ترجمة وتحرير: نون بوست
مرة أخرى، تجاوز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحدود، متحديًا الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد لفرض قيود جديدة على سلطة القضاء الإسرائيلي والمضي قدمًا في حكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة.
لكن بعد سنوات من سياسة حافة الهاوية وإدارة الفوضوى من قبل الزعيم الإسرائيلي، يبدو الوضع مختلفًا. هذا هو الحقد والانقسام الناجم عن انتصار نتنياهو بالذات، لدرجة أن العديد من الإسرائيليين يتساءلون عما إذا كان الضرر اللاحق بالمجتمع قد لا يكون قابلا للإصلاح، وما إذا كان نتنياهو سيكون قادرًا على إدارة تداعيات المواجهة التي بدأها.
في اللحظات الأخيرة قبل التصويت؛ جلس نتنياهو بشكل ثابت بين اثنين من زملائه في الحكومة حيث تشاجر الرجلان مع بعضهما البعض – على ما يبدو حول ما إذا كانا سيقدمان تنازلاً في اللحظة الأخيرة – وصرخا في وجه زعيم الحزب كما لو كان غير موجود.
ومن حولهم في غرفة التصويت؛ صرخ نواب المعارضة الغاضبون بالإساءة إلى نتنياهو وحلفائه، محذرين إياهم من أنهم يدفعون “إسرائيل” نحو الخراب. وهتف أحد المعارضين قائلًا “أنتم حكومة الدمار” وهتف معارض آخر قائلًا “أنتم أعداء إسرائيل”.
لقد وفّر تمرير التصويت، بعد دقائق، لحظة نادرة من اليقين، بعد سبعة أشهر لم يكن واضحًا فيها في كثير من الأحيان، حتى بعد ظهر يوم الإثنين، ما إذا كان نتنياهو سيجرؤ حقًا على المضي قدمًا في اقتراحه الذي لا يحظى بشعبية، كما أدخل التصويت “إسرائيل” إلى غياهب المجهول.
وفي الداخل؛ تُرك نصف المجتمع يتساءل عما إذا كانت بلادهم – تحت سيطرة التحالف الذي يقوده نتنياهو من المحافظين الدينيين والقوميين المتطرفين – ستنزلق الآن ببطء إلى نظام استبدادي ديني.
وقال يوفال نوح هرار، مؤلف إسرائيلي ومؤرخ للإنسانية: “قد تكون هذه هي الأيام الأخيرة للديمقراطية الإسرائيلية. وقد نشهد صعود دكتاتورية يهودية متعصبة في إسرائيل، والذي لن يكون أمرًا فظيعًا للمواطنين الإسرائيليين فحسب، بل سيكون أيضًا أمرًا مروعًا للفلسطينيين، وللتقاليد اليهودية، وربما للشرق الأوسط بأكمله”.
وفي خطاب متلفز ألقاه في ذروة الاحتجاجات بعد ساعات من التصويت، عرض نتنياهو هذه المخاوف على أنها مثيرة للقلق، وأوضح قائلًا: “نحن نتفق جميعًا على أن إسرائيل يجب أن تظل ديمقراطية قوية. وأنها ستستمر في حماية الحقوق الفردية للجميع. وأنها لن تصبح دولة دينية. وأن المحكمة ستظل مستقلة”.
لكن بالنسبة للنقاد والمؤيدين على حد سواء، لا تزال هناك تساؤلات حول استقرار وقدرة القوات المسلحة الإسرائيلية، بعد تصاعد الاحتجاجات من جانب الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين.
ويلوح شبح الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية؛ بعد اندلاع الاضطرابات الحاشدة بين عشية وضحاها في المدن في جميع أنحاء البلاد، وحذر قادة العمال من إضراب عام، وأعلنت نقابة الأطباء عن خفض الخدمات الطبية طوال اليوم، وقالت شركات التكنولوجيا الفائقة إنها تفكر في الانتقال إلى اقتصادات أكثر استقرارًا، وفقًا لمسح جديد.
في الخارج؛ عزز التصويت مزيدًا من الغموض حول مستقبل تحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة، في أعقاب القلق المتزايد الذي عبرت عنه إدارة بايدن، ولقد زاد من عدم الارتياح في صفوف اليهود الأمريكيين بشأن مسار الدولة اليهودية.
وفي صفوف الفلسطينيين؛ أثار التصويت مخاوف من استيطان إسرائيلي أكثر جرأة في الضفة الغربية المحتلة، وهو مشروع عارضته المحكمة العليا الإسرائيلية في بعض الحالات، وفرض قيود أكبر على الأقلية العربية في “إسرائيل”.
على امتداد سنوات؛ وضع نتنياهو نفسه في مركز كل مواجهة سياسية، مما يعني في بعض الأحيان أنه كان كل ما يقف بين “إسرائيل” والكارثة، ولقد بدا وكأنه يتغلب على كل الصعاب.
ولكن صحة الرجل البالغ من العمر 73 سنة وقدرته على التحمل أصبحت حاليًا قضية وطنية، بعد شهور من الصراع السياسي الشاق والتصويت المثير للجدل الذي جاء بعد بعد 30 ساعة من مغادرته المستشفى لزرع جهاز تنظيم ضربات القلب.
وقد أثار مشهد الوزراء المتنافسين الذين كانوا يجادلون حول مدى سيطرة هذا المخضرم السياسي على تحالفه اليميني المتطرف. وعلى الرغم من الضغوط غير العادية التي يمارسها الرئيس جو بايدن، والاتهامات من 15 من قادة الأمن السابقين بأن القانون يهدد أمن “إسرائيل”، فقد مضى نتنياهو قدمًا بأمر من شركائه الأكثر تطرفًا في الائتلاف.
علاوة على ذلك؛ هناك محاكمة نتنياهو الجارية بتهمة الفساد. في هذا الشأن، يخشى المنتقدون أن يحاول نتنياهو إفشالها في الوقت الحالي بعد أن تضاءلت قدرة المحكمة العليا على معارضته، وهو ادعاء كان ينفيه منذ فترة طويلة.
جادل نتنياهو وأنصاره بأن القانون الجديد، يعزز الديمقراطية من خلال منح المشرعين المنتخبين استقلالية أكبر عن القضاة غير المنتخبين.
بالإضافة إلى ذلك؛ من المحتمل أن تندلع أزمة وجودية وشيكة للحكم الإسرائيلي. إذا استخدمت المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة الأدوات المتبقية الموجودة تحت تصرفها لعرقلة تطبيق القانون الجديد، فقد تُجبر مختلف أجزاء الحكومة الإسرائيلية على تحديد الجهاز الحكومي الذي ينبغي أن تمتثل لتعليماته.
في هذا السياق؛ قال أنشل فيفر، كاتب سيرة نتنياهو: “أعتقد أنه سيكون انتصارًا باهظ الثمن”، وأضاف قائلًا: “كل أسس المؤسسة الإسرائيلية، بما في ذلك حكومة نتنياهو، باتت أضعفت بسبب ما حدث”.
اعتبر بعض الإسرائيليين المحكمة بمثابة حصن ضد نظام لديه عدد قليل نسبيًا من الضوابط والتوازنات الأخرى، فالدولة لا تملك دستورًا ولايوجد سوى مجلس واحد فقط في البرلمان.
في المقابل؛ يجادل نتنياهو وأنصاره بأن القانون الجديد، الذي يمنع المحكمة من نقض الحكومة من خلال المعيار القانوني الذاتي المتمثل في “المعقولية” ، يعزز الديمقراطية من خلال منح المشرعين المنتخبين استقلالية أكبر عن القضاة غير المنتخبين.
كتب إيمانويل شيلو، محرر في منفذ إخباري يميني، معربًا عن “سعادته لأن أصواتهم لم تُرمى عرض الحائط في نهاية المطاف. وأن المسؤولين الذين انتخبوهم يقومون بشيء مع التفويض الذي منحوهم إياه”.
من جانب آخر؛ أصرت مصادر أخرى على عدم توقع حدوث تحولات كبيرة في المستقبل. ففي شأن ذي صلة، كتب شيمون ريكلين، مذيع تلفزيون يميني: “لا توجد ديكتاتورية وللأسف لن يتغير شيء في نظام العدالة”.
بالنسبة لحركة الاحتجاج العلمانية في إسرائيل، مثّل ذلك ضربة أخرى، لكنها ضربة اعتبرها الكثيرون دعوة لمواصلة القتال؛ حيث ساعد نضال الحركة الذي استمر سبعة أشهر لتأخير الإصلاح، من خلال المسيرات والتجمعات الأسبوعية، في إعادة تنشيط شريحة متميزة من المجتمع كان يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه غير مبالية أو راضية عن الاتجاه السياسي لإسرائيل.
من جانبها، صرحت ميرا لابيدوت، أمينة متحف ومن إحدى المتظاهرات بانتظام: “هذا نوع من العزاء، فهناك حاجة إلى اتخاذ قرار بشأن نوع الحياة التي تريد أن تعيشها”.
لكن أساس هذا التجديد هو الشعور بالخوف؛ حيث يضم ائتلاف نتنياهو وزير المالية الذي وصف نفسه بأنه فخور برهاب المثلية الجنسية، ووزير أمن أدين بالتحريض العنصري، وحزب أرثوذكسي متشدد اقترح تغريم النساء لقراءتهن التوراة في أقدس موقع في اليهودية.
بالنسبة للأقلية العربية في “إسرائيل”، التي تشكل ما يقارب عن خمس السكان البالغ عددهم تسعة ملايين، يبدو القانون وكأنه نذير حقبة جديدة خطيرة.
لعب المواطنون الفلسطينيون في “إسرائيل” دورًا هامشيًا فقط في المظاهرات المناهضة للإصلاح، خائفين من حركة الاحتجاج التي ركزت بشكل عام على الحفاظ على الوضع الراهن للدولة اليهودية بدلًا من القتال من أجل المساواة في الحقوق مع الفلسطينيين.
بايدن لا يريد الدخول في صراع مع نتنياهو. لكن من الواضح أنه لن يكون هناك أي توافق، ولا زيارات للبيت الأبيض
في هذا الإطار؛ أشار محمد عثمان، البالغ من العمر 26 سنة، وهو ناشط سياسي واجتماعي من بلدة نحف العربية في جنوب إسرائيل “يعتقد جزء من مجتمعنا أن هذه الحكومة مثل الحكومات السابقة وأن وضعنا الحالي سيء كما كان في السابق”. لكن عثمان يرى في الإصلاح الشامل تهديدًا حقيقيًا للأقلية العربية، حيث أوضح “سنكون أوّل من يتضرر”.
من جهة أخرى؛ سيلقي التصويت بظلاله على مستقبل علاقة “إسرائيل” بالولايات المتحدة التي ستكون مشحونة بالتوترات أكثر من المعتاد. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن تقدم ل”إسرائيل” ما يصل إلى 4 مليارات دولار كمساعدات عسكرية سنويًا وتمنح إسرائيل غطاء دبلوماسيًا حاسمًا في الأمم المتحدة.
لكن القانون الجديد أثار قلق العديد من المسؤولين بدءا من الرئيس بايدن. ففي الفترة التي سبقت إقراره، اقترح سفيران أمريكيان سابقان لدى “إسرائيل” شيئًا لم يكن من الممكن تصوره في السابق وهو إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية.
ومنذ فترة طويلة، اشتبك زعماء الولايات المتحدة، منذ عهد الرئيس دوايت دي أيزنهاور مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين. في هذا السياق؛ أوضح آرون ديفيد ميللر، الدبلوماسي الأمريكي السابق والوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، “أن هذه الأزمة بالذات مختلفة لأنها لا تتعلق بالسياسة الخارجية بل بطابع إسرائيل، مما يقوض تصور التحالف بين ديمقراطيتين متشابهتين في التفكير”، مضيفًا: “أول شيء يمكن القيام به هو عندما تكون في حفرة توقف عن الحفر”.
وأوضح ميللر قائلًا: “خلاف نتنياهو مع جو بايدن أصبح أعمق بكثير”، متابعًا: “بايدن لا يريد الدخول في صراع مع نتنياهو. لكن من الواضح أنه لن يكون هناك أي توافق، ولا زيارات للبيت الأبيض”.
المصدر: نيويورك تايمز