وصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أول أمس الإثنين، إلى بكين في أول زيارة له إلى الصين منذ توليه منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2019، بدعوة من الرئيس شي جين بينغ، ومن المقرر استمرار الزيارة لمدة 5 أيام.
زيارة تأتي بعد توقيع الجزائر والصين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفاقية إستراتيجية مدتها خمس سنوات لتعزيز الاتصالات والعلاقات الثنائية بين البلدين، ويذكر أن الجزائر رفعت علاقاتها مع الصين إلى شراكة إستراتيجية شاملة سنة 2014، لتصبح أول دولة عربية تفعل هذا النهج.
يتصدر الملف الاقتصادي، اهتمامات زعيمي البلدين، لكن هناك نقطة مهمة ركز عليها الجانب الجزائري، وهي الانضمام لمجموعة “بريكس” الاقتصادية، فبعد الموافقة الروسية، يبحث الجزائريون عن موافقة ودعم صيني رسمي للانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية المهمة، فهل تفتح الصين أبواب “بريكس” أمام الجزائر؟
اتفاقيات متعددة
يرافق تبون في هذه الزيارة، وفد من تسعة وزراء، على رأسهم وزير الخارجية أحمد عطاف، إضافة إلى وزراء: المالية والطاقة والمناجم، والبريد والاتصالات، والصناعة والإنتاج الصيدلاني، والتجارة والأشغال العمومية، والسكن، واقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة.
يؤكد حجم هذا الوفد، أهمية هذه الزيارة التي تعد الأولى لرئيس جزائري إلى الصين منذ 15 عامًا، إذ يراهن النظام الجزائري بقيادة تبون على الصين لدعم اقتصاده وتنويع شركائه ومصادر الدخل، خاصة أن الاقتصاد الجزائري يعتمد على النفط.
اتفق البلدان، عقب اجتماع عبد المجيد تبون مع نظيره الصيني شي جين بينغ، على دعم المصالح الأساسية المشتركة والحفاظ على سيادتهما وسلامة أراضيهما، وفقًا لبيان مشترك أصدرته وزارة الخارجية الصينية.
يرى النظام الجزائري أهمية كبرى في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية
أثمرت الزيارة إلى الآن، توقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين تشمل مجالات مختلفة مثل النقل بالسكك الحديدية وتحويل التكنولوجيا والتعاون الفلاحي والاتصالات، فضلًا عن الرياضة والاستثمار والتعاون التجاري.
كما شملت الاتفاقيات مجالات الأمن والدفاع الوطني والداخلية والتهيئة العمرانية والبحث العلمي والقضاء والتنمية الاجتماعية والطاقات المتجددة والهيدروجين، بالإضافة إلى مجالات الفضاء والبتروكيميائيات.
وتأمل الجزائر من خلال هذه الاتفاقيات الثنائية في تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين والاستفادة من الإمكانات والخبرات التي تمتلكها بكين، ذلك أن الاقتصاد الصيني يتميز بالتنوع الكبير والنمو السريع، ويعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتسعى الجزائر لاستقطاب شركات صينية أكثر للعمل في بلادها.
تحتل الصين منذ سنة 2013 صدارة المصدرين إلى الجزائر، وتحولت بكين إلى الشريك التجاري الأول لهذا البلد المغاربي، ويمتد التعاون بين البلدين ليشمل كل المجالات تقريبًا منذ إنشاء البلدين عام 1982 اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني.
#الجزائر #الصين| الرئيس الجزائري #عبد_المجيد_تبون يلتقي رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في قصر الشعب بالعاصمة الصينية #بكين pic.twitter.com/0af9j4U5n8
— د. محمد دخوش (@MuhDakhouche) July 19, 2023
كما تعتبر الصين أول مستثمر أجنبي في الجزائر، إذ تستحوذ شركاتها العاملة هناك على استثمارات فاقت الـ20 مليار دولار تشمل البنية التحتية والمنشآت الكبيرة، ومؤخرًا حصلت شركاتها على أغلب صفقات المشاريع الكبرى في مجالات البناء والأشغال العامة بالجزائر.
من أبرز المشاريع التي تشرف عليها الشركات الصينية، جامع الجزائر وميناء الجزائر الجديد وتوسعة مطار الجزائر الدولي والسكنات والطريق السريع شرق غرب، فضلًا عن العديد من المشاريع في قطاع الفوسفات والحديد.
الانضمام للبريكس
إلى جانب هذه الاتفاقيات المهمة، ركز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في هذه الزيارة على ملف انضمام بلاده إلى مجموعة بريكس، خاصة أن هذه الزيارة تأتي قبيل اجتماع المجموعة الشهر المقبل الذي قدمت الجزائر طلبًا رسميًا للانضمام إليها.
تأمل الجزائر في أن تكون الصين دافعًا قويًا لانضمامها إلى هذه المجموعة الاقتصادية، خاصة بعد أن حظيت قبل نحو شهر من الآن بدعم مماثل من روسيا، وذلك خلال زيارة أداها تبون إلى موسكو التقى خلالها نظيره الروسي فلادمير بوتين، وأثمرت عن اتفاقيات عديدة.
ويراهن النظام الجزائري على ثقل بكين داخل منظمة بريكس، في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام بلاده، وتضم المجموعة إلى جانب الصين وروسيا، البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهي من أبرز الأسواق الناشئة في العالم.
الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية مهم جدًا لاقتصاد الجزائر، لكن يبدو أن المهمة ليست سهلة، فالمنافسة كبيرة من دول مهمة
من المرتقب أن تعقد قمة بريكس في جنوب إفريقيا، ما بين 22 و24 أغسطس/آب المقبل، وقدمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى المجموعة، بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال، فيما أعلنت الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقدمها بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة.
يرى النظام الجزائري أهمية كبرى في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية، إذ يأمل أن يساعده ذلك في تحرير اقتصاد البلاد من سيطرة النفط والغاز وتنويع مصادر دخلها وجلب رؤوس أموال أجنبية للبلاد، كذلك المساعدة على تطوير قطاع الخدمات فيها.
زيارة الرئيس #تبون إلى #الصين
أعتقد أن #الجزائر ماضية في مسعاها لدخول منظمة بريكس الاقتصادية، والصين ضامن كبير في الساحة الدولية الآن.
لفت انتباهي تصريح لسفير الصين في الجزائر “لي جيان” يشير إلى أهمية موقع الجزائر.. هذا يعني أن منطقة البحر المتوسط (أغلب ساحلها الجنوبي يقع داخل… pic.twitter.com/bHdGeBNoI9
— رمضان بلعمري (@RamdaneBelamri) July 18, 2023
ومنذ وصوله إلى قصر المرادية، وضع تبون نصب عينيه الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية، التي تمثل دولها 40% من مساحة العالم، وتشكل 41% من سكان العالم و24% من الاقتصاد العالمي و16% من التجارة العالمية.
مدى قدرة الجزائر على توفير الشروط المطلوبة
تعتبر الجزائر أبرز البلدان المرشحة للانضمام إلى بريكس، لحفاظها على علاقات وثيقة مع الصين وروسيا لسنوات عديدة، وقدرتها على تشكيل موقف مشترك بشأن عدد من القضايا المتعلقة بجدول الأعمال السياسي العالمي مع دول المجموعة، فضلًا عن امتلاكها آفاقًا اقتصاديةً مهمةً.
لكن الحصول على موافقة جميع الأعضاء يتطلب بعض الشروط الأخرى، منها رفع الناتج الداخلي الخام إلى أكثر من 200 مليار دولار، ويذكر أن الناتج الداخلي الخام لجنوب إفريقيا (أصغر اقتصاد في بريكس) يبلغ 419 مليار دولار فيما بلغ 163 مليار دولار في 2021، أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري.
الرئيس #تبون يعرب عن عميق شكره لدعم #الصين طلب الجزائر الانضمام إلى منظمة ” #بريكس” ومنظمة ” #شنغهاي” pic.twitter.com/wwjUAmj5tH
— AL24news – قناة الجزائر الدولية (@AL24newschannel) July 18, 2023
يمكن أن تصل الجزائر لهذا الرقم، إذ سبق أن تجاوز ناتجها الداخلي الخام ما بين 2011 و2014، سقف 200 مليار دولار، وبلغ 213.8 مليار دولار في 2014، نتيجة لارتفاع أسعار النفط وزيادة إنتاج النفط الجزائري ليبلغ 1.5 مليون برميل يوميًا، لكن ذلك يعني أن الوصول إلى هذا الرقم يبقى مرتبطًا بالنفط، وهو ما لا يخدم الجزائر.
يتطلب الانضمام إلى بريكس مواصلة الجزائر جهودها في مجال الاستثمار وجلب مستثمرين جدد عبر إصدار قوانين جديدة مشجعة للاستثمار، وإقامة مشاريع كبرى وتنمية اقتصاد البلاد والانتقال إلى مستويات أعلى في التصدير بعيدًا عن قطاع النفط الذي يبقى متذبذبًا، إذ إن المهمة ليست سهلة، فالمنافسة كبيرة من دول مهمة، كما أن الشروط غير متوافرة إلى الآن، مع ذلك يمكن أن تنضم الجزائر للمنظمة بصفة مراقب أو ملاحظ في مرحلة أولى قبل أن تنال العضوية الكاملة فيها.