ترجمة وتحرير :نون بوست
يفتقد الشاب محمد بشدة للترامادول، وهي مادة أفيونية قوية تستخدم في غزة كدواء، ودفعته السيطرة الصارمة على هذه المادة نحو استهلاك “روتانا”، اللقب الذي يطلق في شوارع غزة على الكبتاغون، وهو عقار أمفيتامين يُنتَج بشكل أساسي في سوريا. يشير هذا العامل البالغ من العمر 35 سنة، والذي يقول إنه يتعاطى هذه المخدرات منذ سن الخامسة عشر، والكبتاغون منذ بضع سنوات فقط إن “العثور على بعض الكبتاغون أسهل من شراء زجاجة بيرة هنا”.
في غزة؛ تنتهي كل الطرق حتما عند سفح الجدار. استثناء واحد فقط لهذه القاعدة: شارع صلاح الدين، الشريان الرئيسي لهذا الشريط الأرضي المحصور بين البحر و”الحاجز الأمني” الذي تسيطر عليه إسرائيل. يربط شارع صلاح الدين نقطتي تماس بين قطاع غزة وبقية العالم. شمال غزة نجد معبر إيريز وفي الجنوب نجد معبر رفح، مع مدخل إلى “إسرائيل” وآخر إلى مصر. تمر آلاف الشاحنات من هناك كل يوم بالمؤن لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة. وتخضع هذه المنطقة لرقابة شديدة، وتخضع لحصار من قبل “إسرائيل” منذ سيطرة حماس على السلطة في سنة 2007. ونظرًا لكونها غير نافذة، ينجح مهربو المخدرات في نقل حمولتهم إلى هناك.
كم عدد سكان غزة، مثل محمد، الذين يبحثون بهذه الحيل إلى طريقة لنسيان حياتهم اليومية من الفقر والانغلاق وانعدام الحرية؟ لا توجد إحصاءات لأن تعاطي المخدرات ليس من المحرمات فحسب في غزة، بل هو جريمة تعاقب عليها حماس بشدة. تقوم الحركة الإسلامية، التي تحكم قطاع غزة بحكم الأمر الواقع منذ سنة 2007، بتطبيق وسائل مختلفة لمكافحة تهريب المخدرات.
الجدير بالذكر أن المضبوطات التي تمت على الحدود تعطي فكرة عن حجم هذه الظاهرة. ومن جهتها؛ أعلنت الحكومة الإسرائيلية، التي تتواصل بحذر بشأن هذا الموضوع، في كانون الثاني/يناير الماضي مصادرة عدة آلاف من حبوب الكبتاغون مخبأة في ثلاجة في طريقها إلى غزة. ويقدر مسؤولو الجمارك الإسرائيليون أنه مقابل كل عملية محبطة، يتمكن تسعة منهم من الفرار من عمليات المراقبة.
50000 حبّة في شحنة من الخشب
على جانب غزة، تكرس وحدة شرطة حماس، أو إدارة مكافحة المخدرات، بشكل خاص لهذه المهمة. وتعمل في جميع أنحاء القطاع، لكن مقرها الرئيسي يقع في مدينة غزة، في نهاية شارع لا يشهد إقبالًا كبيرًا من الأشخاص: إنها مبان قديمة، يمكن الوصول إليها من خلال بوابة تخضع لحراسة مشددة. ويعتبر أحمد القدرة، وهو رجل ضخم المظهر يبلغ من العمر 40 سنة المسؤول عنها، والذي قال إن وحدته بها 400 شرطي من أصل 8500 شرطي تابع لحماس في غزة.
إنه رجل صارم، من الواضح أنه يحظى بالاحترام. وأوضح قائلًا: “إن أنشطتنا الرئيسية تتمثل في توعية الجمهور بمخاطر المخدرات ومحاربة العرض والطلب. عندما نقوم بإيقاف شخص يحمل القليل من المخدرات، نقوم بإعداد ملف، نطلب من “المختار الأكبر” للإقليم أن يلقنه دروسًا في التربية ونتركه يذهب. من ناحية أخرى، إذا أمسكنا به مرة أخرى، فإننا نتبع الإجراء اللازم: نضعه في السجن، ويخضع محاكمة وعقوبة يمكن أن تتراوح من ستة أشهر إلى السجن المؤبد. ويمكن أن تصل العقوبة إلى الإعدام؛ حيث يعود تاريخ آخر حكم بالإعدام على الاتجار بالمخدرات إلى سنة 2021.
حسب الشرطي، لقد تجاوزت تدفقات الكبتاغون، تدفقات الحشيش والترامادول؛ حيث تدخل هذه المواد إما عبر معبر إيريز، في أمتعة المسافرين العائدين من الخارج، أو عبر معبر كرم أبو سالم، معبر الشاحنات الذي تسيطر عليه “إسرائيل”، فمعظم الأدوية تدخل عبر الحاويات القادمة من “إسرائيل”. وبحسب الأمم المتحدة، فقد دخل قطاع غزة في شهر أيار/مايو الماضي ما يقرب من 6900 شحنة من البضائع المصرح بها من قبل “إسرائيل” عبر معبر كرم أبو سالم.
ويتابع الشرطي حديثه قائلا: “نحتاج إلى جهاز أشعة سينية لفحصها. لكن الإسرائيليين لا يريدون أن نمتلك أيًّا منها”. وبعد الاتصال بها من قبل صحيفة “لو فيغارو”، رفضت السلطات الإسرائيلية التعليق على هذه التصريحات. وبسبب عدم وجود جهاز أشعة سينية، يقوم ضباط شرطة حماس بإجراء فحوصات عشوائية باستخدام الكلاب.
في الشتاء الماضي؛ أعلنوا أنهم عثروا على 50000 حبة في شحنة من الخشب؛ حيث يقول أحمد القدرة: “اكتشفنا أيضا حشيشًا مخبأ في فضلات في شاحنة مبردة: كان المهربون يأملون في خداع كلابنا. في حزيران/يونيو، فتشنا شحنة من القوارير المعبأة بمواد رغوية المعدة للحفلات واكتشفنا أن حوالي خمسة وثلاثون منها تحتوي على حبوب الكبتاغون، أي بما يعادل مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 250 ألف يورو)”. بشكل عام، تُحرق المنتجات المضبوطة بانتظام أمام الصحفيين في غزة.
“تحويل استخدام الترامادول”
وحسب الدكتور محمد أبو مغيصيب، الذي عمل في غزة لمدة عشرين سنة مع منظمة أطباء بلا حدود، يعود استخدام هذه الأدوية جزئيًّا إلى الصراع مع “إسرائيل”. كما يتذكر قائلًا: “قبل سنة 2007، لم يكن أحد مهتما بالترامادول. كان لدينا خزانة مليئة هنا، دون وصفة طبية في جميع الصيدليات”. وتعد سنة 2007 سنة استيلاء حماس على قطاع غزة: لقد تم ذلك بالعنف. وأشار إلى أنه ” في ذلك الوقت كان هناك الكثير من الإصابات وبدأ الناس يبحثون عن مسكنات قوية”.
وتدريجيًّا، اتخذ استخدام الترامادول منعرجا آخر ووصلت الحبوب ذات الجرعات القوية المتزايدة إلى السوق، لدرجة أنه لم يعد بإمكان المرء التحدث عن عقار صيدلاني، ولكن، في الواقع، عن مخدر. لكن منذ أن شددت حماس سيطرتها على المخدرات، أصبح من المستحيل تقريبا العثور عليها، حتى في السوق السوداء”. في الوقت، تكلّف حبة ترامادول هناك نحو 100 شيكل إسرائيلي (حوالي 25 يورو): وهو مبلغ ليس بالهيّن، عندما تعلم أن متوسط الراتب في غزة يبلغ حوالي 420 يورو في الشهر.
في إحدى الأمسيات على طاولة سرية في الطابق العلوي من أحد مقاهي الشيشة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يواصل محمد الحديث عن إدمانه قائلًا: “في البداية، دخنت الحشيش. عندما كان عمري 20 سنة، بدأت العمل. في ورشة العمل، نصحوني بتناول الترامادول لأنه يمنحني الطاقة اللازمة للعمل. كنت أتناول ثلاث حبات في اليوم، لكن حماس منعتها، لذا لجأت إلى التجّار. كان الأمر سهلًا بالنسبة لي لأنني كنت أعرفهم لفترة طويلة. نجدهم في كل مكان، انظروا، هناك، يوجد البعض منهم”. ويقول مشيرا إلى شارع مظلل على الجانب الآخر من الكورنيش “عندما أشتري المخدرات، أحتفظ بها في يدي، وإذا رأيت رجال الشرطة، أسقطها على الأرض”.
على حد قوله، تم القبض عليه مرة واحدة، مما أدى إلى سجنه لمدة ثلاثة أشهر، يقول: “كنت أبيع المخدرات في ذلك الوقت، لكنني توقفت عن ذلك، فزوجتي خائفة جدًّا من أن يتم القبض علي لأنني سأخاطر كثيرا هذه المرة. ومع ذلك، لم أقلل من استهلاكها”، ويتابع حديثه قائلا: “منذ خمس سنوات، انفجرت تكلفة الترامادول بينما بلغت تكلفة الكبتاغون حوالي 20 شيكل فقط للحبّة. والآن نجدهم في كل مكان! لكن الترامادول لا يزال أفضل بكثير”، كما يقول إنه لا يمكنه تناول سوى نصف حبة من الكبتاغون كل يوم بسبب آلام العظام التي يسببها له. ولتهدئة رغباته، أصبح يدخن المزيد من الحشيش.
المصدر: لوفيغارو