بدأ ملف اللاجئين حول العالم يشكل نذير قلق للدول الأوروبية بعد موجات اللجوء التي أعقبت الربيع العربي كونها المقصد الأنسب الذي يتمتع بالاستقرار والأمان لكل من فرّ من نيران الحرب وبطش السلطات في بلاده، إذ وصلت أعداد اللاجئين الذين عبروا البحر المتوسط نحو أوروبا عام 2015 إلى مليون لاجئ.
ومع استمرار تدفق اللاجئين نحو القارة العجوز، سارعت حكومات أوروبية إلى تغيير نهجها تجاه سياسة اللجوء عبر تشديد إجراءات مراقبة الحدود وتوقيع اتفاقيات مع دول العبور التي تنطلق منها رحلات اللجوء، وكان للقارة الإفريقية نصيب وافر من تلك الاتفاقيات والإجراءات.
وفي هذا السياق، من المقرر أن تستضيف إيطاليا مؤتمرًا دوليًا بين أوروبا وإفريقيا في 23 يوليو/تموز، لبحث مسألة الهجرة غير النظامية مع ازدياد محاولات العبور من دول القارة. وخصص الاتحاد الأوروبي بين عامي 2021 و2023 نحو 580 مليون يورو لدعم مشاريع مكافحة الهجرة غير النظامية وخصوصًا في دول شمال إفريقيا.
في هذا التقرير، نلقي الضوء على أربع من دول العبور في شمال إفريقيا، هي مصر وتونس وليبيا والمغرب، والاتفاقيات التي أبرمتها أوروبا معها مقابل حراستها للحدود وصدها للاجئين عن المرور إلى الضفة الأخرى.
مصر
تعد مصر من الدول المصدرة للاجئين خاصة وسط تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتضييق على الحريات الشخصية والعامة، كما أنها تُستخدم كنقطة عبور إلى أوروبا كونها تقع على خط الهجرة غير النظامية، إذ يقصد اللاجئون ليبيا عبر الصحراء ثم يستقلون قاربًا للوصول إلى إيطاليا، إذ بلغت أعداد المصريين الذين وصلوا إلى سواحلها أكثر من 16 ألف شخص في عام 2022 وهي ثاني أكبر عدد بعد التونسيين.
ومع تزايد أعداد المهاجرين من مصر، عمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على استغلال حساسية الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي وقدّم في أكثر من مناسبة نفسه كطوق نجاة لها للتخلص من أزمة اللجوء، مقابل حصوله على دعم مادي واقتصادي، تجلى ذلك في اتفاقية إدارة الحدود بين الاتحاد الأوروبي ومصر بقيمة 80 مليون يورو، التي أُبرمت المرحلة الأولى منها في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وبحسب وثيقة نشرتها مفوضية الاتحاد الأوروبي حينذاك، فإن الاتفاقية تهدف إلى “مساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر على الحد من الهجرة غير النظامية والإتجار بالبشر على الحدود، كما يتضمن تمويلًا لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ والكاميرات الحرارية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية”.
السيسي: “لم يخرج من مصر مركب هجرة غير شرعية كل الهجرة، جائت من إفريقيا ووصلت إلى 6 مليون شخص”
وتُقدر قيمة المرحلة الأولى من الاتفاقية بـ23 مليون يورو، خُصص 19.5 مليون يورو منها لعمليات شراء معدات إنقاذ بحري، على أن تتولى جمعية الخدمات والاستشارات التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية (سيفيبول) عملية التقديم.
وأفاد مسؤولون أوروبيون أن الاتحاد الأوروبي يسعى لعقد المزيد من الاتفاقيات مع مصر بخصوص ملف الهجرة، مشابهة لتلك التي أبرمها مع تونس مؤخرًا.
وفي إطار ما سبق، وقع الاتحاد الأوروبي مع مصر اتفاقية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بقيمة 135 مليون يورو، تشمل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال والابتكار في 15 محافظة، بهدف خلق فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية للشباب بالمحافظات الأكثر إقبالًا على الهجرة غير النظامية.
ورغم الإجراءات التي اتخذها السيسي في مواجهة الهجرة غير النظامية التي تمثلت بعدة قوانين أبرزها تعديل “قانون الهجرة غير الشرعية” في أبريل/نيسان عام 2022 وفرض غرامة على اللاجئين والمتعاونين معهم تصل إلى 5 ملايين جنيه، وزعمه بأنه حقق نجاحًا في الحد من هذه الظاهرة، فإن الوقائع على الأرض تظهر عكس ذلك.
إذ كشفت تقارير إعلامية أن عشرات المصريين كانوا من بين نحو 700 راكب على متن قارب الموت الذي انطلق من مدينة طبرق الليبية باتجاه إيطاليا وغرق في 14 يونيو/حزيران الماضي قبالة سواحل اليونان، بعدما لم تتلق أصوات نجدتهم استجابة من السلطات اليونانية.
تونس
تمثل تونس بوابة للاجئين الأفارقة الفارين من خطر التغيرات المناخية أو من الاضطرابات السياسية، إذ تنشط طرق التهريب من دول القارة إلى تونس ومنها إلى سواحل إيطاليا عبر البحر، حيث بلغ عدد الوافدين إلى شواطئ جزيرة لامبيدوزا 60 ألف شخص منذ مطلع العام الحاليّ، بزيادة قدرها 133% مقارنة بالفترة نفسها في 2022، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما أعادت السلطات التونسية 23 ألف مهاجر من عرض البحر، معظمهم من الدول الإفريقية، خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الحاليّ.
وكرد فعل على ذلك، دقت حكومة اليمين الإيطالية بزعامة جورجيا ميلوني أجراس الإنذار وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر من أجل اتخاذ إجراءات تنفيذية سريعة لإعادة المهاجرين واللاجئين إلى النقاط التي انطلقوا منها، ورفض طلبات لجوء المنحدرين من الجنسيتين التونسية والمصرية.
على صعيد آخر، اتجهت الحكومة الإيطالية إلى الضغط على أوروبا لمساعدة تونس في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها، مقابل تشديد الأخيرة إجراءات مراقبة الحدود ومكافحة قوارب الهجرة لمنع تدفق اللاجئين، ما شكل صيدًا ثمينًا لقيس سعيد الذي يمسك زمام البلاد بيد من حديد يبطش بها حتى المهاجرين.
توجت هذه المساعي التي تضمنت إجراء لقاءين بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وميلوني مع سعيد خلال شهر، باتفاقية “شراكة إستراتيجية”، وقعت بين تونس والاتحاد الأوروبي في 16 يوليو/تموز من العام الحاليّ، وشملت مشروعات الحد من الهجرة غير النظامية بشكل أساسي، إلى جانب مذكرات تفاهم بمجالات التنمية والاقتصاد والطاقة المتجددة بقيمة 750 مليون دولار.
وبناءً على ذلك سيخصص الاتحاد الأوروبي 100 مليون يورو لإدارة الحدود ومواجهة عمليات الاتجار بالبشر، دون ذكر تفاصيل أخرى.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتجاهل فيه الدول المنادية بحقوق اللاجئين، ترحيل السلطات التونسية مئات الأفارقة قسريًا من مدينة صفاقس التونسية، وتتركهم تائهين في الصحراء قرب الحدود الليبية والجزائرية دون مأوى أو طعام، عقب اندلاع اشتباكات بين مهاجرين أفارقة وتونسيين.
المغرب
يعد المغرب أحد أبرز الطرق إلى “النعيم الأوروبي” عبر البحر المتوسط نحو إسبانيا أومدينتي سبتة ومليلية، أو عبر مسار جزر الكناري الذي يوصف بطريق الموت إذ ابتلع 1800 مهاجر غير نظامي خلال 2022 فقط.
وتظهر الأرقام الأخيرة التي كشفتها وزارة الداخلية المغربية حجم اعتماد اللاجئين على المغرب كنقطة عبور، إذ أكدت إجهاض نحو 366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا على مدى السنوات الخمس الماضية، أكثر من 25 ألفًا منها أُحبطت خلال الأشهر الخمس الأولى من هذا العام.
ولقي أكثر من 12 ألف مهاجر مصرعه في أثناء محاولاتهم الوصول إلى إسبانيا انطلاقًا من سواحل المغرب بين عامي 2018 و2022 بحسب تقرير صادر عن منظمة كاميناندو فرونتيراس الإسبانية غير الحكومية.
ولعب المغرب منذ سنين دور شرطي الحدود بالنسبة لأوروبا، ولطالما رأت فيه أوروبا حليفًا مهمًا لمكافحة الهجرة غير النظامية وأشادت بذلك مرارًا وتكرارًا، كان آخرها على لسان رئيس الوزراء الإسباني بيدور سانشيز الذي قال في كلمة له أمام برلمان بلاده إن المغرب حليف أساسي لأمن إسبانيا وللهجرة المنظمة إليها وإلى قارة أوروبا.
وعدا عن المساعدات التي خصصها الاتحاد الأوروبي للمغرب مؤخرًا، بقيمة 166 مليون دولار لمنع الهجرة غير النظامية نحو دول التكتل، أُبرمت عدة اتفاقيات بين الطرفين في ذات الإطار، كان آخرها برنامج للتعاون المشترك يشمل دعم تدابير الهجرة بقيمة 152 مليون يورو، ويهدف إلى “اتخاذ إجراءات لمكافحة شبكات التهريب وحماية اللاجئين والمهاجرين، والعودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم وإعادة إدماجهم” وفق ما جاء في بيان نشرته بعثة الاتحاد الأوروبي في المغرب.
كما جدد الاتحاد الأوروبي والرباط في أكثر من مناسبة تعاونهما لمواجهة الهجرة غير النظامية، خاصة بعد مأساة مليلية في يونيو/حزيران 2022، والتي أسفرت عن مقتل 23 مهاجرًا في أثناء محاولتهم عبور الحدود المغربية باتجاه إسبانيا، وتتهم المنظمات الحقوقية السلطات المغربية والإسبانية بتورطها في حوادث قتل المهاجرين.
رغم التحركات على المستوى الدبلوماسي للتصدي لرحلات الهجرة غير النظامية المنطلقة من المغرب، فإن محاولات العبور المحفوفة بالمخاطر مستمرة وتتزايد، حيث انتشلت البحرية المغربية خلال الأيام الـ8 الماضية جثة وأنقذت نحو 850 مهاجرًا في عرض البحر، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ليبيا
بحكم سواحلها المقابلة لإيطاليا تعد ليبيا نقطة عبور رئيسية لوصول المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، فخلال الأشهر الخمس الأولى من العام الحاليّ اعترضت قوات خفر السواحل الليبية أكثر من 5500 شخص عندما كانوا يحاولون المغادرة، ثم أعادتهم إلى نقاط انطلاقهم، ولقي نحو 6 آلاف شخص مصرعه بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ويساعد الاتحاد الأوروبي الجانب الليبي في عمليات التصدي لتدفقات المهاجرين ويترجم ذلك باتفاقية بينهما تُعرف بـ“إعلان مالطا”عام 2017، التي ركزت على محاربة الدول الأوروبية لظاهرة الهجرة غير النظامية، خاصة تلك القادمة عن طريق ليبيا باتجاه إيطاليا، وكذا اتفاقية حكومة الوفاق الليبية مع إيطاليا في العام ذاته لدعم مراقبة الحدود وتشديد إجراءات الحراسة.
وجُددت هاتان الاتفاقيتان فيما بعد عام 2020، رغم أن منظمات حقوقية انتقدتها بشدة، إذ دعت منظمة العفو الدولية الاتحاد الأوروبي للكف عن المساعدة في إعادة المهاجرين إلى ظروف أشبه بالجحيم في ليبيا، مؤكدةًعلى أن “إيطاليا ومالطا والاتحاد الأوروبي ساعدوا في القبض على عشرات الآلاف من النساء والرجال والأطفال في عرض البحر، وانتهى الأمر بالعديد منهم في مراكز احتجاز مروعة يتفشى فيها التعذيب، في حين اختفى عدد لا يحصى غيرهم قسريًا”.
فيما نفى الاتحاد الأوروبي تورطه في انتهاك حقوق المهاجرين غير النظاميين، في إشارة إلى اتهامات بشأن دفعه أموالًا لإبقاء المهاجرين في ليبيا.
تسعى الدول الأوروبية دائمًا لتصدير نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان وملتزمة بالقيم والمبادئ التي تقدّر الإنسان وتعطيه حق اللجوء إلى المناطق الآمنة، إلا أن معطيات الواقع تظهر مدى زيف مبادئها وهشاشة قوانينها المراعية لطالبي اللجوء.