ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أن شهدت فرنسا أسبوعًا من أعمال الشغب العرقية أسفرت عن إحراق عشرات المركبات والعديد من مقرات البلديات والمدارس، جاء دور هولندا للدخول في أزمة مشابهة وإن كانت على المستوى السياسي فقط. فقد أعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته يوم الجمعة الموافق لـ 7 تموز/ يوليو استقالة حكومته بعد أن أظهرت الأحزاب المكوّنة لائتلافه أنها غير مستعدة للموافقة على سياسة الترحيب باللاجئين. وصرّح مارك روته خلال مؤتمر صحفي قائلًا: “الليلة، للأسف، توصلنا إلى استنتاج مفاده أن الخلافات لا يمكن التغلب عليها. لهذا السبب، سأقدم استقالتي قريبًا إلى الملك نيابةً عن الحكومة بأكملها”.
يبدو أن هذا الخلاف سببه رفض الأحزاب المسيحية في التحالف (حزب الاتحاد المسيحي وحزب الديمقراطيون 66) تحديد عدد الأطفال من مناطق النزاع الذين يمكنهم الحصول على اللجوء في هولندا. وإدراكًا منه للمقاومة القوية المتزايدة من جانب الهولنديين لسياسة الترحيب بالمهاجرين الأفارقة وشمال إفريقيا، من المرجح أن يكون مارك روته اختار الاستقالة على الظهور كمرشح معادِِ للأجانب.
الأحزاب المناهضة للمهاجرين تستحوذ على السلطة في عدة بلدان أوروبية
محور “جيورجيا ميلوني – قيس سعَيّد”
في إيطاليا، أثارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني – التي غالبًا ما تُقارن بالفرنسية مارين لوبان – في أيلول/سبتمبر 2022 الكثير من الجدل حول موضوع الدفاع عن الحدود الوطنية. نادت رئيسة حزب إخوة إيطاليا المتحالف مع حزب رابطة الشمال بقيادة ماتيو سالفيني وحزب “فورزا إيطاليا” بقيادة الراحل سيلفيو برلسكوني إلى العمل مع السلطات المغاربية، ولا سيما النظام التونسي، لتقليص عدد محاولات عبور البحر الأبيض المتوسط بشكل كبير، ووصل الأمر إلى اقتراح حظر بحري لمرشحي المنفى في شمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، تنوي جورجيا ميلوني إضفاء عوائق أكبر على منح الجنسية الإيطالية للمولودين في إيطاليا – التي تعد أصلًا الأصعب في أوروبا.
في فنلندا، وصل تحالف قومي جديد ومناهض للهجرة إلى السلطة. في حزيران/ يونيو 2023 وبعد أكثر من شهرين من المفاوضات الصعبة، عقد زعيم حزب “الائتلاف الوطني” الفنلندي المحافظ (يمين وسط) بيتيري أوربو والفائز في الانتخابات الفنلندية الأخيرة اتفاقية ائتلافية مع “حزب الفنلنديين” بزعامة ريكا بيرا، المعادية للهجرة والرافضة للتوجهات الأوروبية. وجاء هذا التحالف – المصنف ضمن اليمين المتطرف – في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية في نيسان/أبريل الماضي بنسبة 20.1 بالمئة من الأصوات، وهو رقم قياسي.
في السويد، أعلن زعيم حزب الديمقراطيين السويديين (يمين متطرف) جيمي أوكيسون ورئيس الوزراء المحافظ أولف كريسترسون ورئيسة حزب “الديمقراطيين المسيحيين” إيبا بوش وزعيم الحزب الليبرالي يوهان بيرسون في تشرين الأول/ أكتوبر تشكيل حكومة ائتلافية في ستوكهولم، بينما أدى العنف وانعدام الأمن المرتبطان بالهجرة إلى جعل تيار “الديمقراطيين الاجتماعيين” أقلية في السويد.
صعود شامل لليمين المتطرف
اليوم، يشهد البولنديون من حزب “القانون والعدالة” والممثلين المنتخبين عن حزب “فيدس” – حزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان – ظهور حلفاء جدد في إيطاليا والسويد وفنلندا وهولندا للتنديد بانعدام الأمن المرتبط بالهجرة والعمل الجماعي من حيث المساواة في الحقوق والدفاع عن الأقليات.
في بلجيكا، حصل اليمين المتطرف في إقليم “الفلمنك” الذي يمثله حزب “فلامس بيلانغ”، على 25 بالمئة من الأصوات ويبدو أنه في وضع جيد للفوز في الانتخابات العامة لسنة 2024. وفي النمسا، يهيمن “حزب الحرية” المناهض للهجرة على المشهد السياسي حسب استطلاعات الرأي. وفي إسبانيا، لدى مرشح “حزب الشعب” المحافظ فرصة للحكم إذا تمكن من صياغة اتفاق حكومي مع “حزب فوكس”، وهو حزب مناهض للهجرة يعرف بأنه حزب يميني متطرف، على غرار عدة اتفاقيات من هذا النوع عقدت بمناسبة الانتخابات المحلية.
في المقابل، لا تزال ألمانيا صامدة إلى حد ما أمام اليمين المتطرف، إذ يستبعد حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” أيّ تقارب مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف. وقد أكد فريدريك ميرز في الرابع من حزيران/يونيو الماضي على قناة التلفزيون الألماني الثاني “طالما أنني رئيس الاتحاد الديمقراطي المسيحي فلن يكون هناك أدنى تعاون مع هذا الحزب الذي يتسم برهاب الأجانب”. ومع ذلك فإن القرار الأخير للناخبين واستطلاعات الرأي التي تمنح حزب “البديل من أجل ألمانيا” نصيبًا من الأصوات ضعف ما كان عليه قبل سنة، أي نسبة 18 إلى 20 بالمئة من الأصوات.
امتداد رقعة اليمين المتطرف
إن أمريكا الشمالية ليست بمنأى عن الموجة المناهضة للهجرة. يعتقد حوالي نصف الكنديين أن هدف الحكومة الجديد لقبول نصف مليون مهاجر سنويًا مرتفع للغاية بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة. وقد أظهر استطلاع للرأي – أجرته شركة “ليجير” للأبحاث ومقرها مونتريال – أن الكنديين يخشون أن تؤدي الخطة إلى زيادة الطلب على الإسكان والخدمات الصحية والاجتماعية.
وفي المملكة المتحدة، التي خففت القواعد لجذب المزيد من خريجي الجامعات من الخارج لسدّ النقص في الكفاءات، يعتقد نصف السكان تقريبًا أن الهجرة القانونية مرتفعة للغاية، وذلك وفقًا لاستطلاع أجراه مكتب استشارات الأبحاث “بابليك فرست” في آذار/مارس الماضي. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أيضًا أن 60 بالمئة من الأستراليين يؤيدون الحد من الهجرة التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف السكن.
في الولايات المتحدة، حيث تعارض نسبة كبيرة من السكان الهجرة منذ فترة طويلة، أصبحت المواقف أكثر تشددًا خلال السنة الماضية حيث انخفضت نسبة الأمريكيين الراضين عن مستوى الهجرة في الولايات المتحدة إلى 28 بالمئة، في شباط/فبراير من السنة الحالية، وهو الرقم الأدنى خلال عقد من الزمان، مقابل 34 بالمئة في السنة الماضية، وذلك وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها شركة “غالوب”.
سياج عازل في أوروبا
في أوروبا، لا تتردد بعض الحكومات في إقامة حواجز على البر والبحر من أجل وقف الهجرة غير النظامية. تبني فنلندا سياجًا عالي التقنية بطول 250 كيلومترًا على طول حدودها مع روسيا. وفي آذار/مارس المنصرم، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إن بلاده ستكمل سياجًا فولاذيًا بطول 180 كيلومترًا على طول حدودها مع روسيا وتركيا لمنع العبور غير القانوني.
تتعارض هذه الاتجاهات الأساسية مع طلبات الشركات الكبرى والصغرى لإبقاء الحدود مفتوحة، حيث تمس الحاجة للهجرة من أجل الاستجابة لنقص العمالة في بعض القطاعات الصناعية والبناء وخدمات التوصيل، ولكن أيضًا للتأثير على الأجور ذلك أنه من دون منافسة سترتفع الأجور “أكثر من اللازم”.
المصدر: موند أفريك