ترجمة نضال عبدالرحمن لنون بوست
سارة تم هجرها من قبل زوجها منذ 15 عامًا ولم يكلف نفسه أن يقوم بتطليقها رسميًا، ولم يرسل أي مبالغ مالية لها على الرغم من أنها ترعى ابنته ووالدته المقعدة أيضًا.
الشؤون الاجتماعية السعودية رفضوا دعمها ماديًا حيث إنها لاتزال قانونيًا متزوجة وزوجها مسؤول عن نفقتها.
تقول سارة “أشعر بالإهمال وكأني حذاء بالٍ”، لقد ترعرعت في حي فقير والآن تقتات على إعادة بيع وحدات التكييف التي اشترتها بالتقسيط مسبقًا، مضيفة “لا أحد يهتم لأجلي ولا يهتم لمشكلتي بشكل جدي، لا أهمية لي”.
مأساة سارة من المشاكل الشائعة في السعودية، حيث إن النساء هناك مجبرات على اتخاذ وصيّ قانوني من الرجال ليكون المسؤول المتحكم بحياتهن، هذا الوضع يخلق بيئة خصبة للانتهاكات والإساءات في حق المرأة التي قد تجد قليلاً من الدعم والحماية من قبل القضاء الديني الذي يديره رجال أيضًا.
سارة التي تبلغ من العمر 58 – 60 سنة، الناشئة في مجتمع بدوي أفصحت أنها قررت أخيرًا خلع زوجها في عام 2009، وبعكس الرجال الذين يحصلون على دعوى الطلاق سريعًا وفي غضون أيام، النساء كن يعانين أثناء الخلع ورجال القضاء الذين لا يؤيدون النساء المستقلات فكانوا يتباطؤون في إنهاء الإجراءات.
في مقابلة هاتفية مع سارة التي طلبت منا عدم استخدام اسمها الكامل، أخبرتنا من خلالها أن دعوى الطلاق أخذت 4 سنوات حتى تنتهي، لأن القضاة طالبوا بحضور ولي أمرها – زوجها – لكنه لم يحضر أي جلسة مطلقًا والمحكمة بدورها لم ترسل أي رجال أمن لإحضاره.
الأوصياء والمحاكم
نظام الوصاية هناك يعتمد على الموروث الثقافي البالي، الذي يعتقد بأن المرأة قاصرة ولا تستطيع اتخاذ قرارتها الشخصية بنفسها، في عام 2008 ظهر تقرير من قبل حقوق الإنسان يوثق كيف أن الوصاية تحرم المرأة من استقلالها الذاتي، حيث إنها تحتاج لإذن ولي الأمر حتى تُقبل في الجامعة، تتزوج، تسافر خارجًا، تعمل وأحيانًا بعض العمليات الجراحية تستدعي موافقة ولي الأمر.
وصيّ المرأة الأول هو والدها وإذا تزوجت يصبح زوجها، أما إذا كانت يتيمة أو أرملة أو مطلقة فالوصاية تنتقل لأحد أقربائها وفي بعض الأحيان لابنها؛ وهذا الأمر يجعل معظم النساء يشعرن بالإهانة.
“فتى في الـ 13 وصي على امرأة راشدة! كم هو أمر محرج ومُهين ” .. تعليق أحد الفتيات العشرينيات من جدة.
عمليًا إذا كان الوصي مُحبًا ومحترمًا فهذا سيسهل على الفتاة ممارسة حياتها لأنه سيسمح لها بفعل ما تريده، لكن بالمقابل إذا كان مستبدًا وعنيف جسديًا فحياتها ستصبح جحيمًا.
“رشا الدويسي” إحدى داعمات حقوق المرأة في الرياض، علقت على النقطة أعلاه بـ “هذه هي المشكلة، إن الأمر كله يعتمد على الحظ”.
هناك الكثير من النساء يتعرضن للاعتداء والإساءات من قبل أولياء أمورهن حسب ما تناقلته وكالات الإعلام السعودية والصحافيون التابعون لحقوق الإنسان وغيرهم.
بعض الآباء يرفض تزويج ابنته طمعًا في مرتبها الشهري، أو أن المتقدم لها ليس من نفس القبيلة، آخرون يرفضون أن تذهب بناتهن لإكمال دراستهن الجامعية، وآخرون يرفضون أن يحصل زوجاتهن أو بناتهن على وظيفة مجزية حتى لا يختلطن بالرجال في محيط العمل، يوجد آباء أيضًا قاموا بتزويج بناتهن في عمر الـ 10 سنوات لأجل تسوية دين!، أبلغت العديد من النساء بأنه تم ضربهن أو حجزهن في الغرف لأسابيع من قبل الوالد أو الزوج أو الأخ ، كعقاب لهن بعد مطالبتهن بإكمال الدراسة أو رفض الزواج.
تصرفات كهذه من النادر أن يتم محاسبتها حيث إن قانون الوصاية هناك يندرج تحت قانون القضاء ذي النزعة الذكورية المتزمتة، فالسعودية لا تملك دستورًا مكتوبًا حتى يتم اتباعه قانونيًا! بل يتم الاعتماد على نظرة القاضي الشخصية وهي ذات النظرة القاصرة للمرأة والمشبعة بالتقاليد، بعيدًا عن الشريعة أو التعليم الإسلامي.
تقول رشا الدوسي: “لأننا لا نملك قانونًا يدعم النساء؛ أصبحت التقاليد والعادات هي الفارق، فعندما نذهب للمحكمة يصبح الأمر بيد القاضي الذي لديه نظرة قاصرة تجاه النساء”.
لا يوجد قاضيات نساء في السعودية وحتى العام الماضي لم تمتلك المحاميات النساء هناك أي رخصة حتى لا يظهرن في المحاكم.
معظم القضاة يطالبون المرأة بالحضور للمحكمة بنقاب وجه، ولا تُقبل شهادتهن في الجرائم والبعض يمنعهن من الحديث مدعيًا أن صوت المرأة عورة.
حتى العام المنصرم – أي قبل أن تصدر بطاقات الهوية للنساء – كان على المرأة أن تحضر للمحكمة مع أحد أقربائها لتعريف هويتها، وفي بعض الأحيان يكون المُعرف هو المُسيء! بعض النساء اليافعات اللاتي ذهبن للمحكمة لأخذ إذن زواج بعد رفض ولي أمرهن بتزوجيهن، انتهى بهن الأمر في السجن بسبب “العصيان”.
“مرام العرجاني” إحدى أوائل الحاصلات على رخصة محاماة العام الماضي تقول: إن إخبار القاضي بأن المعتدي والمسيء هو الوصيّ أمر معقد وصعب جدًا ثقافيًا للنساء، ويجب على الضحية أن تُري القاضي كيف تضررت حرفيًا، وفي الغالب لا يقوم بسحب الوصاية من ولي الأمر إلا إذا ارتكب إثمًا دينيًا كشرب الكحول.
إحدى النساء ذات الـ 35 سنة أعربت أن أوصيائها يعاملونها كـ “شيء مملوك” وليس كإنسان له رأي و كيان بعدما رفض والدها وأخوها أن يزوجوها.
عادات وليس إسلام
نظام الوصاية ليس من موروث إسلامي بل إنه قائم على التعصبات والعادات القبلية التي توشحت بغطاء الإسلام كحجة، قالت سارة إن الإسلام هو أبعد ما يكون عن هذه المعاملة السيئة، مفهوم الإسلام ليس هكذا أبدًا.
لكن يوجد بعض النساء يعتقدن العكس ناحية نظام الوصاية ويرونه مهمًا، وقد علقت رشا الدوسي “هذا عبارة عن غسيل دماغ! أيًا كانت الحجة سواءً تعليمية، ثقافية أو دينية إنه محض غسيل الدماغ أن تعتقد النساء أنهن قاصرات وأنهن بحاجة لرجل”.
على سبيل المثال، الإسلام يجيز حق المرأة في اختيار من تريد الزواج منه إذا كان مسلمًا وخلوقا و”يحرم تزويج المرأة قسرًا لمن لا ترغب به “، هذا ما قاله مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في عام 2005 كتذكير للناس.
الشريعة تنصّ على أن مرتب المرأة من وظيفتها هو حق لها وليس لأي وصيّ الحق في أخذه منها حتى لو كان زوجها.
“سفانا ضحلان” تقول: “إذا كان يجب علينا تطبيق الوصاية الإسلامية فعلاً، فيجب على المرأة عدم صرف أي هللة من مرتبها، لأن الوصي هو المسؤول عن الإنفاق عليها من الألف إلى الياء”.
“سفانا ضحلان” محامية حاصلة على درجة الماجستير في القانون الإسلامي من خلال برنامج مشترك بين جامعة القاهرة والأزهر، تعيش في جدة بين عائلة ومحيط محب وداعم للنجاح على العكس من سارة، لكن لازالت تخضع لنظام فرض الوصاية، وحين عادت بشهادة القانون لم يتم الاعتراف بها من قبل الدولة لأنها ذهبت للدراسة بلا وصي! هذا ما أخبرتنا به في مقابلة حديثة.
سفانا ضحلان ذات الـ 37 عامًا شعرت بعبء وثقل نظام الوصاية عندما أنجبت طفلتها الثانية، وبينما كانت في المستشفى تحمل الرضيعة بين يديها سألتها ابنتها الكبرى عن أختها الصغرى ومتى ستكبر وماذا ستصبح؟ تقول سفانا “في هذه اللحظة مرّ شريط حياتي أمامي وتساءلت فورًا عما إذا كانت ستعاني ابنتي مثلي أم لا؟”.
كامرأة سعودية كانت تعلم جيدًا ان ابنتها ستعاني في مسألة الوصي مما سيعرضها لعوائق عديدة في مستقبلها.
أضافت أيضًا: لوهلة شعرت بالاختناق ! نظرة ابنتيّ لي عندما تكبران ستكون كمجرد زوجة مقموعة! وهذا جعلني أقرر ألا أسمح لأي من ذلك بالحدوث “.
ولأجل ذلك أصبحت سفانا شخصًا مختلفًا وقدوة حسنة لابنتيها كامرأة مستقلة وعاملة، الآن تترأس شركتين: الأولى “تشكيل” لاحتضان المشاريع الإبداعية، وبعد 13 سنة الآن حصلت على ترخيص لمزاولة المحاماة، وكونها مطلقة فالوصاية عادت لوالدها والذي – لحسن حظها – رجل متفتح و يدعم قرارتها دائمًا.
وعلى الرغم من ذلك أوضحت بأنه “من السخف أن أكون امرأة تبلغ من العمر 37 عامًا مستقلة ورائدة في مجال الأعمال، إلا أنني لازلت أحتاج لإذن من والدي في كل مرة أسافر فيها”.
أمهات بلا وصاية قانونية
“رشا الدوسي” مطلقة، تعمل في شركة خاصة ومحظوظة لحصولها على ولي أمر متفهم، تقول “عندما تطلقت عدت لمنزل والدي كما تنص العادات، لكن بعد فترة قررت العيش في شقة وحدي، عارض والدي الأمر في البداية لكنه وافق في نهاية الأمر، ليس من المعتاد أن تعيش امرأة وحدها على الرغم من عدم وجود قانون ينص على ذلك إلا أنه غير مقبول اجتماعيًا، وإذا أراد والدي أن أعيش معه فسيرغمني على ذلك إجباريًا عن طريق القضاء، هكذا الأمور في السعودية تعتمد على التقاليد وتلقى تأييدًا من السلطة على ذلك”.
رشا الدوسي توصلت لاتفاق عادل بينها وبين زوجها السابق لرعاية الأطفال، وهذا جنبها خوض غمار دوامة من المشاكل التي عادة ما تواجه المطلقات السعوديات فيما يخص رعاية الأطفال.
حسب تقارير Perpetual Minors فإن مفهوم الشريعة في السعودية يفيد بأن وصاية الأطفال تنتقل تلقائيًا للأب عندما يبلغ الذكر عمر التاسعة والفتاة عمر السابعة، وإن تمكنت المرأة من الحصول على حق الوصاية سيبقى الأب قادر على استعادة الوصاية متى شاء وحتى إن لم يفعل فسيبقى له حق التحكم بكل قرار يخص أبناءه.
القضاة على أية حال يمكنهم نقض تعاليم الشريعة كيفما أرادوا، على سبيل المثال، تقول رشا الدوسي: إذا رأى القاضي أن المرأة لا ترتدي العباءة المناسبة في نظره فقد يمنعها من الوصاية بحجة أنها لن تكون قدوة صالحة لأطفالها، القضاة دائمًا متحيزون دينيًا وثقافيًا للرجال؛ لذلك الوصاية غالبًا يحظى بها الأب”.
بالإضافة إلى أن المرأة قد لا تحصل على الطلاق في حال أن زوجها لا يريد ذلك.
“في حال أني أردت الطلاق وهو لم يرد ذلك فعلي أن أرد له المهر وأقوم برفع طلب في المحكمة وهذا يأخذ وقتًا طويلاً لكن في حال هو أراد ذلك بغض النظر عن رغبتي ووجهة نظري في الموضوع فسيقوم بإنهاء أوراق الطلاق في يوم واحد” رشا الدوسي.
في حالتها، قد أخبرتنا بأنها لم تتلق تنبيهًا من المحكمة بانتهاء دعوى الطلاق حتى!
“المضحك في الموضوع أني لم أذهب للمحكمة أثناء إنهاء إجراءات الطلاق، بل ذهب والدي وقام بالتوقيع على كل الأوراق .. هكذا ببساطة! حتى إن المحكمة لا تعلم في حال كنت على دراية بأمر طلاقي أم لا”.
تحسينات طفيفة لكن لنظام لازال باقيًا
الملك “عبد الله بن عبد العزيز” الذي تولى السلطة في عام 2005، قام بإدراج بعض التحسينات لصالح المرأة ، فقد سمح بإصدار بطاقات هوية للنساء، والسماح للمحاميات السعوديات بالدخول للمحاكم، كما قام بإصدار برنامج تثقيفي للقضاة الجدد حول إجراءات القضاء القانوني.
هذا جعل القضاة الجدد أكثر إنصافًا في إصدار أحكامهم تجاه المرأة، حسب قول المحامية العرجاني.
مجلس القضاء الأعلى السعودي أصدر قرارًا مؤخرًا بأن المرأة بعد الطلاق وحصولها على وصاية الأطفال بإمكانها الحصول على تخويل للتعامل مع الأوراق الحكومية وجعلها قادرة على تسجيلهم في المدارس والمرافق الحكومية الأخرى، وهذا الأمر لم تكن النساء قادرات على فعله سابقًا، وعلى الرغم من ذلك لازالت الأم لا تستطيع السفر خارجًا بأبنائها إلا بموافقة الوالد الذي لايزال الوصيّ الأول على أبنائه، أما النساء اللاتي لا يستطعن دفع تكاليف محامٍ جيد فلن يستطعن الحصول على الكثير من الحرية في وصايتهن على أبنائهن أو حتى استشارة قانونية مجانية.
من الواضح أن نظام الوصاية من غير المرجح أن يتم تفكيكه في أي وقت قريب لأنه متأصل جدًا في العقلية السعودية، تقول سفانا ضحلان “في النهاية أشعر أن المشكلة هي في العادات والتقاليد وليس الأنظمة، فحتى لو غيرنا القوانين ستبقى العقول نفسها ومعاملة النساء بشكل سيء ستبقى أيضًا.
سارة بعد طلاقها أصبحت تتلقى 850 ريالاً من الشؤون الاجتماعية أي ما يعادل 227 دولارًا شهريًا، حاولت أيضًا تسجيل ابنتها في الشؤون الاجتماعية حتى تتلقى إعانة شهرية لكنهم رفضوا ذلك لأن لديها والد وصي عليها ويتلقى مرتبًا شهريًا من الحكومة؛ لذلك سارة تفكر الآن برفع دعوى للمحكمة لتزيل وصاية زوجها السابق من ابنتها وتصبح هي الوصي الشرعي، على الرغم من أنها تعلم أن الأمر لن يكون سهلاً وسريعًا لكنها صرحت أنها ستفعلها على أية حال فليس لديها خيار آخر.
رحلة Caryle Murphy الأخيرة إلى السعودية كانت مدعومة من قبل مركز بوليتزر لتقرير الأزمة، لتكتب عن مستقبل المملكة بعنوان: السعودية بعيون عشرينياتها.
المصدر: جلوبال بوست