تتداول وسائل الإعلام العالمية في الأشهر الأخيرة مصطلح “بريكس” بكثافة، خاصة مع تنامي طلبات الانضمام إلى هذه المجموعة الصاعدة، فالعديد من الدول قدّمت طلبات للانضمام إليها، ما يؤكد أهميتها اقتصاديًّا وسياسيًّا.
في هذا التقرير لـ”نون بوست”، سنحاول التعرف إلى هذه المجموعة وأهميتها على المستوى العالمي، وأبرز الدول التي تريد الانضمام إليها وأسباب ذلك، خاصة في ظلّ وجود العديد من التجمعات الإقليمية والدولية المنسية.
طلبات الانضمام
تنعقد قمة “بريكس” القادمة في جنوب أفريقيا ما بين 22 و24 أغسطس/ آب المقبل، وقدّمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى المجموعة، وفقًا لمندوب جنوب أفريقيا في مجموعة “بريكس” أنيل سوكلال، وستناقش القمة توسيع مجموعة “بريكس” وكيفية حدوث ذلك.
يُذكر أن مجموعة “بريكس” المكونة من كل من الصين وروسيا والبرازيل والهند، لم تقبل أعضاء جددًا منذ تشكيلها عام 2006، سوى عضو واحد فقط هو جنوب أفريقيا في عام 2011.
وبدأت الصين الحديث حول التوسع عندما كانت رئيسة “بريكس” العام الماضي، حيث يحاول ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناء نفوذ دبلوماسي لمواجهة هيمنة الدول المتقدمة في الأمم المتحدة.
وقال أنيل سوكلال إن “22 دولة تواصلت رسميًّا مع دول “بريكس” لتصبح عضوًا في المجموعة بشكل كامل، وهناك عدد مماثل من الدول التي سألت بشكل غير رسمي عن الانضمام إلى “بريكس””، وأضاف المندوب الجنوب أفريقي أن ذلك يشير إلى “الثقة” بالعمل الذي قامت به “بريكس” طوال 15 عامًا من وجودها.
تهدف المجموعة إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع”.
ضمن هذه الدول، نجد 7 دول عربية منها 5 نفطية، إذ طلبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر والبحرين ومصر والسودان رسميًّا الانضمام إلى دول “بريكس”، بينما تستعدّ لعقد قمتها السنوية في جنوب أفريقيا.
أما على مستوى دول القارة الأفريقية، فقد أعلنت نيجيريا والسنغال وأثيوبيا رسميًّا رغبتها في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والغابون آخر الدول الأفريقية التي كشفت عن نيتها في هذا الخصوص.
وطلبت إيران في السابق الانضمام إلى عضوية “بريكس” ولا يزال طلبها قيد الدراسة، وأعربت الأرجنتين والمكسيك ونيكاراغوا وتايلاندا وأوروغواي وفنزويلا وكوبا وكازاخستان وأندونيسيا عن اهتمامها بالمسألة أيضًا.
ومن غير المتوقع أن تشمل عملية توسيع “بريكس” معظم المرشحين المحتملين، وتواجه هذه المجموعة اليوم مشكلة تنظيم عملية التوسع من دون استبعاد أي دولة، ويتطلب الانضمام إلى المجموعة الحصول على موافقة جميع الأعضاء.
كما يتطلب الأمر بعض الشروط الأخرى، منها بلوغ الناتج الداخلي الخام أكثر من 200 مليار دولار، ويذكر أن الناتج الداخلي الخام لجنوب أفريقيا (أصغر اقتصاد في “بريكس”) يبلغ 419 مليار دولار، فيما بلغ 163 مليار دولار عام 2021، وهي عملية ليست سهلة لأغلب الدول الساعية للانضمام إلى المجموعة.
أهمية “بريكس” الاقتصادية
سيكون هذا التطور بمثابة ضربة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى، والتي ستشهد تضاؤل ناتجها المحلي الإجمالي مقارنة ببلدان “بريكس”، إذ لأول مرة نشاهد هذه العدد الكبير من الدول التي ترغب في الانضمام إلى مجموعة دولية.
ومجموعة “بريكس” تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر/ أيلول 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لكن التأسيس الرسمي كان في يونيو/ حزيران 2009.
يضمّ هذا التكتل حاليًّا 5 دول تعدّ صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرًا إلى أرقام النمو التي باتت تحقّقها دول التكتل مع توالي السنوات.
فالصين والهند أكبر بلدَين من حيث عدد السكان، وثاني وثالث أكبر اقتصادَين في العالم على التوالي، وروسيا تملك أكبر مساحة في العالم، بينما البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وجنوب أفريقيا ثالث اقتصاد في أفريقيا.
وتهدف المجموعة إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع (G7)”، التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية، خاصة أنها تمتلك مقومات ذلك إذ تشكّل دول “بريكس” مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية.
ضمن هذه المساعي، أنشأت دول “بريكس” -خلال قمة فورتاليزا التي عُقدت بالبرازيل عام 2014- بنك تنمية سُمّي “بنك التنمية الجديد”، واختصاره “إن دي بي”، ويصل رأس مال البنك إلى 100 مليار دولار أمريكي.
والدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم وما إلى ذلك في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى، وانضمت إلى هذا البنك مؤخرًا كل من أوروغواي والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش ومصر بصفتها أعضاء جددًا.
يأمل أعضاء مجموعة “بريكس” إلى زيادة عدد الأعضاء وتنويعهم جغرافيًّا وعرقيًّا ودينيًّا.
كما تمَّ إنشاء صندوق احتياطي في شنغهاي “اتفاقية احتياطي الطوارئ” واختصاره “سي آر إيه”، وخُصّص له مبلغ 100 مليار دولار تحسُّبًا لأي أزمة في ميزان الأداءات، ويعدّ هذا الصندوق إطارًا لتوفير الحماية من ضغوط السيولة العالمية.
فضلًا عن ذلك، تسعى دول “بريكس” إلى إطلاق عملة موحّدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، وهو ما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو/ حزيران 2022، مشددًا على أن مجموعة “بريكس” تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.
إلى جانب ذلك، بدأت المجموعة، خلال قمة روسيا عام 2015، مشاورات لتأسيس نظام دفع متعدد الأطراف، يكون بديلًا لنظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية “سويفت”، من شأنه أن يوفر قدرًا أكبر من الضمان والاستقلالية لدول مجموعة “بريكس”.
قوة سياسية
فضلًا عن قوتها الاقتصادية، تطمح “بريكس” أن تكون قوة سياسية أيضًا، وأن تستفيد من إعادة تشكيل نظام عالمي جديد الذي ظهر بعد الحرب الروسية ضدّ أوكرانيا، والمتواصلة منذ فبراير/ شباط 2022، دون أن يظهر موعد لانتهائها.
ويأمل أعضاء مجموعة “بريكس” إلى زيادة عدد الأعضاء وتنويعهم جغرافيًّا وعرقيًّا ودينيًّا، خاصة في ظل الاتجاه نحو تكتُّلات جيوسياسية جديدة، وهو ما يفسّر فتحهم باب الانضمام إلى التكتل للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
يتنزّل هذا الأمر ضمن مسعاهم إلى كسر هيمنة الغرب وإنهاء نظام القطب الواحد الذي تتزعّمه أمريكا، وذلك من خلال التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية، وزيادة التعاون بين الدول الأعضاء والقريبة منها.
تزداد أهمية المجموعة سياسيًّا بوجود كل من الصين وروسيا ضمنها، وهما الدولتان اللتان تمتلكان حقّ الفيتو في مجلس الأمن، وهي نقطة مهمة تضاف إلى نقاط قوة “بريكس” السياسية، فأي قرار في مجلس الأمن لا يمكن أن يمرَّ دون موافقتهما.
سياسيًّا أيضًا، فإن عدم انخراط دول المجموعة في حروب مع الدول النامية يمثل حافزًا مهمًّا لعديد الدول النامية للانضمام إليها، وهو ما سيزيد من قوتها في وجه القوى الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية الملطّخة بدماء الأبرياء في مناطق عديدة من العالم.
بالمحصلة، ستكون القمة القادمة لـ”بريكس” في جوهانسبرغ فاصلة في تاريخ المجموعة، إذ ستضمّ إلى صفوفها دولًا جديدة، وهو ما سيزيد من مخاوف واشنطن وحلفائها تجاهها، فقوة “بريكس” في تزايد متواصل.