بدت العروس السورية نادين حزينة ووحيدة يوم زفافها، رغم أن أهلها وأصحابها يحيطون بها من كل اتجاه، يحاولون التخفيف عنها، وإضفاء سعادة مصطنعة على أجواء حفل زفافها البسيط، الذي غاب عنه عريسها المقيم في الخارج، بسبب ظروف التهجير القهرية التي دفعته للجوء قبلها من لبنان إلى بلجيكا.
نادين واحدة ممن كُتبت عليهن حياة الترحال في مخيمات اللجوء المعزولة في دول الجوار السوري، حيث ينتشر حوالي 6 ملايين شخص أُرغِموا على عبور الحدود باتجاه تركيا أو الأردن أو لبنان أو العراق، وهاجرت أعداد أقل منهم إلى مصر وبلدان مجلس التعاون الخليجي، بحثًا عن حياة بديلة لحياة المفقودة.
معاناة نادين تسلّط الضوء على مأساة مئات الآلاف من السوريات والسوريين في البلدان التي هاجروا إليها مرغمين، كحال 6.6 ملايين آخرين، مثل أوروبا وقارات أخرى، بسبب الحروب الأهلية والصراعات العسكرية التي خلّفت دمارًا هائلًا، فتحولت أعداد كبيرة منهم إلى لاجئين بل مهاجرين نظاميين وغير نظاميين.
قبل أن يصبح الداخل السوري مهيئًا لعودتهم، تشكو جموع من اللاجئين السوريين مؤخرًا من حملات ترحيل قسرية، بدلًا من بحث مشكلاتهم وتوفير احتياجاتهم ومساعدتهم إنسانيًّا، بعدما تحولت حياتهم فجأة منذ عام 2011 إلى نيران مشتعلة وبراميل متفجرة، تتساقط من السماء بعشوائية على رؤوس الضحايا.
تتنوع المعاناة المستجدة للاجئين السوريين ما بين اعتقال واحتجاز وترحيل تعسفي، حتى أن بعض هذه الإجراءات تتعارض مع ما تكفله القوانين المحلية والدولية في البلدان التي يقيمون فيها، بصفتهم ضحايا الحروب.
وسط هذه الأجواء، تختلط المعلومات بالإشاعات دون مراعاة لمصالح اللاجئين أنفسهم، إذ يزعم المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “عمليات الترحيل الجارية حاليًّا في تركيا -على سبيل المثال-، تشمل بعض ممّن يحملون وثائق الإقامة الشرعية، وأنها تتم بطرق خارج نطاق القانون”.
رغم المعلومات المتداولة حول عمليات ترحيل مجموعات من اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمال سوريا مؤخرًا، إلا أن الدوائر التي تروّج هذه المعلومات لا تقدم أي إحصاءات دقيقة للأعداد التي يتحدثون عنها.
هذه الملابسات ألقت بظلالها على جموع السوريين المقيمين في تركيا، كونهم العدد الأكبر بين اللاجئين، كما صنعت حالة من القلق المصحوب بالخوف، جراء عدم معرفة التداعيات المستقبلية على حياتهم الشخصية والأسرية في المناطق التي يقيمون فيها، نتيجة عدم معرفة شريحة كبيرة منهم بقانون “الحماية المؤقتة”.
يظهر القلق الأكبر لدى جموع السوريين المقيمين في العاصمة التجارية لتركيا، إسطنبول، لأن الكثير منهم يفضّل الإقامة فيها، وهو ما تعتبره السلطات التركية (مديرية الهجرة) أحد أشكال المخالفة، حتى إن كان صاحبها يحمل أوراقًا ثبوتية رسمية، إذ إن أوراقه لا تشمل التنقل في عموم البلاد، بل الولاية المسجّل فيها فقط.
تتعدد الروايات الصادمة والمؤلمة التي يروّجها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالتفريق بين أفراد الأسرة الواحدة خلال عمليات الترحيل، وهي الروايات التي تتقاطع معها أحزاب سياسية معارضة في تركيا، مثل حزب النصر والمستقبل وغيرهما، ويغذيها الإعلام المسيّس.
ورغم المعلومات المتداولة حول عمليات ترحيل مجموعات من اللاجئين السوريين (بعد وضعهم لفترات في مراكز احتجاز ومراكز الترحيل القريبة من الحدود) من تركيا إلى شمال سوريا مؤخرًا، إلا أن الدوائر التي تروّج هذه المعلومات لا تقدم أي إحصاءات دقيقة للأعداد التي يتحدثون عنها.
حقوق وواجبات
يؤكد المحامي والحقوقي حسين صالح لـ”نون بوست” أن “معظم السوريين المقيمين في تركيا ليس لديهم صفة اللاجئ بالمعنى القانوني، كون تركيا ليست ضمن دول اللجوء إنما تمثل محطة مؤقتة للاجئين، لحين توفير بلد المستقر للاجئين، ووصفهم القانوني أنهم خاضعون لبند الحماية المؤقتة”.
أضاف صالح: “هناك أيضًا شريحة من السوريين الموجودين في تركيا لديهم إقامات عادية أو سياحية أو صحية أو تعليمية أو تجارية أو عائلية، يحصلون عليها بعد دخولهم البلاد بشكل طبيعي، بموجب فيزا دخول تصدرها سفارات تركيا في الخارج، بينما حمل بطاقة الحماية المؤقتة يمنح صاحبها بعض حقوق اللاجئ، وليس كل الحقوق”.
لكن -والكلام للحقوقي حسين صالح-، فإن “من يحمل من السوريين في تركيا بطاقة الحماية الدولية المؤقتة، لا يعدّ من المهاجرين غير الشرعيين، ولا يجب شموله بإجراءات الترحيل، كما أن من غادروا الولايات التركية المسجلين فيها، يجب إعادتهم إلى الولايات ذاتها، وليس ترحيلهم خارج البلاد”.
يطالب كذلك الحقوقي حسين صالح الجهات المعنية بـ”تطبيق الإجراءات النظامية، بإخضاع عناصرها الرسمية لدورات تثقيفية وتعريفية، لضمان عدم وجود مخالفات وانتهاكات أثناء قيامهم بأعمالهم، وضرورة إعلاء القانون والالتزام بضبط النفس واحترام حقوق الإنسان وعدم استخدام العنف مع الموقوفين”.
زاوية أخرى
الناشط السوري أحمد قطيع، يلفت النظر إلى زاوية أخرى بقوله: “ما يحدث الآن مع اللاجئين السوريين مخاوف غير مبررة مصدرها الإعلام المسيّس، رغم وقوع بعض التجاوزات، إلا أن العمل على تصحيح تلك التجاوزات جارٍ حاليًّا من قبل الجهات المعنية التي تحاول ضبط الأوضاع”.
يوضّح قطيع أنه “تم التواصل مع السلطات التركية عبر منظمات مجتمع مدني سورية وناشطين حقوقيين لوضع المسؤولين بصورة ما يجري من بعض التجاوزات، وقد استجابت السلطات التركية لذلك، لا سيما ترحيل بعض السوريين خارج إطار القانون، ومن ثم التخوفات أكبر بكثير ممّا يحصل على أرض الواقع”.
كما يرى قطيع أن “أي دولة في العالم من حقها مكافحة الهجرة غير الشرعية، إلا أن للسوريين وضعًا خاصًّا، ممثَّل في وضع قانون الحماية المؤقتة الذي تمّ اعتماده في البرلمان الأوروبي والبرلمان التركي عام 2013، الأمر الذي يمنحهم شرعية البقاء على الأراضي التركية، على عكس غيرهم”.
نبّه قطيع أيضًا إلى أن “السلطات التركية استجابت لنداءات ومناشدات الحقوقيين، وقامت ضمنيًّا بالتعديل على آلية التعامل مع السوريين وتمييزهم عند تطبيق القانون، وسنشهد تلك التغييرات الإيجابية خلال الأيام القادمة، لكن النصيحة الأهم على الإطلاق من السلطات للسوريين هي الالتزام بالقانون”.
وينصح قطيع بـ”ضرورة معرفة السوريين في تركيا بقانون الحماية المؤقتة، خاصة ما يتضمنه من التزامات قانونية، وعدم ارتكاب المخالفات التي تؤدي في نهاية المطاف لجعل المهاجر السوري منتهكًا للقانون، وعرضة للمساءلات والمخالفات الإدارية والقانونية التي تصل حدّ الترحيل”.
الموقف الرسمي
كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن “ضبط 36 ألف مهاجر غير شرعي خلال الستة الأشهر الماضية، رحّلنا 16 ألف مهاجر مخالف، ونأمل في حل مشكلة الهجرة غير الشرعية وفقًا لثقافتنا ومعتقداتنا وقانوننا وإنصافنا، لقطع الطريق على استغلال المشكلة بالصورة التي تم استغلالها خلال فترة الانتخابات”.
وقبل أيام، قال وزير الداخلية التركي، على يرلي قايا، في تصريحات متفرقة، إن عمليات مكافحة الهجرة غير النظامية من أولويات حكومته في جميع الولايات، ولا تهاون مع العناصر التي دخلت البلاد بطرق غير نظامية، بغضّ النظر عن جنسيتها، وسيجري تقليص أعداد المهاجرين غير النظاميين بشكل كبير خلال الأشهر القليلة القادمة.
وكشف الوزير عن أن “العناصر المخالفة يتم إحالتها إلى مديرية الهجرة لإصدار قرار الترحيل، وسيتم منع المخالفين من دخول تركيا مستقبلًا، ضمن جهود نظامية لضبط وتصحيح الأوضاع، وتعزيزًا للأمن العام في البلاد، وأن وقوع بعض الأخطاء خلال الحملات الانضباطية وارد، لكنه لا يعبّر عن جهود الوزارة أو الجهات التابعة لها”.
ونبّه الوزير إلى أن “الحكومة التركية تستخدم برامج دعم العودة للمنظمات الدولية بشكل فعّال في مكافحة الهجرة غير النظامية”، فيما قال والي إسطنبول، داوود غول (الأكثر تطبيقاً للإجراءات الانضباطية): “لن نسمح لأي أجنبي غير مسجّل بالبقاء أو الإقامة في المدينة، وترحيل المقيمين غير الشرعيين خارج البلاد فور ضبطهم”.
تشير التصريحات الصادرة عن الجهات المعنية، أن الحملات الانضباطية تستهدف “عناصر دخلت البلاد بطرق غير شرعية، والشريحة التي انتهت صلاحية بقائها الرسمية في تركيا، وبعض العناصر التي تحايلت لتغيير مكان إقامتها، عبر الانتقال من ولاية إلى ولاية أخرى دون إخطار السلطات الرسمية، ومن يمارسون بعض المهن من دون ترخيص رسمي”.
وتعمل السلطات التركية، وفق مصادر “نون بوست”، على خطة مزدوجة، “محورها الأول إعادة النظر في ملف اللاجئين عمومًا، وهو أمر لا يقتصر على جنسية بعينها، من خلال تطبيق خطة نظامية شاملة تشمل حصر الأعداد الحقيقية، وخريطة انتشارها، ووضعها القانوني من عدمه”.
ويشمل “المحور الثاني العمل على استكمال خطة العودة الطوعية، التي تستهدف إعادة حوالي مليون لاجئ إلى شمال سوريا، وفق جدول زمني لم يتم الإعلان عن مراحله حتى الآن، لكنه يرتبط بتفعيل القوانين والتشريعات واللوائح التنفيذية المتعلقة بملف اللاجئين”.
العودة طواعية
تتوسّع تركيا خلال الفترة الأخيرة في برنامج “العودة الطوعية”، من خلال نقل الراغبين من اللاجئين السوريين في العودة إلى بلادهم تحديدًا، إلى تجمعات سكنية بمناطق شمال سوريا ضمن مشروع “إعادة التوطين” الحكومي، ويشمل مشروع “إعادة التوطين” عودة مليون سوري “طواعية” إلى منطقة عازلة موسّعة شمال سوريا.
تجري هذه العملية، عبر تمويل استحداث ملاجئ وبيوت مناسبة لاستقبال السوريين في “المناطق الآمنة” بمساعدة دولية، ودعم منظمات مدنية تركية (الهلال الأحمر، ومؤسسة الإغاثة الإنسانية، ووقف الديانة التركي)، حيث ينفَّذ في 13 منطقة، تتصدرها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين.
ويجري تنفيذ برنامج “العودة طواعية” بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق، بموجب اتفاق تمَّ التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، فيما تواصل الحكومة التركية العمل على حل الأزمة، في ظل الضغط الشعبي والأعباء الاقتصادية وحماية حقوق اللاجئين، عبر مساعدتهم على العودة إلى أوطانهم طواعية.
وتعمل تركيا على اعتماد آلية منظمة لضمان العودة الطوعية للاجئين، وهو محور تفاوض مع الحكومة السورية (برعاية روسية) يسمح للعائدين باستعادة أملاكهم والحصول على ضمانات بشأن حقوقهم، لكن لا تزال هذه الآلية مرتبطة بإنهاء الحرب الأهلية.
غير أن المعارضة التركية تواصل مزاعمها، من خلال تصريحات سياسية مفادها أن “الرئيس التركي يحاول توظيف اللاجئين عمومًا، والسوريين على وجه الخصوص، في ممارسة دور خارجي خلال الأزمات التي تعيشها بلدانهم، واستغلالهم في الحصول على تمويلات دولية خاصة من الاتحاد الأوروبي”.
تحريض سياسي
توظف المعارضة التركية ملف اللاجئين في التحذير من تأثيرهم على الوضع الديموغرافي السكاني والأزمات الاقتصادية، وتبالغ المعارضة (أحزابًا وقيادات سياسية) في تقدير أعداد اللاجئين السوريين، إذ زعم رئيس حزب النصر القومي المتشدد، أميت أوزداغ، أن “عدد السوريين يزيد عن 8 ملايين”، وهي المبالغة التي حاول مرشح الرئاسة السابق، كمال كليجدار أوغلو (رئيس حزب الشعب الجمهوري)، توظيفها خلال انتخابات الرئاسة.
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (في 20 يناير/ كانون الثاني 2023)، إن “عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في تركيا حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بلغ 3 ملايين و535 ألفًا و898 لاجئًا”، فيما استضافت تركيا خلال السنوات الـ 11 الأخيرة حوالي 6 ملايين لاجئ، بعضهم غادر البلاد.
وفق تقديرات المديرية العامة لشؤون السكان والمواطنة، وصل عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية إلى 221 ألفًا و671 سوريًّا (منهم 125 ألفًا و563 شخصًا فوق سن الـ 60 عامًا)، من بين 3 ملايين و528 ألفًا و835 سوريًّا مسجّلين على نظام الحماية المؤقتة (الكمليك) في تركيا.
ونظام الحماية المؤقتة عبارة عن آلية توفرها الحكومة التركية للاجئين وعديمي الجنسية، والمواطنين السوريين الذين دخلوا تركيا بسبب الصراع في سوريا منذ 28 أبريل/ نيسان 2011 طلبًا للحماية، وهؤلاء لا تتم إعادتهم إلى بلادهم ما لم يطلبوا ذلك بأنفسهم.
وينص القانون في تركيا على “توفير الحماية المؤقتة للأجانب الذين أُجبروا على مغادرة بلادهم ولا يمكنهم العودة إلى البلاد التي غادروها، وقد وصلوا إلى تركيا أو عبروا حدودها باندفاع جماعي باحثين عن الحماية العاجلة والمؤقتة”، مع منع إجبارهم على العودة.
وترصد المديرية العامة لإدارة الهجرة (مؤسسة حكومية) أعدادهم، وتشمل الحماية المؤقتة جميع اللاجئين السوريين، حتى غير القادرين على تقديم أي وثائق ثبوتية من سوريا، وبموجب الحماية تضمن لهم تركيا الحق في البقاء، حتى يتم التوصل إلى حل دائم لوضعهم، وحمايتهم من العودة القسرية، والتمتع بحقوقهم.
ويجري عبر هذه الآلية توفير احتياجاتهم الأساسية (صحيًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا، فضلًا عن الدعم النفسي والوصول إلى سوق العمل)، وتعدّ إسطنبول الوجهة الأولى للمشمولين بهذه الرعاية، ثم ولايات ومدن غازي عنتاب وشانلي أورفا وهاتاي وأضنة ومرسين وبورصة وإزمير وكيليس وقونية.
حسب بيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، تستقبل مدينة إسطنبول العدد الأكبر من اللاجئين، من بينهم أكثر من 530 ألف لاجئ سوري، في المرتبة الثانية تأتي غازي عنتاب التي تستقبل أكثر من 450 ألفًا، كما تستقبل مدن أورفا وهاتاي ومرسين وبورصة وإزمير وأنقرة أعدادًا كبيرة من اللاجئين.
مشكلة اللاجئين
تسبّبت الصراعات (متعددة الأشكال) في منطقة الشرق الأوسط في إرغام ملايين الأشخاص على مغادرة أوطانهم (حوالي 40% من إجمالي 60 مليون لاجئ عالمي)، الأمر الذي يشكّل ضغطًا على الدول المضيفة، خاصة تركيا، في ظل ما تصدره أحزاب المعارضة من مخاوف تصل حدّ التحريض والتهديدات المباشرة.
وبموجب تعاون مشترك (صفقة) بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وافقت تركيا على استعادة طالبي اللجوء قبل أن تظهر أزمة اللاجئين في البلاد، ورغم المعاناة النسبية لشرائح من السوريين في تركيا، إلا أن أوضاعهم الإنسانية ونوعية الحياة العامة أفضل إلى حد كبير، على عكس دول في الجوار تستضيف أعدادًا من اللاجئين.
ويساوي القانون التركي بين من يحملون الجنسية الأصلية والمكتسبة، وهو ما يظهر من واقع الوثائق الرسمية (جواز السفر والهوية الوطنية) والحقوق والواجبات، ومنذ تأسيسه عام 2001 تبنّى حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان، استراتيجية تعزز الهوية الإسلامية وترسّخ للاندماج مع دول الشرق الأوسط.
ومنذ عام 2011، تدفق ملايين اللاجئين على تركيا ردًّا على تضامن الحكومة والحزب الحاكم مع الشعوب العربية، لأبعاد إنسانية قبل أن تكون سياسية، سرعان ما تحولت إلى أهداف استراتيجية، عبر دمجهم في المجتمع التركي بصور شتى، وقال أردوغان: “أنفقنا أكثر من 40 مليار دولار على السوريين”.
تعهّد أردوغان أمام المجتمع الدولي بقوله بأنه “لن يرحّل اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالقوة. سنحمي حتى النهاية أخواننا المطرودين من سوريا بسبب الحرب. لن نطردهم أبدًا من هذه الأرض. سنعمل جاهدين على توفير الأمن والاستقرار في سوريا، من أجل خلق بيئة مناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”.
العودة “المشروطة”
لا خلاف على أن عودة اللاجئين إلى بلدانهم حق أصيل، وضرورة حتمية مهما طالت مدة البُعد أو الإبعاد، لكن تتوقف مراحل تطبيق العودة الطوعية على توفير البنية الأساسية للأعداد المستهدفة (خاصة المنازل والخدمات المعيشية)، قبل الشروع في إعادتهم إلى شمال سوريا.
صحيح أن المنافذ الحدودية الرئيسية بين تركيا وسوريا (باب السلامة وباب الهوى وتل أبيض والراعي ورأس العين) مفتوحة، ويتواصل التمهيد التركي لتوفير مناطق آمنة عبر الشريط الحدودي، خاصة في ظل أنشطة الفصائل الكردية المسلحة، وبعض الجماعات الإرهابية التي تنشط على تخوم المناطق المقترحة لتوطين اللاجئين السوريين.
لكن حتى مع مضاعفة الاستثمارات التركية في حوالي 13 منطقة مقترحة، للإنفاق على قطاعات الإسكان والصحة والتعليم، فإنها تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تبدو بيئة مناسبة لعودة اللاجئين السوريين وصالحة، حتى أن الأمم المتحدة تؤكد أن “سوريا لا تزال بلدًا غير آمن لعودة اللاجئين”.
في المقابل، يبدو الرئيس أردوغان (وحكومته وأغلبيته البرلمانية) في موقف شديد الحساسية، كونه يرغب في الوفاء بتعهّداته المتعلقة بـ”حماية وتأمين اللاجئين”، بينما تواصل المعارضة توظيف ملف اللاجئين (لا سيما السوريين) قبل الانتخابات المحلية (البلديات) في مارس/ آذار المقبل، بما تمثله من أهمية وسخونة لن تقلّ عن أجواء الانتخابات العامة الأخيرة في مايو/ أيار الماضي.
وخلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة، أدّت حدة الاستقطاب السياسي واعتماد الشعبوية في الخطابات الانتخابية إلى تصاعد العنصرية تجاه اللاجئين، خاصة السوريين، بعد اتفاق معظم الفرقاء السياسيين على ضرورة الانتهاء من ملف اللجوء، كل وفق برنامج وعدَ قاعدته الانتخابية به، فهل تتغير الصورة المغلوطة؟