ترجمة حفصة جودة
أصبح جامع أنجمان في القطاع 57 بحي جوروجرام مهجورًا، ويقف نحو 10 أفراد شرطة أمامه، كان المسجد يتسع لما يقارب 450 مصليًا، لكنه تحول الآن إلى كومة من الأنقاض والرماد، يعد المسجد أحد أماكن العبادة القليلة للمسلمين في حي جوروجرام ذي الأغلبية الهندوسية بالعاصمة نيودلهي، وقد تعرض لهجوم ليلة 31 يوليو/تموز من حشد من الهندوس اليمينيين المتطرفين.
أشعل المعتدون النيران في المسجد وقتلوا محمد سعد – 22 عامًا – نائب الإمام الذي كان داخل المسجد في هذا الوقت، وقع الهجوم بعد ساعات من اندلاع أعمال عنف في مقاطعة نوح المجاورة في ولاية هاريانا.
قال محمد فهيم كاظمي – مصمم الديكور الداخلي – الذي يصلي في المسجد بانتظام، إنه شعر بالرعب الشديد، وأضاف كاظمي – 32 عامًا – الذي يعيش في المنطقة منذ 2011: “هذا الهجوم انتقامًا لما حدث في نوح”.
قُتل 4 أشخاص على الأقل بينهم شرطيان، عندما انقلب موكب ديني هندوسي إلى أعمال عنف في نوح، كان الموكب من تنظيم منظمتي “Vishwa Hindu Parishad” و”Bajrang Dal” الهندوسيتين المتطرفتين والمتحالفتين مع حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
وفقًا لتقارير الإعلام وسكان نوح فإن الاشتباكات اندلعت بعد أن أوقف بعض الرجال المسلمين الموكب وألقوا الحجارة عليهم، نشرت السلطات في هاريانا قوات إضافية وفرضت حظر تجوال وأوقفت الإنترنت مؤقتًا بعد هذا الاضطراب.
لكن هذه الإجراءات لم تمنع الغوغاء الهندوس من مهاجمة المتاجر التي يملكها المسلمون ومطاعم الطريق والممتلكات وأماكن العبادة في جوروجرام، وفي بلدات مجاورة أيضًا مثل سونا.
أُشعلت النيران في المتاجر بقطاعي “70A” و”66″ في جوروجرام مساء الثلاثاء، بينما نظم أفراد “Bajrang Dal” مسيرة في مدينة بهادورجاره في هاريانا، وكانوا يهتفون بشعارات كراهية مثل “اطلقوا النار على خونة البلاد”، وهو هتاف استخدمه سياسيو الحزب الحاكم ضد المسلمين في أثناء الاحتجاجات ضد تعديل قانون المواطنة عامي 2019 و2020.
بالحديث عن أعمال العنف يوم الثلاثاء، قالت مفوضة الشرطة في جوروجرام كالا راماشاندران: “لقد حُرقت بعض الأكشاك عمدًا، وقد قبضنا على عدة رجال لكنهم حتى الآن ليسوا على علاقة بمجموعة معينة، ومع ذلك ما زال التحقيق جاريًا”.
تقع مكاتب شركات مثل جوجل وديلويتي على بعد عدة كيلومترات من مواقع العنف في جوروجرام، تلك المنطقة التي أُطلق عليها “مدينة الألفية” لأنها جذب عددًا من الشركات متعددة الجنسيات وتضم مراكز تسوق راقية.
تأتي هذه الفوضى في هاريانا قبل شهر من وصول قادة العالم إلى نيودلهي لاجتماع قمة العشرين، لم يعلق رئيس الوزراء ناريندرا مودي على هذا العنف الذي يأتي بعد يوم فقط من قتل موظف أمن بالسكة الحديد لزميله و3 ركاب مسلمين، تلك الجريمة التي وصفها البعض بجريمة كراهية.
في الأسابيع الأخيرة، انتُقد مودي أيضًا لصمته على أعمال العنف العرقية التي استمرت لأسابيع في شمال شرق ولاية مانيبور، التي قُتل فيها أكثر من 130 شخصًا واضطرت الآلاف للعيش في مخيمات الإغاثة.
قال رئيس وزراء ولاية هاريانا مانوهار لال خطار إنهم اعتقلوا 116 شخصًا على خلفية أعمال العنف، كما يتم الكشف عن المتآمرين المشاركين في أعمال العنف بنوح، لم يعلق خطار – وهو من الحزب الحاكم – على مقتل الإمام، لكنه قال: “لن نسامح المذنبين، فنحن ملتزمون بالحفاظ على سلامة العامة”.
يحدث على مرأى الشرطة
قال شداب أنور شقيق الإمام المقتول إنه لا يثق في السلطات، فهي متهمة بالمشاركة في أحداث العنف الأخيرة بين الهندوس والمسلمين.
في 2020، اتُهمت الشرطة في نيودلهي بتواطؤها مع العنف الذي خلّف 53 قتيلًا أغلبهم من المسلمين، قال أنور إنه تحدث مع شقيقه قبل نصف ساعة من مقتله وأضاف “لقد اتصل بي الساعة 11:30 وقال إن الشرطة في المسجد ولا يوجد ما يدعو للقلق”.
لكن نحو الساعة 2:30 صباحًا علم أنور بمقتل شقيقه، قال أنور وهو يقف أمام المشرحة بانتظار الجثة “لقد وقع الأمر بحضور الشرطة”.
ألقت الشرطة القبض على 4 رجال هندوس من قرية تيجرا القريبة بشأن الهجوم على المسجد، يقول أنور: “لقد حاول المهاجمون قطع رأسه، هناك بعض العلامات على ذلك، كما أُطلق عليه النار وهناك علامات بالسكين على صدره أيضًا”.
قال عمران قريشي – 43 عامًا – الذي يسكن على بعد 100 متر من المسجد إنه سمع 6 طلقات نارية نحو الساعة 12:10، وأضاف “كان هناك حشد من 70 رجلًا خارج المسجد يصيحون بهتافات، حتى إنني شعرت بالرعب، وخططت للانضمام إلى منطقة ذات أغلبية مسلمة حرصًا على سلامتي”.
بينما قالت مفوضة الشرطة في جوروجرام: “هذا الهجوم نفذته عصابة مسلحة، وقد عززنا الأمن حول المسجد، والتقينا أفرادًا من كل المجتمعين وطلبنا منهم ضبط النفس والتعاون”.
في السنوات الأخيرة، احتجت المنظمات الهندوسية اليمينية المتطرفة على طلب المسلمين صلاة الجمعة في الساحات العامة في جوروجرام، فألغت السلطات تصريحات معظم مواقع الصلاة، وكان جامع أنجمان من الأماكن القليلة الباقية المفتوحة للصلاة في المدينة.
قبل شهر من مقتله، كتب سعد على وسائل التواصل الاجتماعي “يا الله اجعل الهند مكانًا يأكل فيه الهندوس والمسلمون من طبق واحد”.
كيف اندلع العنف في سونا؟
في بلدة سونا التي تقع على بعد 30 كيلومترًا جنوب جامع أنجمان، أُحرقت مجموعة من المتجار المملوكة للمسلمين في الطريق الرئيسي للبلدة، وقد كُسرت شبابيك المنازل القريبة واشتعلت السيارات وامتلأت الشوارع بالأحجار والطوب.
يقول أزاد خان – 47 عامًا – أحد السكان الذين تعرضت منازلهم للرشق بالحجارة: “كانت العصابة تقرأ الأسماء الموجودة على اللافتات خارج المتاجر وتحرق المملوكة للمسلمين فقط”، كما قال السكان إن العصابة الهندوسية اليمينية المتطرفة كانت مسلحة بالمسدسات والعصي وقد تجمعوا في المنطقة التي يسكنها نحو 200 إلى 250 أسرةً مسلمةً وذلك في حدود الساعة 3:30 صباحًا.
قال خان إنهم كانوا يهتفون بعبارات معادية للمسلمين كما قالوا: “سنذبح المسلمين باسم الإله راما”، ظهر شعار “Jai Shri Ram” كهتاف حرب للجماعات الهندوسية المتطرفة المتهمة بإعدام عشرات المسلمين دون محاكمة على خلفية الاشتباه بتهريبهم الأبقار منذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014.
تقول إحدى السكان، حميدان بيغوم: “لدي 5 أبناء، كانوا جميعًا يبيعون الفاكهة على العربات الصغيرة في الشارع، لكن العصابات أحرقت عرباتهم وسرقت المانجو التي كانوا قد أحضروها للتو، هذه الخسائر المالية تُقدر بمئات الدولارات”.
في قلب بلدة سونا، تعرض جامع شاهي للهجوم أيضًا، يقول شميم أحد – 48 عامًا – مدير المسجد، لقد جاء حشد من 50 إلى 60 شخصًا بوجوه مغطاة وقضبان حديدية وأسلحة نارية في أيديهم، فنقلت الأطفال إلى غرفة وأغلقت عليهم في الداخل ثم أغلقت النور وأمسكت بمقبض الباب.
خُربت قاعة الصلاة في المسجد وحُطم زجاج النوافذ كما أُلقيت نُسخ من القرآن على الأرض، يقول سهيل أحمد ابن شميم إنه اتصل ببعض أفراد أقلية السيخ المجاورة للقدوم ومساعدتهم.
يقول أمان سينغ – 21 عامًا – أحد أفراد أقلية السيخ: “بمجرد أن سمعنا عن الحادث هرعنا إلى المسجد وكانت العصابة تحرقه في ذلك الوقت، فدخلنا المسجد لإنقاذ الأطفال وأسرة الإمام، ففرت العصابة”.
يرى سينغ أنه لو تحركت الشرطة بشكل أسرع لمنعت تخريب المسجد، الآن تتمركز الشرطة هناك للحماية بعد الحادث، كما قال أحد السكان إنه على بُعد 500 متر من جامع شاهي أحرقت العصابات الهندوسية مسجدين آخرين.
يقول شارجيل عثماني أحد النشطاء المسلمين في نيودلهي: “لم يعد هناك عمل للنشطاء المسلمين في الهند إلا عدّ الجثث وجمع التبرعات لإعادة بناء المنازل المدمرة والمحترقة وجمع تبرعات لتوظيف الشرطة ومناشدة الشرطة لقبول البلاغات”.
مسلمو نوح يعيشون في خوف
على بعد 25 كيلومترًا جنوب سونا، يقول سكان نوح إنهم خائفون من استهدافهم بعد أعمال العنف الأخيرة بين الهندوس والمسلمين التي تسببت في دمار واسع للممتلكات، كما أصبحت شوارع المنطقة مهجورة منذ ذلك الحين ولا يسير بها إلا دوريات الشرطة.
قال سكان قرية مرادباس إن الشرطة اعتقلت نحو 17 مسلمًا على خلفية أحداث العنف، وقال وكيل شيخ – 49 عامًا – إن ابني شقيقه سليم – 32 عامًا – وساجد – 26 عامًا – اعتقلا صباح الأول من أغسطس/آب، ويضيف “لم يسمحوا لنا برؤيتهما، لقد كانا بالمنزل عند وقوع الأحداث وليس لهما أي سوابق إجرامية”.
يحكي سكان قرية مالاب المجاورة قصصًا مشابهة.
يقول المحامي شهيد حسين – 32 عامًا – إن الشرطة تعتقل الشباب المسلم وتتهمهم زورًا بالعنف، ويضيف “اعتُقل شابان من قريتي، والآن يشعر الجميع بالخوف ولا أحد يغادر منزله خوفًا من اعتقالات الشرطة”.
يضيف حسين “كان من المفترض أن يعتقلوا مونو مانيسار، لكنهم اعتقلوا مسلمين أبرياء بدلًا من ذلك”، وذلك إشارة إلى مانيسار زعيم منظمة “Bajrang Dal” المتهم بخطف رجلين مسلمين وإعدامهم وإشعال النيران فيهم في ولاية هاريانا شهر فبراير/شباط الماضي.
من هو مونو مانيسار؟
اندلع العنف في نوح ردًا على شائعات وجود مانيسار في المنطقة، فقد انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قبل الاشتباكات يظهر فيه مانيسار وهو يعلن مشاركته في موكب “Shobha Yatra” في نوح ويدعو الناس للانضمام بأعداد كبيرة، لكن منظمة “VHP” نفت مشاركته في مسيرة 31 يوليو/تموز.
قال فينود بانسال المتحدث الرسمي باسم منظمة “VHP”: “لم يشارك مونو في الموكب ولم يكن سيأتي من الأساس، ولم ينشر أي فيديو عن ذلك، لقد كانت دعاية كاذبة، إنها محاولة من المسلمين للتحريض على العنف”.
أضاف بانسال أنهم أرادوا تنظيم موكب سلمي، وأن الهجوم على المشاركين كان مُخططًا له.
قال ديباك شارما كاهن معبد “نالهارماهاديف” إن نحو 60 سيارة وحافلة توفقوا أمام المعبد على بعد 7 كيلومترات من بلدة نوح، فأحرقتهم عصابة مكونة من ألفي إلى ألفي ونصف مسلم يوم 31 يوليو/تموز.
كانت مقاطع الفيديو التي نُشرت قبل وبعد الهجوم تُظهر هتاف أفراد الجماعات الهندوسية المتطرفة بشعارات كراهية ضد المسلمين.
في أحد المقاطع قالت سوريندرا جاين – أحد أفراد “VHP” -: “موات أرض هنودسية لقد كانت دائمًا هندوسية وستظل هندوسية”، في إشارة إلى بلدة نوح التي يسكن غالبيتها مسلمون.
بعد أعمال العنف قرب المعبد، خرج نيراج فاتس زعيم “Bajrang Dal” في بث مباشر على فيسبوك يطلب فيه من الناس استهداف المسلمين في أجزاء الولاية الأخرى، وأضاف “ربما تستطيعون مهاجمتنا في نوح، لكنكم تعيشون في مناطق أخرى أيضًا”.
وفي يوم الأربعاء نظمت جماعات هندوسية متطرفة عدة مسيرات في أجزاء مختلفة من العاصمة الهندية، كان النائب المحلي لنوح أفتاب أحمد قد وصف أعمال العنف بأنها فشل من جانب السلطات في احتواء الأزمة.
قال أحمد: “إننا نناشد الشعب بالحفاظ على السلام وعدم الالتفات للشائعات، إنه وضع مؤسف ولم نشهد من قبل هذا الفشل من الإدارة والشرطة”.
بالعودة إلى سونا، فقد نصح الجيران بيغوم بأن تغادر البلدة لفترة من الوقت حتى يعود الهدوء، تقول بيغوم: “إلى أين أذهب؟ إنهم يلاحقون المسلمين في كل مكان”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية