تتجه دول الاتحاد الأوروبي إلى تبنّي خطط جديدة بشأن الهجرة، تعد الأكثر صرامة في ظل صعود تيارات اليمين المتطرف لسدّة الحكم في أكثر من دولة أوروبية، وهي خطط أولية تأتي بعد 8 سنوات من انهيار التعاون الأوروبي بخصوص الهجرة، مع وصول أكثر من مليون لاجئ إلى أوروبا، معظمهم من الفارّين من الحرب في سوريا عبر البحر المتوسط.
من أبرز بنود ما يصفه الأوروبيون بـ”اتفاق إصلاح نظام الهجرة”، تسريع ترحيل طالبي اللجوء بما في ذلك العائلات والقصّر، فضلًا عن مراجعة الأنظمة المتعلّقة باستقبال “مشترك” أكثر إنصافًا لطالبي اللجوء والمهاجرين.
بنود من شأنها التضييق أكثر على طالبي اللجوء، الذين خيّروا ترك أوطانهم والتوجُّه نحو الأراضي الأوروبية علّهم يجدون هناك بعض مقومات الحياة الكريمة التي حُرموا منها، نتيجة أسباب عديدة من بينها الاستعمار الأوروبي.
8 سنوات على سقوط النظام السابق
في ختام مفاوضات بين وزراء داخلية دول التكتل الأوروبي في لوكسمبورغ، وُصفت بأنها مضنية وشاقة، أعلنت السويد التي تتولى الرئاسة الدورية نصف السنوية للاتحاد الأوروبي، التوصل إلى خطة أولية لسنّ سياسات لجوء وهجرة أكثر صرامة في جميع أنحاء الاتحاد.
تضمّ هذه الخطة نصَّين رئيسيَّين ضمن ما أُطلق عليه “إصلاح نظام الهجرة”، ينصان على قبول عدد معيّن من طالبي اللجوء أو المساهمة في قدر جديد من أموال الاتحاد الأوروبي، لتمويل “مشاريع” غير محددة في دول خارج الاتحاد الأوروبي.
وأعلنت 10 دول من بينها إيطاليا واليونان في البداية معارضتها أو أقله تحفّظها على المقترحات المطروحة على طاولة البحث، وفي الأخير صوّتت بولندا والمجر ضد المقترحات، بينما امتنعت بلغاريا ومالطا وليتوانيا وسلوفاكيا عن التصويت، وفق ما أعلنت الرئاسة الدورية السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي المكلفة بإدارة المحادثات.
سرعة البتّ في طلبات اللجوء تؤكد أن النية من وراء إقرار هذه الخطة ترحيل طالبي اللجوء بأسرع وقت.
رحّبت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، يلفا يوهانسون، بالاتفاق الذي وصفته بأنه “خطوة مهمة جدًّا” لميثاق اللجوء والهجرة الذي قدّمته المفوضية الأوروبية في سبتمبر/ أيلول 2020، فيما قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر: “ليست هذه قرارات سهلة بالنسبة إلى جميع الجالسين إلى الطاولة، لكنّها قرارات تاريخية”، أما وزيرة الهجرة السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، فقد قالت: “لم أكن متأكدة من أن هذا اليوم سيأتي”.
هذا لا يعني أن الاتفاق الجديد سيكون ساري المفعول انطلاقًا من الآن، لكنه يفتح المجال أمام مفاوضات في البرلمان الأوروبي، بغية تبنّي “الإصلاح” قبل الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو/ حزيران 2024، ويتعيّن على الأوروبيين الآن إعداد نصّ جديد لاسترضاء أكبر عدد ممكن من البلدان، خصوصًا بلدان حوض المتوسط التي يدخل عبرها المهاجرون إلى الاتحاد الأوروبي.
وينصّ أحد النصَّين اللذين وافق عليهما الوزراء على إلزام الدول الأعضاء باستقبال عدد معيّن من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي المعرّضة لضغط الهجرة، أو ما يسمّى “إعادة التوطين”، أو إذا لم ترغب في ذلك على الدولة المعنية تقديم مساعدة مالية تصل إلى 20 ألف يورو لكل مهاجر في صندوق تديره بروكسل.
تسريع عمليات الترحيل
من المهم التركيز على النص الثاني الذي لقيَ تأييدًا كبيرًا من الوزراء الأوروبيين، حيث يلزم الدول الأعضاء بتنفيذ إجراءات مسرّعة لمراجعة طلبات اللجوء لبعض المهاجرين غير المؤهّلين بشكل واضح للحصول على الحماية، لأنهم يأتون من بلد يعد “آمنًا”، فيما يجب معالجة جميع طلبات اللجوء في غضون فترة أقصاها 6 أشهر.
يهدف هذا النص الذي جاء بضغط من بعض الدول على غرار إيطاليا إلى تسهيل إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، أو إلى بلد ثالث تختاره الدولة الأوروبية وفق ما تراه صالحًا، في مسعى من الأوروبيين للتعامل بسرعة مع طلبات اللجوء.
Das ist ein historischer Erfolg – für die Europäische Union, für eine neue, solidarische Migrationspolitik und für den Schutz von Menschenrechten. #GEAS
— Nancy Faeser (@NancyFaeser) June 8, 2023
يسرّع النص المتفق عليه عملية الترحيل، إذ تضمن معالجة مطالب اللجوء فورًا على الحدود وتسهيل إعادة أولئك الذين تمَّ رفض طلباتهم، ويعطي الاتفاق للسلطات صلاحيات منع اللاجئين من دخول الأراضي الأوروبية في حال رفضت طلبات لجوئهم وترحيلهم مباشرة، كما قلنا، إلى بلدهم أو بلد ثالث آمن.
ونصّ الاتفاق على ضرورة وجود “صلة” بين طالب اللجوء المرفوض و”الدولة الثالثة الآمنة”، فمن الناحية العملية يجب أن يكون المهاجر قد “أقام” أو “استقر” في ذلك البلد، أو أن يكون لديه أفراد من العائلة يعيشون هناك.
سرعة البتّ في طلبات اللجوء دون التحقق من محتوى الطلبات، تؤكد أن النية من وراء إقرار هذه الخطة ترحيل طالبي اللجوء بأسرع وقت ممكن وبطريقة غير منصفة، وهي إحدى أبرز النقاط الخطرة في مشروع وزيرة الداخلية الألمانية.
العائلات ضمن المرحّلين أيضًا
خلال المفاوضات، دعت ألمانيا إلى إعفاء العائلات التي لديها أطفال والقصّر غير المصحوبين بذويهم من الإجراءات الحدودية الجديدة الأكثر صرامة، ومع ذلك كان على برلين في النهاية قبول فكرة إدراج العائلات التي لديها أطفال على الأرجح في سياسات الحدود الجديدة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، رغم أن ذلك لا يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وقالت وزيرة الداخلية السويدية، ماريا ستينرغارد، التي ترأّست المحادثات، في مؤتمر صحفي عقب الإعلان عن الخطط الجديدة، إنه إذا لم يكن لدى مقدم الطلب فرصة للحصول على اللجوء في الاتحاد الأوروبي، فسيتم إعادته على الفور.
أغلب الدول الأوروبية أصبحت تتبنّى سياسة متشددة في ملف الهجرة واللجوء.
كانت مسألة توسيع البلدان “الآمنة” التي يُمنع منح رعاياها صفة لاجئ، أو البلدان التي يمكن لطالبي اللجوء فيها العودة، في قلب النقاش حول حزمة مقترحات خطط الهجرة الجديدة، لكن لم يكن هناك قرار ملموس بشأن هذه القضية، وسيتعيّن على الأوروبيين إعادة النظر فيه مرة أخرى.
بصمة اليمين المتطرف
نفهم من هذه النقاط وجود بصمة واضحة لليمين المتطرف في الخطة الأوروبية الجديدة للهجرة، فأغلب بنودها تمَّ إقرارها بضغط من الحكومة اليمينية المتطرفة في إيطاليا التي بنت خطابها على معاداة المهاجرين وطالبي اللجوء.
وترى أحزاب اليمين المتطرف أن الهجرة تمثل تهديدًا للمجتمعات الأوروبية وجب التصدي لها، ما انعكس على نظرة باقي الأحزاب الأوروبية الأخرى، التي أصبحت نظرتها للهجرة أشد تطرفًا حتى من اليمين المتطرف نفسه.
A hugely significant step for #MigrationEU in JHA @EUCouncil today.
Looking forward to starting trilogues with the @Europarl_EN
We are so much stronger when we work together ??
— Ylva Johansson (@YlvaJohansson) June 8, 2023
يُذكر أن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تتبنّى سياسة متشددة في ملف الهجرة واللجوء، فالحكومات تخشى اليمين المتطرف الذي تمدد بقوة داخل الفضاء الأوروبي في السنوات الأخيرة، وسيطر على عديد الدول أيضًا.
تتبنى أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية نظرية “الاستبدال”، إذ تقول النظرية إن الهجرات التي تتدفق على أوروبا بأشكال مختلفة ينتج عنها استبدال الأوروبيين، شيئًا فشيئًا، بجاليات مهاجرة عربية وأفريقية، تفرض عاداتها وقيمها التي لا تتوافق مع عادات وقيم الأوروبيين، ما يستدعي ضرورة التصدي للهجرة ووضع حدّ لها، وقد وجد هذا الخطاب رواجًا كبيرًا عند الأوروبيين، ما يفسّر تصاعد موجة اليمين المتطرف.