تفرض قوات الدعم السريع حصارًا محكمًا على الأبيض حاضرة ولاية شمال دارفور، منذ اندلاع الحرب في السودان في 25 أبريل/نيسان 2023، في محاولة للسيطرة على المدينة التي تربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور، فيما يُدافع الجيش عنها بضراوة.
وتدور بين الحين والآخر اشتباكات قرب وداخل المدينة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين بالأحياء، حيث بدأت سلسلة من الهجوم والهجوم المضاد الذي تُستخدم فيه المدفعية الثقيلة وغارات الطيران الحربي منذ نهاية هذا الأسبوع.
وبالتزامن مع الحصار والاشتباكات في مدينة الأبيض، تسعى قوات الدعم السريع إلى السيطرة على مناطق أخرى في كردفان الكبرى، فيما يبدو أنها محاولة للبحث عن قاعدة اجتماعية بعد أن فشلت في تكوينها في العاصمة الخرطوم.
تأمين خطوط الإمداد لاستمرار القتال
إن الغرض الأساسي من محاولات قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الأبيض، هو تأمين إمدادات العتاد الحربي والجنود من إقليم دارفور إلى العاصمة الخرطوم، حيث تقع المدينة في منتصف المسافة بين دارفور والخرطوم، ومن يُسيطر عليها يستطيع التحكم في الطريق القومي.
يقول الخبير العسكري عمر أرباب، في مقابلة مع موقع عاين، إن رغبة الدعم السريع في السيطرة على الأبيض لتأمين خط إمداد عسكري ولوجستي من خلال المطار الدولي في المدينة.
انتشار قوات الدعم السريع في مناطق عديدة بكردفان غير مجدٍ عسكريًا في الوقت الراهن، باعتبار أن ذلك تشتيتًا لقواتها في وقت تحتاجها بمعارك الخرطوم، ما يعزز فرضية أنها تبحث عن قاعدة اجتماعية
ويضيف “السيطرة على الأبيض ستمكن قوات الدعم السريع من إرسال تعزيز بسلاسة إلى الخرطوم نسبة لقرب المسافة مقارنة بإقليم دارفور، بجانب تحييد الطيران الحربي من مطار المدنية، فضلًا عن تلقي السند اللوجستي والعسكري جوًا”.
يشير الضابط المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، في مقابلة مع ذات الموقع، إلى سبب ثانٍ يدفع قوات الدعم السريع للسيطرة على الأبيض يتمثل في الارتكاز داخلها وجعلها درع حماية حال تلقت هزيمة في الخرطوم، حيث تستطيع تجميع عناصرها ومهاجمة الخرطوم مجددًا.
ويتابع “إذا حاولت قوات الدعم السريع التراجع نحو دارفور فهي بعيدة للغاية، وستكون متحركاتها مكشوفة ويسهل اصطيادها بالطيران، فهي تسعى لاستلام الأبيض حتى تجعلها درعًا إستراتيجيًا يتضمن مطار المدينة”.
استولت قوات الدعم السريع على عدد من قواعد الجيش في جنوب كردفان، من بينها قاعدة طيبة التي تستخدمها منصة رئيسية للهجوم على مدينة الأبيض التي تُعد مركزًا رئيسيًا للزراعة والتجارة في السودان، كما تُعتبر ممرًا حيويًا لأنابيب النفط.
اللجنة التمهيدية لنقـــابة أطبــاء الســـودان ———-———-———-—— تواصل آلة الحرب حصد أرواح السودانيين وتدمير ممتلكاتهم…
تم النشر بواسطة نقـــابة أطبـــــاء الســـــودان- اللجنـــة التمهيديـــة في الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠٢٣
سعي حثيث لصناعة حاضنة اجتماعية
لم تكتف قوات الدعم السريع بمحاولة السيطرة على مدينة الأبيض، إذ استولت على مناطق عديدة في منطقة كردفان الكبرى التي تضم ثلاث ولايات هي: شمال وجنوب وغرب كردفان.
تُعرف منطقة كردفان الكبرى بأنها مصدر حيوي للجنود، إذ ينضم الآلاف من أبنائها إلى الجيش أو إلى قوات شبه عسكرية مثل الدعم السريع أو قوات الدفاع الشعبي، إضافة إلى الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
يقول الكاتب الصحفي يوسف عبد المنان إن الدعم السريع بسطت سيطرتها على مناطق: الدبيبات والرهد وأبو زبد والفرشاية دون أي مقاومة، قبل أن تتمدد إلى بارا وأم روابة وجبرة الشيخ، مسيطرة بذلك على الطريق القومي المتجه إلى الفاشر بولاية شمال دارفور.
ويشير إلى أن الدعم السريع في كردفان يمثل عرب البقارة، حيث يضم في صفوفه الغاضبين على المركز أي العاصمة الخرطوم والمسرحين من قوات الدفاع الشعبي.
إن انتشار قوات الدعم السريع في مناطق عديدة بكردفان غير مجدٍ عسكريًا في الوقت الراهن، باعتبار أن ذلك تشتيتًا لقواتها في وقت تحتاجها في معارك الخرطوم، ما يعزز فرضية أنها تبحث عن قاعدة اجتماعية، بعد أن فشلت في صناعة قاعدة اجتماعية بالعاصمة الخرطوم.
ولا شك أن سيطرة قوات الدعم السريع على بعض مناطق كردفان، ستوفر لها إمدادات ضخمة من الغذاء والمقاتلين تُضاف إلى الإمدادات التي تصلها تباعًا من دارفور التي استطاعت فيها جذب قادة بعض القبائل لمناصرتها.
يقول عبد المنان إن الشريط الرملي في كردفان دان لقوات الدعم السريع اجتماعيًا وعسكريًا وسياسيًا، ووصل إلى مرحلة التحالف مع قبيلة الحوازمة لمساندتها على حساب الجيش.
يوضح الكاتب أيضا أن قوات الدعم السريع تنتظرها مهمة إدارة شأن التعليم والصحة والزراعة، لا سيما أن الموسم الصيفي الذي بدأ في يوليو/تموز الحاليَّ، ظهرت بوادر فشله من الآن بسبب شح الوقود وانعدام الأمن.
من المؤكد أن قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، لا يهتمان بالتعليم والصحة وتوفير الأمن واحتياجات السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، قدر اهتمامهم بتجنيد مزيد من المصادر الميدانية والمقاتلين في رحلة بحثهم عن الاستحواذ على السلطة.
مخاطر محتملة
لم تستطع قوات الدعم السريع تغيير ثقافتها القتالية القائمة على النهب الواسع والعنف الشديد، منذ انتقالها من مرحلة الجنجويد (مقاتلون جندهم النظام السابق ليحاربوا عنه بالوكالة الحركات المسلحة في إقليم دارفور)، إلى مرحلة سن قانون وتسميتها قوات نظامية في يناير/كانون الثاني 2017.
بعد انتقال نمط النهب الواسع في تحركات قوات الدعم السريع في مناطق كردفان، لا يستبعد تكرار الاقتتال الأهلي بين مكونات الإقليم في ظل حالة الهشاشة الأمنية والاستقطاب القبلي الحاد وانتشار خطاب الكراهية.
هذا يظهر بوضوح في الحرب الحاليّة، حيث استمرت في منهجية احتلال منازل المدنيين في العاصمة الخرطوم واتخاذها ثكنات لجندها ومنصة لإطلاق القذائف، بجانب ارتكابها انتهاكات عديدة منها القتل والإخفاء القسري والعنف الجنسي واحتلال المنشآت والأعيان المدنية.
يتطلب الوضع في السودان حلًا سلميًا سريعًا لأوضاعه التي تتعقد يومًا عن الآخر
تحول النزاع في غرب دارفور، إلى قتال عرقي بين القبائل العربية وقبيلة المساليت الإفريقية، وصل إلى مرحلة قتل والي الولاية بعد ساعات من اعتقاله بواسطة قوات الدعم السريع التي نفت تورطها في عملية الاغتيال ونسبتها إلى متفلتين داهموا مقر إقامته.
قد يصل الأمر في جنوب كردفان، إلى اندلاع نزاع بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية ـ شمال، التي تسعى هي الأخرى للسيطرة على مزيد من المناطق.
ولن تأبه قوات الدعم السريع لمخاطر النزاعات الأهلية المحتملة، في سياق بحثها عن قاعدة اجتماعية في كردفان، وهو بحث يبدو أنه عمل مضاد لخطوة الجيش الخاصة ببدء تدريب المدنيين في وسط وشرق وشمال السودان، تمهيدًا لانخراطهم في القتال الشرس.
وبالطبع، لن تمانع الدعم السريع من التحالف مع المليشيات المسلحة في كردفان، على غرار ما حدث في إقليم دارفور خاصة ولاية غرب دارفور، وربما تتجه لصناعة مليشيات جديدة لتحميلها مسؤولية الانتهاكات الإنسانية الفظيعة في ظل تنامي الإدانات المحلية والدولية للجرائم المتصلة بالنزاع.
يتطلب الوضع في السودان حلًا سلميًا سريعًا لأوضاعه التي تتعقد يومًا عن الآخر، فعامل الوقت ليس في صالحه، بل إن مرور المزيد من الزمن في ظل التعقيد الحاليّ يجعل أي تسوية تُحافظ على البلاد كاملة أمرًا صعبًا للغاية.