ترجمة حفصة جودة
طُرد مئات الرجال والنساء والأطفال السود قسرًا من مدينة صفاقس الساحلية في تونس، ليصبحوا عالقين في المنطقة المحرمة شديدة الحراسة بين ليبيا وتونس، كشفت الصور التي التقطتها “الجزيرة” عن المشهد المرير لمئات الناس على الساحل بين القوى المسلحة لكلتا الدولتين.
كشف اللاجئون والمهاجرون عن الجروح الشديدة التي أصابتهم بها قوات الأمن التونسية، كما قال بعضهم إنهم عالقون في المكان منذ 6 أيام، حتى إنهم اضطروا لشرب مياه البحر بسبب العطش الشديد.
كان الرئيس التونسي قيس سعيد قد قال إن مئات المهاجرين واللاجئين يحظون بمعاملة حسنة تتوافق مع قيم البلاد.
اندلاع التوترات في صفاقس
ازدادت التوترات في صفاقس لفترة من الوقت بين السكان والمهاجرين واللاجئين السود غير النظاميين الذين جاءوا إلى المدينة أملًا في السفر عبر القوارب إلى أوروبا، وأشارت التقارير إلى وقوع هجمات متزايدة بدوافع عنصرية، كما أعلن المسؤولون عن وفاة رجل محلي يُدعى نزار عمري – 41 عامًا – يُقال إنه شارك في الهجمات على المهاجرين واللاجئين.
أثارت وفاة عمري ولقطات مواقع التواصل الاجتماعي لجسده النازف، موجة من العنف الشديد في المدينة، حتى إن أحد الشهود قال إن الوضع كان أشبه بالحرب الأهلية.
في الساعات والأيام التي أعقبت مقتل عمري واعتُقل على إثرها 3 رجال من الكاميرون، توجهت حشود من المهاجرين إلى محطات القطار وسيارات الأجرة المشتركة للفرار من المدينة.
لكن التقارير تشير إلى إجبار قوات الأمن 1200 لاجئ ومهاجر أسود على ركوب حافلات، وألقت بهم دون طعام أو مياه أو حماية من الشمس في الصحراء على الحدود بين تونس وجارتيها الجزائر وليبيا، لكن الرقم الحقيقي للمطرودين قد يكون أكبر من بذلك بكثير.
قال مكتب “محامون بلا حدود” في تونس إن هذا الإجلاء غير قانوني بالطبع وينتهك مبادئ عدم الإعادة القسرية للاجئين وحظر الطرد الجماعي
تقول سلسبيل شيلالي، باحثة ومديرة في هيومن رايتس ووتش بتونس: “السلطات التونسية – التي ساهمت في إثارة الكراهية ضد المهاجرين السود -، وضعت مئات المهاجرين في الخطر عمدًا بتركهم في الصحراء على الحدود مع ليبيا”.
وتضيف “وبذريعة مساعدتهم بعد العنف الذي واجهوه في صفاقس، تواصل السلطات اعتقالهم وطردهم، من الضروري أن نساعدهم بشكل عاجل، إنها مسألة حياة أو موت”.
الأذى من كلا الجانبين
أرسل بعض العالقين هناك رسائل صوتية إلى هيومان رايتس ووتش تشير إلى تعرض البعض لاعتداءات جنسية واغتصاب واعتداءات جسدية، حيث تقول إحدى الرسائل “لقد كسروا قدمي شابين مهاجرين وكسروا فم امرأة حيث ضربوها على أسنانها بقضيب حديدي”.
قال آخر إن بعض المساعدات من طعام وشراب وصلت إليهم من أفراد على الجانب الليبي، لكن لم يصلهم شيء من تونس.
وفقًا لشهادة أحد الرجال في أثناء مقابلته مع هيومان رايتس ووتش، فقد ماتت امرأة وجنينها في أثناء الولادة، كما طرد 6 من طالبي اللجوء المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR”، وقال آخرون إنهم تعرضوا لهجوم من رجال ليبيين بعضهم يرتدي زيًا رسميًا.
تتبعت مجموعة “Alarm Phone” الخيرية للمهاجرين، مجموعتين من أكثر من 100 فرد إلى الحدود الجزائرية، وقد قالوا إن الشرطة استولت على هواتفهم ونقودهم قبل أن تلقي بهم في الصحراء.
تقول المنظمة الخيرية إن المجموعتين انقسمتا، ومشى بعضهم نحو 100 كيلومتر في الصحراء دون ماء وفقدوا طريقهم، كما مات 3 منهم.
وصفت المنظمات الحقوقية ومن بينها منظمة الدفاع القانوني “محامون بلا حدود” تلك الخطوة التي اتخذتها السلطات التونسية بغير القانونية، وأنها تنتهك قوانين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وأطلقوا رسالة مفتوحة تطالب الحكومة بإعادة النظر في الوضع وتغييره في الحال.
تقول زينب مروكي من مكتب “محامون بلا حدود” في تونس: “هذا الإجلاء غير قانوني بالطبع وينتهك مبادئ عدم الإعادة القسرية للاجئين وحظر الطرد الجماعي، لا ينبغي إعادة المهاجرين إلى الظروف السيئة التي تصبح فيها سلامتهم وحقوقهم الإنسانية مهددة”.
المؤامرة ولوم الآخرين
منذ شهر فبراير/شباط تعرض الكثير من السود سواء تونسيين أم مقيمين لأسباب عديدة إلى إساءات عنصرية، حيث قال ميكي من غينيا إنه يتعرض للإساءات العنصرية بشكل شبه يومي، كما قالت سيدة كانت تقف بجواره لكنها رفضت ذكر اسمها، إنهم ينادونها بالأَمة.
ترجع هذه الإساءات إلى الهجوم العنصري للرئيس قيس سعيد ضد المهاجرين السود غير النظاميين في تونس، حيث اتهمهم بجلب العنف والجرائم والممارسات غير المقبولة، التي يرى أنها خطة مصممة لتغيير التركيب الديمغرافي للبلاد.
أدى العنف المتزايد الذي تلا هذا الخطاب إلى إرسال بعض الحكومات الإفريقية طائرات لنقل مواطنيها إلى بر الأمان وتوبيخ سعيد دوليًا، ورغم التراجع الدبلوماسي أصبح من الصعب احتواء تلك العنصرية التي حظت بشرعية نتيجة خطاب الرئيس التونسي.
ظهر تركيز سعيد على نظريات المؤامرة المشحونة عنصريًا مرة أخرى في ردة فعله على أحداث صفاقس، حيث قال إن شبكات إجرامية تجذب المهاجرين إليها عمدًا، ورغم الشهادات المروعة التي وردت من الحدود، أصر سعيد على احترام حقوق اللاجئين والمهاجرين بما يتماشى مع القيم التونسية وبخلاف ما تقول الدوائر الاستعمارية وعملاؤها من المحاميين.
ما زالت البطالة متأصلة في تونس بنسبة 15%، رغم أنها كانت السبب في ثورة 2011، أما البضائع المدعمة مثل الزيت والسكر والقهوة فما زالت ناقصة بسبب تراجع التمويل الحكومي
سمح الرئيس للهلال الأحمر التونسي وبعض العاملين في المجال الإنساني بدخول المنطقة المسلحة ومساعدة المهاجرين العالقين هناك يوم 9 يوليو/تموز، أي بعد أسبوع من طردهم، وأظهرت اللقطات مسعفي الهلال الأحمر وهم يقدمون الطعام والمياه والمساعدات الأولية للمهاجرين ثم يتركونهم في مكانهم بانتظار التفاوض على خروجهم.
اقتصاد مدمر وتصاعد للكراهية
قال المراقبون إن مشاعر العنصرية تزداد في تونس مع تدهور الاقتصاد، فهم يرون أن هناك علاقة دائمة بين تراجع الاقتصاد ووجود المهاجرين.
قال شاب عمره 18 عامًا من صفاقس: “إنهم يأخذون وظائفنا ويبدأون بالمشاكل والأعمال العنيفة، إن مهاجري جنوب الصحراء هم السبب في ذلك”.
يأتي الكثير من المهاجرين واللاجئين غير النظاميين ومعهم القليل من المال أو دون أي مال إطلاقًا، ليجدوا أنفسهم يعيشون في الأحياء الفقيرة من البلاد، ما يشكل عبئًا إضافيًا على المنافسة على الموارد.
ما زالت البطالة متأصلة في تونس بنسبة 15%، رغم أنها كانت السبب في ثورة 2011، أما البضائع المدعمة مثل الزيت والسكر والقهوة فما زالت ناقصة بسبب تراجع التمويل الحكومي.
أما مياه الصنابير التي تعد أحد أساسيات الحياة، فقد أصبحت مقننة بسبب تآمر الجفاف وتغير المناخ والبنية التحتية المتهالكة للتسبب في هذا النقص.
هناك خوف متزايد في تونس من المستقبل وشك في الحاضر، يغذيهم الهجمات العنصرية ضد المهاجرين السود الفارين من مصاعب لا يمكن وصفها.
يبدو أن معالجة هذا النقص سيتم من خلال حزمة مساعدات كبيرة يقدمها الاتحاد الأوروبي قدرها أكثر من مليار يورو.
ورغم أن هذا الدعم مخصص بشكل كبير لدعم الاقتصاد التونسي، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خصصت جزءًا أولي قدره 100 مليون يورو لإبعاد اللاجئين والمهاجرين عن شواطئ أوروبا.
بقيّ أن نرى إلى أي مدى ستذهب تونس للوفاء بتلك التعهدات.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية