ترجمة حفصة جودة
كتب بيتر بيكر ورونين بيرغمان
يبذل مبعوثو الرئيس الأمريكي بايدن جهدًا كبيرًا لإعادة التوافق في سياسات الشرق الأوسط وذلك بالوساطة لتأسيس علاقات دبلوماسية بين السعودية و”إسرائيل” رغم التنازلات البارزة التي تطالب بها المملكة السعودية.
أرسل بايدن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى السعودية في الأيام الأخيرة، وهي رحلته الثانية إلى هناك في أقل من 3 أشهر، حيث يختبر المسؤولون الأمريكيون الأجواء لاتفاق يجمع بين خصمين تاريخيين ويعيد بشكل أساسي تشكيل المنطقة.
لم يُعلن عن أي انفراجة بعد، لكن حقيقة عودة سوليفان إلى المملكة في وقت قصير بعد زيارته الأخيرة، تكشف لنا أن إدارة بايدن ترى احتمالات جادة لهذا الاتفاق، لكن من بين العقبات التي واجهتهم إصرار السعودية على تقديم أمريكا المساعدة لتطوير برنامج نووي مدني تقوم فيه المملكة بتخصيب اليورانيوم.
لكن ملخص الاجتماع الذي نشره بيان البيت الأبيض بعد ذلك يقدم لمحة صغيرة عن حجم التقدم الذي حققوه في زيارة سوليفان إلى جدة، يقول البيان: “سوليفان ذهب لمناقشة القضايا الثنائية والإقليمية بما في ذلك المبادرات لتقديم رؤية مشتركة عن منطقة شرق أوسط أكثر سلامًا وأمنًا وازدهارًا واستقرارًا وترابطًا مع العالم”.
لكن المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا في جدة تحدثوا سرًا مع زملائهم وقالوا إن الأمور سارت على ما يرام وأعربوا عن تفاؤلهم الحذر بشأن تحقيق تقدم مع استمرار المحادثات الدبلوماسية.
حاولت إدارة بايدن أيضًا إبعاد السعودية عن تعاونها مع روسيا بشأن أسعار الطاقة لزيادة الضغط على موسكو في حربها على أوكرانيا.
قالت وول ستريت جورنال في تقريرها إن قادة السعودية سيعقدون محادثات للسلام يومي 5 و6 أغسطس/آب، ستتضمن ممثلين من أوكرانيا وآخرين من دول أخرى مثل الهند والبرازيل ممن لم ينضموا إلى الجهود الغربية لعزل روسيا بسبب الغزو.
ترغب واشنطن في تجنيد الرياض ضد روسيا ومنعها من التقارب مع الصين، والتقريب بينها وبين “إسرائيل” والتنسيق معها ضد إيران، وإقناعها بإنهاء الحرب في اليمن المجاور
لكن روسيا ليست مشاركة في ذلك لأنها رفضت التفاوض، وأضافت الجريدة أنه كان من المفترض مشاركة سوليفان في ذلك، لكن مجلس الأمن القومي لم يعلق على الأمر.
إن تخطيط السعودية لاستضافة مثل هذه المحادثات يسلط الضوء على تتابع ديناميات معقدة وأحيانًا متضاربة، إذ ترغب واشنطن في تجنيد الرياض ضد روسيا ومنعها من التقارب مع الصين، والتقريب بينها وبين “إسرائيل” والتنسيق معها ضد إيران، وإقناعها بإنهاء الحرب في اليمن المجاور، ومنعها من رفع أسعار البنزين مع الاقتراب من عام الانتخابات.
في محادثة مع الصحفي في نيويورك تايمز توماس فريدمان، تحدث بايدن عن اتفاقية سعودية إسرائيلية محتملة، تضم العديد من المتغيرات التي يمكن لأي منها بسهولة أن تعيق هذه المفاوضات المعقدة، لكن أثرها سيكون طويل المدى إذا تحققت.
طالبت السعودية بمطالب باهظة للتطبيع مع “إسرائيل”، من بينها أن المسؤولين السعوديين يرغبون في تحالف مع الولايات المتحدة يصل إلى مستوى الناتو، حيث يصبح الهجوم على إحداهما هجومًا على الأخرى، وهو أمر كان محرمًا بين صناع السياسية في أمريكا الذين لا يرغبون في الالتزام بالدفاع عن مملكة غير ديمقراطية في حالة وقوع حرب.
كما أن السعودية تريد برنامجًا نوويًا مدنيًا رغم معارضة “إسرائيل” وأمريكا الدائمة، التي تخشى من سباق تسلح نووي في المنطقة.
التقى المسؤولون الإسرائيليون بنظرائهم الأمريكيين مؤخرًا ليحملوا انطباعًا بأن المرحلة الأولى من المفاوضات لم تتضمن أي مطالب بشأن تنازلات إسرائيلية بارزة في صراعهم مع الفلسطينيين، لكن الصفقة ستتطلب لاحقًا تقدمًا بارزًا في القضية.
علم المسؤولون الإسرائيليون أن الملك سلمان – الذي تنازل عن الكثير من السلطة لولي العهد -، تدخل في المفاوضات للإصرار على أن تتضمن أي اتفاقية تحركًا إسرائيليًا واضحًا تجاه الفلسطينيين، وذلك وفقًا لما قاله مسؤول دفاع إسرائيلي.
ووفقًا للانطباع الإسرائيلي، فإن السعوديين لن يقبلوا بوعد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم ضم الضفة الغربية، وهو أمر لم تضع له الحكومة الحاليّة تصورًا حتى الآن، لكنهم بدلًا من ذلك سيطالبون بخطوة بازرة حاليّة.
وجود علاقة رسمية دبلوماسية بين “إسرائيل” والسعودية يعد انتصارًا ضخمًا لنتنياهو مع جهوده المستمرة للتطبيع مع جارته التي كانت معادية لـ”إسرائيل” منذ تأسيسها قبل 75 عامًا
لكن موافقة الحكومة اليمينية الحاليّة على تقديم تنازلات للفلسطينيين أمر مشكوك به، والدفع لهذا الاقتراح داخليًا قد يتسبب في حل الحكومة، ورفض قادة المعارضة الانضمام إلى أي حكومة يقودها نتنياهو، لكن العديد من التساؤلات ظهرت في أثناء الحديث مع الأمريكيين بشأن لين القادة عندما يتعلق الأمر بإقامة علاقات دبلوماسية مع السعوديين.
قال مسؤول إسرائيلي بارز مطلع على المحادثات، إن “إسرائيل” لم تكن جزءًا من المحادثات، لكنها اعتمدت على وعد أمريكا بتقديم كل التحديثات بشفافية وانتظام.
يدفع الجانب الأمريكي السعوديين لضمان نهاية أبدية لحرب اليمن، والتمسك بوقف إطلاق النار الذي انعقد منذ عام، وتقديم مساعدات جديدة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحجيم علاقتهم الوليدة مع الصين التي لعبت دورًا بارزًا العام الماضي في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.
تأتي هذه المفاوضات في وقت من الخلاف بين أمريكا و”إسرائيل” مع محاولة نتنياهو الدفع بتشريع يقيد سلطة القضاء في تحد واضح لبايدن ومئات آلاف المتظاهرين في الشوارع.
وجود علاقة رسمية دبلوماسية بين “إسرائيل” والسعودية يعد انتصارًا ضخمًا لنتنياهو مع جهوده المستمرة للتطبيع مع جارته التي كانت معادية لـ”إسرائيل” منذ تأسيسها قبل 75 عامًا، كانت اتفاقيات إبراهام التي تمت بوساطة إدارة ترامب في 2020 قد فتحت الباب أمام الكثير من التغيرات في المنطقة مع موافقة الإمارات والبحرين والمغرب على إقامة علاقات رسمية مع “إسرائيل”.
قاومت السعودية الانضمام إلى تلك الاتفاقيات في وقتها، ومن يومها أصبحت الجائزة الكبرى، تقارب الجانبان السعودي والإسرائيلي بشكل غير رسمي خلال السنوات الماضية تقاربًا نابعًا من الخوف المشترك من دور إيران في المنطقة، وظهرت تغيرات تدريجية على علاقتهما المتطورة، حيث سمحت السعودية بعبور الطائرات من وإلى “إسرائيل” المجال الجوي للمملكة.
ورغم أن إدارة بايدن لم تكن متفائلة في البداية بشأن فرص التفاوض من أجل تقارب سعودي إسرائيلي، فقد أعرب ولي العهد ابن سلمان في أثناء زيارة سوليفان عن استعداده للاتفاق، حينها قرر بايدن بذل كامل جهده في الأمر، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد زار السعودية في شهر يونيو/حزيران، أتبع ذلك عودة سوليفان.
المصدر: نيويورك تايمز