رغم التحديات والعقبات الكبيرة التي فرضتها الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي خصوصًا صناعة الطاقة، أعلنت قطر في 12 يوليو/تموز الحاليّ، أن 40% من غاز أسواق العالم سيكون مصدره الدولة الخليجية بحلول عام 2029 أي بعد نحو 6 سنوات فقط.
صرّح بذلك وزير الدولة لشؤون الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد بن شريده الكعبي خلال مشاركته في المؤتمر الدولي العشرين للغاز الطبيعي المسال الذي استضافته مدينة فانكوفر الكندية، مؤكدًا أنه مع نمو العالم “ستكون هناك حاجة دائمة إلى الغاز الطبيعي باعتباره الوقود الأحفوري الأنظف للتعامل مع حمل الطاقة المطلوب لإنتاج الكهرباء ولتشغيل المصانع والصناعات”.
During @LNG2023, HE Eng. Saad bin Sherida Al Kaabi, Minister of State for Energy Affairs and President & CEO of QatarEnergy said that the State of #Qatar will contribute 40% of all new LNG to the market by 2029, playing a crucial role in combating energy poverty. pic.twitter.com/W47pVnkh4P
— Qatar’s International Media Office (@IMO_Qatar) July 13, 2023
وقال الكعبي: “يقول البعض إنه لن تكون هناك حاجة للغاز بحلول 2050، وأقول إنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الغاز. أنتم بحاجة إلى الغاز كخط أساس لدعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية لأن الشمس لا تشرق طوال الوقت والرياح لا تهب طوال الوقت”.
مشروعات لرفع إنتاج الغاز المسال
تُعدّ قطر خامس أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وإيران والصين، وفي العام الماضي (2022)، حلّت في المرتبة الأولى بصفتها أكبر مُصدر للغاز المسال عالميًا.
استبقت الدوحة الإعلان عن استحواذها على 40% من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي المسال عام 2029، بتوقيع صفقاتٍ مع شركات عالمية لتطوير منشآتها التي تعمل في مجال استكشاف وتنقيب وإنتاج ونقل وتخزين وتسويق وبيع الغاز الطبيعي والغاز المحول إلى سوائل والغاز الطبيعي المسال.
صفقة قطر غاز وسايبم الإيطالية
ضمن خطط توسعة حقل الشمال القطري، وقعت قطر غاز مع شركة “سايبم” الإيطالية (Saipem) في أكتوبر/تشرين الأول واحدةً من أهم صفقات النفط والغاز البحرية في عام 2022 بالمنطقة العربية.
أعلنت شركة “سايبم” الإيطالية آنذاك إبرام عقد مع شركة قطر غاز بقيمة 4.5 مليار دولار تقريبًا.
أرسته “قطر غاز” على “سايبم” الإيطالية
عقد ملياري لاستدامة حقل الشمال#الوطنhttps://t.co/lKB0Uh02FO pic.twitter.com/Ju2AdKEy9w
— جريدة الوطن (@al_watanQatar) March 28, 2021
يشمل العقد الهندسة والمشتريات وتصنيع وتركيب مجمعين لضغط الغاز الطبيعي البحري لتعزيز إنتاج حقل الشمال، التي تشمل 2 من أكبر منصات الضغط المغلفة في الصلب التي تم بناؤها على الإطلاق، وجسور ربط وسكن ووحدات الواجهة.
تأتي هذه الصفقة بعد عقد حصلت عليه “سايبم” في بداية عام 2021، لإقامة مصانع بحرية لاستخراج ونقل الغاز الطبيعي المستخرج من نفس الحقل، ويؤكد استمرارية وجودة أداء “سايبم” في قطر، بحسب بيان صحفي للشركة.
من خلال هذا العقد، تسرع “سايبم” من إعادة وضعها الإستراتيجي في القطاعات البحرية التي تمثل معظم الطلبات الجديدة التي تم الإعلان عنها منذ بداية العام، ما يدعم تنفيذ خطتها الإستراتيجية.
الصفقة الأكبر من نوعها لشركة “ماكديرموت”
في يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2022، وقّعت شركة قطر للطاقة، عقدًا كبيرًا مع شركة “ماكديرموت” – ومقرها هيوستن الأمريكية – لتطوير المرافق البحرية المخصصة لمشروع توسعة حقل الشمال كجزء من جهود عملاق الطاقة في قطر لزيادة السعة الإنتاجية للغاز المسال، مع توقع بدء الإنتاج بعد المرحلة الأولى من توسعة حقل الشمال بحلول عام 2025.
وقطر للطاقة (بالإنجليزية QatarEnergy) كانت تعرف سابقًا باسم “قطر للبترول” هي شركة قطرية عملاقة تأسست عام 1974 لكي تكون مسؤولةً عن صناعة وإنتاج النفط والغاز في قطر.
ينضوي تحت مظلة قطر للغاز عدد كبير من الشركات أهمها: قطر للوقود وقطر للغاز المسال وقطر للبتروكيماويات وقطر للأسمدة وقطر للكيماويات وقطر للفينيل والخليج العالمية للحفر والخليج العالمية للخدمات وهليوكوبتر الخليج وأمواج لخدمات التموين ومسيعيد للبتروكيماويات القابضة وصناعات قطر والشاهين القابضة وأستاد لإدارة المشاريع.
وبالعودة إلى العقد الذي وقعته قطر للطاقة مع شركة ماكديرموت الأمريكية، فإن الأخيرة وصفت العقد المذكور بأنه أحد أكبر العقود المنفردة التي حصلت عليه في تاريخها حيث تبلغ قيمة الصفقة 1.5 مليار دولار، وفقًا لموقع أويل آند غاز ميدل إيست (Oil & Gas Middle East).
تعليقًا على الصفقة، قال نائب رئيس شركة “ماكديرموت”، مايك سذرلاند: “يعكس منحنا عقد تطوير مشروع الضغط البحري لاستدامة إنتاج حقل الشمال ثقة عملائنا الرئيسيين في قدرتنا على تطوير مشروعات بنية أساسية للطاقة ذات أهمية إستراتيجية في الشرق الأوسط”.
وأضاف في بيانٍ صحفي “في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدّم بمشروع توسعة حقل الشمال الذي فزنا به العام الماضي، نساعد قطر على زيادة إنتاج الغاز المسال من 77 إلى 126 مليون طن سنويًا عبر إقامة خطوط إنتاج تحت الإنشاء”.
“لأكثر من 30 عامًا، نفذت ماكديرموت مشاريع في حقل الشمال في قطر، وسنستفيد من خبرتنا ومواردنا المحلية لإنجاز هذا المشروع بنجاح”، “مع استمرار تطوير حقول النفط والغاز في المنطقة، نحن على استعداد للبناء على هذا العمل الأولي لمواصلة دعم شركة قطر غاز، في أثناء تقدمهم في المراحل اللاحقة من مشروع حقل الشمال”، قال سذرلاند.
رفع الطاقة الإنتاجية إلى 126 مليون طن
يعدّ حقل الشمال القطري أكبر حقل للغاز الطبيعي غير المصاحب في العالم، وتزيد احتياطاته على 900 تريليون قدم مكعبة، ما يمثّل نحو 10% من الاحتياطي المعروف عالميًا، بحسب الموقع الرسمي لشركة قطر غاز.
تعتزم قطر من خلال تطوير المرحلة الأولى لمشروع التوسعة رفع قدرتها الإنتاجية من الغاز المسال من 77 مليون طن سنويًا، إلى 110 ملايين طن سنويًا بحلول منتصف هذا العقد.
بينما تهدف المرحلة الثانية إلى زيادة القدرة الإنتاجية لتُصبح 126 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027، سيتحقق ذلك عن طريق تطوير شرق حقل الشمال، المقرر أن يبدأ في 2026، وجنوب حقل الشمال الذي سيكون جاهزًا لأعمال التصدير في 2027 ومن المرجح أن يكلف المشروع بمرحلتيه 28.75 مليار دولار.
عقود متوسطة الأجل مع الدول الناشئة
بخلاف إصرار قطر على شروط التوقيع على عقود طويلة الأجل مع دول الاتحاد الأوروبي، فإنها تتساهل قليلًا مع الدول الآسيوية الناشئة.
خلال الفترة الماضية قدمت قطر عقودًا جديدة لبيع الغاز الطبيعي المسال على فترات أقصر وبأسعار أرخص، بهدف جذب العملاء لإمدادات مشروعاتها التوسعية، وسط تزايد المنافسة مع الولايات المتحدة.
في الأسابيع الماضية، اتفقت بنغلاديش مع الدوحة، التي تعد أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، على مواعيد سداد نهائية أكثر تساهلًا مقارنة بتعاقداتها السابقة مع قطر، وفقًا لمراقبين استنطقتهم وكالة بلومبيرغ.
يتوقع أن تكون قطر أكثر مرونة إزاء احتياجات العملاء، لا سيما الدول الناشئة في آسيا، التي تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة مع عدم قدرتها على التزام اتفاقيات طويلة الأجل، بحسب بلومبيرغ، حيث وقعت قطر للطاقة عام 2021 اتفاقية متوسطة الأمد مع شركة النفط الحكومية الباكستانية لتزويد باكستان بما يصل إلى 3 ملايين طن سنويًا من الغاز الطبيعي المسال، ولمدة 10 سنوات.
ووفقًا لما نقله المتحدث الدولي في مكتب رئاسة وزراء المجر، فإن بودابست تجري مفاوضات مع قطر لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال القطري اعتبارًا من عام 2027، بما يساهم في أمن الطاقة في البلاد.
🇶🇦🇭🇺FM Szijjártó: Hungary is engaged in negotiations with Qatar to secure the supply of Qatari liquefied natural gas (LNG) from 2027, contributing to the country’s energy security. He emphasized the importance of cooperation with Qatar, highlighting areas such as energy,… pic.twitter.com/na7arPDDIm
— Zoltan Kovacs (@zoltanspox) July 14, 2023
ونقل المتحدث على صفحته الرسمية بموقع “تويتر” عن وزير خارجية بلاده – الذي استقبل وفدًا قطريًا رفيع المستوى – التشديد على أهمية التعاون مع قطر، مسلطًا الضوء على مجالات مثل الطاقة والزراعة والصحة والدفاع والأمن الغذائي لتحقيق النمو المحتمل.
تنويع الاقتصاد والموارد في رؤية 2030
رغم خطط قطر لمضاعفة إنتاج الغاز فإن رؤية الدولة الوطنية 2030 تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على موارد النفط والغاز، لأجل ذلك تقوم الدولة بتشجيع القطاعات الاقتصادية الحيوية في مقدمتها القطاع الخاص وذلك من خلال تنفيذ مجموعة من البرامج والسياسات الهادفة إلى تعزيز مساهمته في عملية التنمية الاقتصادية.
على سبيل المثال، نجحت شركة الخطوط الجوية القطرية في تحقيق أرباح قياسية خلال العام المنصرم مستفيدة من استضافة الدولة لمونديال كأس العام 2022، إذ سجّلت الناقلة صافي أرباح بقيمة 1.21 مليار دولار خلال العام المالي 2022 – 2023.
#الخطوط_الجوية_القطرية تحقق ارباح
4.4 مليار ريال قطري 💰🇶🇦 pic.twitter.com/5rtCKUJWv1
— رزان خالد 🇶🇦 (@Razan_khaled1) July 5, 2023
كما استقبلت قطر منذ مطلع العام الحاليّ، أكثر من مليوني زائر، وسجّل شهرا مايو/أيار ويونيو/حزيران معًا أكثر من 567 ألف زائر، وهو أعلى عدد زوار يُسجل في هذين الشهرين خلال السنوات العشرة الماضية، وفقًا لبيانات جهاز قطر للسياحة.
ولفت الجهاز، في بيان الخميس الماضي، إلى أن إجمالي عدد الزائرين الدوليين إلى قطر وصل إلى ضعف مستويات ما قبل جائحة كورونا، إذ بلغ عدد زوار قطر عام 2019 نحو 1.05 مليون شخص.
أخيرًا، يُعد مشروع توسعة حقل الشمال في قطر – الذي يتضمن توسعة حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي – أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال عرفته الصناعة على الإطلاق.
من المتوقع أن يعزز المشروع مكانة قطر كمُنتج رائد للغاز الطبيعي المسال في العالم، لذلك لا يزال كبار منتجي النفط والغاز في العالم يسعون لضمان الحصول على حصة في المشروع، الذي يعد واحدًا من أكثر مشاريع الطاقة المربحة في العالم، حيث سيلعب دورًا رئيسًا في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الغاز الطبيعي المسال، كما أنه يتواءم مع الخطط بعيدة الأمد لتنمية موارد الدولة الخليجية.