منذ بداية عام 2023، تشهد “إسرائيل” أزمة داخلية بعد إعلان وزير عدل الاحتلال، ياريف ليفين، عن تعديلات قضائية أو “إصلاحات”، كما أسماها هو ورفيقه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، هذا الإعلان الذي دفع بأعداد معارضة إلى الشارع لم تشهدها الجبهة الداخلية للاحتلال منذ عام 1948.
نحاول في “نون بوست” أن نجيب عن الأسئلة المتعلقة بالأزمة، ماذا وكيف ولماذا؟ حتى نستطيع أن نفهم أكثر حجم الأزمة التي تواجهها “إسرائيل” في أخطر جبهاتها وأكثرها حساسية: الجبهة الداخلية.
ما هي التعديلات القضائية؟
تشمل التعديلات القضائية التي يرغب ائتلاف نتنياهو بتمريرها مجالات أساسية، هي الحد من المراجعة القضائية لتشريعات “الكنيست”، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية، وحماية نتنياهو وحلفائه، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين، وتتلخّص في القوانين التالية:
– الحد من صلاحيات المحكمة العليا: أحد أهم التعديلات ما يُعرف إعلاميًّا بـ”فقرة التغلب”، الاسم الذي يطلق على مشروع “قانون أساس الأحكام (القضاء) تعديل رقم 4″، وينصّ على “السماح للكنيست باستثناء قوانين من الرقابة القضائية، عن طريق استخدام فقرة التغلب أو شطب/ إلغاء”.
بموجب هذا التعديل سيُسمح للمحكمة العليا “بإلغاء أي قانون، بشرط انعقادها بتركيبة كاملة للنظر في الموضوع، واتخاذها القرار بأغلبية أربعة أخماس أعضاء التركيبة”، وذلك على خلاف ما هو موجود أصلًا من صلاحية المحكمة في إلغاء قانون سنّه الكنيست إذا كان غير دستوري، وقد تمّت المصادقة على مشروع القانون بالقراءة الأولى، وينبغي المصادقة عليه بقراءتين ثانية وثالثة.
– منع استخدام “حجة المعقولية”: مشروع قانون تعديل للقانون الأساسي وهو السلطة القضائية، والذي من شأنه أن يمنع المحاكم الإسرائيلية، بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يعرَف باسم “معيار المعقولية” على القرارات التي يتخذها المسؤولون المنتخبون، وهو شرط يسمح للمحاكم بإلغاء قرار السلطات المنتخبة، إلى الحد الذي يتبيّن أنه غير معقول.
– سيطرة الحكومة على تعيينات القضاة: يهدف تعديل مشروع قانون الأحكام رقم 3 إلى منح حكومة الاحتلال اليد العليا في تعيين قضاة المحكمة العليا، بعد أن كانت تعيّنهم لجنة تضمّ قضاة ونوابًا ومحامين نقابيين، تحت إشراف وزير العدل.
– المستشارون القانونيون: بموجب التعديلات، سيعيَّن المستشارون مباشرة من قبل الحكومة، على أن يكونوا خاضعين للوزراء، بدلًا من تبعيتهم للمستشارة القضائية للحكومة، وفي العادة يستشهد قضاة المحكمة العليا بتوصيات هؤلاء المستشارين عندما ينظرون في حسن سير الحكومة، وستمكِّن التعديلات التشريعية المرتقبة توصياتهم باعتبارها نصائح غير ملزمة، وذلك بهدف إضعاف سلطة كبار موظفي الدولة.
– مشروع قانون درعي 2: مشروع قانون قدّمه حزب شاس اليميني برئاسة أرييه درعي، ويمنع المحكمة العليا من التدخل في التعيينات الوزارية أو منعها، وسيمهّد هذا القانون الطريق أمام درعي للعودة إلى مجلس الوزراء، رغم حكم المحكمة العليا في يناير/ كانون الثاني 2023 بأنه غير مؤهّل لشغل منصب وزير.
– حماية نتنياهو وحلفائه: هو قانون “عجز رئيس الوزراء”، أي أنه “لا يمكن الإعلان عن عدم قدرة رئيس الوزراء على شغل منصبه إلا بسبب عدم الكفاءة الجسدية أو العقلية، وأن سلطة إعلان عدم قدرة رئيس الوزراء على شغل منصبه ونهاية العجز ستُمارَس فقط من خلال إعلان للكنيست من قبل رئيس الوزراء، أو إعلان من الحكومة تمَّ تمريره من قبل ثلاثة أرباع أعضائها”.
– تقسيم دور النائب العام: تقسيم المسؤوليات الحالية للنائب العام إلى 3 وظائف جديدة، هي مستشار قانوني للحكومة، ومدّعٍ عام لتمثيل الحكومة في القضايا الجنائية، وممثل قانوني لتمثيل الحكومة في القضايا المدنية.
لماذا تصرّ حكومة نتنياهو على التعديلات؟
– شكّلت التعديلات القضائية محورًا أساسيًّا لحملة حزب الليكود اليميني، الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وتشكيل المقاربات بين أعضاء الائتلاف الحاكم في حكومة الاحتلال الذي يضمّ حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريش، وحزب القوة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب نوعم بقيادة آفي ماعوز.
– يرى الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو أن التعديلات ستحافظ على هوية الدولة القائمة على القومية اليهودية، لا سيما أن الائتلاف يضمّ أيضًا حزبَي يهودت هتوراه وشاس المتدينَين المتطرفَين، ويتشاركان في السعي لتعزيز القيم الدينية اليهودية في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، مع زيادة تركيزهما على قضايا التعليم الديني، والتجنيد العسكري، وقوانين الزواج والطلاق، والفصل بين الجنسَين، والخدمة الدينية، والنقل العام في يوم السبت.
– سحب البساط من تحت المحكمة العليا لدى الاحتلال، يعني فتح الباب واسعًا على مشاريع الاستيطان في الضفة المحتلة، وضمّها كليًّا أو جزئيًّا دون أي معارضة تُذكر من المحاكم الإسرائيلية.
الاحتجاجات الأكبر منذ الاحتلال.. لماذا هذا القلق من التعديلات؟
الجانب المعارض والمكوَّن من أحزاب يش عتيد (هناك مستقبل) برئاسة يائير لبيد، والمعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس وجدعون ساعر، وإسرائيل بيتنا برئاسة ليبرمان، وحزب العمل بزعامة ميراف ميخائيلي، وقطاعات واسعة من المجتمع الداخلي الإسرائيلي، تشمل الجيش والاقتصاد ورأس المال، ترى أنّ:
– إضعاف المحكمة العليا من شأنه أن يحول حكومة الاحتلال إلى حكومة ديكتاتورية على مجتمعها الداخلي، ويُفسح المجال لهيمنة الحركات الدينية على الدولة والحياة الاجتماعية والثقافية، ومع الوقت إعادة تشكيل هوية الدولة.
– تسعى التعديلات إلى التأثير على سير محاكمة نتنياهو وتجنُّب الملاحقة القضائية للفساد داخل الحكومة، من خلال عدد من مشاريع القوانين الهادفة إلى حماية نتنياهو وإعادة درعي وزيرًا للائتلاف الحاكم.
– عبّر المئات من قوات الاحتياط، خاصة من وحدات النخبة والعمليات الخاصة، والمخابرات العسكرية، ووحدات الحرب الإلكترونية، والطيران العسكري؛ عن موقفهم الرافض للخدمة في حال أُقرّت التعديلات.
– بالنسبة إلى أصحاب رأس المال، يتخوفون من سيطرة نتنياهو وحلفائه على الدولة ومؤسساتها، وهو ما يعدّونه إضرارًا بقدرة كيان الاحتلال على جلب الاستثمارات، ويسهم في هروب رؤوس الأموال والأدمغة المحلية الإسرائيلية، ويلحق ضررًا طويل الأمد بالنمو الاقتصادي.
كيف تؤثر التعديلات القضائية في كيان الاحتلال على الفلسطينيين؟
صحيح أن التعديلات القضائية تمسّ بالدرجة الأولى العلاقة بين حكومة الاحتلال وجمهورها الإسرائيلي المحتلين لفلسطين، إلا أن هذه التعديلات سوف ترمي بشباكها على ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين، خاصة في ساحة الضفة المحتلة، حيث إنّ:
– لإيضاح أثره على الفلسطينيين، نستذكر الواقعة التالية: مرّرت حكومة نتنياهو السابقة، في 7 فبراير/ شباط 2017، مشروع قانون في الكنيست يسمح بالبناء الاستيطاني على أراضٍ فلسطينية خاصة، وذلك بهدف تشريع جميع البؤر الاستيطانية في الضفة المحتلة، وفتح المجال أمام الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية الخاصة والبناء عليها.
ألغت محكمة العدل العليا هذا القانون في يونيو/ حزيران 2020، وهو ما اعتبرته وزيرة الاستيطان حينها، تسيبي حوتوفلي، إعلان حرب من المحكمة العليا “على حق اليهود بالإقامة في أراضي “إسرائيل””.
– إلغاء بنود في القانون كانت تحظر على المستوطنين دخول نطاق 4 مستوطنات أُخليت في الضفة الغربية المحتلة عام 2005، وهي جانيم وكاديم وحومش وسانور، بكلمات أخرى، إعادة الاستيطان فيها من جديد وتهويد المزيد من الأراضي، ما سيعني من الناحية العملية ضمًّا فعليًّا لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية.
– أحد المقترحات التشريعية التي قدمتها حكومة نتنياهو ينصّ على زيادة الضرائب على المنظمات غير الحكومية، وهو ما تراه لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حدًّا من قدرة هذه المنظمات على رصد ممارسات الاحتلال في الضفة.
– سنّ المزيد من التشريعات التمييزية والعنصرية ضد فلسطينيي عام 1948، الذين يشكّلون ما نسبته 20% من مجموع سكان الداخل المحتل.
– “تجريد القضاء من ضوابطه على الائتلاف الحاكم، من شأنه أن يمكّن للمشرّعين اليمينيين المتطرفين الذين يسعون إلى ترسيخ الاستيطان في الضفة الغربية ودفع أجندة مؤيدة للضمّ، وتقويض احتمالات حلّ الدولتَين، وتهديد وجود “إسرائيل” بصفتها يهودية ودولة ديمقراطية”، وفقًا لرسالة وجّهها 92 نائبًا أمريكيًّا إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن حول التعديلات القضائية.
ما هي السيناريوهات القادمة؟
– تمرير التعديلات، وهو الأكثر ترجيحًا بسبب اجتماع اليمين المتطرف والأحزاب الدينية على طاولة واحدة تحت مظلة نتنياهو، وتمتُّع أعضاء الائتلاف بالأغلبية في البرلمان، ويعني نصر الائتلاف تغييرًا جذريًّا في نظام الحكم، مع سيطرة كاملة للمشرّعين ووزراء الحكومة الذين سيكون نطاق عملهم خارج تأثير المحكمة العليا، وفي هذه الحالة ستتمكّن الأغلبية في الكنيست من تشريع قوانين الأساس أو تعديلها أو إلغائها من خلال الإجراءات التشريعية البسيطة.
– لا تغيير قضائي وانتصار المعارضة، وهو ما قد يؤدي إلى تفكُّك حكومة نتنياهو والذهاب إلى انتخابات هي السادسة خلال السنوات الأربعة الماضية.
– مرّت أو لم تمرَّ، ستواصل حكومة الاحتلال خطط استيطانها في الضفة المحتلة، خاصة بعد منح نتنياهو وزير المالية والاستيطان، بتسلئيل سموتريش، صلاحيات واسعة في الضفة.