على “يوتيوب” و”تيتكوك” و”إنستغرام”.. لا يخلو أسبوع من ضخ مقاطع فيديو ترصد الحياة اليومية الهادئة والمعالم الأثرية الساحرة في المحافظات السورية التي يسيطر عليها النظام، من قبل منشئي المحتوى المؤثرين والمشهورين من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
تستعرض تلك المقاطع المصورة “الأجواء الآمنة” في سوريا الأسد، ضمن بروباغندا ممنهجة تهدف إلى استجلاب السياح من بلدان عربية وأجنبية، متجاهلة الواقع الأمني المرعب الذي يهيمن على البلاد بطولها وعرضها، والظرف الاقتصادي القاسي.
ورغم أنه يصعب إثبات ضلوع جميع السياح والمؤثرين الذي يقدمون إلى سوريا ويصوّرون “الحياة الجميلة” فيها بأنهم يخدمون عمدًا وعن سابق إصرار نظام الأسد، لكنهم يقدمون لجمهورهم الصورة (البروباغندا) التي يريد بشار ونظامه إقناع العالم بها، بقصد أو بدون.
سوريا غير آمنة للسياح
كرّست حكومة النظام السوري خلال العامَين الماضيَين جهودها لدعم المشاريع السياحية في عدد من مناطق البلاد، من خلال إعادة تأهيل الفنادق والمنتجعات والمطاعم في القطاعَين العام والخاص، ودعم المستثمرين وتقديم تسهيلات لتنفيذ مشاريع استثمار سياحية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أطلقت وزارة السياحة ملتقى الاستثمار السياحي في العاصمة دمشق، وطرحت خلاله نحو 25 مشروعًا معدًّا للاستثمار السياحي في البلاد، بهدف تأسيس رؤية جديدة للترويج الاستثماري للمباني والمواقع والأراضي المعروضة للاستثمار السياحي، أمام المستثمرين الوطنيين والمغتربين العرب، حسب ما نقلت وكالة “سبوتينك” عن وزير سياحة النظام محمد مرتيني.
كما أعادت وزارة السياحة تأهيل عدد من المواقع السياحية الساحلية خلال العام الحالي، من بينها شاطئ الكرنك الغربي في طرطوس، إضافة إلى تطوير موقع منتجع لابلاج العائلي في وادي قنديل بمحافظة اللاذقية، إضافة إلى شاطئ حميميم، فضلًا عن تطوير محيط منتزه الجولان السياحي على سدّ المنطرة في القنيطرة.
لكن تلك الجهود والمساعي، لم تمنع تعرّض سياح للاحتيال من قبل الأدلّاء السياحيين وشركاتهم، تلك الشركات التي تروّج لفنادق ومنتجعات سياحية وتكاليف إقامة رخيصة، فيما تختلف أماكن الحجوزات وتكاليف الرحلات عمّا ذُكر في الإعلانات.
الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، يرى أن مقومات السياحة غير متوفرة في سوريا، رغم المساعي الحثيثة لتوفيرها من قبل حكومة النظام، إذ تبدو أقل ممّا هي عليه، وسرعان ما تنكشف تلك الهالة الإعلامية فور وصول السائح إلى البلاد.
السياحة في سوريا.. بنية تحتية متهالكة
وقال السيد عمر في حديثه لـ”نون بوست”: “إن قلة المحروقات تعدّ عقبة رئيسية في وجه السياحة، فضلًا عن مشكلة النقل التي تعاني منها البلاد أساسًا، وإصدار بطاقة إلكترونية خاصة بالسياح لتعبئة الوقود آلية غير عملية، كون محطات الوقود المخصّصة للسياح محدودة”.
وأضاف: “يوجد مشكلة كبيرة تهدد قطاع السياحة، رغم هدوء الوضع العسكري، لا يزال الوضع الأمني غير مستقر بشكل كافٍ، في ظل تعدد مشارب الميليشيات وفرض سطوتها”.
تنتشر في المحافظات السورية ميليشيات إيرانية ولبنانية ومحلية، شاركت إلى جانب النظام في قتل السوريين المعارضين له، تحولت لاحقًا إلى ميليشيات تنشط في تجارة المخدرات والبشر، لا سيما في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية سابقًا، مثل أحياء حلب الشرقية وريف دمشق وحمص ودير الزور وحماة.
ويعدّ وجود الميليشيات سببًا رئيسيًّا في تردي الواقع الأمني ومضاعفة الجريمة وانتشارها، مع زوال الدور الفعلي لمؤسسات الدولة، ما جعلها تقوى على أن تكون ذات فاعلية تحقق مكاسبها دون الحاجة إلى داعميها، ما يهدد السكان أولًا والسياح خلال تعرضهم لمخاطر عديدة، على رأسها الاختطاف والاختفاء.
حذرنا مرارًا من مغبة تصديق يوتيوبرز يروجون للسياحة في سورية بهدف تجميل صورة النظام .
راكان أبو يوسف فلسطيني من بلدة صانور جنوب جنين، ذهب إلى سوريا قبل عيد الأضحى بغرض السياحة وبعد دخوله الحدود انقطعت أخباره. #لاتطلعوا_على_سورية pic.twitter.com/HSxV1nOF2T— Mahmoud Zaghmout (@MDZaghmout) July 16, 2023
وبحسب رصدَ “نون بوست”، فإنّ المرسسات الأمنية شاركت بدورها في إسارة معاملة السياح، عبر اعتقالهم أو خطفهم رغم أن جنسياتهم غير سورية.
ويضطر السياح، مثل السوريين، إلى دفع أموال عبر أقاربهم للمؤسسات والميليشيات ذاتها مقابل خروجهم من المعتقلات ومغادرة الأراضي السورية، بيد أنه لا يمكن سوقهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية.
وفي 27 يونيو/ حزيران، فُقد الاتصال بشابَّين أحدهما أردني يدعى علي عماد الفتياني، والثاني فلسطيني يحمل الجنسية الأردنية يدعى راكان رشاد محمود، في ساحة السبع بحرات في العاصمة السورية دمشق، بعد ساعات من دخولهما البلاد بهدف السياحة، حسب ما كشف موقع “أخبار الأردن” في 10 يوليو/ تموز.
ذهب إلى “سوريا الآمنة” للسياحة فاختفى منذ عيد الأضحى حتى الآن.. والد شاب أردني يروي تفاصيل اختفاء ابنه من قلب #دمشق وتقاعس النظام السوري والأردني عن مساعدته#سوريا_ليست_آمنة_للسياحة pic.twitter.com/i0lbmt5svx
— نون بوست (@NoonPost) July 18, 2023
ونقل الموقع عن شقيق الشاب الأردني، أن شقيقه اُختطف من قبل ميليشيات مسلحة في العاصمة السورية دمشق، ما دفع والده إلى الذهاب إلى سوريا بعد مراجعة وزارة الخارجية الأردنية، والسفارة الأردنية في دمشق، وقصر العدل والأمن الجنائي، والمركز الأمني في المرجة (وسط دمشق)، دون أي نتيجة حقيقية، حيث وضعت تلك الجهات أمامه عثرات في الوصول إلى نجله.
ولا تعدّ تلك الحادثة الأولى، فهناك الكثير من الحوادث المتكررة التي يتعرض لها السياح في سوريا، فقد اُختطف الأردني عبد الكريم قطيش الفاعوري (67 عامًا)، بعد دخوله سوريا في يناير/ كانون الثاني بهدف السياحة من قبل ميليشيا مسلحة تابعة للنظام، وطالب الخاطفون بدفع مبلغ 100 ألف دينار أردني مقابل الإفراج عنه، لكن ذويه أكدوا إطلاق سراحه دون دفع أي نقود، بعد تدخل الأردن والنظام السوري.
وتغيب الإحصائيات الرسمية لأعداد السياح المفقودين في سوريا، سواء من حكومة النظام أو من حكومات بلدانهم، لا سيما السياح الأردنيين الذين تبلغ أعدادهم بالعشرات، حيث فُقد التواصل معهم عقب دخولهم الأراضي السورية منذ سيطرة النظام على الجنوب السوري، وإعادة افتتاح المعابر الحدودية مع الأردن.
انا حصلت معي شخصيا انا فلسطيني من سكان لبنان سافرت لسوريه لاول مره بحياتي من كندا واخدت فيزا من القنصليه السوريه ولما وصلت عمطار دمشق قالولي اسم على اسم وحجزوني عدة ساعات لحد ما احد اقربائي جاب مسؤول ودفعنا مصاري لقدرت طلعت نظام بيلفق تهم حتى لو كنت اول مره بتدخل سوريه
— Ali (@Ali48270960) July 16, 2023
ويؤكد الصحفي قتيبة ياسين، أن أبرز ما يواجه السياح القادمين إلى سوريا الانفلات الأمني في مناطق سيطرة النظام، وسط تنوع الميليشيات والجهات الحاكمة التي لا تخضع لسلطة مركزية واحدة، في وقت لا يستطيع النظام ضبطها والتعامل معها في ظل التنازع فيما بينها، ما يهدد سلامة السياح.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن عمليات الاحتجاز التي تطال بعض السياح، تنفّذها مؤسسات أمنية حتى توفر دخل مالي خاص بها في وقت غياب قدرة النظام على تغطية احتياجاتها، ذلك مقابل إطلاق سراح المحتجز، وإرساله خارج الأراضي السورية، حيث يضطر ذوي المعتقلين إلى دفع أموال طائلة لقاء ذلك”.
وأضاف: “إن عمليات اختطاف واختفاء بعض السياح ضمن الجولات السياحية تنفّذها ميليشيات وعصابات مسلحة تابعة للنظام بشكلها الضمني، وليس بالضرورة أن تكون تابعة بشكل تراتبي لمؤسسات الدولة الأمنية، في حين تطلب الميليشيات الفدية مقابل تسليم السائح لذويه”.
وأوضح أن السياح يجهلون الواقع الأمني المنهار في البلاد، والذي يعرض حياتهم للخطر فور دخولهم الأراضي السورية، على عكس ما تصوره الحكومة عبر المؤثرين من صنّاع المحتوى أو التقارير الإعلامية الممولة أو تصريحات المسؤولين.
السياحة.. بروباغندا منظَّمة
يعدّ قطاع السياحة من القطاعات الهامة في سوريا، ما يفسّر عناية حكومة الأسد به، لاعتباره من أبرز مصادر الاقتصاد السوري قبل الحرب، بعدما كان عدد السياح الذين يقصدون سوريا في يناير/ كانون الثاني 2011 قرابة 6 ملايين سائح، في حين انخفض إلى أقل من 400 ألف عام 2015، لتتراجع عوائد السياحة بنسبة 98% حسب مصادر حكومية.
لا تبدو فكرة ترويج السياحة في سوريا أمرًا اعتباطيًّا، في وقت تعمل حكومة النظام مستغلةً كل الفرص وجعل القطاع من أولوياتها، إذ يساهم في رفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي بشكل مباشر، من لحظة دخول السائح.
في مشهورة سورية مواليد السعودية معروفه مره بالسعودية شفتها الحين راحت سوريا صار لها اربعه ايام الغريب وانا تطلع لي بالسناب ولا مره طلعت زارت اهلها في سوريا او قالت انا معزومه عند احد كل وقتها بالفنادق اربعه نجوم انتي في وطنك ليش عايشه من فندق ل فندق واضح ترويج للسياحة
— 💞 (@NotHerAgainDamn) July 11, 2023
وتتبّع “نون بوست” نشاط شركات السياحة والسفر في سوريا والدول المجاورة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستهدف الجمهور السوري والعربي، في تنظيم رحلات السياح إلى المواقع السياحية في سوريا، من بينها شركات استعادت نشاطها بعد عام 2018 وأخرى خلال العام الحالي، حيث كان لها دور بارز في المساهمة في النشاط السياحي، بعدما منحتهم وزارة السياحة تراخيص جديدة وأغلقت مكاتب السياحة والسفر المخالفة.
وفي يونيو/ حزيران، انطلقت شركة “فري بيرد” بالعاصمة السورية دمشق كوكيل لشركة “البحر المتوسط” اليونانية، حيث تعمل الشركة على ربط أوروبا بسوريا عن طريق أثينا، بمعدل رحلة واحدة أسبوعيًّا تربط بين دمشق وأوروبا والعكس، وتيمثّل تدشين هذه الشركة خطوة لفتح قنوات اتصال مع أوروبا من خلال السياحة.
بالتوازي مع التسهيلات التي قدمتها وزارة السياحة في إعادة النشاط السياحي، تسعى زوجة رأس النظام السوري، أسماء الأسد، من خلال حملات العلاقات العامة، إلى استقطاب مؤثري يوتيوب وتيكتوك للسياحة في سوريا، ممهّدة الطريق أمام ملايين المتابعين لزيارة سوريا.
وتُقاد حملات ترويجية بالتعاون مع عشرات المؤثرين المتخصصين بالسفر ورصد طبيعة الحياة، ومحتوى المعالم الأثرية والتاريخية، ومحتوى الأطعمة وغيرها، من بلدان عربية مختلفة على رأسها الأردن ولبنان، وبلدان أجنبية من الولايات المتحدة وأيرلندا وفرنسا وأمريكا، فضلًا عن المؤثرين والمشهورين السوريين.
وفي السياق، عززت الحملات الترويجية دور الشركات السياحية في مناطق النظام، من خلال التنسيق مع المؤثرين لزيارة البلاد مقابل أموال، فضلًا عن تقديم تسهيلات شريطة إظهار سوريا كما تريد أجندة النظام إظهارها.
ويؤكد الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر خلال حديثه لـ”نون بوست”: “أن حملة العلاقات العامة التي تقودها أسماء الأسد عبر الشركات السياحية، لاستجلاب المؤثرين والمشهورين لزيارة سوريا، حققت نتائج مقبولة ضمن القطاع السياحي في سوريا، من خلال التشجيع على السياحة، ما أسهم في استجلاب آلاف السياح إلى سوريا، بينهم جنسيات عربية وأجنبية، فوجئوا بنقل المؤثرين لما هو منفصل عن الواقع تمامًا”.
ويواجه صنّاع المحتوى القادمون إلى سوريا من بلدان عربية وأجنبية مشكلة التخطيط والتنظيم للرحلات السياحة، كما تجري العادة في رحلاتهم، ما يضطرهم إلى الاستعانة بالشركات التي تنسّق معهم لزيارة البلاد، والتي توفّر لهم كافة احتياجاتهم إلى جانب “الدليل السياحي”.
وتتوكل الشركة عبر دليلها السياحي مهمة مسار الرحلة التي يريد تصويرها “اليوتيوبر”، ويختار الدليل السياحي أماكن الإقامة كالفنادق والمنتجعات، والمناطق التي سيمرّ بها خلال الرحلة، ما يجعل “اليوتيوبر” يصور المشاهد التي وُجه إليها فقط، ما يتيح للجهة المنظمة للرحلة التحكم بما سوف يراه ويبثّ للمتابعين.
ويوثق “اليوتيوبر” جميع تنقلاته مستعرضًا جولاته على طرق السفر والمناطق السياحية، رفقة الدليل السياحي الذي يروي دعاية النظام السوري كلما مرّوا خلال الرحلة ضمن منطقة مدمرة تظهر واقع البلاد الحقيقي، حيث يبادر بالقول إنها “دُمّرت من قبل الإرهابيين”.
وتوظف الجهات المنظمة لرحلات صنّاع المحتوى في سوريا، بشكل غير مباشر، حلقات صانع المحتوى في الترويج للسياحة في سوريا، دون شعوره بالغاية الرئيسية التي تحققها من الرحلة إلى سوريا، لأن ما يظهره “اليوتيوبر” المناطق التي لم يطالها الضرر، وفي حال استعرض مناطق مدمّرة فإن المبررات موجودة بشكل تلقائي، ما يثبت بروباغندا النظام في تصدير “سوريا الآمنة”.
إحصائيات السياح متضاربة
تتوقع وزارة السياحة في حكومة النظام وصول عدد القادمين إلى سوريا، خلال العام الحالي، إلى 2.5 مليون، على أن يكون عدد السياح أكثر من 700 ألف شخص من جنسيات سورية وعربية وأجنبية، بحسب ما نقلت صحيفة “الوطن” الموالية نهاية مايو/ أيار الماضي عن وزير السياحة محمد مرتيني.
بينما توقعت مديرة التسويق والإعلام السياحي في الوزارة، ربى صاصيلا، أن يصل أعداد السياح خلال العام الحالي نحو مليون سائح، مشيرة إلى زيادة أعداد السياح في الربع الأول لهذا العام بنسبة 30% عن السنوات الماضية، وأن العدد وصل إلى 385 ألف سائح، منهم 40 ألفًا من عدد السياح أجانب غالبيتهم من إسبانيا وهولندا.
في المقابل، تؤكد بعض المصادر أن معظم السياح الأجانب هم أصلًا من الدول الحليفة للنظام السوري، مثل روسيا وإيران والصين، إضافة إلى سوريين مغتربين يحملون جنسيات أجنبية، بينما سجّل عدد السياح من دول العراق وإيران والأردن والبحرين حضورًا بهدف السياحة الدينية والطبية.
وفي يوليو/ تموز 2022، أطلقت وكالة السفر الهولندية “كالتشر رود (CultureRoad)”، لمالكها ريك برينكس، رحلات سياحية إلى سوريا للتعرُّف إلى الأجزاء الآمنة من سوريا، مستعينة بمرشدين محليين من ذوي الخبرة.
وأوضح صاحب الوكالة وجود طلب على السفر إلى سوريا من الأشخاص المهتمين بالبلد أو زاروها بالفعل قبل الحرب، حيث كان للبلاد عدد من المعالم الأثرية، تعرّض بعضها للدمار، مشيرًا إلى وجود بعض المناطق الخطرة التي تعرِّض السياح لمخاطر الاختطاف.
وأُغلقت السفارة الهولندية في دمشق منذ مارس/ آذار 2012، حيث تصنّف وزارة الشؤون الخارجية في هولندا لون السفر إلى سوريا باللون الأحمر، مشيرة إلى خطورة السفر، حيث يتحمل السائح مسؤولية نفسه لأنه لا يوجد دبلوماسيون هولنديون لتقديم المساعدة.
بدورها إسبانيا اعتمدت دبلوماسيًّا إسبانيًّا واحدًا فقط في السفارة الإسبانية ببيروت كقائم بالأعمال بالنيابة لدى دمشق، مع زيارات دورية للأراضي السورية خلال عام 2021، بعدما تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا وسوريا نتيجة قمع النظام للاحتجاجات المناهضة عام 2011.
وشاركت سوريا في فعاليات معرض فيتور 2023 السياحية ضمن الدورة 43 في مدينة مدريد الإسبانية مطلع العام الجاري، وحقّقت وزارة السياحة السورية خططها في ترويج السياحة في البلاد، ما فتح المجال أمام الشركات السياحية لعقد الاتفاقيات في تسيير رحلات سياحية إلى سوريا قادمة من إسبانيا.
يقصد السياح السواحل السورية في محافظتَي اللاذقية وطرطوس، والمواقع الأثرية في دمشق وحمص وحلب وحماة، لكن الغالبية العظمى منهم يقصدون سوريا بشكل دوري بهدف زيارة المراقد الشيعية في دمشق ودير الزور وحلب، وهم من الميليشيات الإيرانية والعراقية، وأشار وزير السياحة إلى زيارة أكثر من 257 ألف سائح عراقي لسوريا خلال العام الفائت، بهدف السياحة الدينية.
ورصد “نون بوست” عروض شركات السياحة الدينية إلى سوريا، القادمة من العراق وإيران إلى المزارات والمراقد الشيعية في البلاد، التي تنظّمها الشركات للمسافرين، وتسيّر عشرات الرحلات شهريًّا سواء عبر النقل البرّي ضمن سيارات خاصة “جيمس” أو النقل الجوي.
وتوفّر شركات السياحة الدينية الحماية من قبل الميليشيات الإيرانية والشيعية للسياح، فضلًا عن تنظيم برامج السياحة والإقامة في المراقد والمزارات، بينما تنقل تلك الشركات الآلاف من الميليشيات والعصابات الشيعية الإيرانية والعراقية إلى سوريا، ويحصلون على تسهيلات من النظام السوري، آخرها السماح للزائر الإيراني بهدف الحجّ تسديد أجور الإقامة في الفنادق بالليرة السورية، بحسب بيان للمصرف المركزي.
وأكّد الباحث يحيى السيد عمر أن أرقام السياح مبالغ فيها، لأن الغالبية منهم يقصدون سوريا للسياحة الدينية، كالشيعة من العراق وإيران وباكستان، واللبنانيون الذين يقصدون سوريا للتسوق في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان، والأردنيون الذي يقصدون درعا لوجود علاقات عشائرية بين الجانبَين، وكل هؤلاء محسوبون على السياح، ما يبرر ارتفاع عدد السياح خلال هذا العام.
بالمحصلة، تبرهن المعطيات حقيقة قطاع السياحة في سوريا، فالواقع مغاير لما يحاول النظام تصديره للعالم، عبر صنّاع المحتوى المؤثرين الذين يقدّمون رواية النظام المدجّجة حتى دون أن يشعروا بذلك، بينما تعتبَر الأرقام المتزايدة لأعداد السياح جزءًا من البروباغندا، لا سيما أنها تعتبر كل من يدخل البلاد سائحًا، في حين تشكّل أعداد الإيرانيين والعراقيين الشيعة – بمن فيهم مسلحون وعناصر المليشيات متمركزة في البلاد – الأكثر دخولًا إلى سوريا.