قرار حركة النهضة بالوقوف على الحياد فى الانتخابات الرئاسية ﻻ يمكن قراءته منفصلا عن الخط العام للحركة بداية من قرار التخلي عن الحكومة مرورا بعدم الترشح للرئاسة ثم الحياد وعدم تأييد أي من المرشحين.
قبل أربع سنوات – عمر الثورة التونسية – وضعت حركة النهضة فى مقدمة أولوياتها هدف رئيسيا هو نجاح الثورة والمسار الديموقراطي الذي يكفل الحريات للجميع فى سبيل ذلك الهدف قدمت ديموقراطية التوافق على ديموقراطية التنافس وقدمت التنازلات سواء عن رفع الشعارات والرؤى الإسلامية وصياغتها فى الدستور أو عن المكاسب السياسية للحركة.
بعد انقلاب العسكر فى مصر على حكومة الإخوان المسلمين وما نتج عن ذلك من إقصاء تام للإخوان وعودة الحكم العسكرى الاستبدادى الذى قضى على آمال المصريين فى التغيير بعد 25 يناير، اتخذت قيادة النهضة قرارا استراتيجيا بضرورة تجنب المسار المصري وضرورة العودة خطوة إلى الخلف فقبلت بالتخلي عن الحكومة بعد أن كانت متمسكة بها وبشرعيتها حتى فى ظل مواجهة احتجاجات شعبية وتشكيل المعارضة لجبهة انقاذ وحركة تمرد فى محاولة لاستنساخ التجربة المصرية فى تونس.
فهمت النهضة الرسالة القادمة من مصر جيدا، فالمنظومة الإقليمية ﻻ تقبل بوجود الاخوان المسلمين ومن يمثلهم فى الحكم كما أن النهضة لا تملك وحدها الدعم الشعبى والإنجاز أو التغيير الذي يشعر به المواطن سريعا والجهاز الإعلامى وغيرها من متطلبات البقاء فى الحكم.
نقطة أخرى هامة لفهم أبعاد هذا القرار هو أن النهضة تعتبر نفسها أحد الكيانات التى تعبر عن الثورة وتسعى لتحقيق أهدافها وﻻ تفرض وصاية على الثورة أو تعتبر نفسها الممثل والمدافع الأوحد عن الثورة، فى المقابل نجح النظام القديم فى مصر ونتيجة سوء تعامل الإخوان فى اقناع غالبية الأطراف أن الإخوان هم الثورة أو على الأقل هم من يمثلون مشروع التغيير الذى يعبر عن الثورة، وبالتالى كان كل تشويه للإخوان هو فى الحقيقة مقصود به تشويه الثورة فكان الانقلاب سقوطا مدويا للثورة وأهدافها.
كما أن خروج النهضة من صراع الرئاسة يعطيها فرصة للعب دور ضاغط على كل الأطراف خاصة السبسى وحزبه نداء تونس وهو ما بدا فى تصريحات قادة الحركة التى تنتقد السبسي وهو ما يمكن أن نسميه الحياد الإيجابى.
أخيرا، معلوم لكافة الأطراف أن قواعد ومنتسبي حركة النهضة صوتت بكثافة للمرزوقى فى الجولة الأولى وهو ما يتوقع حدوثه فى جولة الإعادة، ولعل حديث السبسى عن وصول المرزوقى إلى جولة الإعادة كان بسبب الماكينة الانتخابية للنهضة خير دليل، وبالتالى فالدعم الرسمي لن يضيف إلى رصيد المرزوقى كثيرا.
الجبالى يدعم المرزوقى .. لماذا؟
يبحث حمادى الجبالى ( 65 عام ) بعد انسحابه الفعلى من النهضة قبل شهور عن إطار جديد يلعب من خلاله دورا سياسى، وهذا الدور السياسى حسب رأيى من معالمه الواضحة أنه سيسعى إلى تكوين حزب أو ربما جبهة معارضة للسلطة الجديدة التى تتمثل فى حزب نداء تونس التى تقترب من الرئاسة وتشكيل الحكومة ومن المحتمل مشاركة النهضة بها وهو ما سيفتح مساحة (المعارضة) ربما يفكر الجبالى فى شغلها ومعه أشخاص وأحزاب أخرى.
هذه الجبهة التى سيعلن عنها فى وقت ليس بالبعيد ستحاول استمالة المرزوقى وحزبه ليصبحا أحد مكوناتها، كما أنه من صالحها زيادة نسبة التصويت للمرزوقى الذى سيعد إلى حد بعيد تصويت للثورة.
إذن الجبالي يطرح نفسه الآن كشخصية وطنية تنتمى إلى الثورة وتتجاوز أو تتجنب الصراعات الايديولوجية، ويمكنه أن يقود معارضة النظام الجديد الذى ربما تصبح النهضة جزءا منه إذا اشتركت فى الحكومة.