استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يوم الاثنين 10 يوليو/ تموز، اجتماع لجنة تابعة للهيئة الحكومية المعنية بالتنمية في دول شرق أفريقيا “إيقاد” بشأن الوضع في السودان، وسط حضور دولي وإقليمي رفيع تقدَّمه كل من رئيس الوزراء الإثيوبي، والرئيس الكيني، ووزير خارجية جيبوتي، ومستشار رئيس جنوب السودان، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، ووزير الدولة بالخارجية الإماراتية، وممثلي المملكة العربية السعودية ومصر وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي.
الجيش السوداني يقاطع الاجتماع
أكّد المجتمعون ضرورة اتخاذ خطوات فعلية لإيقاف الحرب في السودان، فيما قاطع وفد الحكومة السودانية (بحكم الأمر الواقع) الاجتماع، احتجاجًا على استمرار الرئيس الكيني وليام روتو في رئاسة رباعية “إيقاد” المعنية بالوساطة في الأزمة، رغم سفر الوفد الحكومي إلى أديس أبابا.
جدير بالذكر أن اللجنة الرباعية التي شكلتها “إيقاد”، تتكون من جنوب السودان وجيبوتي وإثيوبيا إلى جانب كينيا.
وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان: “استجابة لدعوة من رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، قررت حكومة السودان ابتعاث وفد للمشاركة في اجتماع اللجنة الرباعية المنبثقة عن منظمة “إيقاد” بأديس أبابا”.
وأضاف البيان: “وصل وفدنا بالفعل إلى أديس أبابا، صباح الاثنين، ما يؤكد على جدية حكومة السودان للارتباط والبناء والتواصل مع منظمات انتمائها الإقليمية، ولكن للأسف اتضح لوفدنا أن رئاسة اللجنة الرباعية لم يتم تغييرها”.
وقالت الوزارة: “إن حكومة السودان ورئيس مجلس السيادة طالبا بتغيير رئاسة الرئيس ويليام روتو، رئيس جمهورية كينيا، للجنة الرباعية، نظرًا إلى الأسباب التي أوردتها الحكومة والمضمّنة في خطاب معنوَن لفخامة الرئيس إسماعيل عمر قيلي، الرئيس الحالي لـ”إيقاد”، ومن ضمنها عدم حيادية روتو حيال الأزمة القائمة”.
وزاد بيان الخارجية: “لا يزال وفد حكومة السودان متواجدًا في أديس أبابا ينتظر الاستجابة لطلبه”.
اعتبرت الوزارة الشهر الماضي أن حكومة كينيا “تتبنّى مواقف ميليشيا الدعم السريع المتمردة وتأوي عناصرها وتقدم لهم مختلف أنواع الدعم”، دون أن تذكر الخارجية السودانية تفاصيل عن تبنّي الحكومة الكينية مواقف الدعم السريع، أو أن تذكر أسماء عناصر الدعم السريع الذين تأويهم نيروبي أو تقدم لهم أنواع الدعم.
وكان الصحفي المحسوب على الجيش السوداني، ضياء الدين بلال، قد دوّن على صفحته في “فيسبوك” قائلًا: “لا أجد مغزى أو فائدة منظورة من حضور وفد الجيش لاجتماعات أديس أبابا، ومن ثم الانسحاب منها لأي سبب كان، لوجود ودور الرئيس الكيني أو غيره”.
مقترح نشر قوة إقليمية
في بيانها الختامي لاجتماع أديس أبابا، قالت اللجنة الرباعية للهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد” إنّ “الحل العسكري” لا يمكن أن يكون مخرجًا للأزمة القائمة في السودان منذ حرب أبريل/ نيسان الماضي.
Statement by #IGAD Executive Secretary @DrWorkneh at the Heads of State & Government Meeting of the IGAD Quartet Group of Countries on Peace and Stability in the Republic of #Sudan held on July 10 in Addis Ababa 👇https://t.co/V9YuUWTxWT
— IGAD Secretariat (@igadsecretariat) July 11, 2023
وأكد البيان الختامي للاجتماع، والذي تلا فحواه الرئيس الكيني ويليام روتو، على ضرورة التزام الأطراف المتصارعة في السودان بإعلان وقف غير مشروط لإطلاق النار، والتوافق على إنشاء منطقة إنسانية لتسهيل دخول المساعدات.
وأشار إلى أنه “لا يوجد حل عسكري للصراع في السودان”، كما طالب البيان بعقد لقاء مباشر بين قادة الأطراف المتحاربة، يهدف في النهاية إلى “وقف العنف بشكل فوري، والتوقيع على اتفاق غير مشروط وغير محدد المدة”.
أما النقطة التي أثارت جدلًا كثيفًا في البيان الختامي للجنة “إيقاد”، فقد كانت دعوتها إلى عقد قمة إقليمية للنظر في نشر قوات في السودان لحماية المدنيين، بعد قرابة 3 أشهر من الحرب بين الجيش والدعم السريع.
وأوضحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية لشرق أفريقيا، أنها وافقت في اجتماع أديس أبابا على طلب عقد قمة إقليمية لقوات طوارئ شرق أفريقيا “إيساف” (Eastern Africa Standby Force) المكونة من 10 أعضاء، “للنظر في إمكانية نشر قوة لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية”.
من جانبه، قال رئيس أركان قوات طوارئ شرق أفريقيا، عثمان عباس، إن التوجيهات صدرت بالفعل بالشروع في عملية التخطيط لانتشار متوقع في السودان، موضّحًا أن ذلك إجراء روتينيًّا يحدث عند حدوث أي أزمة في أي من دول “الإيساف” الـ 10، لكن القرار النهائي بخصوص نشر القوات لا يتم إلا بموافقة السودان.
وأضاف عبّاس في تغريدات له في “تويتر”، أن الإجراءات المتبعة لاتخاذ القرار بنشر قوات “الإيساف” تتمثل في:
1. عقد اجتماعات للخبراء من الدول الأعضاء للخروج بتوصيات من الناحية الفنية.
2. اجتماع رؤساء الأركان لمناقشة تقرير الخبراء والخروج بتوصيات.
3. اجتماع وزراء الدفاع للخروج بتوصيات.
4. اجتماع رؤساء الدول لاتخاذ القرار النهائي.
أريد أن أفصل قليلا في هذا الجانب باعتباري رئيسا لأركان قوات EASF
بالفعل صدرت التوجيهات لقواتنا بالشروع في عملية التخطيط لانتشار متوقع في السودان وهذا إجراء روتيني يحدث عند حدوث أي أزمة في أي من دول الايساف العشرة.
لكن القرار النهائي بخصوص نشر القوات لا يتم الا بموافقة السودان.
— Dr. Osman Abbas (@Osman_Mo_Abbas) July 10, 2023
ورغم التطمينات التي حاول قائد “الإيساف” بثّها، فإن عددًا من المغرّدين على مواقع التواصل الاجتماعي أبدوا مخاوفهم من أن نشر تلك القوات قد يزيد الأزمة تعقيدًا.
آبي أحمد يغضب السودانيين
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أثار غضب السودانيين بتصريحاته خلال اجتماع لجنة “إيقاد”، إذ دعا إلى إنشاء منطقة حظر طيران في الأجواء السودانية، ونزع المدفعية الثقيلة “لمنع تفاقم الأزمة وتأثيرها على المنطقة”.
رئيس الوزراء الإثيوبي يدعو إلى إنشاء منطقة حظر طيران في الأجواء السودانية، ونزع المدفعية الثقيلة لمنع تفاقم الأزمة وتأثيرها على المنطقة pic.twitter.com/al0e7tP3o5
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 11, 2023
لفت العديد من المواطنين السودانيين إلى أن أحمد كان قد استخدم كل أنواع الأسلحة، بما فيها الطيران الحربي والطيران المسيَّر الأجنبي، في حربه على إقليم تيغراي التي استمرت عامَين، حيث اعتبر أن تلك الحرب شأن داخلي، رغم استعانته بالجيش الإريتري وتلقيه مساعدات عسكرية كبيرة من الخارج.
الوصول الإماراتي لدول المنطقة بقى عالي شديد. نجاح كبير ليهم الحقيقة. لعبوا دور كبير في تأمين دعم مالي لآبي إحمد وقت حربه مع التقراي. وضالعين في موضوع الفشقة بقوة لقلعها لمستثمرين إماراتيين.
— Mohammed A.Rahman (@m7rhman) July 10, 2023
كما وجدت تصريحات آبي انتقادات لاذعة من قبل ناشطين تعود أصولهم إلى إقليم تيغراي، مثل الناشط المعروف مصطفى حبشي.
المدوّن والكاتب السوداني محمد القاسم أبدى اعتراضه على امتناع وفد الجيش من المشاركة في الاجتماع، مبيّنًا أنه كان يمكن لهم المشاركة وإبداء تحفظاتهم، بما في ذلك موقفهم من رئاسة كينيا، معتبرًا أن وفد الجيش متأثر بـ”شعبوية نظام البشير”.
وتعليقًا على تصريحات آبي أحمد، قال القاسم لـ”نون بوست” إنها تعدٍّ كبيرٍ على السودان، وتشير إلى مطامع لإثيوبيا وانحياز كامل منها لصالح الدعم السريع، مبديًا استغرابه من ذلك الانحياز وما المصلحة التي تعود على أديس أبابا من دعمها لقوات حميدتي.
كما وجّه القاسم خلال حديثه مع “نون بوست” انتقادات لقادة الأحزاب السياسية التي شاركت في اجتماع لجنة “إيقاد”، مطالبًا إياهم بالاعتراض علنًا على مطالبة آبي أحمد لفرض منطقة حظر طيران في سماء الخرطوم، ودعا القاسم كذلك قادة الأحزاب إلى إبداء موقف من حديث الرئيس الكيني عن نشر قوات إقليمية، موضحًا أن السودان لم يتدخل في شؤون دول الجوار، ولم يقدم طلبات مستفزة كهذه.
مسؤولة أمريكية تدعو إلى “عملية سياسية جديدة”
مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، مولي في، التي شاركت في الاجتماع وعقدت على هامشه لقاءً مع رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، دعت إلى رسم عملية جديدة لتأسيس انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية، مشيرة إلى أن تكون عملية شاملة وشفافة تمثل التنوع الكامل للشعب السوداني، بما في ذلك المجتمع المدني ولجان المقاومة والهامش والشباب والنساء.
إلا أن مقترح المسؤولة الأمريكية جُوبه بانتقادات شديدة من قبل المراقبين، الذين شكّكوا في قدرات مولي وسجلّ خدمتها في المنطقة، وكذلك طريقة عملها وكيفية ترقيها إلى منصب رئيس مكتب الشؤون الأفريقية في الخارجية الأمريكية.
For the USA 🇺🇸 to engage effectively in Africa at large and in this case #Sudan 🇸🇩, the @StateDept and @SecBlinken must be able to think on their feet.
Molly Phee’s track record in the region is entirely questionable, as is the relevance of her career modus operandi in acting… https://t.co/YzEFY2zngq pic.twitter.com/rynvmZCWq7
— I.C. (@IanECox) July 11, 2023
وأشار آخرون إلى عدم وضوح تفاصيل العملية السياسية التي تتحدث عنها مولي في، ورهانها مرة أخرى على قوى سياسية يرون أنها خسرت كثيرًا من موقفها المتماهي “ضمنًا” مع الدعم السريع.
once again, and after another major upheaval of sudan, the political process is vague, unclear and is excluding those who are most affected
— M(ihad)ADMAX (@themihad) July 11, 2023
أخيرًا، اجتماع لجنة “إيقاد” تطرّق إلى تسبُّب الحرب في تشريد ما يقرب من 3 ملايين مواطن سوداني، بما في ذلك 2.2 مليون نازح وحوالي 615 ألف لاجئ عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، لكن البيان الختامي لم يتحدث مطلقًا عن انتهاكات ميليشيا الدعم السريع وارتكابها لجرائم تطهير عرقي واغتصابات في غرب دارفور، وكذلك تهجيرها لسكان الخرطوم وإجبارهم على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح، واستخدامها الاغتصاب كسلاح حرب.
تعقيبا على الصديق سيد الطيب
-مقتطف: (المواطنين السودانيين ينزحون من منازلهم التي يحتلها الجنجويد الى الولايات التي يسيطر عليها الجيش السوداني. لأن في الولايات السودانية الخالية من الجنجويد وتقع تحت سيطرة الجيش تعيش الاسر السودانية آمنة مطمئنة على بيوتها واعراضها و ممتلكاتها
1/4 pic.twitter.com/JdHgrLOkBA
— Dr. Asaad Ali Hassan (@asaadali17) July 11, 2023
يمكن القول إن مخرجات اجتماع لجنة “إيقاد” جاءت في صالح الجيش السوداني، إذ كانت الطلبات التي قدمها رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الكيني مستفزة للغاية، ووجدت رفضًا شعبيًّا واسع النطاق، رغم وجود سخط حقيقي من الجيش جرّاء عجزه عن حسم المعركة مع الدعم السريع، وقيامه بتنفيذ حملات اعتقال عشوائية بحقّ متطوعين، إلى جانب أخطاء القصف العشوائي التي أودت بعشرات الضحايا.