ترجمة وتحرير: نون بوست
تخطط اللجنة البرلمانية للنفط والغاز في العراق لزيادة إنتاج البلاد من النفط إلى أكثر من خمسة ملايين برميل يوميًّا، وذلك بحسب محضر اللجنة الصادر الأسبوع الماضي. كما تم تحليله بالكامل في كتابي الجديد حول النظام العالمي الجديد لسوق النفط، لا يمكن أن يتم ذلك بسهولة نسبية من قبل العراق فحسب، بل يمكن أن يكون أيضًا تمهيدًا لزيادة إنتاج النفط إلى 13 مليون برميل يوميًا إذا تم التعامل معه بشكل صحيح. وهذا من شأنه أن يجعل العراق أكبر منتج للنفط في العالم.
وبشكل عام؛ لا يزال العراق يمثل أكبر حدود نفطية غير متطورة نسبيًا في العالم. ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة؛ يحتوي العراق رسميا على 145 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة (حوالي 18 بالمئة من إجمالي احتياطيات الشرق الأوسط، وخامس أكبر احتياطي على هذا الكوكب). وبشكل غير رسمي، من المحتمل جدًا أنه يحتوي على احتياطيات نفطية أكبر بكثير من المُعلن عنه. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2010، أعلنت وزارة النفط العراقية أن الاحتياطيات المؤكدة للبلاد بلغت 143 مليار برميل.
ولكن في نفس الوقت الذي أصدرت فيه أرقام الاحتياطيات الرسمية، صرحت وزارة النفط أن موارد العراق غير المكتشفة تُقدّر بحوالي 215 مليار برميل. وكان هذا أيضًا رقمًا تم التوصل إليه في دراسة مفصلة سنة 1997 من قبل شركة النفط والغاز المرموقة، “بترولوغ”. ومع ذلك، لم يشمل هذا الرقم أجزاء شمال العراق في منطقة كردستان شبه المستقلة.
وحسب الوكالة الدولية للطاقة، فإن هذا يعني أن معظم الآبار قد تم حفرها خلال فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي عندما أعطت الحدود الفنية وأسعار النفط المنخفضة تعريفًا أضيق لما يعتبر بئرًا تجاريًا ناجحًا مما سيكون عليه الحال حاليًا. وبشكل عام؛ أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن مستوى الموارد القابلة للاسترداد في نهاية المطاف في جميع أنحاء العراق (بما في ذلك إقليم كردستان) يبلغ حوالي 246 مليار برميل (النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي).
ونظرٕا للحجم الحقيقي لاحتياطيات النفط في العراق – وحقيقة أن التكلفة الإجمالية للبرميل الواحد من النفط في البلاد تتراوح بين دولار و2 دولار أمريكي (الأدنى في العالم، إلى جانب إيران والمملكة العربية السعودية) – فما هو نوع إنتاج النفط المُتوقع بشكل معقول؟
خسر العراق 14.4 مليار دولار أمريكي من مطلع سنة 2011 حتى نهاية سنة 2014 كمدفوعات “تعويضات نقدية” لشركات النفط الدولية وغيرها من الكيانات
في سنة 2013؛ تم وضع استراتيجية وطنية متكاملة للطاقة، والتي تم تحليلها بالتفصيل لثلاثة ملفات تعريف واقعية لإنتاج النفط في العراق وما سيشمله كل منها. وكما تم تحليله أيضًا في كتابي الجديد، كان أفضل سيناريو لإستراتيجية وطنية متكاملة للطاقة هو زيادة سعة إنتاج النفط الخام إلى 13 مليون برميل يوميًا (في تلك المرحلة، بحلول سنة 2017)، لتبلغ ذروتها عند هذا المستوى تقريبًا حتى سنة 2023، ثم تتراجع أخيرًا تدريجيًا إلى حوالي 10 مليون برميل في اليوم لفترة طويلة بعد ذلك.
وكان سيناريو الإنتاج متوسط المدى للعراق أن يصل إلى 9 ملايين برميل يوميًا (في تلك المرحلة، بحلول عام 2020)، وكان أسوأ سيناريو لإستراتيجية وطنية متكاملة للطاقة هو أن يصل الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يوميًا (في تلك المرحلة، بحلول سنة 2020). وبالتالي، فإن رقم 5 ملايين برميل في اليوم الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي يمكن اعتباره أول نقطة انطلاق يمكن تحقيقها بسهولة نحو هذه الأرقام.
وفي الواقع، ووفقًا لتصريحات وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، في الأسبوع الماضي، فإن طاقة إنتاج النفط في البلاد تتجاوز هذا المستوى بالفعل – في حدود 5.4 مليون برميل يوميًا – على الرغم من أنها لا تزال تنتج فقط ما بين 4.3 و4.5 ملايين برميل يوميًا بشكل عام.
والسؤال المطروح في هذه المرحلة، في ظل وجود هذه الاحتياطيات الهائلة، وخطط محددة حول كيفية تحويلها إلى حوالي 13 مليون برميل في اليوم في ملفات وزارة النفط، لماذا لا ينتج العراق بالفعل نفطًا أكثر بكثير مما ينتجه عليا؟ والسبب هو الفساد المستشري المستمر الذي يكمن في قلب صناعة النفط والغاز في العراق. وهذا لا يزيل فقط مبالغ هائلة من الأموال من خزائن العراق التي يمكن أن تمول استثمارات البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، بل يردع أيضًا الشركات الغربية التي لديها التكنولوجيا المطلوبة والخبرة اللوجستية والموظفين من الانخراط بشكل كبير في البلاد.
يعد انسحاب شركة “إكسون موبيل” من المشروع المشترك لإمداد مياه البحر نموذجًا للسبب الذي يجعل كبرى الشركات الغربية تعتقد أن العمل في العراق يهدد أعمالها التجارية.
وعلى الرغم من أن اللجان ليست سوى ممارسة معيارية في الشرق الأوسط – وفي الواقع عبر العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم – فقد أصبحت هذه الممارسة شيئًا آخر تمامًا في العراق. وقد سلط موقع “أويل برايس” الضوء على هذا بشكل متكرر وبشكل مستقل على امتداد سنوات عديدة من قبل منظمة الشفافية الدولية في العديد من منشوراتها الخاصة بـ”مؤشر تصورات الفساد”، والتي يظهر فيها العراق عادة ضمن قائمة أسوأ 10 دول من أصل 180 دولة من حيث حجم ونطاق الفساد.
وتنص منظمة الشفافية الدولية على أن “الاختلاس الهائل وعمليات الاحتيال في مجال المشتريات وغسيل الأموال وتهريب النفط والرشوة البيروقراطية المنتشرة التي قادت البلاد إلى أدنى تصنيفات الفساد الدولية، وأثارت العنف السياسي وأعاقت بناء الدولة بشكل فعال وتقديم الخدمات”. وخلص التقرير إلى أن “التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد وضعف المجتمع المدني وانعدام الأمن ونقص الموارد والأحكام القانونية غير المكتملة يحد بشدة من قدرة الحكومة على الحد بكفاءة من الفساد المتصاعد”
وكان من الممكن أن تموّل المبالغ المالية التي خسرها العراق جميع المشاريع الكبرى اللازمة لزيادة إنتاج النفط بما لا يقل عن 7 أو 8 ملايين برميل في اليوم للبدء بها، ولا سيما مشروع مشترك لإمداد مياه البحر، كما تم تحليله أيضًا في كتابي الجديد. ووفقًا لبيان أدلى به وزير النفط في سنة 2015 – ورئيس وزراء العراق لاحقًا – عادل عبد المهدي، فقد “خسر العراق 14.4 مليار دولار أمريكي” من مطلع سنة 2011 حتى نهاية سنة 2014 كمدفوعات “تعويضات نقدية” لشركات النفط الدولية وغيرها من الكيانات.
وبعبارة أخرى، فإن الطريقة التي خسر بها العراق هذا المبلغ الهائل تتعلق بالطريقة التي تم بها خصم رسوم الأجور الإجمالية وضريبة الدخل وحصة الدولة الشريكة وحسابها في التعويضات المدفوعة على مستويات إنتاج النفط المنخفضة.
وقد أدى هذا الحجم الهائل للفساد ونطاقه إلى تهرب كبرى الشركات الغربية من الانخراط بشكل كبير في البلاد. ففي حزيران/ يونيو 2021 قالت شركة النفط البريطانية العملاقة، “بريتيش بتروليوم”، إنها تعمل على خطة لتقسيم عملياتها في حقل الرميلة النفطي العملاق في العراق إلى شركة قائمة بذاتها. ويذكرنا البيان إلى حد كبير بانسحاب شركة النفط البريطانية العملاقة “شل”، من حقل مجنون النفطي العملاق في العراق في سنة 2017، وانسحابها من حقل نفط غرب القرنة 1 العملاق في العراق في سنة 2018.
وكانت كل هذه الإعلانات تحمل أيضًا تشابهًا استثنائيًّا مع إعلان شركة “إكسون موبيل” الأمريكية العملاقة في وقت سابق أنها تريد أيضًا الانسحاب من حقل غرب القرنة 1 وانسحابها من المشروع المشترك لإمداد مياه البحر العراقي قبل ذلك. في الواقع، يعد انسحاب شركة “إكسون موبيل” من المشروع المشترك لإمداد مياه البحر نموذجًا للسبب الذي يجعل كبرى الشركات الغربية تعتقد أن العمل في العراق يهدد أعمالها التجارية.
الأخطر بالنسبة لشركة “إكسون موبيل” هو أن أي عملية إعادة ترتيب للعراق مع الولايات المتحدة – والتي كانت تحدث من وقت لآخر – كان من الممكن عكسها في أي وقت في المستقبل
ووفقًا للمصادر التي تعمل عن كثب مع وزارة النفط والتي تحدث إليها حصريًا موقع “أويل برايس” في ذلك الوقت، كانت المشكلة المركزية لشركة “إكسون موبيل” تكمن في حقيقة أن عناصر المخاطرة/ المكافآت في عقد المشروع المشترك لإمداد مياه البحر كما حددتها وزارة النفط العراقية كانت غير متوازنة إلى حد كبير. وفيما يتعلق بمصفوفة المخاطر/ المكافآت العامة التي شكلت أساس هذه المفاوضات، كانت هناك ثلاثة عناصر رئيسية: “التماسك” و”الأمن” و”التبسيط”. ويتعلّق التماسك بضمان الانتهاء من بناء المرافق المتصلة بالمشروع المشترك لإمداد مياه البحر بالكامل وبالترتيب.
ولا يتعلق الأمن بالأمن الميداني للموظفين فحسب، بل يتعلق أيضًا بسلامة الأعمال والممارسات القانونية الأساسية التي ينطوي عليها الاتفاق. بينما يشير التبسيط إلى أن أي صفقة يجب أن تستمر على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية، بغض النظر عن أي تغيير في الحكومة في العراق.
وفيما يتعلّق بالنقطة الأولى، فقد ظهرت بالفعل عقبات في عدة مشاريع في جنوب العراق تتعلق بالموافقة على عقود الخدمات، مثل بناء خطوط أنابيب جديدة وحفر آبار، وكذلك الحصول على تأشيرات للعمال والتخليص الجمركي للمعدات التقنية الحيوية، وقد أعلنت شركة “إكسون موبيل” عن مخاوفها المحيطة بمثل هذه القضايا. وكان الجزء الثاني من عناصر المخاطر/ المكافآت يتمثل في الافتقار إلى هيكل قانوني ذي مغزى يتعلق بإنشاء ومراقبة وإدارة اتفاقيات الأعمال التي من شأنها أن تعرض الشركة إلى عدد كبير من المشاكل في المستقبل، خاصة عندما يُؤخذ الجزء الثالث من عناصر المخاطر/ المكافآت بعين الاعتبار.
وكان هذا الخطر الرئيسي الثالث في عناصر المخاطر/ المكافآت هو أن العديد من السياسيين البارزين في العراق لا يؤيدون في كثير من الأحيان قرارات الإدارة السابقة المتعلقة بصناعة النفط والغاز. والأخطر من ذلك بالنسبة لشركة “إكسون موبيل” – وأي شركة غربية كبرى أخرى تحاول العمل في العراق – هو أن أي عملية إعادة ترتيب للعراق مع الولايات المتحدة – والتي كانت تحدث من وقت لآخر – كان من الممكن عكسها في أي وقت في المستقبل.
وفي مثل هذه المرحلة؛ كان من الممكن الإعلان عن أي ممارسات مشكوك فيها تقوم بها شركة “إكسون موبيل” لدفع المشروع المشترك لإمداد مياه البحر إلى الأمام في جميع أنحاء العالم، وذلك إذا قرر الراعي الرئيسي للعراق، إيران، إرباك الحكومة الأمريكية، من خلال تصوير شركة “إكسون موبيل” على أنها وكيل لواشنطن.
المصدر: أويل برايس