تتجه الإمارات إلى تفجير الصراع في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن ذات النفوذ الواسع للمملكة العربية السعودية، بعد تشكيل الأخيرة مجلس حضرموت الوطني المنافس للمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال والمدعوم من أبوظبي، بهدف التوسع شرقًا باستخدام ميليشيات الانتقالي، وفرض مشروع الانفصال بين اليمن وشماله، وهو ما ترفضه الرياض، وما قد يؤدي بالنهاية إلى اندلاع حربًا أخرى في المحافظة النفطية الأكبر في اليمن.
في إطار تلك المساعي، حرضت الإمارات خلال الأيام القليلة الماضية المجلس الانتقالي لحشد أنصاره إلى حضرموت، للاحتفاء بما أسماه “يوم الأرض الجنوبية”، بذكرى 7 يوليو/ تموز التي تصادف اقتحام القوات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح.
الصورة الكاملة
تجمع المئات من أنصار الانتقالي من مختلف مناطق محافظة حضرموت وبعض المحافظات الجنوبية الأخرى، إلى مراكز مديريات الوادي والساحل في المكلا والشحر وسيئون وتريم ومديريات أخرى، حيث رفعوا أعلام وشعارات انفصالية وصور قيادات المجلس الانتقالي، ورددوا هتافات تطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، بطريقة استفزازية للمكونات الحضرمية والشرعية، للبحث عن ذريعة أو اختلاقها لاقتحام حضرموت عسكريًّا.
ما كان يُخشى منه هو أن تتحول تلك المظاهرات إلى شرارة تشعل الصراع في حضرموت، وهو ما حدث بالفعل، ففي مدينة سيئون شرقي حضرموت اقتحم مسلحون من قبيلة آل كثير ساحة التظاهرة ومزقوا لافتات الفعالية واللوحات من على قصر الكثيري في سيئون، ما أدّى إلى اندلاع اشتباكات بين المسلحين وأنصار الانتقالي وسقوط جرحى من الطرفَين.
استغلَّ الانتقالي هذه الحادثة، إذ عقد اجتماع عسكري مع قيادات المجلس ترأّسه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، أكّد فيه أن حماية شعب الجنوب مسؤولية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الجنوبية والمقاومة الجنوبية، وأنها ستقوم بواجبها لحماية حضرموت من “الإرهاب” الذي يستهدفها بالوقت المناسب، ما يمكن اعتباره تهديدًا بالحرب ضد القوات الحكومية والمكونات الأخرى الموالية للسعودية.
حشد الانتقالي أنصاره إلى محافظة حضرموت جاء ردًّا على التحركات الأخيرة للسعودية في المحافظة، والمتمثلة في تشكيل مجلس حضرموت الوطني
جاءت تهديدات الانتقالي بعد انتكاسته وفشله في حشد أبناء حضرموت لفعاليته التي هدف من خلالها استعراض شعبيته في حضرموت، حيث لم يكن الحضور بالشكل المأمول، وظهر مشروعه من دون أنصار في حضرموت، وسبق أن هددت قيادات الانتقالي في حضرموت بطرد القوات الشرعية من مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، كما هددت بـ”سحق” قوات المنطقة العسكرية الأولى في حال عرقلت فعالية “يوم الأرض”.
حشد الانتقالي أنصاره إلى محافظة حضرموت جاء ردًّا على التحركات الأخيرة للسعودية في المحافظة، والمتمثلة في تشكيل مجلس حضرموت الوطني لإدارة المحافظة، فضلًا عن دفع رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، لزيارتها مع افتتاح العديد من المشاريع بتمويل من المملكة.
حضرموت ترفض عبث الانتقالي
أكّد مختار الرحبي، السكرتير السابق في الرئاسة اليمنية، أن الانتقالي فشل في حشد الناس في فعالية في حضرموت، وقال إن حضرموت قالت كلمتها ولن تكون مع مشاريع التمزيق والمشاريع الصغيرة، وأنها لن تكون إلا مع الدولة واليمن الكبير، وأنها لن تكون تابعة لمشروع القرية.
من جانبه، وصف الصحفي الجنوبي صبري سالمين فعالية الانتقالي بـ”عرس فاشل”، والذي أنفق ملايين الريالات دون تحقيق شيء سوى فقدان الشعبية والجماهيرية، وذلك بسبب سياسات المناطقية والإقصاء وخطابات التخوين والغطرسة.
وفي السياق ذاته، قال الصحفي السعودي عبد الله آل هتيلة، مساعد رئيس التحرير في صحيفة “عكاظ”، إن من يحاولون زرع الفوضى في حضرموت يعني المزيد من الخسائر لهم، لافتًا إلى أن استقرار المحافظة يصبّ في مصلحة الجميع.
وأضاف آل هتيلة، معلقًا على رفض الانتقالي تشكيل مجلس حضرموت الوطني: “من أبسط حقوق أبناء محافظة حضرموت باعتبارهم أحد مكونات الشعب اليمني ضمان وحدة المحافظة واستقرارها، والتأكيد على حقهم المشروع في إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والأمنية على المستوى المحلي”.
وتساءل متعجّبًا: “لا أدري أين الخطأ الذي أزعج البعض من ممارسة أبناء حضرموت حقوقهم الوطنية والأخلاقية؟”، وأكّد أن من يسعون للفوضى سيعضّون أصابع الندم.
بدر كلشات المهري، وكيل محافظة المهرة لشؤون الشباب، هو الآخر حذّر من جرّ حضرموت إلى ساحة صراع لتصفية حسابات محلية وإقليمية وتمزيق النسيج الحضرمي المتماسك، ليسهل نهب ثرواتها وتدمير كل ما هو جميل في حضارتها وتاريخها. لافتًا إلى أن حضرموت سوف تدافع عن كل المحافظات، ورجالها الصادقين وشعبها الواعي سيكسران كل المؤامرات التي تحاك ضد مصالحهما وحقوقهما وأرضهما.
ونوّه بدر إلى ما حدث في محافظة شبوة سابقًا من اقتحام الانتقالي لمدنها والسيطرة عليها: “أمامنا الكثير من التجارب، وآخرها محافظة شبوة التي تآمر عليها البعض بقصد والبعض بالخطأ وإزاحة رجالها الصادقين ونزفت فيها دماء الأبرياء، علينا صدّ المتآمرين بقوة وإن كان هناك حلفاء صادقين مع حضرموت عليهم إثبات صدقهم والحذر من التهاون والأخطاء”.
وفي السياق ذاته، تساءل رئيس موقع “المشهد الجنوبي”، صالح منصر اليافعي، عن سبب قيام الفعاليات في حضرموت دون غيرها، وعدم إقامتها في المحافظات الجنوبية الأخرى ما دام أنه “يوم الأرض الجنوبي كما تدّعون”. ودعا الانتقالي إلى ترك حضرموت حتى تنهض بنفسها، فالمجلس الجنوبي حوّل عدن والمناطق الأخرى التي تحت سيطرته إلى مستنقعات ومدن أشباح، حسب منصر.
وقال صالح: “لو عملنا مقارنة بين وضع المناطق التي تحت سيطرة الانتقالي وحضرموت، فإن الفرق شاسع من كل النواحي، ففي حضرموت هناك أمن واستقرار والخدمات متوفرة نوعًا ما وانضباط ونظام، بينما عدن تفتقر إلى أبسط الخدمات وانفلات أمني وعشوائية ونهب، وكل واحد يشوف نفسه دولة لحاله”.
ما دور السعودية في المشهد؟
كانت السعودية بعيدة عن الصراع في المحافظات الجنوبية، وقدّمت الكثير من التسهيلات للمجلس الانتقالي، الذي تمدد في محافظات شبوة وسقطرى ولحج والضالع وأبين بالقوة العسكرية وبدعم إماراتي، لكن في الفترة الماضية غيرت المملكة سياستها تجاه المجلس الانتقالي، واتجهت إلى وأد المشروع التقسيمي لليمن، من خلال دعم مجلس القيادة الرئاسي وأيضًا تشكيل مكونات جنوبية جديدة مناوئة للمجلس الانتقالي لتكريس فكرة اليمن الاتحادي، وهو ما يراه الانتقالي والإمارات تهديدًا مباشرًا لمشروع استعادة دولة الجنوب، ومساعي أبوظبي للتوسع في المحافظات الشرقية في اليمن.
ولأن حضرموت تعدّ العمق الأكبر لليمن لمساحتها الواسعة، حيث تشكّل ثُلث مساحة البلاد، وأيضًا تملك حدودًا واسعة مع المملكة العربية السعودية من جهة، وتطلّ على ساحل البحر العربي من جهة أخرى، فضلًا عن كونها المحافظة النفطية الأهم في اليمن؛ يزداد الصراع الدولي والإقليمي والمحلي للسيطرة عليها.
لكن بعد وصول هدف الانتقالي والإمارات إلى التمدد في حضرموت، وعدم تنفيذ اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة الذي تمَّ برعاية سعودية، دُفعت الرياض إلى الوقوف في وجه مشروع الانتقالي واستقطاب المكونات الجنوبية في حضرموت، فهي تملك النفوذ الأكبر في حضرموت والمحافظات الأخرى.
تقف المنطقة العسكرية الأولى حجر عثرة أمام مشروع الانتقالي والإمارات وهي قوات حكومية تتشكّل من 7 تكوينات أساسية
وحسب مراقبين، تسعى السعودية أيضًا إلى تشكيل مجلس جنوبي آخر في مدينة عدن خلال الأسابيع القادمة، والتي تخضع لقوات المجلس الانتقالي والمدعومة إماراتيًّا، بهدف تقليص النفوذ الإماراتي مقابل زيادة نفوذها في المحافظات الجنوبية.
رغم ذلك، لا تعدّ السعودية العقبة الأكبر أمام الإمارات والانتقالي، فالمجلس الوطني الحضرمي المشكّل حديثًا لم يتمكن بعد من إدارة حضرموت، ولا يمتلك القوة التي تمكّنه حاليًّا من الوقوف في وجه ميليشيات المجلس الانتقالي، لكن أبرز ما يخشاه الانتقالي هو المنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر في حضرموت، وتتخذ من مدينة سيئون مقرًّا لها.
وهي قوات حكومية تتشكّل من 7 تكوينات أساسية، هي قيادة المنطقة العسكرية ومحورا ثمود والخشعة و5 ألوية أخرى، واُعتمدت كمنطقة عسكرية عام 2013، وتنتشر في وادي وصحراء حضرموت وعلى الحدود اليمنية السعودية.
تحاول الإمارات إقحام المنطقة العسكرية الأولى في الصراع مع الانتقالي، بهدف استهدافها واستبدال قواتها بميليشيات الانتقالي، مثل ما حدث خلال السنوات الماضية في محافظة شبوة وجزيرة سقطرى، حيث استهدفت الإمارات معسكرات الحكومة الشرعية واستبدلتها بقوات موالية لها.
فالانتقالي ومن خلفه الإمارات حاولا إبعادها من حضرموت من خلال حملة تحريض شرسة خلال الأشهر الماضية، بذريعة أنها قوات شمالية، فضلًا عن تشويه صورتها من خلال اتهامها بالعمل مع تنظيم القاعدة ونشر الفوضى في حضرموت، لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل.
وفي السياق ذاته، طالب أحمد المحمدي، رئيس المجلس الانتقالي في حضرموت، في كلمة ألقاها خلال مظاهرة في مدينة المكلا، بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وطالب أيضًا بمغادرة القوات الحكومية من القصر الرئاسي في مدينة المكلا، وأكّد المحمدي رفض الانتقالي لمؤامرات تفكيك قوات النخبة الحضرمية، وإعادة تمكين أدوات حلفاء اجتياح الجنوب من مفاصل السلطة المحلية في المحافظة.
شدّد المحمدي أيضًا على أن الانتقالي سيمضي قدمًا لاستكمال تحقيق أهدافهم في التحرر والاستقلال وإقامة دولته الجنوبية كاملة السيادة، فالانتقالي “لن يحيد عن أهدافه في تحرير الوادي، وطرد قوات المنطقة الأولى، وبناء دولته الفيدرالية المدنية المستقلة”.
تهديدات المحمدي أيضًا شملت الحكومة الشرعية والمكونات الحضرمية الموالية للسعودية: “نقولها لهم وبالفم المليان.. فاتكم القطار.. فأنتم اليوم تلعبون في الوقت بدل الضائع، وخارج ملعبكم.. فحضرموت باتت لديها قوة عسكرية وأمنية، وفيها رجال قادرون على إخراجكم منها منكسي الرؤوس”.
النخبة الحضرمية
من خلال حديث المحمد، فإن قوات النخبة الحضرمية التي تموّلها الإمارات، وتنتشر في ساحل حضرموت، ويقودها فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت السابق والعضو المزدوج في مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي، باتت مقبلة على التفكيك.
تشكّلت النخبة الحضرمية بدعم إماراتي وسعودي عام 2016، وتنتشر في المنطقة العسكرية الثانية على ساحل حضرموت، وسيطرت على مدينة المكلا عام 2016 عقب انسحاب تنظيم “القاعدة” منها، ورغم إعلان ولائها للحكومة الشرعية عند تشكيلها، لكنها اليوم باتت تحت قيادة المجلس الانتقالي والإمارات.
يخشى الانتقالي من إنشاء قوات جنوبية حضرمية أخرى منافسة للنخبة في صلاحياتها الأمنية تحت قيادة الحكومة الشرعية، فذلك بلا شكّ سيؤثر على أجندة الانتقالي، وسيؤدي إلى إنهاء سيطرته على ساحل حضرموت، فالخطوات السعودية في تشكيل مجلس حضرموت اعتبرها الانتقالي تماديًا في خدمة أجندة القوى اليمنية الأمنية، ومحاولة إعادتها من الباب الخلفي، وتمكينها من مفاصل السلطة في المحافظة، فضلًا عن تفريغ وخلخلة المكونات الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي، وسلخ حضرموت عن محيطها الجنوبي، حسب حديث المحمدي.
التوجه السعودي يجذب أبناء حضرموت كون المحافظة في أمسّ الحاجة إلى الإصلاحات الاقتصادية والمشاريع التنموية
يكشف حديث المحمدي أيضًا عن تخوفات الانتقالي الكبيرة من المساعي السعودية لتكريس فكرة اليمن الموحّد الذي قد يلتهم مشروع الانفصال من جهة، ويضع حدًّا لمشاريع الإمارات التوسعية من جهة أخرى، فالسعودية ضمّت في المجلس الوطني الحضرمي المكونات المناوئة للانتقالي وتعمل على دعمها، بينما وعد رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، بمنح حضرموت الإدارة الذاتية، وهو ما يمنح المجلس الجديد صلاحيات أمنية واقتصادية واسعة، فضلًا عن افتتاح العليمي مشاريع تنموية بتمويل حكومي، وأيضًا افتتاح مشاريع أخرى سعودية.
هذا التوجه السعودي يجذب أبناء حضرموت، لكون المحافظة في أمسّ الحاجة للإصلاحات الاقتصادية والمشاريع التنموية، وهذه الإصلاحات لن يقدمها الانتقالي الذي فشل في المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرته، والتي تشهد انهيارًا اقتصاديًّا كبيرًا، فضلًا عن الفوضى والانفلات الأمني.