يستعد الفلسطينيون بحذر لسماع أخبار جديدة عما ستطرحه طاولة حوار الأمناء العامين، المستضاف في العاصمة المصرية القاهرة، يوم غد الأحد 30 يوليو/تموز الحالي، الذي يأتي كجهود لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد صفوفه ومواجهة التوتر مع الاحتلال الإسرائيلي.
بتاريخ 10 يوليو/تموز الحالي، وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوة للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لبحث المخاطر في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم جنين بالضفة المحتلة، أسفرت عن سقوط جرحى وشهداء وتدمير لمنازل الفلسطينيين.
وقبيل الاجتماع، دخلت تركيا، بموازاة مصر، كوساطة بين الفرقاء الفلسطينيين، حيث عُقد لقاء ثلاثي في العاصمة التركية أنقرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، لتهيئة الأجواء قبيل اجتماع الأمناء العامين.
وتعقيبًا على اجتماعه المغلق مع الجانب الفلسطيني، أكد الرئيس التركي خلال مؤتمر صحافي له، على مواصلة حكومته دعمها للقضية الفلسطينية، داعيًا كل من حركتي حماس وفتح، للوحدة الوطنية.
فيما صرح عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران خلال بيان له، بأن اللقاء التركي الفلسطيني شهد نقاشًا صريحًا وعميقًا، كخطوات في إطار استكمال مشاورات الحركة مع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية بهدف التحضير الجيد لاجتماع الأمناء العامين.
قائلًا: “اتفق المجتمعون على ضرورة توحيد الجهود الوطنية لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية، خاصة مشاريع حكومة الاحتلال التي تريد ابتلاع الأرض وتوسيع الاستيطان والسيطرة على مقدرات شعبنا، وفي مقدمة ذلك الخطر الأساسي المتعلق بالضفة والقدس المحتلة”.
وأوضح أن حركته تؤكد على ضرورة أن تتناسب مخرجات اجتماع الأمناء العامين مع طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هذا الهدف يتطلب التحضير الجيد لهذا اللقاء مع ضرورة تهيئة الظروف الميدانية لإنجاحه.
في ذات الوقت خرج الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي (إحدى الفصائل الفلسطينية المدعوة لاجتماع الأمناء العامين) زياد النخّالة، في تصريحات تؤكد امتناع حركته عن الحضور، قبل إفراج السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة عن كوادر وأعضاء الحركة.
هذا التباين ربما دفع مراقبين وجهات فلسطينية مختصة لعدم التفاؤل كثيرًا أو رفع سقف الآمال لما ستؤول إليه الأوضاع الفلسطينية إثر المؤتمر.
وكتقدير للموقف أكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الأزهر، أن اجتماع تركيا مع حركتي حماس وفتح قبل لقاء الأمناء العامين يشير إلى دورها الدبلوماسي في دعمها للقضية الفلسطينية، وربما ذلك يعود لسببين أحدهما إرثها التاريخي، أو بسبب قربها الأيدولوجي من حركة حماس، فتركيا تعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية من حكم الواجب على حكومتها.
لقاء الأمناء سيكون دبلوماسيًا لحفظ ماء الوجه أمام الجهات المصرية الراعية للمؤتمر والعالم الدولي، وروتينيًا، لمناقشة بعض القضايا، وقد يخرج بتشكيل حكومة تكنوقراط
وأوضح أن اللقاء لم يخرج بأي تغييرات ملموسة بين الحركتين الفلسطينيتين المنقسمتين، ما يعطي مؤشرات بعدم نجاح لقاء الأمناء أو الخروج بنتائج تلبي رغبات وتطلعات الشعب الفلسطيني.
ووفق المتحدث فإن الرئيس عباس لم يتخل عن شروطه التي تتضمن وجود حكومة وحدة وطنية تقبل بقرارات الشرعية الدولية، وحركة حماس ما زالت على موقفها برفضها هذه الشروط ومُصّرة على انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني.
فيما توقع بأن لقاء الفرقاء لن يخرج إلا ببيان عاطفي للشعب ووعود لن تغير شيئًا في ملف الانقسام الشائك، مشيرًا إلى أن التعامل مع ملف الانقسام يأتي موسميًا، بمعنى أن الرئيس عباس أطلق الدعوة لمؤتمر الأمناء بعد العملية العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد مخيم جنين.
بدورها قالت المحللة السياسية ريهام عودة: “مبادرة تركيا في لقاء بين عباس وهنية بموازاة الجهود المصرية قُبيل اجتماع الأمناء بالعاصمة المصرية، خطوة جيدة، لكن ما زالت هناك عقبات كبيرة أمام المجتمعين، على رأسها رفض حركة الجهاد حضور الاجتماع قبل إفراج السلطة الفلسطينية عن معتقليها السياسيين”.
وأشارت إلى أن لقاء الأمناء سيكون دبلوماسيًا لحفظ ماء الوجه أمام الجهات المصرية الراعية للمؤتمر والعالم الدولي، وروتينيًا لمناقشة بعض القضايا، وقد يخرج بتشكيل حكومة تكنوقراط، كما أوضحت أن حماس أبدت استعدادها للمشاركة بشكل جدي لتفادي الاتهامات بأنها تريد إفشال المصالحة.
الأصل أن تكون إحدي أهم توصيات لقاء الأمناء تشكيل لجنة وطنية من نخب فكرية بالداخل والخارج، غير متأثرة بالأحزاب السياسية
كما أبدى الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الفلسطيني حسام الدجني، تفاؤله الحذر، متوقعًا قلة فرص نجاح لقاء الأمناء، في ظل مخرجات لقاء تركيا، معزيًا ذلك إلى وجود أزمة ثقة بين المجتمعين الفلسطينيين، وتصريحات حركة الجهاد الإسلامي التي اشترطت لحضورها اللقاء الفصائلي بمصر، الإفراج عن معتقليها السياسيين.
وعلّق بقوله: “الرئيس الفلسطيني عباس متمسك بقضية الشرعية الدولية والسلاح الواحد والسلطة الواحدة، وهذا لا يستوي مع توجهات فصائل المقاومة الفلسطينية، ما يعني أن الفجوة بين الأطراف كبيرة”.
وعن المطلوب من الفصائل الفلسطينية لإنجاح اللقاء وتحريك المياه الراكدة في ملف الانقسام الفلسطيني تابع “الأصل أن تكون إحدى أهم توصيات لقاء الأمناء تشكيل لجنة وطنية من نخب فكرية بالداخل والخارج، غير متأثرة بالأحزاب السياسية لتقييم التجربة الفلسطينية وإيجاد حلول واقعية تلبي متطلبات الحالة الفلسطينية دون أي مصالح”.
مشيرًا إلى أن مسألة حضور فصائل العمل الوطني الفلسطيني ضمن اجتماع الأمناء العامين مسألة جيدة، مبينًا “الأهم أن يخرج الجميع برؤية واضحة تتحقق بتقديم الأطراف المتباينة تنازلات، لحسم الجدل، وربما يكون ذلك صعبًا”.
تعاني الحالة الفلسطينية من انقسام سياسي منذ بداية يونيو/حزيران 2007 إثر نجاح حركة حماس التي تدير القطاع الغزي في الانتخابات التشريعية، ما أشعل فتيل القتال مع أجهزة السلطة الفلسطينية برام الله، فتفرقت الصفوف الفلسطينية، ما أثر سلبيًا على جميع نواحي الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجغرافية، وخلق فجوة كبيرة في أوساط الفلسطينيين.
وخلال 16 عامًا من الانقسام بُذلت عدة جهود محلية وإقليمية ودولية لطيّ الملف الشائك، لكنها لم تنجح في توحيد الصفوف الفلسطينية، أبرزها: اتفاق القاهرة 2012 وإعلان الدوحة 2012 ولقاء الرئيس عباس مع الرئيس السابق لحركة حماس خالد مشعل 2013 واتفاق الشاطئ 2014 واتفاق القاهرة 2017 واجتماع بيروت 2020 والمرسوم الرئاسي للانتخابات 2021.