ترجمة نون بوست
كتب خالد شلبي وندى عثمان
عندما ترك محمود عبيد مصر عام 2018، أعتقد أنه سيصبح آمنًا أخيرًا في العاصمة السودانية الخرطوم، فرّ الشاب ذو الـ29 عامًا من مصر بعد مشاركته في الاحتجاجات ضد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عام 2013.
وبعد أن رأى زملاءه وأصدقاءه يتعرضون للاعتقال في أثناء التظاهر وسمع عن موت صديق في أثناء تعرضه للتعذيب بالحجز، قرر عبيد الفرار إلى السودان المجاور رغم أنه لم يكن يملك جواز سفر.
ومع ذلك اضطر عبيد للتخلي عن حياته مرة أخرى في أبريل/نيسان هذا العام عندما اندلع الصراع المسلح في السودان.
والآن، أصبح هذا الناشط واحدًا من بين العديد من المعارضين المنفيين الذين يشعرون بالتهديد في حياتهم ويخشون الترحيل إلى مصر مرة أخرى حيث سيواجهون حكمًا بالسجن مدى الحياة.
الخوف من الترحيل
تمكن عبيد من العمل في الزراعة خلال معيشته في السودان وأسس تجارته الخاصة، فبدأ يشعر ببعض الأمان، لكن الحرب الخبيثة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أصابته بالقلق والخوف من القتل في أثناء الصراع.
يقول عبيد: “كنت أشعر بالرعب وجميع من حولي، كنت محاصرًا في منزلي ولم أستطع الخروج”.
دُمرت أحياء كاملة في العاصمة السودانية الخرطوم واضطر أكثر من 2.2 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم، وقد لجأ نحو 528 ألف منهم إلى الدول المجاورة حيث يحتاج الكثير منهم إلى مساعدات إنسانية.
وسط هذا الرعب والعنف المستمر، قرر عبيد التواصل مع شخص عرض عليه استخراج جواز سفر له من إحدى سفارات مصر في الخارج على أن يدفع له مبلغًا كبيرًا من المال.
يعد عبيد واحدًا من بين الكثير من المصريين في السودان العالقين في البلاد دون أي مخرج آمن، خاصة هؤلاء الذين اضطروا لمغادرة مصر دون أي أوراق رسمية
يقول عبيد: “بعد حصولي على جواز السفر ذهبت إلى عاصمة جنوب السودان ومنها توقفت في إسطنبول ثم وصلت أخيرًا إلى مسقط عاصمة عُمان يوم 10 يوليو/تموز”، وفقًا لعبيد فإن سلطات الهجرة العمانية احتجزته وحققت معه لمدة 4 أيام.
يضيف عبيد “أخبروني أن جواز سفري مزور وأن عليهم ترحيلي إلى مصر، فطلبت منهم أن يرسلونني إلى أي مكان ما عدا مصر”.
وهكذا أرسلت مسقط عبيد إلى إسطنبول حيث نشر بثًا مباشرًا على فيسبوك يوم 16 يوليو/تموز، ذكر فيه ما حدث معه وأكد أن جواز سفره قانوني وأنه سيواجه عواقب وخيمة إذا أعادوه إلى مصر.
قال عبيد في البث المباشر: “في مصر كنت سأموت وفي السودان كنت سأموت أيضًا، فماذا أفعل؟ إنني أطالب كل من يشاهدني أن يتواصل مع المسؤولين في السفارة المصرية ليعلموا أن جواز سفري ليس مزورًا، إنني مجرد فارّ من الحرب”.
السجن مدى الحياة
قبل فراره إلى السودان، حُكم على عبيد بالسجن مدى الحياة في مصر، لكنه لم يستطع معرفة التهم الموجهة إليه تحديدًا، والآن بعد أن أرسلوه على طائرة إلى تركيا، ما زال قلقًا من ترحيله إلى مصر.
يقول عبيد: “لقد أخبرت السلطات العمانية والتركية أن حياتي ستكون في خطر حال أرسلوني إلى مصر، لن أغادر حتى يؤكدوا لي أنهم لن يرسلونني إلى مصر”.
يعد عبيد واحدًا من بين الكثير من المصريين في السودان العالقين في البلاد دون أي مخرج آمن، خاصة هؤلاء الذين اضطروا لمغادرة مصر دون أي أوراق رسمية.
يقول العديد من المصريين في السودان إنهم يخشون حتى الخروج إلى الشوارع خوفًا من اعتقالهم أو استهدافهم، خاصة مع دعم مصر للقوات المسلحة السودانية.
أجواء من الخوف
شهد السودان ارتفاع أعداد المعارضين المصريين الفارين إليه في السنوات الأخيرة نظرًا لأجواء الخوف والتهديد بالسجن لكل من يعبر عن رأيه، وقال الكثير من المعارضين إن السودان كان دومًا ملاذًا آمنًا للفارين من قوات الأمن في مصر.
يقول أحد المعارضين الذي رفض ذكر اسمه: “في أثناء حكم البشير، كان هناك بعض التعاطف مع المعارضه المصرية، وكنا نحصل على المساعدة، لم تطلب الحكومة السودانية من المعارضين تقنين وضعهم في البلاد مطلقًا، ما جعل الحياة أسهل بالنسبة لنا”.
وقال آخر: “حتى عند اعتقال أحدهم في السودان، فإن مراكز الاحتجاز أكثر نظافة من مثيلاتها في مصر، هناك مراحيض نظيفة ووجبات طعام جيدة وأسرة للنوم”.
والآن يقول العديد من المعارضين المقيمين في السودان إن هذا الصراع جعلهم عرضة لمزيد من المخاطر، يقول أحدهم “يعيش الكثير من المعارضين في ظروف سيئة الآن خاصة مع النهب وانعدام الخدمات العامة، وبعضهم لا يستطيع السفر لأنهم مدرجون على قوائم الإرهاب المصرية”.
يشعر المعارضون المصريون في السودان بالقلق أيضًا لاختفاء عدد من الناس في أثناء الصراع وعدم معرفة أماكنهم حتى الآن، فبالنسبة لهم يعني ذلك تزايد احتمالية تسليمهم إلى قوات الأمن المصرية.
يقول نادر فتوح رئيس المكتب الإعلامي لرابطة المصريين في تركيا إن التصعيد الحاليّ في السودان تسبب في مشاكل بارزة للمعارضين والمنفيين المصريين، وأضاف “هؤلاء الناس عالقون الآن دون مكان آمن يذهبون إليه، وسياسات الهجرة في تركيا تعتقل أي شخص – وليس فقط المصريين – ليس له حق قانوني للبقاء في البلاد”.
المصدر: ميدل إيست آي