ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل ثلاثة أشهر، أطلقت المملكة العربية السعودية جهودًا إقليمية متضافرة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وإعادة إشراك بشار الأسد في الشرق الأوسط، وكانت الرياض تأمل أن تذهب إلى أبعد من ذلك. وقد التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 18 نيسان/ أبريل، بالرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق. وبعد شهر واحد فقط، في 19 أيار/ مايو، احتضنت جامعة الدول العربية أحد أكثر مجرمي الحرب شهرة في العالم لأول مرة منذ سنة 2011.
في حين أن قرار ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بإعادة بشار الأسد إلى الحظيرة العربية أدى إلى هذا التحول الإقليمي، فإن جذوره أعمق قليلًا؛ حيث بدأت الإمارات العربية المتحدة في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في سنة 2018، وشجعت بقوة باقي الدول الأخرى لتحذو حذوها منذ ذلك الحين.
في الآونة الأخيرة؛ برز الأردن وملكه عبد الله الثاني – الحليف الوثيق والموثوق للولايات المتحدة منذ فترة طويلة – كمخطِّط رئيسي لخطة التطبيع مع الأسد، وصياغة أوراق بيضاء سرية لنشرها في جميع أنحاء المنطقة وكذلك في موسكو وواشنطن. وكانت رؤية الأردن تتمحور حول فكرة أنه فقط من خلال إعادة التطبيع مع نظام الأسد، يمكن للدبلوماسية تحقيق تنازلات ذات مغزى من الأسد، وبذلك، سيتم تحقيق الاستقرار والتعافي في سوريا مرة أخرى.
بعد مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وبعد حوالي 340 هجومًا بالأسلحة الكيماوية، و82 ألف برميل متفجر، وعشرات من عمليات الحصار على غرار العصور الوسطى، وأكثر من ذلك بكثير، لم يكن قرار المنطقة باحتضان الأسد أمرًا غير مهم. كما أنه لم يكن قرارًا بالإجماع، حيث عارضت قطر ذلك بشدة، إلى جانب الكويت والمغرب. ولكن الشرق الأوسط يعمل بالاتفاق وليس بالإجماع، وقرار محمد بن سلمان بالتمحور قد غير كل شيء.
خارج المنطقة؛ لا يزال احتمال تطبيع العلاقات مع الأسد اقتراحًا مستبعدًا للغاية، فلا تظهر أوروبا أي علامة على تأييد هذا القرار، ولا حتى الولايات المتحدة، على الرغم من أن بعض كبار مسؤولي البيت الأبيض أعطوا الضوء الأخضر بشكل خاص لمحور المنطقة. وبالنسبة للبعض داخل الإدارة؛ يُنظر إلى أزمات الشرق الأوسط مثل الأزمات السورية على أنها غير قابلة للحل بشكل أساسي، وهامشية لمصالح الولايات المتحدة، ولا تستحق الجهود المبذولة.
في الوقت نفسه؛ ووفقًا لاثنين من المسؤولين الإقليميين واثنين من المسؤولين الأوروبيين الذين أجروا مؤخرًا اجتماعات منفصلة في واشنطن، وجميعهم تحدثوا معي بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة محادثات دبلوماسية حساسة، فإن أحد كبار مسؤولي إدارة بايدن قد أشاد بالدور الأمريكي في تحقيق “الشرق الأوسط الأكثر استقرارًا منذ 25 سنة”.
على الرغم من القضايا الواقعية المتعلقة بمثل هذا الادعاء، فمن المرجح أنه يستند في جزء كبير منه إلى الموجة الأخيرة مما يسمى بخفض التصعيد في جميع أنحاء المنطقة، حيث أعادت الحكومات المعادية والمتنافسة الانخراط في خلافاتها. ولا تزال ديمومة هذه التطورات غير واضحة، ولكن بالنسبة للكثيرين في المنطقة، فإن التطبيع مع نظام الأسد هو جزء لا يتجزأ من خفض التصعيد هذا.
وعلى هذا النحو، لم يكن مفاجئًا عندما دعت باربرا ليف، مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية، الدول الإقليمية في آذار/ مارس إلى “الحصول على شيء” مقابل جهودهم. وبالعودة إلى الوراء؛ لا يمكن أن يكون هناك شك في مدى أهمية هذا البيان في إطلاق تطبيع إقليمي منسق وإضعاف موقف واشنطن المزعوم تجاه بشار الأسد بشكل كبير.
لقد مرت ثلاثة أشهر حتى الآن منذ الزيارة السعودية لدمشق التي أدت إلى إعادة الأسد إلى الحظيرة العربية. وفي منتصف آب/ أغسطس؛ تخطط دول المنطقة لعقد قمة متابعة لمناقشة التقدم والخطوات التالية. ووفقًا لمسؤولين من ثلاث دول إقليمية، فإن القمة بأكملها لا تزال غير مؤكدة. لماذا؟ لأن كل مشكلة في سوريا تفاقمت بشكل ملحوظ منذ نيسان/ أبريل، وإذا تم إصدار بطاقة تقرير للدول الإقليمية، فإن سوريا بالكاد تستحق علامة “راسب”.
وصول المعونة
كان الهدف الأساسي الذي قام عليه تطبيع المنطقة مع الأسد هو الرغبة في تحقيق الاستقرار في سوريا. لأكثر من عقد من الزمان؛ دعم المجتمع الدولي جهود المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، لتلبية احتياجات ملايين الأشخاص.
يعيش 4.5 ملايين سوري الأكثر ضعفًا في منطقة صغيرة من شمال غرب سوريا، والتي تعد مركزًا لأشد أزمة إنسانية في العالم. وفي 11 تموز/ يوليو؛ استخدمت روسيا حق النقض ضد تمديد آلية الأمم المتحدة التي مضى عليها 9 سنوات لتقديم المساعدات عبر الحدود إلى الشمال الغربي، مما أدى إلى قطع شريان الحياة الحيوي، ودفع المنطقة إلى حالة عميقة وغير مسبوقة من عدم اليقين.
وبعد أيام من استخدام روسيا لحق النقض، أعلن نظام الأسد عرضًا لفتح وصول المساعدات إلى المنطقة، لكنه أضاف مجموعة من الشروط التي جعلت هذا العرض مستحيل التنفيذ عمليًّا.
وحتى لو تم تنفيذ مخطط النظام بطريقة ما، فإن تدفق المساعدات سيكون جزءًا صغيرًا مما كان ممكنًا بموجب الترتيب السابق. وعلى امتداد سنتين؛ سعى النظام إلى إعطاء الأولوية للمساعدات عبر الخطوط التي يتم تسليمها من دمشق، وفي ذلك الوقت، تم إرسال 152 شاحنة. وفي نفس السنتين، وصلت أكثر من 24 ألف شاحنة عبر الحدود. وفي ظل الوضع الراهن، لا توجد حاليا آلية لتقديم المساعدة دون عوائق إلى شمال غرب سوريا ولا توجد جهود جادة لإنشاء واحدة، وهذا كثير بالنسبة لفكرة أن التطبيع مع الأسد من شأنه أن يؤدي إلى تنازلات.
عقار الكبتاغون
كانت إحدى القضايا التي كانت السعودية والأردن أكثر قلقًا بشأن انبثاقها من سوريا هي تجارة الكبتاغون، وهو عقار أمفيتامين غير قانوني ينتج على نطاق صناعي من قبل شخصيات بارزة في نظام الأسد. وبين سنتي 2016 و2022، تم ضبط أكثر من مليار حبة كبتاغون سورية الصنع في جميع أنحاء العالم، معظمها في الخليج العربي. وسعت دول المنطقة في تعاملها مع نظام الأسد إلى إقناع الأسد بوضع حد للتجارة.
وبالنظر إلى الدور المركزي للنظام فضلاً عن هوامش الربح المذهلة التي ينطوي عليها ذلك – يمكن أن تكلف حبة واحدة عدة سنتات لإنتاجها ولكنها تباع في الخليج مقابل 20 دولارًا – وكان وعد دمشق في أيار/ مايو للحكومات الإقليمية بأنها ستكبح تجارة الكبتاغون في أحسن الأحوال ادعاءً ساخرا. ومع ذلك، استقبل الأردن للتو اثنين من أكثر مسؤولي النظام شهرة والمُدانين دوليا – وزير دفاع الأسد ورئيس المخابرات – في عمَّان لمناقشة مكافحة تهريب المخدرات، ليضطروا بعد يوم واحد فقط إلى إسقاط طائرة مسيّرة تحمل مخدرات من سوريا.
وفي غضون ذلك؛ تُظهر البيانات التي جمعتها من خلال رصد المضبوطات الإقليمية أنه تمت مصادرة ما قيمته مليار دولار من الكبتاغون سوري الصنع في جميع أنحاء المنطقة في الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك في السعودية والإمارات وسلطنة عمان والكويت والعراق وتركيا و الأردن. والأهم من ذلك، اكتشفت السلطات الألمانية للتو منشأة لإنتاج الكبتاغون يديرها سوريون في جنوب ألمانيا إلى جانب ما يقرب من 20 مليون دولار من الحبوب و2.5 طن من السلائف الكيميائية.
اللاجئون
تأمل الدول الإقليمية أيضًا في أن يؤدي إعادة إشراك نظام الأسد إلى فتح طريق لعودة اللاجئين إلى سوريا. ففي نهاية المطاف؛ يَفرِض وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة – 3.6 ملايين في تركيا، و1.5 مليون في لبنان، و700 ألف في الأردن – أعباء جسيمة على نحو متزايد على البلدان المضيفة.
ومع ذلك؛ يعد الأساس المنطقي وراء الآمال الإقليمية غير مفهوم؛ حيث ترتبط جميع الأسباب الأكثر أهمية لرفض اللاجئين السوريين للعودة بحكم النظام. وفي الواقع، أظهر استطلاع جديد للأمم المتحدة بشأن اللاجئين السوريين صدر بعد أيام قليلة من مشاركة الأسد في قمة جامعة الدول العربية في مدينة جدة السعودية، أن واحدًا في المائة فقط يفكرون في العودة إلى سوريا في السنة المقبلة.
من خلال التطبيع النشط مع حكم الأسد؛ أعطت الدول الإقليمية هذه الأقلية التي بلغت واحدا بالمائة فحسب سببًا لإعادة التفكير في العودة إلى ديارهم. علاوة على ذلك، أعرب اللاجئون الآن عن اعتراضهم لما يجري من خلال الرحيل، وخوض رحلات محفوفة بالمخاطر نحو أوروبا بمعدل أسي. وتجدر الإشارة إلى أن معدل الهجرة السورية إلى الشمال الآن ارتفع بنسبة 150 في المائة على الأقل مما كان عليه في سنة 2021. وفي مواجهة هذا الواقع الكئيب، تقوم الدول المضيفة بسن سياسات لإجبار اللاجئين على المغادرة، مع لجوء القوات المسلحة اللبنانية التي تمولها الولايات المتحدة إلى عمليات الطرد القسري، في حين أعلن الأردن إنهاءه في وقت قريب الدعم المالي المقدم للاجئين السوريين.
الانهيار الاقتصادي وتصاعد العنف
في الأشهر الثلاثة الماضية، انهار الاقتصاد السوري بشكل سريع، حيث فقدت الليرة السورية 77 في المائة من قيمتها. وعندما زار وزير الخارجية السعودي دمشق في نيسان /أبريل الماضي، كانت قيمة الدولار الأمريكي تساوي 7500 ليرة للدولار الواحد، أما اليوم، فقد بلغت قيمته 13300 ليرة.
بعد الترحيب بعودة الأسد إلى الحظيرة الإقليمية مع الاستفادة في الوقت من إعفاءات العقوبات الأمريكية والأوروبية في أعقاب زلزال شباط/فبراير؛ ينبغي ألا يكون اقتصاد الأسد بهذا الحال. ولكن تكمن المشكلة في النظام بحد ذاته، الذي ثبت أن الفساد متفش فيه بشكل منهجي، كما أنه غير كفء، ومدفوعٌ بالجشع بدلًا من الصالح العام. ولقد أدت سوء الإدارة المالية وإعطاء الأولوية لتجارة المخدرات غير المشروعة إلى انهيار الاقتصاد السوري، وربما إلى الأبد.
وبينما تتوق المنطقة إلى نشر الاستقرار في سوريا، التي يسيطر عليها نظام قوي لكنه مُصلح ويرحب باللاجئين في الوطن، فإن الأشهر الثلاثة الماضية قدمت صورة مختلفة تمامًا، لا سيما بعد تصعيد أعمال العنف. قُتل ما يصل إلى 150 شخصًا في محافظة درعا الجنوبية منذ نيسان/أبريل، مما يعزز مكانة المنطقة باعتبارها أكثر المناطق غير المستقرة في البلاد منذ سنة 2020.
وفي أواسط تموز/يوليو؛ حاصرت قوات النظام قرى جنوب بلدة طفس واتهمتها بإيواء المعارضين، قبل أن تهدم 18 منزلاً عقابًا لها. ومنذ خضوعها العنيف للنظام قبل خمس سنوات؛ كان من المفترض أن تجسد درعا خطط الأسد للمصالحة مع المناطق التي كان يسيطر عليها خصومه سابقًا. لكن المصالحة في درعا لم تكن كذلك، والمنطقة الآن تعج بالتمرد والإرهاب والجريمة المنظمة والفوضى جراء الاقتتال السياسي الداخلي.
في غضون ذلك؛ صعّد النظام من هجماته على الشمال الغربي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فلم يمض وقت طويل على الترحيب بالأسد على السجادة الحمراء في قمة جامعة الدول العربية في جدة، حتى استأنفت روسيا الضربات الجوية في شمال غرب سوريا لأول مرة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022؛ حيث شنت ما يصل إلى 35 هجوما خلال شهر حزيران/ يونيو وحده. إلى جانب الطائرات الروسية، تصاعدت نيران المدفعية الموالية للنظام أيضًا منذ شهر أيار/مايو إلى حزيران/يونيو، مما أدى إلى زيادة عدد القتلى بنسبة 560 في المائة في الشمال الغربي في حزيران/يونيو، من خمسة قتلى في نيسان/ أبريل إلى ثلاثة في أيار/مايو إلى 33 في حزيران/يونيو. وشمل هذا التصعيد الملحوظ استئناف النظام عمليات القصف الجماعي لأهداف مدنية، بما في ذلك هجوم دمر سوقًا في 25 يونيو / حزيران، وخلّف 13 قتيلاً على الأقل. واستُهْدِفَ عمال الإنقاذ المدنيون من جديد، بما في ذلك الهجوم المزدوج الذي استهدف أفراد الخوذ البيضاء في 11 يوليو/تموز.
الإرهاب
من جانب آخر؛ وجّه التطبيع الإقليمي لنظام الأسد ضربة عميقة ومن المحتمل أن لا رجعة فيها لما يقارب من عقد من الجهود الدولية لمواجهة تنظيم الدولة. لسنوات؛ اعتمدت الولايات المتحدة على الغطاء الذي يوفره الشركاء الإقليميون مثل الأردن والسعودية للحفاظ على الانتشار العسكري الأمريكي الحيوي في شمال شرق سوريا، لكن هؤلاء الشركاء أعلنوا في الوقت الراهن دعمهم لتوسيع حكم الأسد على الصعيد الوطني، عبر طرد القوات الأجنبية.
والأسوأ من ذلك؛ بعد أن كانت منذ فترة طويلة من بين أكثر الجهات المانحة سخاء لعمليات مكافحة تنظيم الدولة، ألغت السعودية التبرعات في المؤتمر الوزاري السنوي الأخير – الذي استضافته السعودية نفسها، كما أدى تطبيع الأسد إلى تقويض نفوذ قوات سوريا الديمقراطية الشريكة للولايات المتحدة لتحديد أو التفاوض على بقائها على المدى الطويل. كما ساهم التطبيع في تعزيز مكانة روسيا وإيران، ويبدو ذلك جليا من خلال التقارير عن خطط الهجمات الإيرانية والانتهاكات الروسية اليومية لترتيبات منع التصادم المعمول بها منذ فترة طويلة من أجل تحدي الطائرات الأمريكية وتهديدها.
ورغم أن قدرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الحفاظ على الجانب المضاد الوحيد لتنظيم الدولة في سوريا قد انزلقت في زاوية ضيقة، فيبدو أيضًا أن الجماعة الإرهابية تستفيد بشكل مباشر من وضع الأسد الجديد. فبينما كان الأسد يتولى مقعده في جامعة الدول العربية في أيار/مايو، كان تنظيم الدولة يشن واحدة أكثر العمليات العدوانية والفتاكة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا منذ سنة 2018 في ذلك الشهر.
في الفترة بين مطلع شهر نيسان/ أبريل ومطلع تموز/ يوليو؛ نفذ التنظيم 61 هجومًا أودى بحياة 159 شخصًا في منطقة وسط سوريا التي تخضع لسيطرة النظام، وهو ما يمثل 50 في المائة من جميع الهجمات و90 في المائة من القتلى المسجلين في سنة 2022. وعاد تنظيم الدولة إلى السيطرة على الأراضي المأهولة بالسكان (وإن كان ذلك بشكل مؤقتً) في مناطق النظام في سوريا، وهزمت هجومًا استمر ستة أسابيع بدءا من آذار/ مارس إلى حتى نيسان/ أبريل من قبل قوات النظام السوري بدعم من القوات الجوية الروسية ووكلاء إيران. وفي أواخر تموز/يوليو؛ وسّع تنظيم الدولة نفوذه إلى دمشق، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة 23 آخرين في هجوم بقنبلة في حي السيدة زينب الشيعي.
فيتو الأسد الدبلوماسي
أخيرًا؛ يبدو أن التطبيع الإقليمي للأسد – الذي قالت جامعة الدول العربية إنه كان من المفترض أن يكون “مشروطًا” بتأمين تنازلات النظام – قد حطم أي أمل في دبلوماسية ذات مغزى تهدف إلى إيجاد حل حقيقي للأزمة السورية. فوفقًا لمسؤولين كبار في الأمم المتحدة تحدثوا إلي بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المحادثات الحساسة، فقد أبلغ الأسد نفسه قادة الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة أنه لا ينوي إعادة التواصل مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة في أي خطوة من أجل- خطوة عملية التفاوض، سواء بتنسيق من قبل الأمم المتحدة أو دول المنطقة. وربما بدت احتمالية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية قاتمة قبل ستة أشهر، لكن يبدو أن إعادة العلاقات الإقليمية مع النظام منذ نيسان/أبريل قد قتلت هذا الاحتمال إلى الأبد.
ينبغي أن يكون موقف النظام تجاه المساعدات عبر الحدود بمثابة مؤشر واضح على مدى شعور الأسد بالسلطة والقوة بشكل لا رجعة فيه منذ ترحيب الدول به في المنطقة، وحتى إقناع الأسد بإصدار عفو صغير عن الأسرى كبادرة لحسن النية يبدو أنه بداية غير موفقة.
تبدو الصورة هنا صارخة ولا تقبل الجدل؛ حيث تم تجاهل التحذيرات من أن إعادة إشراك بالأسد ستأتي بنتائج عكسية، وأصبحت العواقب الآن جلية للجميع: إن خطط الدول الإقليمية لعقد قمة متابعة ستذهب في مهب الرياح؛ حيث إن تنظيم قمة مع الأسد في مثل هذه التطورات المأساوية سيكون بمثابة حماقة. وفي الوقت الحالي؛ تدخل سوريا فترة مظلمة للغاية من عدم اليقين، مع انهيار الاقتصاد، وناهيك عن ارتفاع مستويات العنف، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، ومناخ دبلوماسي مشحون. وتتخذ الأزمة في سوريا العديد من الأبعاد المختلفة، ولكن كالعادة، سيكون السوريون هم من يتحملون الثمن.
المصدر: فورين بوليسي