يشكّل فصل الصيف بالنسبة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة كابوسًا كبيرًا، إذ تتفاقم فيه أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تعصف بالقطاع منذ عام 2006، حينما قصفَ جيش الاحتلال الإسرائيلي محطة التوليد الوحيدة، وعمل على تدمير جزء كبير منها بعد أسر المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
تعتبر أوقات الذروة في فصلَي الشتاء والصيف أوقات طوارئ بالنسبة إلى الفلسطينيين والقائمين على ملف الكهرباء في غزة، إذ تتجاوز ساعات انقطاع التيار الكهربائي 12 ساعة، وترتفع في بعض الأحيان إلى 16 مقابل 8 ساعات وصل في أفضل الأحوال.
في الوقت الذي تشهد فيه الشهور المتبقية من العام استقرارًا في جدول توزيع التيار الكهربائي، حيث تتراوح ساعات الوصل بـ 8 ساعات ترتفع في بعض الأحيان إلى 10، فيما تصل ساعات القطع إلى 8 ساعات، إلا أن هذه الفترة محدودة ومرتبطة بالحالة الجوية.
مع تجدد الأزمة في كل عام، يعود النقاش وتبادل الاتهامات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس في المسؤولية عن تفاصيل هذه الأزمة، بعد أن عطّلت الأولى سلسلة من الحلول التي تمَّ تقديمها في السنوات الأخيرة، لإنهاء أزمة انقطاع التيار الكهربائي ووقف تفاقمها.
تاريخ من الأزمة.. كيف بدأت المشكلة؟
بدأت أزمة الكهرباء في عام 2001، حيث كان التيار الكهربائي في القطاع يقطَع ليوم واحد كل أسبوع، وظلت الحالة على هذه الشاكلة حتى تاريخ 28 يونيو/ حزيران 2006 حين قصفت “إسرائيل” محطة توليد الكهرباء الوحيدة، ما أدّى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر من عجز كبير في الطاقة الكهربائية.
بلغت قيمة الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي للمحطة حوالي 6 ملايين دولار، وظلت المحطة في حالة توقف جرّاء ذلك القصف إلى أن عادت للعمل عام 2009.
بعد إصلاح المحطة جزئيًّا عام 2009، مول الاتحاد الأوروبي تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المحطة، حيث ظلَّ يدفع حوالي 50 مليون شيكل شهريًّا، وهو ما يعادل ثمن 8 آلاف و800 متر مكعب تكفي لإنتاج حوالي 60 إلى 65 ميغاواطًا.
منذ عام 2018 تتحمّل دولة قطر مسؤولية تزويد القطاع بالوقود اللازم لتشغيل 3 مولدات خاصة بالمحطة، بإجمالي مالي يصل إلى 10 مليون دولار شهريًّا
بيد أنه أصبح، اعتبارًا من 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، المبلغ ذاته يحوَّل إلى وزارة المالية الفلسطينية في رام الله، على أن تتولى الوزارة مهمة دفع ثمن الوقود، وإثر ذلك تقلصت الكمية إلى نحو 4 آلاف و500 متر مكعب شهريًّا تكفي لإنتاج 30 ميغاواطًا (مولد واحد فقط في المحطة)، ما تسبّب في زيادة ساعات فصل الكهرباء خلال عام 2010.
في عام 2011 بدأت محطة توليد الكهرباء في غزة باستخدام الوقود المصري، وأصبحت تعمل بـ 3 مولدات لتنتج طاقة في حدود 80 ميغاواطًا، وفي بداية عام 2012 بدأت أزمة شحّ الوقود المصري بالظهور بعد تقليل الكميات المورّدة إلى القطاع، ما أدّى إلى اعتماد المحطة على مخزونها، إلى أن نفّدت كمية الوقود وتوقفت المحطة عن العمل بتاريخ 14 فبراير/ شباط 2012.
في مارس/ آذار 2014، برزت أزمة الضريبة المفروضة على وقود محطة التوليد، مع إصرار حكومة التوافق الفلسطينية في رام الله على تحصيل هذه الضريبة في ظل أزمات القطاع، وهو ما زاد من حدة الأزمة وفاقم من معاناة السكان، وأبلغت السلطة الفلسطينية الاحتلال يوم 27 أبريل/ نيسان 2017 بأنها ستتوقف عن دفع ثمن إمدادات الكهرباء لغزة.
وذكر بيان صادر عن وحدة الاتصال العسكري الإسرائيلي، أن السلطة الفلسطينية أبلغتهم أنها ستوقف فورًا سداد ثمن الكهرباء الذي تمدُّ به سلطات الاحتلال غزة عبر 10 خطوط للكهرباء، تنقل 125 ميغاواطًا أو ما يعادل نحو 30% من احتياجات غزة من الكهرباء.
تتراوح احتياجات قطاع غزة من الكهرباء في الأيام العادية ما بين 450 إلى 500 ميغاواط، وتزداد هذه الاحتياجات في ذروة فصلَي الشتاء والصيف لتصل إلى 600 ميغاواط
ولاحقًا قررت السلطة تقليص المبلغ الذي تدفعه لـ”إسرائيل” مقابل تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%، وتحصل “إسرائيل” من السلطة الفلسطينية على 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) شهريًّا مقابل الكهرباء، وتحسم المبلغ من تحويلات عوائد الضرائب الفلسطينية التي تجمعها “إسرائيل” نيابة عن السلطة.
وفي 12 يونيو/ حزيران 2017، وافق الطاقم الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية على تقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%، تماشيًا مع قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خفض النسبة نفسها من مدفوعات تكلفة الكهرباء الإسرائيلية لغزة، بهدف الضغط على حركة حماس التي تسيطر على القطاع.
تتراوح احتياجات قطاع غزة من الكهرباء في الأيام العادية ما بين 450 إلى 500 ميغاواط، وتزداد هذه الاحتياجات في ذروة فصلَي الشتاء والصيف لتصل إلى 600 ميغاواط، بمعنى أن العجز تقريبًا 50% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء.
من أهم أسباب أزمة الكهرباء في قطاع غزة: محدودية مصادر الكهرباء وعجزها عن تلبية كافة احتياجات القطاع، والحاجة لمصادر أخرى، والطلب المتزايد على الكهرباء وزيادة استهلاكها بمعدل يصل إلى 7% سنويًّا، وتحتاج المحطة 650 ألف لتر من السولار لتعمل بكامل طاقتها، كما أن المحطة بحاجة إلى صيانة وتطوير.
ومنذ عام 2018 تتحمّل دولة قطر مسؤولية تزويد القطاع بالوقود اللازم لتشغيل 3 مولدات خاصة بالمحطة، بإجمالي مالي يصل إلى 10 مليون دولار شهريًّا، إلا أن تشغيل المحطة لا يؤدي إلى إنهاء الأزمة كونها لا توفر للقطاع سوى 90 ميغاواطًا في أفضل حال.
حلول من ورق
منذ بداية الأزمة طفت إلى السطح سلسلة من الحلول التي لم ينفّذ أي منها، تحت ضغط الحصار الإسرائيلي وتحكُّم الاحتلال بجميع الحدود البرية والبحرية للقطاع، أو حتى السلطة الفلسطينية التي عمدت إلى إفساد بعضها، كي لا تمنح خصمها المتمثل في حركة حماس النجاح في إنهاء الأزمة.
أول الحلول كان يتمثل في تشغيل خط يطلق عليه فلسطينيًّا “161”، ويقوم على شراء التيار الكهربائي من الاحتلال عبر هذا القطاع، ومن شأنه أن يرفد غزة بالتيار الكهربائي على مدار الساعة، وكانت بداية هذا المشروع تعود إلى عام 2005، أي قبل فوز حركة حماس بالانتخابات، إلا أنه أُجهض لاحقًا حتى عام 2017.
منذ عامَين عقدت سلطة الطاقة في رام الله وغزة واللجنة القطرية عدة عقود لإعادة إعمار غزة، والاحتلال والاتحاد الأوروبي من أجل تحسين البنية التحتية الخاصة بالكهرباء لتصبح قادرة على استيعاب التيار الكهربائي، إلا أن المشروع لم ينضج بعد
في أعقاب ذلك، كان الحديث يدور عن سفينة تركية ترسو قبالة شواطئ غزة، وتعمل على تزويد القطاع بالتيار الكهربائي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أعقاب تنفيذ المشروع رفض المشروع التركي في إطار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006.
بعد ذلك، دار الحديث عن ربط القطاع بالخطوط المصرية، إلا أن مصر أوقفت جميع الخطوط المغذية للقطاع عام 2018 في مارس/ آذار، والتي كانت تزود القطاع بقرابة 25 ميغاواطًا، وتوقّف الحديث عن أي مشروع مصري يرفع الكميات المورّدة بشكل كامل.
ومع طرح ملف “غاز غزة”، دار الحديث عن استخراج الغاز بشراكة فلسطينية مصرية، على أن تعمل القاهرة على تزويد القطاع بالكهرباء من رفح المصرية، بالإضافة إلى تغذية محطة التوليد الوحيدة لتصبح تعمل بالغاز الطبيعي بدلًا من الوقود “السولار الصناعي”.
ومنذ عامَين عقدت سلطة الطاقة في رام الله وغزة واللجنة القطرية عدة عقود لإعادة إعمار غزة، والاحتلال والاتحاد الأوروبي من أجل تحسين البنية التحتية الخاصة بالكهرباء لتصبح قادرة على استيعاب التيار الكهربائي، إلا أن المشروع لم ينضج بعد.
ووفق تقديرات فلسطينية، فإن هذا المشروع لن يرى النور قبل عام 2026 في المرحلة الأولى، حيث سيزوَّد القطاع في البداية بقرابة 300 ميغاواط حال تمَّ تنفيذه، على أن ترتفع النسبة إلى 500 ميغاواط عام 2029، بعد أن يجري توسعة المحطة وزيادة عدد المولدات.
غير أن ثمة معضلة تتمثل في الزيادة السكانية الحاصلة وزيادة الاستهلاك، حيث تقدَّر سلطة الطاقة وشركة الكهرباء في غزة حاجة القطاع لقرابة 1000 ميغاواط بحلول عام 2030، ما يعني أن أزمة الكهرباء لن يكون إنهاؤها بشكل كامل والوصول إلى حلّ نهائي سهلًا.
ويقرّ الفلسطينيون بأن أزمة الكهرباء لن تنتهي إلا بحلّ سياسي متوافق عليه بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، أو بموافقة إسرائيلية تضع حدًّا لهذا الملف الذي يؤرق السكان في القطاع المحاصر إسرائيليًّا للعام الـ 17 على التوالي.