذولة، حتى يتمكّن السوريون الفارّون من النزاعات من العودة إلى ديارهم طواعية وبأمان وكرامة، لذلك سيكون من المهم مراقبة كيف ستتطور سياسات الحكومة تجاه اللاجئين السوريين تحت إدارته خلال الفترة المقبلة.
خامسًا: داوود غول، محافظ إسطنبول
يُعرف داوود غول الذي ينحدر من محافظة أرضروم، بمواقفه الداعمة للاجئين السوريين، ورفضه للخطاب العنصري وخطاب الكراهية ضد اللاجئين في تركيا، حيث دافع غول في أكثر من مناسبة خلال وجوده في منصب والي غازي عنتاب عن وجود اللاجئين السوريين في تركيا، وضرورة دمجهم في المجتمع والحفاظ على السلم المجتمعي.
إضافة إلى حرصه الدائم على حضور أغلب الفعاليات الاجتماعية التي تنظمها الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني السورية في غازي عنتاب، وزيارة مناطق شمالي سوريا الخاضعة للإدارة التركية أكثر من مرة، للمشاركة في افتتاح عدد من المشاريع الخدمية هناك.
يحمل غول شهادة الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية، وعمل حاكمًا لعدد من المناطق في تركيا قبل أن يعيَّن واليًا لمحافظة غازي عنتاب عام 2018.
في هذه الأثناء، عبّر الكثير من اللاجئين السوريين المقيمين في إسطنبول، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عن ارتياحهم لتعيين داوود غول محافظًا لإسطنبول، وتفاؤلهم بحلّ الكثير من المشكلات والتحديات التي تواجههم في هذه المحافظة خلال الفترة المقبلة، من جانبه أشار حزب النصر المعادي للاجئين في تغريدة على حسابه في تويتر، إلى أن تعيين داوود غول يشكّل بشارة للسوريين في إسطنبول.
لذلك قد يمثل تعيين داوود غول محافظًا لإسطنبول تطورًا إيجابيًّا بالنسبة إلى الجالية السورية في المدينة، بالنظر إلى سجلّه السابق في تأييده للاجئين السوريين والترحيب بوجودهم في تركيا، ورفضه للخطاب العنصري والكراهية ضد اللاجئين.
ومن المرجّح أن يحافظ غول خلال الفترة المقبلة على إظهار التزامه بالتكامل المجتمعي للاجئين السوريين والسلم الاجتماعي، ما قد يساهم في تحسين ظروفهم ويحدّ من الصعوبات التي تواجههم، خاصة في مجال تسهيل الحصول على الوثائق القانونية، مثل أذونات السفر وحلّ مشكلة إلغاء أو تجميد وثائق العشرات من العائلات السورية خلال الفترة الماضية.