ترجمة وتحرير: نون بوست
كان مركز مانشستر الإسلامي، المعروف أيضًا باسم مسجد ديزبري، من بين مئات المنظمات والأشخاص – معظمهم من المسلمين – في ما لا يقل عن 13 دولة أوروبية الذين استهدفتهم شركة “ألب سيرفيسز” السويسرية ما بين 2017 و2020. ظهرت التفاصيل بعد تسريب آلاف الوثائق في البداية إلى صحيفة ميديابار الفرنسية ثم نشرها على نطاق واسع من قبل الصحفيين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.
وحسب شركة “ألب سيرفيسز” فإن الحصول على هذه الوثائق تمّ بشكل غير قانوني وهي مزيفة جزئيًا، لكنها لم ترد على طلب “ميدل إيست آي” للتعليق حتى وقت النشر.
في تصريح له لموقع “ميدل إيست آي”، قال فوزي حفار، أحد أمناء مسجد ديزبري، إنه لم يتفاجأ عندما علم أن المسجد كان موضوع حملة تشهير. وأضاف أن المسجد وأسماء بعض أمنائه ظهرت بالفعل في لقطات شاشة لوثائق مسرّبة نُشرت في وسائل إعلام عربية يُزعم أنها تظهر شبكات حددتها “ألب سيرفيسز” على أنها مرتبطة بالإخوان المسلمين. علّق حفار على ذلك قائلا: “لقد جعلني أضحك؛ فأنا بالتأكيد لست قريبًا من الإخوان المسلمين، ولم أكن يومًا كذلك”.
أورد حفار “لقد تجاهلته. لقد أصبحت لا أتأثر بمثل هذه الأمور هذه الأيام فالناس يسعون لتشويهنا في كل وقت”. مع ذلك أعرب حفار عن “انزعاجه” من الحملة الإماراتية التي استهدفت المنظمات الإسلامية. وتابع: “أينما وُجدت المشاكل تجد الإماراتيين، سواء كان ذلك في ليبيا أو تونس أو اليمن. ففي أي مكان توجد به مشكلة يضعون أصابعهم فيه ويسببون المزيد من المتاعب”.
قال مصطفى غراف، إمام المسجد السابق، لموقع “ميدل إيست آي”: “لطالما شعرت أن الحملة ضدي في مسجد ديزبري ينظمها شخص لديه أجندة”. وربط غراف، وهو ليبي، الحملة بدعمه للديمقراطية في ليبيا والدعم الإماراتي لخليفة حفتر، القائد الليبي الشرقي الذي يقاتل الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس للسيطرة على البلاد منذ 2014.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الإماراتية والسفارة الإماراتية في لندن لم تستجب لطلبات “ميدل إيست آي” للتعليق.
وجهان لعملة واحدة
خضع مسجد ديزبري للمراقبة الدقيقة في أعقاب تفجير مانشستر أرينا في أيار/ مايو 2017 عندما ورد أن الانتحاري سلمان عبيدي وأفرادًا آخرين من عائلته كانوا يترددون عليه في بعض الأحيان.
وقد خلُص تحقيق رسمي في وقت سابق من هذه السنة إلى أن المسجد لم يلعب أي دور في تطرف عبيدي، وهو مواطن بريطاني من أصول ليبية، وأنه قاتل على الأرجح في ليبيا عندما كان مراهقًا وتأثر بأيديولوجية تنظيم الدولة وصلة عائلته بـ “الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا”. مع ذلك، تعرّض المسجد لانتقادات في التقرير النهائي للتحقيق، الذي خلُص إلى أن حفار في إدلائه بالشهادة قلّل من شأن الروابط بين المسجد وعائلة عبيدي وأن المسجد أظهر “قيادة ضعيفة” في عدم معالجة “بيئة سياسية شديدة السمية” أججها الصراع والاضطرابات في ليبيا.
بعد نشر التقرير، أخبر حفار موقع “ميدل إيست آي” بأنه يعتقد أن المسجد قد عومل بشكل غير عادل. ووفقًا للوثائق التي اطلع عليها “ميدل إيست آي”، تم إطلاق الحملة ضد مسجد ديزبري في سنة 2018، واشتملت على نشر عدد من المقالات على الإنترنت باللغتين الإنجليزية والفرنسية باستخدام هويات مزيفة ربطت زورًا بين الهجوم والمسجد وجماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة.
وورد في أحد المقالات أن “الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة وجهان لعملة واحدة”. ووجاء فيه أيضًا “بما أن تنظيم الدولة يُصوَّر على أنه نادي للمختلين عقليًا ينضم إليه مقاتلون شباب غُسلت أدمغتهم من جميع أنحاء العالم لتنفيذ فظائع لا يمكن تصورها عبر “الخلافة” المنهارة، يعمل الإخوان المسلمون كتربة خصبة وسريّة للتجنيد”.
وكانت إحدى القصص باللغة الفرنسية عن المسجد، التي نُشرت على موقع التدوين الخاص بـ “ميديابار”، من بين 15 قصة أزالتها الصحيفة لاحقًا بعد أن تبيّن أنها من عمل حساب مزيف.
كما تم تحرير صفحة في ويكيبيديا عن تفجير مانشستر في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 لإضافة قسم بعنوان: “الروابط مع الإخوان المسلمين” تم تحديثها بواسطة مستخدم لم يجر أي تعديلات أخرى على ويكيبيديا ولم تعد صفحة المستخدم الخاصة به موجودة.
اختُزل القسم الموجود على صفحة اللغة الإنجليزية في أيار/ مايو من هذه السنة، على الرغم من أن نسخة الصفحة وقت النشر لا تزال تتضمن فقرة واحدة من النص وصورة للمسجد. وقد أضيف نفس القسم إلى صفحة اللغة الفرنسية في ويكيبيديا من قبل مستخدم مختلف وبقي على الصفحة.
في تقرير تقييم الأثر، الذي يعود تاريخه إلى ما بعد نشر المقالات والتحديثات على صفحات ويكيبيديا، كتب المؤلفون: “لقد بدأنا كشف الدور الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين في الهجوم”. وورد في التقرير أن المطبوعات التي نُشرت كجزء من الحملة، بما في ذلك قسم ويكيبيديا، بدأت تظهر على الصفحة الأولى من نتائج بحث غوغل حول التفجير، وأن الأشخاص العاملين في الحملة كانوا أيضًا “على اتصال سري مع الصحفيين البريطانيين” و”حاولوا إبلاغ وتنبيه مفوضية المؤسسات الخيرية بشكل سري للغاية بشأن أحدث الاتصالات التي اكتشفناها”.
ورد في تقرير تم إعداده كجزء من الحملة “يجب محاسبة شبكات الإخوان المسلمين المتطرفة وحظرها”، “الإخوان المسلمون منظمة إرهابية يجب إيقافها”. وتتضمن الوثائق التي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي” أيضًا تفاصيل متاحة للجمهور عن السجلات المالية للمسجد.
محاكمة عبر وسائل الإعلام
يبدو أن الحملة قد بدأت بعد تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية في آب/ أغسطس 2018 زعم أن غراف دعا إلى الجهاد المسلح في خطبة تعود لشهر كانون الأول/ ديسمبر 2016. وقد حذّر مسؤولو المسجد غراف وقت الخطبة من أن لغته يمكن أن يساء تفسيرها.
قال غراف إن خطبته كانت تهدف إلى التماس التبرّعات لجمعيّة خيرية سورية تقوم بجمع التبرعات في المسجد في وقت كان المتمردون السوريون في حلب تحت الحصار. وبعد تقرير البي بي سي الإخباري، تم التحقيق معه من قبل كل من المسجد والشرطة وتم تبرئته من أي مخالفة. وقد غادر غراف المسجد في سنة 2020 وهو الآن مقيم في ليبيا. وفي بيان موجّه إلى تحقيق مانشستر أرينا في سنة 2021، قال غراف إنه “حوكم من قبل وسائل الإعلام” بسبب الخطبة التي “حُرفت لتناسب أجندة الآخرين”.
سعت المواد التي تم إنتاجها كجزء من الحملة إلى ربط غراف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهي منظمة مقرها قطر كان يرأسها حينها الباحث المصري يوسف القرضاوي صنفتها الإمارات على أنها جماعة إرهابية وتتهمها بوجود صلات لها بجماعة الإخوان المسلمين. وهي تقدم كدليل على حضور غراف في مؤتمر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين في إسطنبول سنة 2014.
أخبر غراف موقع “ميدل إيست آي” بأنه غير مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، موضحًا: “بصفتي باحثًا، فأنا مدعو إلى المؤتمرات من حين لآخر لتعزيز معرفتي واهتماماتي وللتعلم. وأنا من المؤيدين المعروفين للحكم الديمقراطي الخاضع للمساءلة في ليبيا”. وأضاف “من المعروف أن الإمارات تدعم النظام القديم وحفتر في ليبيا، وبالتالي يحاولون تشويه سمعة أي شخص على الجانب الآخر بنسبه إلى المتطرفين والإرهابيين”.
تشير الوثائق والمواد المنشورة إلى وجود روابط بين العديد من أمناء المسجد والجمعيات الخيرية المحظورة في إسرائيل أو الموجودة في قطر، التي كانت آنذاك تحت الحصار من قبل الإمارات والسعودية والبحرين ومصر.
يبدو أن الحملة تتبع نمط الحالات الأخرى المبلغ عنها حيث كتبت مقالات من قبل صحفيين ومدونين مزيفين وأضيفت معلومات إلى ويكيبيديا في محاولة لتشويه سمعة المستهدفين من خلال اتهامهم بصلات مزعومة مع جماعة الإخوان المسلمين أو قطر.
من الصعب تقييم التأثير لأن مسجد ديزبري كان يواجه على أي حال أسئلة صعبة حول ما يعرفه عن عائلة عبيدي وأعضاء آخرين من المجتمع الليبي في مانشستر مرتبطون بالتشدد.
وقد تم استجواب حفار حول الروابط المبلغ عنها بين المسجد والإخوان المسلمين عندما قدم أدلة إلى تحقيق مانشستر أرينا في سنة 2021.
خلال التحقيق، قال حفار: “لا نسمح للجماعات بالقدوم والسيطرة على مسجدنا”. وذكر أنه قرأ تقارير عن صلة المسجد المزعومة بالإخوان المسلمين “في الصحف” فقط. وأضاف: “أعرف أن الناس يقولون ذلك عنا؛ فهم يقولون أشياء كثيرة عنا، لكن يمكنني أن أؤكد لكم، يمكنني أن أؤكد للجميع، أن مركز مانشستر الإسلامي هو مسجد رئيسي وسطي”.
كانت الإشارة الوحيدة إلى جماعة الإخوان المسلمين في التقرير النهائي للتحقيق في قسم يشرح السياق السياسي الليبي الذي توصف فيه بأنها “فصيل إسلامي أكثر اعتدالاً” يتناقض مع الجماعات المتشددة التي خلص إلى أنها من المحتمل أنها وفرت لسلمان عبيدي تدريبا وخبرة قتالية.
أخبر حفار موقع “ميدل إيست آي” بأنه يشك في أن يكون لجهود “ألب سيرفيسز” لإبلاغ مفوضية المؤسسات الخيرية بالمسجد أي عواقب. وقال إن المسجد زاره في ذلك الوقت بالفعل المنظم الذي وضع خطة عمل لتحسين إدارته.
وذكر حفار أنه “كانت هناك مسألة أو اثنتان؛ حيث طلبوا منا تحسين الإدارة الداخلية وهذا ما فعلناه”. واستطرد حفار: “إذا كان هناك أي شيء، فإن مفوضية المؤسسات الخيرية ستأتي إلينا على الفور، لكنهم في نفس الوقت حكيمون. فهم يعرفون متى يحاول شخص ما تشويه سمعتنا”.
سأل موقع “ميدل إيست آي” مؤسسة ويكيميديا، المنظمة غير الحكومية التي تقف وراء ويكيبيديا، عما إذا كانت على علم بالتعديلات التي تم إجراؤها على الموسوعة عبر الإنترنت كجزء من حملات التشهير المزعومة من قبل حكومة الإمارات، وما هي الخطوات التي تتخذها لمنع المزيد من إساءة استخدام الموقع.
وقال المتحدث الرسمي للمؤسسة بأنه “يمكن لمتطوعي ويكيبيديا الإبلاغ عن الانتهاكات بما في ذلك “التخريب المتكرر، أو “دمية الجورب” – وهي شخصية مزوّرة يقوم بإنشائها أحد للتعليق أو مناقشة أي موضوع – أو التحرير المدفوع غير المعلن عنه، أو حرب التحرير”. وأضاف: “في بعض الحالات، تحقق المؤسسة في قضايا أكبر تتعلق بالمعلومات المضللة أو المحتوى الضار الذي قد يظهر على الموقع”.
المصدر: ميدل إيست آي