تقرير حفصة جودة
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، يسعى الغرب للعثور على مصادر ثابتة يعتمد عليها لإمدادات النفط والغاز لتعويض ما فقده من روسيا، في الوقت نفسه، ومع الإدراك لتلك الحاجة، فعلت روسيا والصين ما بوسعهما لحرمان الغرب من تلك الفرصة.
هناك عامل آخر حاسم يلعب دورًا هامًّا في نظام سوق النفط العالمي الجديد، وهو أن الصين وروسيا ترغبان في التعجيل بإنشاء شبكة طاقة عربية موحّدة، يعكس المفهوم الأساسي وجهة نظر كيفية السيطرة على الشعب أو الدول التي قال عنها الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفيلت: “إذا تمكنت من السيطرة عليهم بشكل كامل، ستتبعك عقولهم وقلوبهم”.
في هذا السياق، السيطرة على شبكة طاقة شرق أوسطية موحّدة يعني قدرة الصين وروسيا على فرض المزيد من السيطرة على الدول المعتمِدة على هذه الشبكة من أجل الكهرباء، وتقع مصر في مركز هذه الخطط، لذا إن إعلان الشركات الغربية الأخير عن اكتشافات جديدة ضخمة في مصر له أهمية بالغة.
صدر الإعلان الأول من أحد الشركات الرئيسية التي كانت في طليعة محاولات الغرب، لتأمين إمدادات غاز ونفط جديدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي شركة شيفرون (Chevron) الأمريكية، وفقًا لعملاق النفط والغاز الأمريكي فإنه من المقرر حفر بئر استكشافية في المنطقة، التي تستحوذ عليها في البحر الأحمر بمصر أثناء النصف الأول من عام 2024.
يأتي ذلك بعد مسح زلزالي مكثّف ودراسات جيولوجية وبيانات جغرافية فيزيائية جمعتها الشركة مطلع هذا العام، يشكّل ذلك بدوره جزءًا من استراتيجية ضخمة للشركة وحكومة الولايات المتحدة لتأمين مصر كحليف رئيسي في النظام العالمي الجديد لسوق النفط، والتي حصلت على دفعة قوية عام 2019 عندما فازت “شيفرون” بأول مناقصة دولية مصرية لاستكشاف النفط والغاز في البحر الأحمر.
تمتلك مصر مكانة هامة في العالم العربي لأسباب عديدة تحظى بتقدير الولايات المتحدة، لذلك تسعى لإزالة جميع العقبات لتعزيز نفوذها هناك، وإبعاد مصر عن دائرة النفوذ الروسية والصينية.
لعقود، كان العالم العربي يرى مصر قائدة لأيدولوجيا الوحدة العربية، التي تؤمن بأن تحقيق القوة يتمّ عن طريق الوحدة العربية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بين مختلف الدول العربية التي ظهرت بعد الحربَين العالميتَين.
تأمل الولايات المتحدة في جذب القائدة العربية إلى صفّها، لتعويض التأثير الجيوسياسي السلبي لحليفها السعودي الذي فقدته لصالح الكتلة الروسية الصينية.
كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر أقوى مؤيد لهذه الأيدولوجيا في فترة حكمه (1954-1970)، وخلفه في ذلك الرئيس السوري حافظ الأسد من عام 1971 وحتى عام 2000.
من أبرز علامات تلك الأيدولوجيا تأسيس اتحاد الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا من عام 1958 وحتى عام 1961، وتشكيل أوبك عام 1960، والحروب التالية مع “إسرائيل”، ثم حظر النفط عامَي 1973 و1974.
تأمل الولايات المتحدة في جذب هذه القائدة العربية إلى صفّها، لتعويض التأثير الجيوسياسي السلبي لحليفها السعودي الذي فقدته لصالح الكتلة الروسية الصينية، فمن الناحية السياسية والتاريخية، تعدّ مصر قائدة عربية في العالم العربي بقدر السعودية تمامًا.
لم تنسَ الصين ذلك، فقد حاولت كثيرًا من خلال حليفها في الشرق الأوسط إيران، جذب مصر لمفهوم شبكة القوة الموحدة.
شهد العام الماضي إعلانًا بالتعاون بين مصر والأردن في مشاريع توصيل الغاز داخل الأردن بمساعدة خبرات مصرية، من خلال شركات متخصصة في القطاع البترولي، قبل هذا الإعلان أُعلن أن العراق وافق على إعادة البدء في تصدير النفط الخام من كركوك إلى مصفاة الزرقاء في الأردن، مع الوضع في الاعتبار إمدادات الكهرباء القادمة من إيران، نظرًا إلى أنها تمدّ العراق بنسبة 30-40% من الكهرباء التي تحتاجها، وقد وقّعت مؤخرًا أطول صفقة بينها وبين العراق لمواصلة القيام بذلك.
في الوقت نفسه، أعلن وزير الكهرباء العراقي آنذاك، ماجد مهدي حنتوش، أنه تم التوصُّل إلى الخطط النهائية لاستكمال توصيل الكهرباء بين العراق ومصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذه الشبكة ستدعمها الشبكة الموازية التي عززتها إيران فيما يتعلق بتبادل الكهرباء والغاز مباشرة.
قال وزير الطاقة الإيراني آنذاك، رضا أرداكانيان، عام 2019، إن هذه الصفقة ستكون جزءًا من مشروع متكامل لتأسيس سوق كهرباء عربية مشتركة.
ومع ذلك، شيفرون الآن موجودة في مصر، وقد اكتشفت بداية هذا العام حقل غاز بحريًّا ضخمًا محتملًا، مع شريكتها الأوروبية في موقع العمل إني (Eni) الإيطالية.
تمتلك شركتا شيفرون وإني حصة 45% لكل منهما في منطقة النرجس البحرية البالغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع، بينما تمتلك شركة ثروة المصرية للنفط الـ 10% المتبقية، وقد أعلنت الشركتان عن اكتشافهما حقل غاز جديد في المنطقة “النرجس 1”.
يمتلك شرق البحر المتوسط مصادر طاقة غزيرة، وهذا التطور يدفع نحو تعاون استراتيحي في المنطقة.
قالت شركة الغاز الطبيعي المصرية المملوكة للدولة (EGAS)، إنه يتم الآن تحديد الكمّية الدقيقة لاحتياطات البئر، لكنها تعمل مع شيفرون وإني وثروة لبدء الإنتاج في أقرب وقت ممكن.
من المفترض ألّا يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، فوفقًا لبيانات شركة الاستخبارات البحرية VesselsValue، فإن إني تمتلك منصة في Thekah التي تبعد 40 كيلومترًا عن جنوب غرب موقع النرجس.
يأتي هذا الاكتشاف بعد إعلان شيفرون في ديسمبر/ كانون الأول 2022 أنها وصلت إلى 3.5 تريليونات قدم مكعب من الغاز من خلال بئر “النرجس 1” الاستكشافي شرق دلتا النيل، حوالي 60 كيلومترًا شمال شبه جزيرة سيناء.
تعمل شيفرون الآن -بالتعاون مع شركة ConocoPhillips الأمريكية- في تشغيل حقلَي Leviathan وTamar في “إسرائيل”، ومشروع Aphrodite عند شواطئ قبرص.
وفقًا لرئيس شركة شيفرون الدولية للإنتاج والاستكشاف، كلاي نيف، “يمتلك شرق البحر المتوسط مصادر طاقة غزيرة، وهذا التطور يدفع نحو تعاون استراتيجي في المنطقة”.
ومع التأكيد على أن مصر الآن تعدّ حليفًا رئيسيًّا جديدًا للتحالف الغربي المكوّن من أمريكا وأوروبا، فقد أعلن عملاق النفط والغاز البريطاني شِل (Shell) أنه سيبدأ في تطوير المرحلة العاشرة من شواطئ دلتا النيل، حيث امتياز غرب الدلتا البحري العميق (WDDM) في البحر المتوسط.
كانت شِل وحلفاؤها -إيجاس وشركة البترول العامة المصرية وشركة Petronas في ماليزيا-، قد طورا WDDM من خلال 9 مراحل تطويرية وفقًا لبيانات الشركة.
يضمّ الامتياز 17 حقل غاز تقع على مياه عميقة تتراوح بين 300 متر و1200 متر، وتبتعد عن الشاطئ بحوالي 90 إلى 120 كيلومترًا.
ونظرًا إلى التداعيات السياسية وتداعيات الطاقة الواسعة لتلك الصفقات، فإن وزير البترول والموارد المعدنية، طارق الملا، قال: “إنها خطوة بارزة تجاه الكشف عن مزيد من الإمكانات الهيدروركربونية في منطقة دلتا النيل في مصر، إننا سعداء لتعزيز شراكتنا الطويلة مع شِل، والتي تلعب دورًا حاسمًا في تطوير مصادر الطاقة المصرية ودعم طموح البلاد لتصبح مركزًا إقليميًّا للطاقة”.
المصدر: أويل برايس