ترجمة وتحرير: نون بوست
بالقرب من سوكورو في نيو مكسيكو – لم يتبق الكثير من الأدلة على الرمال البيضاء لصحراء نيو مكسيكو التي تشير إلى أن العصر النووي قد بدأ هنا. على قطعة أرض عصفت بها الرياح لتتركها قاحلة لدرجة أن الغزاة الإسبان المنحدرين من الجحيم المشمس في إكستريمادورا أطلقوا ذات مرة على بعثتهم “رحلة الموت”، لا يوجد سوى صخور الحمم البركانية وهي الشيء الوحيد الذي بقي من انفجار قنبلة ترينيتي التي كانت تزن ما يقارب 25 كيلو طن معلنة بداية العصر النووي.
في مقابلة لفيلم وثائقي تلفزيوني تعود لسنة 1965، قال جيه روبرت أوبنهايمر “كنا نعلم أن العالم لن يعود كما كان”. كان وميض الانفجار – الذي تم الكشف عنه للجمهور لاحقًا – مرئيًا لما يقارب 200 ميل، ودفعت الرياح الكثير من الإشعاع النووي تجاه المجتمعات ذات الكثافة السكانية المنخفضة في صحراء نيو مكسيكو. والسبب الوحيد الذي حال دون تأثير اختبار ترينيتي على 100 ألف شخص هو تحوّل الريح، إذ كانت عاصفةٌ واحدة في الاتجاه الخطأ كفيلة بأن تجعل الغبار المشع يغطي ألبوكيرك وسانتا فيه.
لم تكن الولايات المتحدة آنذاك تبني قنبلة فحسب. استخدم مشروع مانهاتن ما يقارب 1 في المائة من القوة العاملة المدنية الأمريكية، وكان العمال يكدحون في كل مكان من أوك ريدج بولاية تينيسي، وشمال غرب المحيط الهادئ وصولا إلى صحراء النفايات الرملية في نيو مكسيكو، ولم يكن لدى معظمهم أدنى فكرة عما كانوا يساعدون في بنائه.
قال أليكس ويلرستين، مؤرخ العلوم في معهد ستيفنز للتكنولوجيا وخبير في السرية النووية: “هذا ليس مشروعًا صغيرًا. وهو ليس مشروع أسلحة بالمعنى التقليدي. إنه بناء صناعة جديدة تمامًا من الصفر في غضون سنتين ونصف”.
بعد ما يقارب ثمانية عقود، أصبحت تلك الصناعة في حالة يرثى لها. يتجاوز عمر أكثر من نصف البنية التحتية النووية الأمريكية الأربعة عقود، ويعود ربعها إلى مشروع مانهاتن نفسه، وفقًا للبنتاغون. لقد فقدت الولايات المتحدة احتكارها لهذا السلاح قبل نهاية الأربعينيات، وأصبحت الأسلحة النووية أكثر تدميرًا بشكل مضاعف. وتزعم روسيا أن صاروخين باليستيين عابرين للقارات من نوع “ساتان 2” يمكنهما تدمير الساحل الشرقي للولايات المتحدة بالكامل. وقد صُممت الغواصة الأمريكية “أوهايو” في الأصل لتدمير العديد من المدن السوفيتية في وقت واحد، وتقوم البحرية الأمريكية بالتخلص منها تدريجيًا لتحل محلها هياكل من طراز “كولومبيا”.
تُصرّ إدارة بايدن على أنها ليست في سباق تسلح مع روسيا والصين. لكن تحديث الإدارة الأمريكية للثالوث النووي بقيمة تجاوزت 1 تريليون دولار والذي سيشهد قيام الولايات المتحدة ببناء أساطيل جديدة من قاذفات الشبح النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والغواصات، قسّم السياسة الأمريكية إلى معسكرات متحاربة. فهناك تقدميون يعتقدون أن البنتاغون يقودنا نحو هرمجدون نووي ويجب أن يفكك الثالوث بالكامل، في حين يعتقد الصقور أن الولايات المتحدة تخشى بشدة قعقعة السيوف النووية الروسية.
قال أنكيت باندا، الزميل البارز في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، (وهي مؤسسة فكرية بواشنطن) إن “نزع السلاح ليس شيئًا ممكنًا على المدى القصير. في الواقع قد نكون – لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة – ننظر إلى عالم تبدأ فيه الأسلحة النووية بالتزايد بأعداد كبيرة حول العالم”.
بالنسبة لأوبنهايمر والفريق الأساسي المكون من 250 موظفًا في الموقع، كان كل شيء يعتمد على اختبار ترينيتي. وكان لديهم فرصة واحدة فقط للتأكد من أن أخطر سلاح في التاريخ يعمل بالفعل كما تم الإعلان عنه.
في الثواني التي أعقبت سقوط القنبلة “غادجت” من أعلى برج يبلغ ارتفاعه 100 قدم على الأرض في صحراء نيو مكسيكو، شاهدت قاذفتا قنابل من طراز بوينغ بي-29 سوبر فورترس جبال ساكرامنتو مضاءة أكثر من ضوء النهار. وكان صوت الصدمة محسوسًا على بعد 100 ميل، وامتد مشهد الانفجار إلى مسافة أبعد، وبلغ ارتفاع كرة النار الناتجة الانفجار سبعة أميال. تناثرت آلاف القطع من الترينيتيت، وهو مزيج من صخور الكوارتز والفلدسبار تحولت إلى زجاج أخضر زمردي بفعل حرارة الانفجار، على طول ما كان يُعرف آنذاك بوايت ساندس.
لم يقتصر الأمر على قناعة أوبنهايمر وفريقه بأن القنبلة المليئة بـ 13 رطلاً من البلوتونيوم قد نجحت، لكنهم كانوا مقتنعين أيضًا بأنه لا أحد في نطاق الإشعاع الناتج عنها، حيث كانت البلدة المجاورة الوحيدة هي سوكورو (وهي كلمة إسبانية تستخدم في كثير من الأحيان لكلمة “مساعدة”) على بعد 35 ميلاً.
تينا كوردوفا من سكان نيو ميكسيكو من الجيل السادس، وهي تنحدر من قرية يسكنها ما يقارب ثلاثة آلاف شخص على بعد ساعة بالسيارة في اتجاه الريح من موقع ترينيتي، وهو مجتمع ظل يكافح لعقود للحصول على اعتراف من حكومة الولايات المتحدة بشأن اختبار ترينيتي وتعويض بملايين الدولارات – وربما المليارات – من الفواتير الطبية. لقد عانى السكان المحليون من السرطانات التي يسببها الإشعاع لأجيال، الناشئة عن أول تجربة نووية في نيو مكسيكو وعشرات الاختبارات الأخرى فوق الأرض في نيفادا.
تم تفجير القنبلة وسط مجتمع ريفي حيث كان كثير من الناس يحصلون على المياه من الخنادق والصهاريج، واللحوم والألبان من الماشية والدجاج التي تربى في الخارج. لقد عاش الآلاف من الناس داخل دائرة نصف قطرها 50 ميلاً من موقع الانفجار.
أصيبت جدة كوردوفا، التي كانت طفلة صغيرة في وقت اختبار ترينيتي، بصدمة جعلتها طريحة الفراش. جمعت والدتها أهلها وأدت سلسلة من الصلوات. لعدة أيام، كانت ملاءات الأسرة المبللة التي تم وضعها في الخارج لجلب النسيم البارد مغطاة بطبقات من الرماد. وكان الناس يشطفونها مرارًا وتكرارًا. قالت كوردوفا إن حرارة الانفجار كانت شديدة لدرجة أنها أحرقت حظيرة الأبقار في الحقول المجاورة.
أصبحت المؤسسة النووية الآن جزءًا من المجتمعات الأمريكية، وهي تقوم على الأساس الهيكلي لمشروع مانهاتن
قالت كوردوفا، وهي ناجية من مرض سرطان يسببه الإشعاع، وهو مرض انتقل عبر أجيال من عائلتها: “إن ما نمر به هنا أمر غير إنساني تمامًا، إنه التعامل مع فكرة أننا كنا بمثابة أضرارا جانبية لسعي حكومتنا لتحقيق التفوق النووي”.
تمثّل كوردوفا والآلاف من سكان نيو ميكسيكو الذين يسعون للتعويض عن الأمراض الناتجة عن الإشعاع و1030 تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة بين 1945 و1992 أحد الأقطاب الرئيسية في الجدل النووي الأمريكي. لقد استقطبت النشطاء والقساوسة الكاثوليك والسياسيين الحمائم الذين يعتقدون أن الترسانة النووية الأمريكية تتجاوز أي درجة معقولة من الأمن لدولة لا يمكنها أو لن تتعامل مع الفقر أو العنف المسلح على عكس المسؤولين والمشرعين الأمريكيين الذين يرون أن الأسلحة النووية تشكل رادعًا لروسيا والصين. لكن القنابل الكبيرة تجلب أيضًا دولارات كثيرة – إلى مناطقهم.
أصبحت المؤسسة النووية الآن جزءًا من المجتمعات الأمريكية، وهي تقوم على الأساس الهيكلي لمشروع مانهاتن. اليوم، في ساوث كارولينا، على بعد أميال فقط من حدود جورجيا، يضغط السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل إعادة تشغيل المنشأة في موقع نهر سافانا – وهو مصنع غزير الإنتاج للبلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة – لتحويل المنشأة الحالية إلى مركز لإنتاج الوقود النووي التجاري. وفي أوك ريدج، على بعد 20 ميلاً فقط خارج نوكسفيل، حيث أمر الجنرال ليزلي غروفز بإنشاء أول منشأة بنيت لتخصيب اليورانيوم من أجل القنبلة الذرية، يقع مختبر وطني كبير ينتج اليورانيوم 235 – وهو أحد النظيرين المشعين اللذين ينتجهما مشروع مانهاتن. ويعتبر العمل في مختبر لوس ألاموس الوطني الذي قاده أوبنهايمر ذات مرة، من بين أفخم الوظائف المتاحة في نيو مكسيكو – إحدى أفقر الولايات الأمريكية.
انتهى “مشروع مانهاتن” رسميًا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لكنه مهّد لإنشاء هيئة الطاقة الذرية الأمريكية التي بدأت عصرًا جديدًا من إنتاج أسلحة بكميات كبيرة خلال الحرب الباردة. بلغ عدد الرؤوس الحربية الأمريكية ذروته في الستينيات قبل أن تخفض الولايات المتحدة مخزونها تدريجيًا على مدى العقدين التاليين بسبب اتفاقيات جديدة للحد من الأسلحة، حتى أثناء تصاعد التوترات مع الاتحاد السوفيتي. وبحلول الوقت الذي أُسقط فيه جدار برلين سنة 1989، ظهر سؤال جديد: كيف نعيد التفكير في استخدام وإنتاج الأسلحة النووية؟ والجواب على ذلك كان: “التحديث النووي”.
قال ويلرستين “لقد كان التحديث النووي عملية متعددة العقود، متعددة الرؤساء، وفي بعض النواحي، متعددة الأحزاب. إنه برنامج مكلِّف للغاية، فقد بلغ عدة تريليونات من الدولارات وكان بمثابة قوة طاغية مستمرة على مدى العقود القليلة الماضية”.
من خلال 3 قواعد للقوات الجوية الأمريكية في وايومنغ ومونتانا ونورث داكوتا، تمتلك الولايات المتحدة 400 صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز “مينتمان 3” في حالة تأهب على مدار الساعة (ظلت الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات في حالة تأهب مستمر طوال 63 سنة). وتلك الغواصات المتقدمة من طراز أوهايو التي يمكن أن تدمر عاصمة أي دولة في الأمم المتحدة، وهي تحيط بسواحل المحيط الهادئ والأطلسي في واشنطن وجورجيا، قد شيدت هياكلها المكونة من أربعة طوابق ويبلغ ارتفاعها 600 قدم تقريبًا في رود آيلاند وتم تجميعها في غروتون، بكونيتيكت. كما تستمر في الخدمة الطائرة “بي-52” التي تعود إلى حقبة الخمسينيات من القرن الماضي – والتي يقودها الآن أبناء وأحفاد الطيارين الأوائل – إلى غاية سنة 2050.
على الورق، يبدو هذا وكأنه ترسانة لا يمكن مضاهاتها، حيث تمتلك الولايات المتحدة وروسيا مجتمعتين 89 بالمئة من مخزون العالم من الأسلحة النووية، وفقًا لاتحاد العلماء الأمريكيين، على الرغم من أن المخزون الأمريكي يتناقص ببطء حيث بدأ يخرج من الخدمة حوالي ثلث الترسانة القديمة.
يمكن للصين اللحاق بالركب، إذْ يعتقد البنتاغون أن بكين جمعت 400 رأس حربي في فترة وجيزة مقارنة بالوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة لبناء ترسانة نووية بهذا الحجم. وإذا استمرت بنفس الوتيرة على مدى السنوات العشر القادمة، قد يصبح لدى الصين 1500 رأس نووي جاهز للإطلاق.
قال جون ولفستال، كبير المستشارين في شركة “غلوبال زيرو” ومستشار سابق في مجلس الأمن القومي خلال إدارة أوباما: “ما زالوا ينظرون إلى الصين على أنها ذلك البلد الشيوعي الملحد، وما زالوا يعتقدون أن هذا يشبه معركة الحرب الباردة بين الرأسمالية الجيدة والشيوعية السيئة – في نظرهم. العقلية السائدة داخل مجتمع الأمن النووي الأمريكي هي إلى حد كبير عقلية الحرب الباردة”.
تميّزت إدارة بايدن بالتوتر، فلأكثر من سنة، صمد الجيش الأوكراني في مواجهة خصم روسي متفوق مسلح نوويًا في مواجهة احتمالات هائلة. لكن في الشهر الماضي، مع تهديد روسيا بإشهار سيوفها النووية بشدة، أراد المسؤولون الأمريكيون تهدئة التوترات.
مع اقتراب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان من المنصة في أحد أكبر مؤتمرات نزع السلاح في واشنطن في حزيران/ يونيو الماضي، واجهت الإدارة الأمريكية عالمًا متغيرًا حتى عن السنة الماضية. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد علّق المشاركة في اتفاقية ستارت الجديدة، وكانت أوكرانيا تحذر من أن روسيا لديها خطط لتفجير محطة زاباروجيا للطاقة النووية، وهي أكبر منشأة من نوعها في أوروبا وتقع على الأراضي التي تحتلها روسيا في أوكرانيا، وتوقعت حينها نشرة علماء الذرة أن الهجوم على المحطة قريب جدًا، وقدر بـ 90 ثانية حتى منتصف تلك الليلة.
لكن الإدارة الأمريكية أصرّت على أنها لم تكن في سباق تسلح. قال سوليفان في خطاب: “لا تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة قواتنا النووية لتتجاوز العدد الإجمالي لمنافسينا من أجل ردعهم بنجاح. لقد تعلمنا هذا الدرس”. كانت رسالة إدارة بايدن واضحة: لكل من روسيا والصين دعوة مفتوحة للانضمام إلى محادثات نزع السلاح.
وفي الواقع، فإن ذلك بعيد كل البعد عن الموقف المناهض للأسلحة النووية، بالنظر إلى أن إدارة بايدن قد ربطت الأمل في محادثات نزع السلاح بتكديس أسلحة أكثر حداثة. لكنهم يرون ذلك من منظور آخر: الحد من مخاطر نشوب حرب مدمرة. حيال ذلك، قال باندا، الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن “أحد أسباب استخدامنا لعبارة “الحد من المخاطر” هو أن الدول النووية لا تريد القضاء على هذه المخاطر. إذا أزلت خطر استخدام الأسلحة النووية، فلن يكون لديك ردع نووي”.
حتى لو كانت إدارة بايدن لا تريد سباق التسلح، فقد يكون لديها بالفعل واحد الآن. أجلت الولايات المتحدة اختبارات صاروخ “مينتمان (آي سي بي إم)” المطور قبل أن تعود لإجرائها أخيرًا السنة الماضية، مما أثار السخرية من المسؤولين الأمريكيين السابقين والأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، حيث يعتقدون أن الإدارة كانت حذرة للغاية بشأن تهديد التصعيد النووي الروسي.
المسؤولين الافتراضيين غالبًا ما اختاروا بسرعة استخدام الأسلحة النووية
قال مارشال بيلينغسلي، كبير المفاوضين الأمريكيين السابق بشأن الأسلحة النووية خلال إدارة ترامب، وهو الآن خبير في معهد هدسون: “إن خطر التصعيد ليس منعدمًا، لكنه ليس مرتفعًا. وهذا الأمر بمثابة إشارات ضعف نرسلها للروس”.
بالنسبة لآخرين، تعتبر لعبة حافة الهاوية النووية بمثابة مقامرة كبيرة، وذلك ما تراه شارون وينر، الأستاذة بـ “الجامعة الأمريكية” التي أدارت على مدار السنتين الماضيتين برنامج “البسكويت النووي” وهو تجربة واقع افتراضي سمحت للمشاركين بارتداء سماعة رأس ووضعهم في غرفة العمليات كرئيس للولايات المتحدة للتعامل مع تهديد نووي. من الناحية الواقعية، سيكون أمام الرئيس الافتراضي 15 دقيقة أو أقل لاتخاذ قرار، واعتمادًا على مدى سرعة وصولهم، قد يتخذ المشارك القرار بشكل أسرع كثيرًا. قالت وينر: “إن وضع الولايات المتحدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات يعني أنه يجب اتخاذ أي قرار بسرعة إذا كانت ستستخدمها”.
على الرغم من أن الأشخاص الذين جربوا المحاكاة كانوا محاطين بطاولة من المستشارين الافتراضيين تحت الطلب، وجدت وينر أن المسؤولين الافتراضيين غالبًا ما اختاروا بسرعة استخدام الأسلحة النووية. قالت عن ذلك: “الأمر كله يتعلق بالحيطة وانعدام الثقة. لدينا الكثير من الاستثمار في الأسلحة النووية كحل للمشاكل ضد من يخلق المشاكل”.
عندما ينفجر سلاح نووي، ترتفع درجة حرارة اللب المشع إلى آلاف ثم إلى ملايين الدرجات المئوية. أثناء تسخين السلاح في بلازما شديدة السخونة من حرارة الانفجار، تطلق الطاقة الناتجة عن التفاعل أشعة سينية ناعمة، مما يؤدي إلى صدم جزيئات الهواء أمامها مع الكثير من الطاقة التي تشتعل فيها النيران. من الناحية العلمية، هذه بداية كرة نارية نووية.
بعد ذلك، كانت تأثيرات الانفجار النووي غير متوقعة تقريبًا، حتى مع وجود غرفة مليئة بأجهزة الحاسوب العملاقة التي تحطم البيانات من أكثر من 2000 اختبار نووي أجرتها الولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى منذ سنة 1945. في فجر العصر النووي، كانت التوقعات متباينة للغاية حول تداعيات الاختبارات الجوية، حيث امتد انفجار قلعة برافو سنة 1954 على مسافة 7000 ميل من جزيرة بيكيني من المخلفات الإشعاعية.
قال إدوارد غيست، باحث سياسي في شركة “راند كوربوريشن”، إن “المشكلات صعبة للغاية لدرجة أنه حتى بوجود أجهزة حاسوب عملاقة حديثة، فإنه يمكن تتبعها نوعًا ما، لكنها ربما ليست بهذا القدر من الأهمية”.
لكن العلماء تمكنوا من تصميم نموذج لما قد تبدو عليه آثار الحرب النووية. في غرفة مليئة بالمراسلين في حرم جامعة نيو مكسيكو في البوكيرك، شرح آلان روبوك، عالم المناخ في جامعة روتجرز، كيف يمكن أن يبدو الكوكب: “قد يبدو الأمر هكذا”، مشيرًا إلى سحابة من الدخان تغطي نصف الكرة الشمالي من المحتمل أن تنتقل إلى نصف الكرة الجنوبي وتحجب الشمس. وأضاف “إذا كان هناك ما يكفي من الدخان، ستنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، ونحن نسمي ذلك “الشتاء النووي”. سيصبح الجو باردًا ومظلمًا وجافًا، والمحاصيل ستذبل والماشية ستموت مع مئات الملايين من الأطنان من السخام في الهواء جرّاء الحرائق، وحينها قد تنخفض حصة السعرات الحرارية العالمية بنسبة تصل إلى 90 بالمئة. ومهما مات الكثير من الناس في التفجيرات النووية، يمكن أن يموت 5 مليارات آخرين من المجاعة التي تلي ذلك. يمكن للترسانة النووية الحالية أن تنتج شتاء نوويًا يمكن أن يقتل معظم البشر”.
المصدر: فورين بوليسي