بدأت وزارة الداخلية التركية خلال الأيام الأخيرة حملة واسعة النطاق، لملاحقة المهاجرين الأجانب الذين دخلوا البلاد بطرق غير نظامية، في إطار مكافحة الهجرة غير القانونية في البلاد وشملت الحملة أغلب المحافظات التركية، مع التركيز على محافظة إسطنبول كونها أهم مركز أو محطة تجمع للمهاجرين من مختلف الجنسيات.
لم تقتصر الحملة على الأجانب الذين يدخلون البلاد دون إذن، بل شملت جميع الأجانب الموجودين في إسطنبول لكنهم مسجّلون في محافظات أخرى، مثل اللاجئين السوريين الذين يخضعون لنظام الحماية المؤقتة.
تشارك في تنفيذ الحملة في إسطنبول عدة جهات، أهمها إدارة مكافحة تهريب المهاجرين، وإدارة فرع البوابات الحدودية في شرطة إسطنبول، بمشاركة فرع الخدمات الوقائية وإدارات شرطة المنطقة، وخلال أسبوع واحد فقد من عمليات التفتيش المشتركة، ألقت القبض على أكثر من 1000 مهاجر في عدد من أحياء إسطنبول، معظمهم من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.
عمليات الترحيل من إسطنبول
أعلن وزير الداخلية، علي يرلي كايا، أن قوات الدرك (الجندرمة) وإدارات مكافحة تهريب المهاجرين والإتجار بالبشر، اعتقلت 168 شخصًا من أصل 280 ارتكبوا جريمة تهريب المهاجرين على خط الحدود فان – إيران.
وأضاف يرلي كايا أن القوات التابعة لوزارة الداخلية ألقت القبض على 15 ألفًا و591 مهاجرًا دخل البلد بطريقة غير نظامية خلال يونيو/ حزيران الماضي، ورحلت 6 آلاف و883 منهم، مضيفًا أنها منعت 23 ألفًا و450 شخصًا خلال الشهر الماضي من دخول البلاد.
أغلقت وزارة الداخلية تسجيل السوريين تحت الحماية المؤقتة في جميع أنحاء محافظة باستثناء الحالات الإنسانية منذ عام 2019
ووفقًا لوزارة الداخلية التركية، فقد وضعت لوائح جديدة لمكافحة الهجرة غير القانونية خاصة في محافظة إسطنبول، بهدف الحد من أعداد الأجانب الموجودين في المحافظة، حيث انخفضت أعداد هؤلاء المهاجرين بمقدار 46 ألفًا و846 شخصًا منذ نهاية عام 2022 وحتى 18 يونيو/ حزيران 2023.
وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية أيضًا، يوجد حاليًّا مليون و206 آلاف و153 أجنبيًّا في إسطنبول وحدها، منهم 670 ألفًا و988 أجنبيًّا يحملون تصريح إقامة، و531 ألفًا و381 مواطنًا سوريًّا يخضعون لنظام الحماية المؤقتة، بما في ذلك 3 آلاف و784 من المتقدمين للحصول على الحماية الدولية.
وخلال العام الجاري، أكدت وزارة الداخلية أنها ضبطت 35 ألفًا و94 أجنبيًّا، ما زالوا في مراكز الترحيل إلى الآن استعدادًا لإعادتهم إلى بلادهم، حيث تم ترحيل 13 ألفًا و782 شخصًا من قبل مديرية إدارة الهجرة في إسطنبول، كما نقلت 19 ألفًا و552 إلى مراكز الترحيل في المحافظات الأخرى، بالتنسيق مع مديرية إدارة الهجرة من أجل ترحيلهم إلى بلادهم.
مضيفة أنه خلال عام 2022، ضبطت 172 ألفًا و15 أجنبيًّا ورحلتهم وفقًا للإجراءات المتبعة لدى إدارة الهجرة. بخلاف ذلك، أغلقت الوزارة تسجيل السوريين تحت الحماية المؤقتة في جميع أنحاء محافظة، باستثناء الحالات الإنسانية منذ عام 2019، كما أغلقت 10 مناطق و54 حيًّا تصل فيها نسبة الأجانب إلى 20% أمام تسجيل الأجانب، أي أن الأجانب المسجلين في إسطنبول لا يمكنهم الانتقال إلى هذه المناطق والأحياء أو إعادة استئجار منازل فيها، مهما كانت الأسباب.
أسباب تصاعد وتيرة ترحيل الأجانب
رغم التفاؤل الذي ساد أوساط اللاجئين السوريين المقيمين في إسطنبول، بعد تعيين محافظ غازي عنتاب السابق داوود غول واليًا جديدًا لإسطنبول، والذي اشتهر بمواقفه الداعمة للاجئين، إلا أن وتيرة ترحيل الأجانب، بما في ذلك السوريين، قد زادت بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة في إسطنبول، بعد انتهاء العملية الانتخابية الأخيرة.
ويمكن أن يُعزى ذلك إلى عدة أسباب ودوافع، منها المصادقة على لوائح جديدة لمكافحة الهجرة غير القانونية من قبل وزير الداخلية الجديد علي يرلي كايا، للحدّ من أعداد الأجانب في إسطنبول وقطع طرق تهريب البشر وملاحقة المهربين وإلقاء القبض عليهم، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية لمنع استخدام وجود هؤلاء كورقة انتخابية من قبل المعارضة.
إضافة إلى صدور تعليمات من وزارة الداخلية بضرورة تطبيق القانون بشكل صارم على جميع الأجانب الذين يخالفون القانون، في الأماكن العامة وأماكن قضاء العطلات والشواطئ ووسائط النقل العام والمنتجعات السياحية.
يتوجب على الحكومة أن توازن بين مخاوفها الأمنية والاعتبارات الإنسانية، والتأكد من أن عمليات الترحيل تلتزم بالمعايير الدولية، بما في ذلك عدم إساءة معاملة هؤلاء وتوفير الوصول إلى التمثيل القانوني والإجراءات القضائية الواجبة
تشمل المخالفات المذكورة التحرك على شكل مجموعات في الشوارع أو اصطحاب أدوات حادة، والتقاط الصور في الأماكن المزدحمة، والتدخين والنرجيلة في الأماكن الممنوعة، وتجمع الشبان والمراهقين على شواطئ البحر من غير عائلاتهم، والتصرف بشكل غير لائق على الشواطئ وفي الأماكن العامة، مثل التحرش بالنساء والفتيات وتشغيل الموسيقى بشكل مرتفع، وعدم رمي القمامة في الأماكن غير المخصصة.
يمكن النظر إلى قرار وزارة الداخلية بتنفيذ إجراءات صارمة وحملات الترحيل على أنه محاولة لإنفاذ قوانين الهجرة، والحفاظ على النظام داخل البلاد من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين، وتهدف الحكومة إلى تأكيد سلطتها وإرسال رسالة للشعب التركي والمعارضة السياسية، بأنها لا تتسامح مع وجود الأجانب والمهاجرين الذين دخلوا بطرق غير نظامية إلى البلاد.
يضاف إلى ما سبق أيضًا، مواجهة تركيا تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك معدلات البطالة المرتفعة ونقص فرص العمل، لذلك تحاول الحكومة الحد من الضغوط التي تتسبّب بها الأعداد الكبيرة من المهاجرين في الوصول إلى الخدمات وفرص العمل المخصصة للمواطنين، مع ذلك، قد يكون لترحيل عدد كبير من الأجانب تداعيات على قطاعات مختلفة، مثل البناء والإنشاءات والأعمال الزراعية التي تعتمد على المهاجرين والأجانب بشكل أساسي، ما قد يؤدي إلى نقص في القوى العاملة في هذه القطاعات الحيوية.
يجوز للأجنبي أو ممثله القانوني الطعن ضد قرار الترحيل أمام المحكمة الإدارية خلال 7 أيام من تاريخ الإخطار بالقرار، ويتوجب على المحكمة اتخاذ قرارها النهائي في غضون 15 يومًا
ولا شك أيضًا أن أشهر الصيف غالبًا ما تشهد ارتفاعًا في محاولات الهجرة وأنشطة تهريب البشر من تركيا إلى أوروبا بسبب موقعها الجغرافي، ما يجعلها نقطة عبور مفضّلة للأفراد الباحثين عن ملجأ أفضل، لذلك تكثف السلطات التركية من جهودها ودورياتها للحدّ من تحركات المهاجرين غير النظاميين خلال هذه الفترة، ومنع المخاطر الأمنية المحتملة.
مع ذلك، يتوجب على الحكومة أن توازن بين مخاوفها الأمنية والاعتبارات الإنسانية، والتأكد من أن عمليات الترحيل تلتزم بالمعايير الدولية، بما في ذلك عدم إساءة معاملة هؤلاء وتوفير الوصول إلى التمثيل القانوني والإجراءات القضائية الواجبة.
من هم الأجانب الذين يمكن ترحيلهم أو طردهم؟
تجري عملية الترحيل بموجب المادتَين 52 و60 من القانون رقم 6458، المتضمن قانون الأجانب والحماية الدولية، وتنظم قرارات الترحيل من قبل إدارة الهجرة في المحافظات بعد إجراء عمليات التحقيق والتقييم، ووفقًا للقانون تستغرق مرحلة التقييم واتخاذ قرار الترحيل 48 ساعة كحدّ أقصى، مع بيان الأسباب والمهل القانونية للطعن فيه أمام المحكمة الإدارية.
يجوز للأجنبي أو ممثله القانوني الطعن ضد قرار الترحيل أمام المحكمة الإدارية خلال 7 أيام من تاريخ الإخطار بالقرار، ويتوجب على المحكمة اتخاذ قرارها النهائي في غضون 15 يومًا، ولا يجوز ترحيل الأجنبي دون موافقته الطوعية قبل انقضاء المهلة القانونية المحددة، أو خلال النظر في الدعوى أمام المحكمة الإدارية.
وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يجوز ترحيلهم، فهم أولئك الذين ينتهكون المادة 54 من قانون الأجانب والحماية الدولية، مثل قادة وأعضاء المنظمات الإرهابية، والأشخاص الذين يستخدمون وثائق أو تأشيرات أو أذون إقامة مزوّرة للدخول إلى تركيا، والأشخاص الذين يشكّلون خطرًا على النظام العام أو الأمن العام أو الصحة العامة، والأشخاص الذين يعملون دون تصريح عمل.
بالإضافة إلى الذين يدخلون البلاد بطرق غير نظامية، الأشخاص الذين دخلوا تركيا رغم وجود قرار بمنعهم من دخول البلاد، والأشخاص الذين تُلغى تصاريح إقامتهم أو الذين يتجاوزون المدة المحددة في تصريح الإقامة دون سبب مبرر لمدة تزيد عن 10 أيام.
مع ذلك، هناك أشخاص يُمنع ترحيلهم، مثل أولئك الذين قد يتعرضون لعقوبة الموت أو التعذيب في البلد الذي سيتم ترحيلهم إليه، والأطفال، وضحايا الإتجار بالبشر والعنف الجسدي والجنسي، والذين قد تتعرض حياتهم للخطر بسبب السفر نتيجة لمشاكل صحية أو بسبب العمر أو ظروف الحمل.
إجراءات الترحيل
تواجه تركيا انتقادات واسعة فيما يتعلق بإجراءات ترحيل الأجانب، إلا أن الحكومة التركية تقول إنها توفر جميع الاحتياجات الأساسية للمهاجرين في مراكز الترحيل، وتتعامل معهم باحترام، إذ لا يتعرضون لسوء المعاملة على عكس ما تقوم به بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل اليونان، حيث تلجأ قوات خفر السواحل اليونانية إلى القوة المفرطة خلال تعاملها مع قوارب اللاجئين، ما تسبّب في إغراق عشرات القوارب والسفن، وفقدان الآلاف من المهاجرين حياتهم خلال السنوات الماضية.
خلال السنوات الماضية، أبرمت تركيا اتفاقات مع أفغانستان وباكستان والمغرب والجزائر، تتعلق بمشاركة المعلومات البيومترية الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين من هذه الدول، وهو ما يزيد من سرعة عمليات الترحيل
وفيما يتعلق بإجراءات الترحيل، عادة ما تضع السلطات المهاجرين قيد الاحتجاز الإداري في مراكز الإعادة القسرية تمهيدًا لترحيلهم إلى بلدانهم، وقد تستغرق العملية 6 أشهر ويمكن تمديدها 6 أشهر أخرى في حال تعذّر إكمال إجراءات الترحيل، ويجري تقييم شهري وبشكل منتظم من قبل إدارة الهجرة في المحافظة، فيما إذا كان هناك ضرورة للاستمرار بالاحتجاز الإداري.
في بعض الأحيان، يعتمد الأمر على امتلاك المهاجر المحتجز في مركز الإعادة على وثائق سفر صالحة أم لا، ففي حال وجود جواز سفر لدى المهاجر وقرر المغادرة بشكل طوعي، يمكن أن تجري العملية خلال 7 أيام إلى بضعة أسابيع؛ وفي حال عدم وجود جواز سفر، تتواصل إدارة الهجرة مع قنصلية الدولة التي يحمل المهاجر غير النظامي جنسيتها، لتأمين تذكرة سفر مؤقتة له للعودة إلى بلاده.
بالنسبة إلى الأشخاص الذين يشكّلون خطرًا على الأمن، لا يسمح لهم بالعودة الطوعية ويخضعون للاحتجاز الإداري، حيث تقوم إدارة الهجرة بتنظيم رحلات جوية لترحيل هؤلاء على نفقتهم الخاصة، وفي حال عدم وجود أموال بحوزتهم تتولى إدارة الهجرة وأحيانًا بعض المنظمات الدولية دفع تكاليف عملية الترحيل.
وخلال السنوات الماضية، أبرمت تركيا اتفاقات مع أفغانستان وباكستان والمغرب والجزائر، تتعلق بمشاركة المعلومات البيومترية الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين من هذه الدول، وهو ما يزيد من سرعة عمليات الترحيل.
أما بالنسبة إلى السوريين، فيجب التمييز بين أولئك الخاضعين للحماية المؤقتة، والأشخاص الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني وألقي القبض عليهم دون أن يكون لديهم قيود رسمية في إدارة الهجرة، وبالنسبة إلى هؤلاء تجري محاكمتهم بسبب ارتكابهم جريمة تجاوز الحدود بشكل غير نظامي، ويتم وضعهم قيد الاحتجاز الإداري في مراكز الترحيل تمهيدًا لإعادتهم إلى سوريا.
أما بالنسبة إلى السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة لكن يُلقى القبض عليهم خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا، أو ترحلهم قوات حرس الحدود اليونانية أو البلغارية، فهؤلاء لا يُرحلون إلى سوريا، بل يُنقلوا إلى المحافظات التركية المسجّلين فيها، ويخضعوا للتوقيع الإجباري في إدارة الهجرة بشكل دوري (لمرتَين أو أكثر في الشهر بحسب الولاية)، وفي حال عدم التزامهم بالتوقيع لأكثر من 3 مرات متتالية، تلغى الحماية المؤقتة الخاضعين لها، وبالتالي يجوز بعد ذلك طردهم خارج البلاد.