قبل سنتين ونصف، وقع المغرب اتفاقية تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ورفع مستوى العلاقات معه، بتشجيع من الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الذي أقر بمغربية الصحراء الغربية التي تطالب بها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر كدولة مستقلة.
كان الهدف الأبرز من التطبيع الحصول على اعتراف إسرائيلي مماثل للاعتراف الأمريكي بأحقية المغرب في حكم أقاليم الصحراء الغنية بالثروات الطبيعية، وهو ما حصل قبل يومين، إذ اعترف الإسرائيليون بمغربية الصحراء.
لكن السؤال المطروح الآن، هل يخدم الاعتراف الإسرائيلي المصالح المغربية العليا، أم أن أثره سيكون سلبيًا على قضية الصحراء الغربية التي دائمًا ما تقول المملكة المغربية إنها قضية الشعب المغربي الأولى، وبوصلته؟
الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء
مطلع الأسبوع الحاليّ، أعلن الديوان الملكي المغربي، أن الملك محمد السادس، تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف “إسرائيل” بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
وأكد نتنياهو في الرسالة، أن موقف “إسرائيل” “سيتجسد في كل أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة”، وأضاف “سيتم إبلاغ الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر “إسرائيل” عضوًا فيها، وجميع البلدان التي تربطها بـ”إسرائيل” علاقات دبلوماسية، بهذا القرار”.
وأشار البيان إلى أن الكيان الإسرائيلي “يدرس إيجابيًا فتح قنصلية له بمدينة الداخلة”، تكريسًا للقرار، لينضم بذلك إلى نحو 17 دولة عربية وإفريقية لها بالفعل بعثات دبلوماسية في الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.
يعتقد المغرب أن الاعتراف الإسرائيلي سيساهم في تغيير موازين القوى الدولية إزاء النزاع المتواصل منذ نحو 50 سنة
الداخلة عبارة عن شبه جزيرة بطبيعة صحراوية تقع في أقصى جنوب المغرب على الحدود مع موريتانيا، وتلقب بلؤلؤة الجنوب المغربي، إذ تعد بوابة المملكة إلى إفريقيا، فقد خول لها موقعها الاضطلاع بدور القطب المفتوح بين إفريقيا وأوروبا.
جاء هذا الاعتراف بعد أيام قليلة من دعوة رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، حكومة الاحتلال إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، خلال زيارة قام بها للعاصمة المغربية، الرباط.
بالتزامن مع ذلك كتب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين تغريدة باللغة العربية على حسابه بتويتر رحب فيها بإعلان نتنياهو “الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”، قائلًا “هذه الخطوة ستعزز العلاقات بين الدولتين وبين الشعبين”.
ويعد هذا القرار تغيرًا مفاجئًا في موقف الإسرائيليين من القضية، إذ سبق أن صرح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، في 3 يوليو/تموز الحاليّ، أن “إسرائيل” ستقرر بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء في أثناء استضافة الرباط لمنتدى النقب الذي تأجل أكثر من مرة، ما اعتبر حينها محاولة ابتزاز إسرائيلية لنيل بعض الامتيازات من المغرب.
مكاسب مهمة؟
رحب المسؤولون المغاربة بالاعتراف الإسرائيلي، إذ يرون فيه اختراقًا تاريخيًا ونجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا فيما يخص قضية الصحراء الغربية – المحدّد الأول لسياسة المملكة الخارجية – خاصة أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي كانت ترفض اتخاذ هذه الخطوة.
ويسعى الإعلام المغربي المحسوب على السلطة للترويج داخليًا وخارجيًا أن المملكة حققت إنجازًا تاريخيًا ستخلده الأجيال، فالصحراء لديهم بما تحتويه من ثروات طبيعية كثيرة أهم من كل قضية أخرى، وإن كانت القضية الفلسطينية.
بنيامين نتانياهو يعلِن رسميا اعتراف دولة إسرائيل ب #مغربية_الصحراء 🇲🇦 جاء هذا في رسالة أرسلها إلى جلالة الملك يخبره فيها
أن هذا الإعتراف سينقل إلى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها،وكذلك إلى جميع الدول التي تقيم معها إسرائيل علاقات دبلوماسية pic.twitter.com/oKPiG9BbXM
— مولات الزيف (@molat_zif) July 17, 2023
يعد المغرب أن الإقليم الصحراوي جسرًا يربطه بالعمق الإفريقي سواء في غرب إفريقيا أم دول الساحل، ويربط بين أوروبا وإفريقيا، كما يعتبر هذا الملف المحدد الأبرز للسياسة الخارجية للمملكة، وسبق أن قال ملك المغرب محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب: “الصداقة مع المغرب تمر عبر الصحراء”.
أضاف محمد السادس “ملف الصحراء المغربية هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، داعيًا بعض الدول إلى توضيح موقفها من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل.
ويرى المغرب أن الخطوة الإسرائيلية تقوّي سرديته التاريخية وتمثل “ضربة مباشرة إلى الجزائر، التي تعتبر أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو”، ويستند موقف الجزائر من نزاع الصحراء إلى نقطتين: أولها أن النظام تربى على عقيدة رفض كل حالة استعمار من أي جهة كانت، أما النقطة الثانية التي يرتكز عليها النظام فتكمن في استناده إلى القانون الدولي الذي يرى في الصحراء آخر النزاعات المسلحة في إفريقيا.
ويعتقد المغرب أيضًا أن الاعتراف الإسرائيلي سيساهم في تغيير موازين القوى الدولية إزاء النزاع المتواصل منذ نحو 50 سنة، ذلك أنه سيشكل دفعة متقدمة للمغرب من أجل إقناع دول جديدة بواقعية الطرح السياسي للرباط.
الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء من الممكن أن ينعكس سلبًا على الطرح المغربي للقضية
رشيد لزرق رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، يرى أن “توقيت القرار الإسرائيلي مهم للغاية، إذ جاء في ظرف حساس تحاول فيه فرنسا ابتزاز المغرب من خلال الاتحاد الأوروبي في اتفاقيات الشراكة والصيد البحري”.
ويقول لزرق في حديث مع نون بوست، إن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء سيشكل دفعة في مواجهة الحملة الشرسة لأطراف معادية للمغرب داخل الكونغرس الأمريكي وممولة من الجزائر وجبهة البوليساريو.
ويضيف، “من المرتقب أن يستفيد المغرب من اللجنة اليهودية الأمريكية “إيباك” في الضغط على البيت الأبيض للتسريع في حسم هذا الملف بما له من تأثير على أصحاب القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والبدء بتفعيل الالتزامات الأمريكية تجاه هذا الملف.
ومن المرتقب أن يعمل المغرب بعد هذا الاعتراف على ترقية العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وأن يفتح سفارة له في تل أبيب، إذ كان يشترط الاعتراف بمغربية الصحراء قبل اتخاذ هذه الخطوة وهو ما حصل قبل 3 أيام.
ماذا عن خسائر الرباط؟
الاعتراف الإسرائيلي وقبله الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا يعني اعترافًا أمميًا بذلك، فهذا الاعتراف لا يخص إلا الإسرائيليين فقط، صحيح أنه يمكن أن يساعد المغرب في الترويج لرؤيته القائمة على منح المنطقة الحكم الذاتي لكن لن يغير من الوضع القائم شيئًا.
جرى تجاوز الاعتراف الأمريكي، لكن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء يمكن أن ينعكس سلبًا، فقد جاء من كيان يغتصب الأراضي الفلسطينية ويتفنن في التنكيل بالفلسطينيين منذ عقود، كما أنه معروف بعدم التزامه بالقوانين والمواثيق الدولية.
المملكة المغربية ترفع تمثيلها الدبلوماسي في دولة إسرائيل من مكتب إتصال إلى سفارة مغربية بتل أبيب بعد اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء الغربية المغربية.#المغرب #اسرائیل pic.twitter.com/90o9KPwY4x
— هشام المغرب 🇲🇦 (@Hichamlmaghrib) July 17, 2023
الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء من الممكن أن ينعكس سلبًا على الطرح المغربي للقضية، فكيف يمكن للرباط أن تروج لهذا الاعتراف والكيان الإسرائيلي يحتل العديد من الأراضي العربية ودائمًا ما يقصف لبنان وسوريا ويقوم بعمليات إرهابية خارجية.
سيمس الاعتراف الإسرائيلي الأخير مشاعر المغاربة الغيورين على سيادة البلاد والمؤمنين بقضية الصحراء الغربية، فهم لا يبغون مساندة كيان محتل لأراضي عربية لقضيتهم المركزية.
يخشى العديد من المغاربة أن تفلح الجزائر وجبهة البوليساريو في ربط ملف الصحراء الغربية الآن بالكيان الإسرائيلي، ما سينعكس سلبًا على الطرح المغربي لهذا الملف وسيسقط جهود سنوات عديدة في الماء.